حسَّن لهم الشيطان ذلك؛ لئلا يسجدوا لله الذي يُخرج المخبوء المستور في السموات والأرض من المطر والنبات وغير ذلك، ويعلم ما تُسرُّون وما تظهرون. الله الذي لا معبود يستحق العبادة سواه، رب العرش العظيم.
﴿ تفسير الجلالين ﴾
«ألاً يسجدوا لله» أي: أن يسجدوا له فزيدت لا وأدغم فيها نون أن كما في قوله تعالى: (لئلا يعلم أهل الكتاب) والجملة في محل مفعول يهتدون بإسقاط إلى «الذي يخرج الخبء» مصدر بمعنى المخبوء من المطر والنبات «في السماوات والأرض ويعلم ما يخفون» في قلوبهم «وما يعلنون» بألسنتهم.
﴿ تفسير السعدي ﴾
ثم قال: أَلا أي: هلا يَسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي يُخْرِجُ الْخَبْءَ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ أي: يعلم الخفي الخبيء في أقطار السماوات وأنحاء الأرض، من صغار المخلوقات وبذور النباتات وخفايا الصدور، ويخرج خبء الأرض والسماء بإنزال المطر وإنبات النباتات، ويخرج خبء الأرض عند النفخ في الصور وإخراج الأموات من الأرض ليجازيهم بأعمالهم وَيَعْلَمُ مَا تُخْفُونَ وَمَا تُعْلِنُونَ .
﴿ تفسير البغوي ﴾
( ألا يسجدوا ) قرأ أبو جعفر والكسائي : " ألا يسجدوا " بالتخفيف ، وإذا وقفوا يقفون " ألا يا " : ألا يا ثم يبتدئون : " اسجدوا " ، على معنى : ألا يا هؤلاء اسجدوا ، وجعلوه أمرا من عند الله مستأنفا ، وحذفوا هؤلاء اكتفاء بدلالة " يا " عليها ، وذكر بعضهم سماعا من العرب : ألا يا ارحمونا ، يريدون ألا يا قوم ، وقال الأخطل :ألا يا اسلمي يا هند هند بني بكر وإن كان حيانا عدا آخر الدهريريد : ألا يا اسلمي يا هند ، وعلى هذا يكون قوله " ألا " كلاما معترضا من غير القصة ، إما من الهدهد ، وإما من سليمان . قال أبو عبيدة : هذا أمر من الله مستأنف يعني : يا أيها الناس اسجدوا . وقرأ الآخرون : " ألا يسجدوا " بالتشديد ، بمعنى : وزين لهم الشيطان أعمالهم لئلا يسجدوا ( لله الذي يخرج الخبء ) أي : الخفي المخبأ ) ( في السماوات والأرض ) أي : ما خبأت . قال أكثر المفسرين : خبء السماء : المطر ، وخبء الأرض : النبات . وفي قراءة عبد الله : " يخرج الخبء من السماوات والأرض " ، و " من " و " في " يتعاقبان ، تقول العرب : لأستخرجن العلم فيكم ، يريد : منكم . وقيل : معنى " الخبء " الغيب ، يريد : يعلم غيب السماوات والأرض . ( ويعلم ما تخفون وما تعلنون ) قرأ الكسائي ، وحفص ، عن عاصم : بالتاء فيهما ، لأن أول الآية خطاب على قراءة الكسائي بتخفيف ألا وقرأ الآخرون بالياء .
﴿ تفسير الوسيط ﴾
وقوله: أَلَّا يَسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي يُخْرِجُ الْخَبْءَ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ بيان لما ترتب على إغواء الشيطان لهم. وقد قرأ عامة القراء أَلَّا- بتشديد اللام- ويَسْجُدُوا فعل مضارع منصوب بأن المدغمة في لفظه لا، وهو مع ناصبه في تأويل مصدر، في محل نصب على أنه مفعول لأجله.والمعنى: وزين لهم الشيطان أعمالهم من أجل أن يتركوا السجود لله- تعالى- الَّذِي يُخْرِجُ الْخَبْءَ أى: الذي يظهر الشيء المخبوء في السموات والأرض، كائنا ما كان هذا الشيء، لأنه- سبحانه- لا يخفى عليه شيء فيهما.قال الآلوسى: وقوله- تعالى-: أَلَّا يَسْجُدُوا لِلَّهِ أى: لئلا يسجدوا لله واللام للتعليل، وهو متعلق بصدهم أو بزين. والفاء في فَصَدَّهُمْ لا يلزم أن تكون سببية لجواز كونها تفريعية أو تفصيلية، أى: فصدهم عن ذلك لأجل أن لا يسجدوا لله- عز وجل-.أو زين لهم ذلك لأجل أن لا يسجدوا له- تعالى-.ثم قال: وقرأ الكسائي: أَلَّا- بتخفيف اللام- على أنها حرف استفتاح وتنبيه .وقوله- تعالى-: وَيَعْلَمُ ما تُخْفُونَ وَما تُعْلِنُونَ معطوف على ما قبله.والمعنى: زين لهم الشيطان أعمالهم لئلا يسجدوا لله الذي يعلم المخبوء والمستور في السموات والأرض، ويعلم ما تخفون من أسرار، وما تعلنون من أقوال.قال بعض العلماء: «واعلم أن التحقيق أن آية النمل هذه، محل سجدة على كلتا القراءتين، لأن قراءة الكسائي فيها الأمر بالسجود، وقراءة الجمهور فيها ذم تارك السجود وتوبيخه» .
﴿ تفسير ابن كثير ﴾
وقوله : ( ألا يسجدوا لله ) [ معناه : ( وزين لهم الشيطان أعمالهم فصدهم عن السبيل فهم لا يهتدون ألا يسجدوا لله ) ] أي : لا يعرفون سبيل الحق التي هي إخلاص السجود لله وحده دون ما خلق من شيء من الكواكب وغيرها ، كما قال تعالى : ( ومن آياته الليل والنهار والشمس والقمر لا تسجدوا للشمس ولا للقمر واسجدوا لله الذي خلقهن إن كنتم إياه تعبدون ) [ فصلت : 37 ] .وقرأ بعض القراء : " ألا يا اسجدوا لله " جعلها " ألا " الاستفتاحية ، و " يا " للنداء ، وحذف المنادى ، تقديره عنده : " ألا يا قوم ، اسجدوا لله " .وقوله : ( الذي يخرج الخبء في السموات والأرض ) : قال علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس : يعلم كل خبيئة في السماء والأرض . وكذا قال عكرمة ، ومجاهد ، وسعيد بن جبير ، وقتادة ، وغير واحد .وقال سعيد بن المسيب : الخبء : الماء . وكذا قال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم : خبء السموات والأرض : ما جعل فيها من الأرزاق : المطر من السماء ، والنبات من الأرض .وهذا مناسب من كلام الهدهد ، الذي جعل الله فيه من الخاصية ما ذكره ابن عباس وغيره ، من أنه يرى الماء يجري في تخوم الأرض ودواخلها .وقوله : ( ويعلم ما تخفون وما تعلنون ) أي : يعلم ما يخفيه العباد ، وما يعلنونه من الأقوال والأفعال . وهذا كقوله تعالى : ( سواء منكم من أسر القول ومن جهر به ومن هو مستخف بالليل وسارب بالنهار ) [ الرعد : 10 ] .
﴿ تفسير القرطبي ﴾
قوله تعالى : ألا يسجدوا لله قرأ أبو عمرو ونافع وعاصم وحمزة : ألا يسجدوا لله بتشديد " ألا " قال ابن الأنباري : فهم لا يهتدون غير تام لمن شدد " ألا " لأن المعنى : وزين لهم الشيطان ألا يسجدوا . قال النحاس : هي ( أن ) دخلت عليها ( لا ) و ( أن ) في موضع نصب ; قال الأخفش : ب " زين " أي وزين لهم لئلا يسجدوا لله . وقال الكسائي : ب " فصدهم " أي فصدهم ألا يسجدوا . وهو في الوجهين مفعول له . وقال اليزيدي وعلي بن سليمان : ( أن ) بدل من " أعمالهم " في موضع نصب . وقال أبو عمرو : و ( أن ) في موضع خفض على البدل من السبيل وقيل : العامل فيها لا يهتدون أي فهم لا يهتدون أن يسجدوا لله ; أي لا يعلمون أن ذلك واجب عليهم . وعلى هذا القول ( لا ) زائدة ; كقوله : ما منعك ألا تسجد أي ما منعك أن تسجد . وعلى هذه القراءة فليس بموضع سجدة ; لأن ذلك خبر عنهم بترك السجود ، إما بالتزيين أو بالصد أو بمنع الاهتداء . وقرأ الزهري والكسائي وغيرهما : ( ألا يسجدوا لله ) بمعنى ألا يا هؤلاء اسجدوا ; لأن ( يا ) ينادى بها الأسماء دون الأفعال . وأنشد سيبويه :يا لعنة الله والأقوام كلهم والصالحين على سمعان من جارقال سيبويه : ( يا ) لغير اللعنة ، لأنه لو كان للعنة لنصبها ، لأنه كان يصير منادى مضافا ، ولكن تقديره يا هؤلاء لعنة الله والأقوام على سمعان . وحكى بعضهم سماعا عن العرب : ألا يا ارحموا ألا يا اصدقوا . يريدون ألا يا قوم ارحموا اصدقوا ، فعلى هذه القراءة ( اسجدوا ) في موضع جزم بالأمر والوقف على ( ألا يا ) ثم تبتدئ فتقول : ( اسجدوا ) . قال الكسائي : ما كنت أسمع الأشياخ يقرءونها إلا بالتخفيف على نية الأمر . وفي قراءة عبد الله : ( ألا هل تسجدون لله ) بالتاء والنون . وفي قراءة أبي ( ألا تسجدون لله ) فهاتان القراءتان حجة لمن خفف . الزجاج : وقراءة التخفيف تقتضي وجوب السجود دون التشديد . واختار أبو حاتم وأبو عبيدة قراءة التشديد . وقال : التخفيف وجه حسن إلا أن فيه انقطاع الخبر من أمر سبأ ، ثم رجع بعد إلى ذكرهم ، والقراءة بالتشديد خبر يتبع بعضه بعضا لا انقطاع في وسطه . ونحوه قال النحاس . قال : قراءة التخفيف بعيدة ; لأن الكلام يكون معترضا ، وقراءة التشديد يكون الكلام بها متسقا ، وأيضا فإن السواد على غير هذه القراءة ، لأنه قد حذف منه ألفان ، وإنما يختصر مثل هذا بحذف ألف واحدة نحو يا عيسى ابن مريم . ابن الأنباري : وسقطت ألف ( اسجدوا ) كما تسقط مع هؤلاء إذا ظهر ، ولما سقطت ألف ( يا ) واتصلت بها ألف ( اسجدوا ) سقطت ، فعد سقوطها دلالة على الاختصار وإيثارا لما يخف وتقل ألفاظه . وقال الجوهري في آخر كتابه : قال بعضهم : إن ( يا ) في هذا الموضع إنما هو للتنبيه كأنه قال : ألا اسجدوا لله ، فلما أدخل عليه ( يا ) للتنبيه سقطت الألف التي في ( اسجدوا ) لأنها ألف وصل ، وذهبت الألف التي في ( يا ) لاجتماع الساكنين ; لأنها والسين ساكنتان . قال ذو الرمة :ألا يا اسلمي يا دار مي على البلى ولا زال منهلا بجرعائك القطروقال الجرجاني : هو كلام معترض من الهدهد أو سليمان أو من الله . أي ألا ليسجدوا ; كقوله تعالى : قل للذين آمنوا يغفروا للذين لا يرجون أيام الله قيل : إنه أمر أي ليغفروا . وتنتظم على هذا كتابة المصحف ; أي ليس هاهنا نداء . قال ابن عطية : قيل هو من كلام الهدهد إلى قوله ( العظيم ) وهو قول ابن زيد وابن إسحاق ; ويعترض بأنه غير مخاطب فكيف يتكلم في معنى شرع . ويحتمل أن يكون من قول سليمان لما أخبره الهدهد عن القوم . ويحتمل أن يكون من قول الله تعالى فهو اعتراض بين الكلامين وهو الثابت مع التأمل ، وقراءة التشديد في ( ألا ) تعطي أن الكلام للهدهد ، وقراءة التخفيف تمنعه ، والتخفيف يقتضي الأمر بالسجود لله عز وجل للأمر ، على ما بيناه . وقال الزمخشري : فإن قلت أسجدة التلاوة واجبة في القراءتين جميعا أم في إحداهما ؟ قلت هي واجبة فيهما جميعا ; لأن مواضع السجدة إما أمر بها ، أو مدح لمن أتى بها ، أو ذم لمن تركها ، وإحدى القراءتين أمر بالسجود والأخرى ذم للتارك .قلت : وقد أخبر الله عن الكفار بأنهم لا يسجدون كما في ( الانشقاق ) وسجد النبي صلى الله عليه وسلم فيها ، كما ثبت في البخاري وغيره فكذلك ( النمل ) . والله أعلم . الزمخشري : وما ذكره الزجاج من وجوب السجدة مع التخفيف دون التشديد فغير مرجوع إليه . الذي يخرج الخبء خبء السماء قطرها ، وخبء الأرض كنوزها ونباتها . وقال قتادة : الخبء السر . النحاس : وهذا أولى . أي ما غاب في السماوات والأرض ، ويدل عليه ما يخفون وما يعلنون . وقرأ عكرمة ومالك بن دينار : ( الخب ) بفتح الباء من غير همز . قال المهدوي : وهو التخفيف القياسي ; وذكر من يترك الهمز في الوقف . وقال النحاس : وحكى أبو حاتم أن عكرمة قرأ : ( الذي يخرج الخبا ) بألف غير مهموزة ، وزعم أن هذا لا يجوز في العربية ، واعتل بأنه إن خفف الهمزة ألقى حركتها على الباء فقال : ( الخب في السماوات والأرض ) وأنه إن حول الهمزة قال : ( الخبي ) بإسكان الباء وبعدها ياء . قال النحاس : وسمعت علي بن سليمان يقول سمعت محمد بن يزيد يقول : كان أبو حاتم دون أصحابه في النحو ولم يلحق بهم إلا أنه إذا خرج من بلده لم يلق أعلم منه . وحكى سيبويه عن العرب أنها تبدل من الهمزة ألفا إذا كان قبلها ساكن وكانت مفتوحة ، وتبدل منها واوا إذا كان قبلها ساكن وكانت مضمومة ، وتبدل منها ياء إذا كان قبلها ساكن وكانت مكسورة ; فتقول : هذا الوثو وعجبت من الوثي ورأيت الوثا ; وهذا من وثئت يده ; وكذلك هذا الخبو وعجبت من الخبي ، ورأيت الخبا ; وإنما فعل هذا لأن الهمزة خفيفة فأبدل منها هذه الحروف .وحكى سيبويه عن قوم من بني تميم وبني أسد أنهم يقولون : هذا الخبؤ ; يضمون الساكن إذا كانت الهمزة مضمومة ، ويثبتون الهمزة ويكسرون الساكن إذا كانت الهمزة مكسورة ، ويفتحون الساكن إذا كانت الهمزة مفتوحة . وحكى سيبويه أيضا أنهم يكسرون وإن كانت الهمزة مضمومة ، إلا أن هذا عن بني تميم ; فيقولون : الرديء ; وزعم أنهم لم يضموا الدال لأنهم كرهوا ضمة قبلها كسرة ; لأنه ليس في الكلام ( فعل ) . وهذه كلها لغات داخلة على اللغة التي قرأ بها الجماعة ; وفي قراءة عبد الله ( الذي يخرج الخبا من السماوات ) و ( من ) و ( في ) يتعاقبان ; تقول العرب : لأستخرجن العلم فيكم يريد : منكم ; قاله الفراء . ويعلم ما يخفون وما يعلنون قراءة العامة فيهما بياء الغائب ، وهذه القراءة تعطي أن الآية من كلام الهدهد ، وأن الله تعالى خصه من المعرفة بتوحيده ووجوب السجود له ، وإنكار سجودهم للشمس ، وإضافته للشيطان ، وتزيينه لهم ، ما خص به غيره من الطيور وسائر الحيوان ; من المعارف اللطيفة التي لا تكاد العقول الراجحة تهتدي لها . وقرأ الجحدري وعيسى بن عمر وحفص والكسائي : ( تخفون ) و ( تعلنون ) بالتاء على الخطاب ; وهذه القراءة تعطي أن الآية من خطاب الله عز وجل لأمة محمد صلى الله عليه وسلم
﴿ تفسير الطبري ﴾
اختلف القرّاء في قراءة قوله (أَلا يَسْجُدُوا لِلَّهِ ) فقرأ بعض المكيين وبعض المدنيين والكوفيين " ألا " بالتخفيف, بمعنى: ألا يا هؤلاء اسجدوا, فأضمروا " هؤلاء " اكتفاء بدلالة " يا " عليها. وذكر بعضهم سماعا من العرب: ألا يا ارحمنا, ألا يا تصدّق علينا; واستشهد أيضا ببيت الأخطل:ألا يا اسْلَمي يا هِنْدَ هنْدَ بَنِي بَدرٍوَإنْ كان حَيَّانا عِدًا آخِرَ الدَّهْر (1)فعلى هذه القراءة اسجدوا في هذا الموضع جزم, ولا موضع لقوله " ألا " في الإعراب. وقرأ ذلك عامة قرّاء المدينة والكوفة والبصرة (أَلا يَسْجُدُوا ) بتشديد ألا بمعنى: وزيَّن لهم الشيطان أعمالهم لئلا يسجدوا لله " ألا " في موضع نصب لما ذكرت من معناه أنه لئلا(ويسجدوا) في موضع نصب بأن.والصواب من القول في ذلك أنهما قراءتان مستفيضتان في قرأة الأمصار قد قرأ بكلّ واحدة منهما علماء من القراء مع صحة معنييهما.واختلف أهل العربية في وجه دخول " يا " في قراءة من قرأه على وجه الأمر, فقال بعض نحوييِّ البصرة: من قرأ ذلك كذلك, فكأنه جعله أمرا, كأنه قال لهم: اسجدوا, وزاد " يا " بينهما التي تكون للتنبيه, ثم أذهب ألف الوصل التي في اسجدوا, وأذهبت الألف التي في " يا "؛ لأنها ساكنة لقيت السين, فصار ألا يسجدوا. وقال بعض نحويي الكوفة: هذه " يا " التي تدخل للنداء يكتفى بها من الاسم, ويكتفى بالاسم منها, فتقول: يا أقبل, وزيد أقبل, وما سقط من السواكن فعلى هذا.ويعني بقوله: (يُخْرِجُ الْخَبْءَ ) يخرج المخبوء في السموات والأرض من غيث في السماء, ونبات في الأرض ونحو ذلك.وبالذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل, وإن اختلفت عبارتهم عنه.*ذكر من قال ذلك:حدثنا ابن حميد, قال: ثنا ابن المبارك, عن ابن جُرَيج, قراءة عن مجاهد: (يُخْرِجُ الْخَبْءَ فِي السَّمَاوَاتِ ) قال: الغيث.حدثني محمد بن عمرو, قال: ثنا أبو عاصم, قال: ثنا عيسى; وحدثني الحارث, قال: ثنا الحسن, قال: ثنا ورقاء جميعا, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, قوله: (يُخْرِجُ الْخَبْءَ ) قال: الغيث.حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, في قوله: (الَّذِي يُخْرِجُ الْخَبْءَ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ ) قال: خبء السماء والأرض ما جعل الله فيها من الأرزاق, والمطر من السماء, والنبات من الأرض, كانتا رتقا لا تمطر هذه، ولا تنبت هذه, ففتق السماء, وأنزل منها المطر, وأخرج النبات.حدثنا القاسم, قال: ثنا الحسين, قال: ثنا عيسى بن يونس, عن إسماعيل بن أبي خالد, عن حكيم بن جابر, في قوله: (أَلا يَسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي يُخْرِجُ الْخَبْءَ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ ) ويعلم كل خفية في السموات والأرض.حدثني محمد بن عمارة, قال: ثنا عبيد الله بن موسى, قال: أخبرنا أسامة بن زيد, عن معاذ بن عبد الله, قال: رأيت ابن عباس على بغلة يسأل تبعا ابن امرأة كعب: هل سألت كعبا عن البذر تنبت الأرضُ العامَ لم يصب العام الآخر؟ قال: سمعت كعبا يقول: البذر ينزل من السماء ويخرج من الأرض, قال: صدقت.قال أبو جعفر: إنما هو تبيع, ولكن هكذا قال محمد: وقيل: يخرج الخبء في السموات والأرض, لأن العرب تضع " من " مكان " في" و " في" مكان " من " في الاستخراج (وَيَعْلَمُ مَا تُخْفُونَ وَمَا تُعْلِنُونَ ) يقول: ويعلم السرّ من أمور خلقه, هؤلاء الذين زين لهم الشيطان أعمالهم والعلانية منها, وذلك على قراءة من قرأ ألا بالتشديد. وأما على قراءة من قرأ بالتخفيف فإن معناه: ويعلم ما يسره خلقه الذين أمرهم بالسجود بقوله: " ألا يا هؤلاء اسجدوا ". وقد ذكر أن ذلك في قراءة أُبيّ: " ألا تَسْجُدُوا لِلهِ الَّذِي يَعْلَمُ سرَّكُمْ وما تُعْلِنُون ".------------------------الهوامش:(1) البيت: نسبه في (اللسان: عدا) إلى الأخطل التغلبي الشاعر الأموي. قال: وقد جاء في الشعر العدى: بمعنى الأعداء. وقال ابن الأعرابي في قول الأخطل: "ألا يا اسلمي.." البيت: العدى: التباعد. وقوم عدى: إذا كانوا متباعدين لا أرحام بينهم ولا حلف. وقوم عدى: إذا كانوا حربًا. وقد روى البيت بالكسر والضم، مثل سوى وسوى. الأصمعي: يقال: هؤلاء قوم عدى مقصور، يكون للأعداء وللغرباء. ولا يقال: قوم عدى (بضم العين) إلا أن تدخل الهاء، فتقول: عداة، في وزن قضاة. قال أبو زيد: طالت عدواءهم، أي تباعدهم وتفرقهم. وشاهد المؤلف في هذا البيت: أن حرف النداء يا، داخل على منادي محذوف. تقديره: ألا يا هذه اسلمي. وهو نظير قول الله عز وجل: "ألا يا اسجدوا" تقديره: ألا يا هؤلاء اسجدوا. فأضمر هؤلاء، اكتفاء بدلالة "يا" عليها.
﴿ ألا يسجدوا لله الذي يخرج الخبء في السموات والأرض ويعلم ما تخفون وما تعلنون ﴾