ما شرع الله للمشركين ما ابتدعوه في بهيمة الأنعام مِن تَرْك الانتفاع ببعضها وجعلها للأصنام، وهي: البَحيرة التي تُقطع أذنها إذا ولدت عددًا من البطون، والسائبة وهي التي تُترك للأصنام، والوصيلة وهي التي تتصل ولادتها بأنثى بعد أنثى، والحامي وهو الذكر من الإبل إذا وُلد من صلبه عدد من الإبل، ولكن الكفار نسبوا ذلك إلى الله تعالى افتراء عليه، وأكثر الكافرين لا يميزون الحق من الباطل.
﴿ تفسير الجلالين ﴾
«ما جعل» شرع «الله من بحيرة ولا سائبة ولا وصيلة ولا حام» كما كان أهل الجاهلية يفعلونه، روى البخاري عن سعيد بن المسيب قال: البحيرة التي يمنع درها للطواغيت فلا يحلبها أحد من الناس، والسائبة التي كانوا يسيبونها لآلهتم فلا يحمل عليها شيء، والوصيلة الناقة البكر تبكر في أول نتاج الإبل بأنثى ثم تثني بعد بأنثى وكانوا يسيبونها لطواغيتهم إن وصلت إحداهما بأخرى ليس بينهما ذكر، والحام فحل الإبل يضرب الضراب المعدودة فإذا قضى ضرابه ودعوه للطواغيت وأعفوه من أن يحمل عليه شيء وَسَمَّوْه الحامي «ولكنَّ الذين كفروا يفترون على الله الكذب» في ذلك وفي نسبته إليه «وأكثرهم لا يعقلون» أن ذلك افتراء لأنهم قلدوا فيه آباءهم.
﴿ تفسير السعدي ﴾
هذا ذم للمشركين الذين شرعوا في الدين ما لم يأذن به الله، وحرموا ما أحله الله، فجعلوا بآرائهم الفاسدة شيئا من مواشيهم محرما، على حسب اصطلاحاتهم التي عارضت ما أنزل الله فقال: مَا جَعَلَ اللَّهُ مِنْ بَحِيرَةٍ وهي: ناقة يشقون أذنها، ثم يحرمون ركوبها ويرونها محترمة. وَلَا سَائِبَةٍ وهي: ناقة، أو بقرة، أو شاة، إذا بلغت شيئا اصطلحوا عليه، سيبوها فلا تركب ولا يحمل عليها ولا تؤكل، وبعضهم ينذر شيئا من ماله يجعله سائبة. وَلَا حَامٍ أي: جمل يحمى ظهره عن الركوب والحمل، إذا وصل إلى حالة معروفة بينهم. فكل هذه مما جعلها المشركون محرمة بغير دليل ولا برهان. وإنما ذلك افتراء على الله، وصادرة من جهلهم وعدم عقلهم، ولهذا قال: وَلَكِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَأَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ فلا نقل فيها ولا عقل، ومع هذا فقد أعجبوا بآرائهم التي بنيت على الجهالة والظلم.
﴿ تفسير البغوي ﴾
قوله عز وجل :" ما جعل الله من بحيرة "أي: ما أنزل الله ولا أمر به، " ولا سائبة ولا وصيلة ولا حام "، قال ابن عباس في بيان هذه [الأوضاع]: البحيرة هي الناقة كانت إذا ولدت خمسة أبطن بحروا أذنها، أي: شقوها وتركوا الحمل عليها وركوبها، ولم يجزوا وبرها ولم يمنعوها الماء والكلأ، ثم نظروا إلى خامس ولدها فإن كان ذكراً نحروه وأكله الرجال والنساء، وإن كان أنثى بحروا أذنها، أي: شقوها وتركوها وحرم على النساء لبنها ومنافعها، وكانت منافعها خاصة للرجال، فإذا ماتت حلت للرجال والنساء .وقيل: كانت الناقة إذا تابعت اثنتي عشرة سنة إناثاً سيبت فلم يركب ظهرها ولم يجز وبرها ولم يشرب لبنها إلا ضيف، فما نتجت بعد ذلك من أنثى شق أذنها ثم خلي سبيلها مع أمها في الإبل، فلم تركب ولم يجز وبرها ولم يشرب لبنها إلا ضيف، كما فعل بأمها ، فهي البحيرة بنت السائبة . وقال أبو عبيد : السائبة البعير الذي يسيب، وذلك أن الرجل من أهل الجاهلية كان إذا مرض وغاب له قريب نذر فقال إن شفاني الله تعالى أو شفي مريض أو رد غائبي فناقتي هذه سائبة، ثم يسيبها فلا تحبس عن رعي ولا ماء ولا يركبها أحد فكانت بمنزلة البحيرة . وقال علقمه : هو العبد يسيب على أن لا ولاء عليه ولا عقل ولا ميراث.وقال صلى الله عليه وسلم: " إنما الولاء لمن أعتق" .والسائبة فاعلة بمعنى المفعولة، وهي المسيبة، كقوله تعالى " ماء دافق " أي: مدفوق " عيشة راضية " . وأما الوصيلة: فمن الغنم كانت الشاة إذا ولدت سبعة أبطن نظروا فإن كان السابع ذكرأ ذبحوه فأكل منه الرجال والنساء، وإن كانت انثى تركوها في الغنم وإن كان ذكراً وأنثى استحيوا الذكر من أجل الأنثى، وقالوا: وصلت أخاها فلم يذبحوه، وكان لبن الأنثى حراماً على النساء، فإن مات منها شيء أكله الرجال والنساء جميعا . وأما الحام: فهو الفحل إذا ركب ولده، ويقال: إذا نتج من صلبه عشرة أبطن ، قالوا حمي ظهره فلا يركب ولا يحمل عليه ولا يمنع من كلأ ولا ماء، فإذا مات أكله الرجال والنساء .أخبرنا عبد الواحد بن أحمد المليحي أنا أحمد بن عبد الله النعيمي أنا محمد بن يوسف أنا محمد بن إسماعيل أنا إبراهيم بن سعد عن صالح بن كيسانعن ابن شهاب عن سعيد بن المسيب قال: البحيرة التي يمنح درها للطواغيت فلا يحلبها أحد من الناس، والسائبة كانوا يسيبونها لآلهتهم لا يحمل عليها شيء . قال أبو هريرة: [قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " رأيت عمر بن عامر الخزاعي يجر قصبة في النار ، وكان أول من سيب السوائب " .قوله عز وجل : ( ما جعل الله من بحيرة ) أي : ما أنزل الله ولا أمر به ، ( ولا سائبة ولا وصيلة ولا حام ) قال ابن عباس في بيان هذه [ الأوضاع ] البحيرة هي الناقة التي كانت إذا ولدت خمسة أبطن بحروا أذنها ، أي : شقوها وتركوا الحمل عليها وركوبها ، ولم يجزوا وبرها ولم يمنعوها الماء والكلأ ثم نظروا إلى خامس ولدها فإن كان ذكرا نحروه وأكله الرجال والنساء ، وإن كان أنثى بحروا أذنها ، أي : شقوها وتركوها وحرم على النساء لبنها ومنافعها ، وكانت منافعها خاصة للرجال ، فإذا ماتت حلت للرجال والنساء .وقيل : كانت الناقة إذا تابعت اثنتي عشرة سنة إناثا سيبت فلم يركب ظهرها ولم يجز وبرها ولم يشرب لبنها إلا ضيف ، فما نتجت بعد ذلك من أنثى شق أذنها ثم خلي سبيلها مع أمها في الإبل ، فلم تركب ولم يجز وبرها ولم يشرب لبنها إلا ضيف ، كما فعل بأمها ، فهي البحيرة بنت السائبة .وقال أبو عبيد : السائبة البعير الذي يسيب ، وذلك أن الرجل من أهل الجاهلية كان إذا مرض وغاب له قريب نذر فقال إن شفاني الله تعالى أو شفي مريضي أو عاد غائبي ، فناقتي هذه سائبة ، ثم يسيبها فلا تحبس عن رعي ولا ماء ولا يركبها أحد فكانت بمنزلة البحيرة .وقال علقمة : هو العبد يسيب على أن لا ولاء عليه ولا عقل ولا ميراث . وقال صلى الله عليه وسلم : " إنما الولاء لمن أعتق " .والسائبة فاعلة بمعنى المفعولة ، وهي المسيبة ، كقوله تعالى ( ماء دافق ) أي : مدفوق و ) ( عيشة راضية )وأما الوصيلة : فمن الغنم ، كانت الشاة إذا ولدت سبعة أبطن فإذا كان السابع ذكرا ذبحوه ، فأكل منه الرجال والنساء ، وإن كانت أنثى تركوها في الغنم وإن كان ذكرا وأنثى استحيوا الذكر من أجل الأنثى ، وقالوا : وصلت أخاها فلم يذبحوه ، وكان لبن الأنثى حراما على النساء ، فإن مات منها شيء أكله الرجال والنساء جميعا .وأما الحام : فهو الفحل إذا ركب ولد ولده ، ويقال : إذا نتج من صلبه عشرة أبطن ، قالوا : حمي ظهره فلا يركب ولا يحمل عليه ولا يمنع من كلأ ولا ماء ، فإذا مات أكله الرجال والنساء .أخبرنا عبد الواحد بن أحمد المليحي أنا أحمد بن عبد الله النعيمي أنا محمد بن يوسف أنا محمد بن إسماعيل أنا إبراهيم بن سعد عن صالح بن كيسان عن ابن شهاب عن سعيد بن المسيب قال : البحيرة التي يمنح درها للطواغيت فلا يحلبها أحد من الناس ، والسائبة كانوا يسيبونها لآلهتهم لا يحمل عليها شيء .قال أبو هريرة : [ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " رأيت عمرو بن عامر الخزاعي يجر قصبه في النار ، وكان أول من سيب السوائب " .روى محمد بن إسحاق عن محمد بن إبراهيم التيمي عن أبي صالح السمان عن أبي هريرة ] قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأكثم بن جون الخزاعي : " يا أكثم رأيت عمرو بن لحي بن قمعة [ بن خندق ] يجر قصبه في النار فما رأيت رجلا أشبه برجل منك به ولا به منك " وذلك أنه أول من غير دين إسماعيل ونصب الأوثان وبحر البحيرة وسيب السائبة ، ووصل الوصيلة وحمى الحام ، " فلقد رأيته في النار يؤذي أهل النار بريح قصبه " ، فقال أكثم : أيضرني شبهه يا رسول الله؟ فقال : " لا إنك مؤمن وهو كافر " .قوله عز وجل : ( ولكن الذين كفروا يفترون على الله الكذب ) في قولهم الله أمرنا بها ( وأكثرهم لا يعقلون ) .روى محمد بن إسحاق عن محمد بن إبراهيم التيميعن أبي صالح السمان عن أبي هريرة]:قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لاكثم بن جون الخزاعي: "يا أكثم رأيت عمرو بن لحي بن قمعة [بن خندق] يجر قصبه في النار فما رأيت من رجل أشبه برجل منك به ولا به منك وذلك أنه أول من غير دين إسماعيل ونصب الأوثان وبحر البحيرة وسيب السائبة، ووصل الوصيلة وحمى الحام، فلقد رأيته في النار يؤذي أهل النار بريح قصبه ، فقال أكثم: أيضرني شبهه يا رسول الله ؟ فقال : لا إنك مؤمن وهو كافر" . قوله عز وجل: " ولكن الذين كفروا يفترون على الله الكذب "، في قولهم الله أمرنا بها " وأكثرهم لا يعقلون " .
﴿ تفسير الوسيط ﴾
قال الفخر الرازي: اعلم أنه- تعالى- لما منع الناس من البحث عن أمور ما كلفوا بالبحث عنها، كذلك منعهم عن التزام أمور ما كلفوا التزامها. ولما كان الكفار يحرمون على أنفسهم الانتفاع بهذه الحيوانات- وإن كانوا في غاية الاحتياج إلى الانتفاع بها- بين تعالى- أن ذلك باطل فقال: ما جَعَلَ اللَّهُ مِنْ بَحِيرَةٍ وجعل هنا بمعنى شرع ووضع، ومِنْ زائدة لتأكيد النفي والبحيرة بزنة فعلية بمعنى مفعولة من البحر وهو الشق.وكانوا في الجاهلية إذا ولدت الناقة خمسة أبطن آخرها ذكر، شقوا أذنها ومنعوا ركوبها، وتركوها لآلهتهم وامتنعوا عن نحرها وركوبها. وسموها «البحيرة» أى: مشقوقه الأذن.وعن قتادة أنهم كانوا إذا أنجبت خمسة أبطن نظروا في الخامس فإن كان ذكرا ذبحوه وأكلوه، وإن كان أنثى شقوا أذنها وتركوها ترعى دون أن يستعملها أحد في حلب أو ركوب.والسائبة بزنة فاعلة من ساب إذا جرى على وجه الأرض. يقال ساب الماء إذا ترك يجرى.قال أبو عبيدة: كان الرجل في الجاهلية إذا قدم من سفر أو شفى من مرض. سيب ناقته وخلاها وجعلها كالبحيرة وتسمى السائبة.وقال محمد بن إسحاق: السائبة هي الناقة تلد عشرة أبطن إناث، فتهمل ولا تركب ولا يجز وبرها، ولا يشرب لبنها إلا ضيف.وعن ابن عباس: هي التي تسيب للأصنام، فتعطى للسدنة ولا يطعم من لبنها إلا أبناء السبيل ونحوهم.والوصيلة بزنة فعلية بمعنى فاعله. قال الفراء هي الشاة تنتج سبعة أبطن عناقين عناقين- أى اثنين اثنين- وإذا ولدت في آخرها أنثى وذكرا. قيل: وصلت أخاها. فلا يشرب لبن الأم إلا الرجال دون النساء، وتجرى مجرى السائبة في تركها دون أن يجز وبرها.وقال الزجاج: هي الشاة إذا ولدت ذكرا كان لآلهتهم وإذا ولدت أنثى كانت لهم وإذا ولدت ذكرا وأنثى قالوا: وصلت أخاها فلا تذبح ويكون الذكر لآلهتهم.وقيل: هي الناقة تبكر بأنثى ثم تثنى بأنثى، فكانوا يتركونها للطواغيت، ويقولون: قد وصلت أنثى بأنثى ليس بينهما ذكر.والحام اسم فاعل من حمى يحمى أى منع.قال الفراء: هو الفحل إذا لقح ولد ولده قالوا: قد حمى ظهره فلا يركب ولا يحمل عليه، ولا يمنع من ماء أو مرعى.وقال أبو عبيدة: هو الفحل يولد من ظهره عشرة أبطن فيقولون: حمى ظهره فلا يحمل عليه ولا يمنع من ماء أو مرعى.هذه بعض الأقوال التي ذكرها العلماء في تفسير هذه الألفاظ الأربعة، وهناك أقوال أخرى سواها تختلف عنها.ويبدو أن الخلاف في حقيقة هذه الأربعة مرجعه إلى اختلاف القبائل في بلاد العرب واختلاف الأماكن التي يقيمون فيها، والعادات الباطلة التي شبوا عليها وألفوها.هذا، وقد ذكر ابن كثير بعض الروايات التي وردت في تفسيره هذه الألفاظ، كما ذكر أول من أدخل هذه العادات الباطلة في بلاد العرب فقال ما ملخصه: «روى البخاري ومسلم والنسائي عن سعيد بن المسيب قال. البحيرة: هي التي تكون درها للطواغيت. والسائبة:هي التي كانوا يسيبونها لآلهتهم لا يحمل عليها شيء، والوصيلة: الناقة البكر تبكر في أول نتاج الإبل ثم تثنى بعد بأنثى وكانوا يسيبونها لطواغيتهم إن وصلت إحداهما بالأخرى ليس بينهما ذكر. والحام: فحل الإبل يضرب الضرائب المعدود فإذا قضى ضرابه تركوه للطواغيت ولا يحملون عليه شيئا.وروى الإمام أحمد عن عبد الله بن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم قال إن أول من سيب السوائب وعبد الأصنام أبو خزاعة عمرو بن لحى وإنى رأيته يجر أمعاءه في النار.والمعنى: ما شرع الله- تعالى- شيئا مما حرمه أهل الجاهلية على أنفسهم من البحيرة والسائبة والوصيلة والحام وهذه الحيوانات إنما حرم أهل الجاهلية أكلها والانتفاع بها من عند أنفسهم بدون علم أو برهان، وهم في هذا التحريم إنما يفترون على الله الكذب الصريح القاطع بسبب كفرهم وضلالهم وأكثرهم لا يفقهون الحق ولا يستجيبون له انقيادا لأهوائهم ورؤسائهم.والمراد بالذين كفروا في قوله وَلكِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ رؤساؤهم وزعماؤهم الذين يأتون لعوامهم بالأحكام الفاسدة والمزاعم الباطلة، وينسبونها إلى دين الله كذبا وزورا.والمراد بأكثرهم في قوله: وَأَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ عوامهم ودهماؤهم الذين يسيرون خلف كل ناعق بدون تفكير أو تدبر.وقد عبر- سبحانه- بقوله وَأَكْثَرُهُمْ إنصافا للقلة العاقلة التي خالفت هذه الأوهام الباطلة، واستجابت للحق عند ظهوره.
﴿ تفسير ابن كثير ﴾
قال البخاري : حدثنا موسى بن إسماعيل ، حدثنا إبراهيم بن سعد ، عن صالح بن كيسان ، عن ابن شهاب عن سعيد بن المسيب قال : " البحيرة " : التي يمنع درها للطواغيت ، فلا يحلبها أحد من الناس . و " السائبة " : كانوا يسيبونها لآلهتهم ، لا يحمل عليها شيء - قال : وقال أبو هريرة : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " رأيت عمرو بن عامر الخزاعي يجر قصبه في النار ، كان أول من سيب السوائب " - و " الوصيلة " : الناقة البكر ، تبكر في أول نتاج الإبل ، ثم تثني بعد بأنثى ، وكانوا يسيبونها لطواغيتهم ، إن وصلت إحداهما بالأخرى ليس بينهما ذكر . و " الحام " : فحل الإبل يضرب الضراب المعدود ، فإذا قضى ضرابه ودعوه للطواغيت ، وأعفوه عن الحمل ، فلم يحمل عليه شيء ، وسموه الحامي .وكذا رواه مسلم والنسائي ، من حديث إبراهيم بن سعد ، به .ثم قال البخاري : وقال لي أبو اليمان : أخبرنا شعيب ، عن الزهري قال : سمعت سعيدا يخبر بهذا . وقال أبو هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - نحوه . ورواه ابن الهاد ، عن ابن شهاب ، عن سعيد ، عن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - .قال الحاكم : أراد البخاري أن يزيد بن عبد الله بن الهاد رواه عن عبد الوهاب بن بخت ، عن الزهري . كذا حكاه شيخنا أبو الحجاج المزني في " الأطراف " وسكت ولم ينبه عليه . وفيما قاله الحاكم نظر ، فإن الإمام أحمد وأبا جعفر بن جرير روياه من حديث الليث بن سعد ، عن ابن الهاد ، عن الزهري نفسه . والله أعلم .ثم قال البخاري : حدثنا محمد بن أبي يعقوب أبو عبد الله الكرماني ، حدثنا حسان بن إبراهيم ، حدثنا يونس ، عن الزهري ، عن عروة ; أن عائشة قالت : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " رأيت جهنم يحطم بعضها بعضا ، ورأيت عمرا يجر قصبه ، وهو أول من سيب السوائب " . تفرد به البخاري .وقال ابن جرير : حدثنا هناد ، حدثنا يونس بن بكير ، حدثنا محمد بن إسحاق ، حدثني محمد بن إبراهيم بن الحارث ، عن أبي صالح ، عن أبي هريرة قال : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول لأكثم بن الجون : " يا أكثم ، رأيت عمرو بن لحي بن قمعة بن خندف يجر قصبه في النار ، فما رأيت رجلا أشبه برجل منك به ، ولا به منك " . فقال أكثم : تخشى أن يضرني شبهه يا رسول الله؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " لا إنك مؤمن وهو كافر ، إنه أول من غير دين إبراهيم ، وبحر البحيرة ، وسيب السائبة ، وحمى الحامي " . ثم رواه عن هناد ، عن عبدة ، عن محمد بن عمرو ، عن أبي سلمة ، عن أبي هريرة ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ، بنحوه أو مثله .ليس هذان الطريقان في الكتب .وقال الإمام أحمد : حدثنا عمرو بن مجمع ، حدثنا إبراهيم الهجري ، عن أبي الأحوص ، عن عبد الله بن مسعود عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : " إن أول من سيب السوائب ، وعبد الأصنام ، أبو خزاعة عمرو بن عامر ، وإني رأيته يجر أمعاءه في النار " . تفرد به أحمد من هذا الوجه .وقال عبد الرزاق : أنبأنا معمر ، عن زيد بن أسلم قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " إني لأعرف أول من سيب السوائب ، وأول من غير دين إبراهيم - عليه السلام - " . قالوا : من هو يا رسول الله؟ قال : " عمرو بن لحي أخو بني كعب ، لقد رأيته يجر قصبه في النار ، يؤذي ريحه أهل النار . وإني لأعرف أول من بحر البحائر " . قالوا : من هو يا رسول الله؟ قال : " رجل من بني مدلج ، كانت له ناقتان ، فجدع آذانهما ، وحرم ألبانهما ، ثم شرب ألبانهما بعد ذلك ، فلقد رأيته في النار وهما يعضانه بأفواههما ويخبطانه بأخفافهما " .فعمرو هذا هو ابن لحي بن قمعة ، أحد رؤساء خزاعة ، الذين ولوا البيت بعد جرهم . وكان أول من غير دين إبراهيم الخليل ، فأدخل الأصنام إلى الحجاز ، ودعا الرعاع من الناس إلى عبادتها والتقرب بها ، وشرع لهم هذه الشرائع الجاهلية في الأنعام وغيرها ، كما ذكره الله تعالى في سورة الأنعام ، عند قوله تعالى : ( وجعلوا لله مما ذرأ من الحرث والأنعام نصيبا ) [ الأنعام : 136 ] إلى آخر الآيات في ذلك .فأما البحيرة ، فقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس : هي الناقة إذا نتجت خمسة أبطن نظروا إلى الخامس ، فإن كان ذكرا ذبحوه ، فأكله الرجال دون النساء . وإن كان أنثى جدعوا آذانها ، فقالوا : هذه بحيرة .وذكر السدي وغيره قريبا من هذا .وأما السائبة ، فقال مجاهد : هي من الغنم نحو ما فسر من البحيرة ، إلا أنها ما ولدت من ولد كان بينها وبين ستة أولاد كان على هيئتها ، فإذا ولدت السابع ذكرا أو ذكرين ، ذبحوه ، فأكله رجالهم دون نسائهم .وقال محمد بن إسحاق : السائبة : هي الناقة إذا ولدت عشر إناث من الولد ليس بينهن ذكر ، سيبت فلم تركب ، ولم يجز وبرها ، ولم يحلب لبنها إلا الضيف .وقال أبو روق : السائبة : كان الرجل إذا خرج فقضيت حاجته ، سيب من ماله ناقة أو غيرها ، فجعلها للطواغيت . فما ولدت من شيء كان لها .وقال السدي : كان الرجل منهم إذا قضيت حاجته أو عوفي من مرض أو كثر ماله سيب شيئا من ماله للأوثان ، فمن عرض له من الناس عوقب بعقوبة في الدنيا .وأما الوصيلة ، فقال علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس : هي الشاة إذا نتجت سبعة أبطن نظروا إلى السابع ، فإن كان ذكرا أو أنثى وهو ميت اشترك فيه الرجال دون النساء ، وإن كان أنثى استحيوها ، وإن كان ذكرا وأنثى في بطن استحيوهما وقالوا : وصلته أخته فحرمته علينا . رواه ابن أبي حاتم .وقال عبد الرزاق : أنبأنا معمر ، عن الزهري ، عن سعيد بن المسيب : ( ولا وصيلة ) قال : فالوصيلة من الإبل ، كانت الناقة تبتكر بأنثى ، ثم تثنى بأنثى ، فسموها الوصيلة ، ويقولون : وصلت أنثيين ليس بينهما ذكر ، فكانوا يجدعونها لطواغيتهم .وكذا روي عن الإمام مالك بن أنس ، رحمه الله .وقال محمد بن إسحاق : الوصيلة من الغنم : إذا ولدت عشر إناث في خمسة أبطن ، توأمين توأمين في كل بطن ، سميت الوصيلة وتركت ، فما ولدت بعد ذلك من ذكر أو أنثى ، جعلت للذكور دون الإناث . وإن كانت ميتة اشتركوا فيها .وأما الحام ، فقال العوفي عن ابن عباس قال : كان الرجل إذا لقح فحله عشرا ، قيل حام ، فاتركوه .وكذا قال أبو روق وقتادة . وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس : وأما الحام فالفحل من الإبل ، إذا ولد لولده قالوا : حمى هذا ظهره ، فلا يحملون عليه شيئا ، ولا يجزون له وبرا ، ولا يمنعونه من حمى رعي ، ومن حوض يشرب منه ، وإن كان الحوض لغير صاحبه .وقال ابن وهب : سمعت مالكا يقول : أما الحام فمن الإبل كان يضرب في الإبل ، فإذا انقضى ضرابه جعلوا عليه ريش الطواويس وسيبوه .وقد قيل غير ذلك في تفسير هذه الآية . وقد ورد في ذلك حديث رواه ابن أبي حاتم ، من طريق أبي إسحاق السبيعي عن أبي الأحوص الجشمي ، عن أبيه مالك بن نضلة قال : أتيت النبي - صلى الله عليه وسلم - في خلقان من الثياب ، فقال لي : " هل لك من مال؟ " قلت نعم . قال : " من أي المال؟ " قال : فقلت : من كل المال ، من الإبل والغنم والخيل والرقيق . قال : " فإذا آتاك الله مالا فلير عليك " . ثم قال : " تنتج إبلك وافية آذانها؟ " قال : قلت : نعم . قال : " وهل تنتج الإبل إلا كذلك؟ " قال : " فلعلك تأخذ الموسى فتقطع آذان طائفة منها وتقول : هذه بحير ، وتشق آذان طائفة منها ، وتقول : هذه حرم؟ " قلت : نعم . قال : " فلا تفعل ، إن كل ما آتاك الله لك حل " ، ثم قال : ( ما جعل الله من بحيرة ولا سائبة ولا وصيلة ولا حام ) أما البحيرة : فهي التي يجدعون آذانها ، فلا تنتفع امرأته ولا بناته ولا أحد من أهل بيته بصوفها ولا أوبارها ولا أشعارها ولا ألبانها ، فإذا ماتت اشتركوا فيها . وأما السائبة : فهي التي يسيبون لآلهتهم ، ويذهبون إلى آلهتهم فيسيبونها ، وأما الوصيلة : فالشاة تلد ستة أبطن ، فإذا ولدت السابع جدعت وقطع قرنها ، فيقولون : قد وصلت ، فلا يذبحونها ولا تضرب ولا تمنع مهما وردت على حوض . هكذا يذكر تفسير ذلك مدرجا في الحديث . وقد روي من وجه آخر عن أبي إسحاق ، عن أبي الأحوص عوف بن مالك ، من قوله ، وهو أشبه .وقد روى هذا الحديث الإمام أحمد ، عن سفيان بن عيينة ، عن أبي الزعراء عمرو بن عمرو ، عن عمه أبي الأحوص عوف بن مالك بن نضلة ، عن أبيه ، به . وليس فيه تفسير هذه والله أعلم .وقوله : ( أي : ما شرع الله هذه الأشياء ولا هي عنده قربة ، ولكن المشركين افتروا ذلك وجعلوه شرعا لهم وقربة يتقربون بها إليه . وليس ذلك بحاصل لهم ، بل هو وبال عليهم .
﴿ تفسير القرطبي ﴾
قوله تعالى : ما جعل الله من بحيرة ولا سائبة ولا وصيلة ولا حام ولكن الذين كفروا يفترون على الله الكذب وأكثرهم لا يعقلونفيه سبع مسائل :الأولى : قوله تعالى : ما جعل الله جعل هنا بمعنى سمى ، كما قال تعالى : إنا جعلناه قرآنا عربيا : أي : سميناه ، والمعنى في هذه الآية ما سمى الله ، ولا سن ذلك حكما ، ولا تعبد به شرعا ، بيد أنه قضى به علما ، وأوجده بقدرته وإرادته خلقا ; فإن الله خالق كل شيء من خير وشر ، ونفع وضر ، وطاعة ومعصية .الثانية : قوله تعالى : من بحيرة ولا سائبة من زائدة ، والبحيرة فعيلة بمعنى مفعولة ، وهي على وزن النطيحة والذبيحة ، وفي الصحيح عن سعيد بن المسيب : البحيرة هي التي يمنع درها للطواغيت ، فلا يحتلبها أحد من الناس ، وأما السائبة فهي التي كانوا يسيبونها لآلهتهم ، وقيل : البحيرة لغة هي الناقة المشقوقة الأذن ; يقال : بحرت أذن الناقة أي : شققتها شقا واسعا ، والناقة بحيرة ومبحورة ، وكان البحر علامة التخلية . قال ابن سيده : يقال البحيرة هي التي خليت بلا راع ، ويقال للناقة الغزيرة بحيرة . قال ابن إسحاق : البحيرة هي ابنة السائبة ، والسائبة هي الناقة إذا تابعت بين عشر إناث ليس بينهن ذكر ، لم يركب ظهرها ولم وبرها ، ولم يشرب لبنها إلا ضيف ، فما نتجت بعد ذلك من أنثى شقت أذنها ، وخلي سبيلها مع أمها ، فلم يركب ظهرها ولم يجز وبرها ، ولم يشرب لبنها إلا ضيف كما فعل بأمها ; فهي البحيرة ابنة السائبة ، وقال الشافعي : إذا نتجت الناقة خمسة أبطن إناثا بحرت أذنها فحرمت ; قال :محرمة لا يطعم الناس لحمها ولا نحن في شيء كذاك البحائروقال ابن عزيز : البحيرة الناقة إذا نتجت خمسة أبطن فإذا كان الخامس ذكرا نحروه فأكله الرجال والنساء ، وإن كان الخامس أنثى بحروا أذنها - أي : شقوه - وكانت حراما على النساء لحمها ولبنها - وقاله عكرمة - فإذا ماتت حلت للنساء . والسائبة البعير يسيب بنذر يكون على الرجل إن سلمه الله من مرض ، أو بلغه منزله أن يفعل ذلك ، فلا تحبس عن رعي ولا ماء ، ولا يركبها أحد ; وقال به أبو عبيد ; قال الشاعر :وسائبة لله تنمن تشكرا إن الله عافى عامرا أو مجاشعاوقد يسيبون غير الناقة ، وكانوا إذا سيبوا العبد لم يكن عليه ولاء ، وقيل : السائبة هي المخلاة لا قيد عليها ، ولا راعي لها ; فاعل بمعنى مفعول ، نحو عيشة راضية أي : مرضية . من سابت الحية وانسابت ; قال الشاعر :عقرتم ناقة كانت لربي وسائبة فقوموا للعقابوأما الوصيلة والحام ; فقال ابن وهب ، قال مالك : كان أهل الجاهلية يعتقون الإبل والغنم يسيبونها ; فأما الحام فمن الإبل ; كان الفحل إذا انقضى ضرابه جعلوا عليه من ريش الطواويس وسيبوه ; وأما الوصيلة فمن الغنم إذا ولدت أنثى بعد أنثى سيبوها ، وقال ابن عزيز : الوصيلة في الغنم ; قال : كانوا إذا ولدت الشاة سبعة أبطن نظروا ; فإن كان السابع ذكرا ذبح وأكل منه الرجال والنساء ، وإن كان أنثى تركت في الغنم ، وإن كان ذكرا وأنثى قالوا وصلت أخاها فلم تذبح لمكانها ، وكان لحمها حراما على النساء ، ولبن الأنثى حراما على النساء إلا أن يموت منهما شيء فيأكله الرجال والنساء . والحامي الفحل إذا ركب ولد ولده . قال :حماها أبو قابوس في عز ملكه كما قد حمى أولاد أولاده الفحلويقال : إذا نتج من صلبه عشرة أبطن قالوا : قد حمى ظهره فلا يركب ولا يمنع من كلاء ولا ماء ، وقال ابن إسحاق : الوصيلة الشاة إذا أتأمت عشر إناث متتابعات في خمسة أبطن ليس بينهن ذكر ، قالوا : وصلت ; فكان ما ولدت بعد ذلك للذكور منهم دون الإناث ، إلا أن يموت شيء منها فيشترك في أكله ذكورهم وإناثهم .الثالثة : روى مسلم عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : رأيت عمرو بن عامر الخزاعي يجر قصبه في النار وكان أول من سيب السوائب وفي رواية عمرو بن لحي بن قمعة بن خندف أخا بني كعب هؤلاء يجر قصبه في النار ، وروى أبو هريرة قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لأكثم بن الجون : رأيت عمرو بن لحي بن قمعة بن خندف يجر قصبه في النار فما رأيت رجلا أشبه برجل منك به ولا به منك فقال أكثم : أخشى أن يضرني شبهه يا رسول الله ; قال : لا إنك مؤمن وهو كافر إنه أول من غير دين إسماعيل وبحر البحيرة وسيب السائبة وحمى الحامي وفي رواية : رأيته رجلا قصيرا أشعر له وفرة يجر قصبه في النار . وفي رواية ابن القاسم وغيره عن مالك عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : إنه يؤذي أهل النار بريحه . مرسل ذكره ابن العربي ، وقيل : إن أول من ابتدع ذلك جنادة بن عوف ، والله أعلم ، وفي الصحيح كفاية ، وروى ابن إسحاق : أن سبب نصب الأوثان ، وتغيير دين إبراهيم عليه السلام عمرو بن لحي خرج من مكة إلى الشام ، فلما قدم مآب من أرض البلقاء ، وبها يومئذ العماليق أولاد عمليق - ويقال عملاق - بن لاوذ بن سام بن نوح ، رآهم يعبدون الأصنام فقال لهم : ما هذه الأصنام التي أراكم تعبدون ؟ قالوا : هذه أصنام نستمطر بها فنمطر ، ونستنصر بها فننصر ; فقال لهم : أفلا تعطوني منها صنما أسير به إلى أرض العرب فيعبدونه ؟ فأعطوه صنما يقال له : ( هبل ) فقدم به مكة فنصبه ، وأخذ الناس بعبادته وتعظيمه ; فلما بعث الله محمدا صلى الله عليه وسلم أنزل الله عليه ما جعل الله من بحيرة ولا سائبة ولا وصيلة ولا حام ولكن الذين كفروا يعني من قريش وخزاعة ومشركي العرب يفترون على الله الكذب بقولهم : إن الله أمر بتحريمها ، ويزعمون أنهم يفعلون ذلك لرضا ربهم في طاعة الله ، وطاعة الله إنما تعلم من قوله ، ولم يكن عندهم من الله بذلك قول ، فكان ذلك مما يفترونه على الله ، وقالوا : ما في بطون هذه الأنعام خالصة لذكورنا يعني من الولد والألبان ومحرم على أزواجنا وإن يكن ميتة يعني إن وضعته ميتا اشترك فيه الرجال والنساء ; فذلك قوله عز وجل : فهم فيه شركاء سيجزيهم وصفهم أي : بكذبهم العذاب في الآخرة إنه حكيم عليم أي : بالتحريم والتحليل . وأنزل عليه : قل أرأيتم ما أنزل الله لكم من رزق فجعلتم منه حراما وحلالا قل آلله أذن لكم أم على الله تفترون وأنزل عليه : ثمانية أزواج وأنزل عليه : وأنعام لا يذكرون اسم الله عليها افتراء عليه الآية .الرابعة : تعلق أبو حنيفة رضي الله عنه في منعه الأحباس ورده الأوقاف ; بأن الله تعالى عاب على العرب ما كانت تفعله من تسييب البهائم وحمايتها وحبس أنفاسها عنها ، وقاس على البحيرة والسائبة والفرق بين ، ولو عمد رجل إلى ضيعة له فقال : هذه تكون حبسا ، لا يجتنى ثمرها ، ولا تزرع أرضها ، ولا ينتفع منها بنفع ، لجاز أن يشبه هذا بالبحيرة والسائبة ، وقد قال علقمة لمن سأله عن هذه الأشياء : ما تريد إلى شيء كان من عمل أهل الجاهلية وقد ذهب ، وقال نحوه ابن زيد ، وجمهور العلماء على القول بجواز الأحباس والأوقاف ما عدا أبا حنيفة وأبا يوسف وزفر ; وهو قول شريح إلا أن أبا يوسف رجع عن قول أبي حنيفة في ذلك لما حدثه ابن علية عن ابن عون عن نافع عن ابن عمر أنه استأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم في أن يتصدق بسهمه بخيبر فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : احبس الأصل وسبل الثمرة ، وبه يحتج كل من أجاز الأحباس ; وهو حديث صحيح قاله أبو عمر . وأيضا فإن المسألة إجماع من الصحابة وذلك أن أبا بكر وعمر وعثمان وعليا وعائشة وفاطمة وعمرو بن العاص وابن الزبير وجابرا كلهم وقفوا الأوقاف ، وأوقافهم بمكة والمدينة معروفة مشهورة ، وروي أن أبا يوسف قال لمالك بحضرة الرشيد : إن الحبس لا يجوز ; فقال له مالك : هذه الأحباس أحباس رسول الله صلى الله عليه وسلم بخيبر وفدك وأحباس أصحابه ، وأما ما احتج به أبو حنيفة من الآية فلا حجة فيه ; لأن الله سبحانه إنما عاب عليهم أن تصرفوا بعقولهم بغير شرع توجه إليهم ، أو تكليف فرض عليهم في قطع طريق الانتفاع وإذهاب نعمة الله تعالى ، وإزالة المصلحة التي للعباد في تلك الإبل ، وبهذا فارقت هذه الأمور الأحباس والأوقاف ، ومما احتج به أبو حنيفة وزفر ما رواه عطاء عن ابن المسيب قال : سألت شريحا عن رجل جعل داره حبسا على الآخر من ولده فقال : لا حبس عن فرائض الله ; قالوا : فهذا شريح قاضي عمر وعثمان وعلي الخلفاء الراشدين حكم بذلك . واحتج أيضا بما رواه ابن لهيعة عن أخيه عيسى ، عن عكرمة عن ابن عباس ، قال سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول بعدما أنزلت سورة " النساء " وأنزل الله فيها الفرائض : ينهى عن الحبس . قال الطبري : الصدقة التي يمضيها المتصدق في حياته على ما أذن الله به على لسان نبيه وعمل به الأئمة الراشدون رضي الله عنهم ليس من الحبس عن فرائض الله ; ولا حجة في قول شريح ولا في قول أحد يخالف السنة ، وعمل الصحابة الذين هم الحجة على جميع الخلق ; وأما حديث ابن عباس فرواه ابن لهيعة ، وهو رجل اختلط عقله في آخر عمره ، وأخوه غير معروف فلا حجة فيه ; قاله ابن القصار .فإن قيل : كيف يجوز أن تخرج الأرض بالوقف عن ملك أربابها لا إلى ملك مالك ؟ قال الطحاوي يقال لهم : وما ينكر من هذا وقد اتفقت أنت وخصمك على الأرض يجعلها صاحبها مسجدا للمسلمين ، ويخلي بينهم وبينها ، وقد خرجت بذلك من ملك إلى غير مالك ، ولكن إلى الله تعالى ; وكذلك السقايات والجسور والقناطر ، فما ألزمت مخالفك في حجتك عليه يلزمك في هذا كله . والله أعلم .الخامسة : اختلف المجيزون للحبس فيما للمحبس من التصرف ; فقال الشافعي : ويحرم على الموقف ملكه كما يحرم عليه ملك رقبة العبد ، إلا أنه جائز له أن يتولى صدقته ، وتكون بيده ليفرقها ويسبلها فيما أخرجها فيه ; لأن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - لم يزل يلي صدقته - فيما بلغنا - حتى قبضه الله عز وجل . قال : وكذلك علي وفاطمة رضي الله عنهما كانا يليان صدقاتهما ; وبه قال أبو يوسف ، وقال مالك : من حبس أرضا أو نخلا أو دارا على المساكين وكانت بيده يقوم بها ويكريها ويقسمها في المساكين حتى مات والحبس في يديه ، أنه ليس بحبس ما لم يجزه غيره وهو ميراث ; والربع عنده والحوائط والأرض لا ينفذ حبسها ، ولا يتم حوزها ، حتى يتولاه غير من حبسه ، بخلاف الخيل والسلاح ، هذا محصل مذهبه عند جماعة أصحابه ; وبه قال ابن أبي ليلى .السادسة : لا يجوز للواقف أن ينتفع بوقفه ; لأنه أخرجه لله وقطعه عن ملكه ، فانتفاعه بشيء منه رجوع في صدقته ; وإنما يجوز له الانتفاع إن شرط ذلك في الوقف ، أو أن يفتقر المحبس ، أو ورثته فيجوز لهم الأكل منه . ذكر ابن حبيب عن مالك قال : من حبس أصلا تجري غلته على المساكين فإن ولده يعطون منه إذا افتقروا - كانوا يوم حبس أغنياء أو فقراء - غير أنهم لا يعطون جميع الغلة مخافة أن يندرس الحبس ، ولكن يبقى منه سهم للمساكين ليبقى عليه اسم الحبس ; ويكتب على الولد كتاب أنهم إنما يعطون منه ما أعطوا على سبيل المسكنة ، وليس على حق لهم دون المساكين .السابعة : عتق السائبة جائز ; وهو أن يقول السيد لعبده أنت حر وينوي العتق ، أو يقول : أعتقتك سائبة ; فالمشهور من مذهب مالك عند جماعة أصحابه أن ولاءه لجماعة المسلمين ، وعتقه نافذ ; هكذا روى عنه ابن القاسم وابن عبد الحكم وأشهب وغيرهم ، وبه قال ابن وهب ; وروى ابن وهب عن مالك قال : لا يعتق أحد سائبة ; لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الولاء وعن هبته ; قال ابن عبد البر : وهذا عند كل من ذهب مذهبه إنما هو محمول على كراهة عتق السائبة لا غير ; فإن وقع نفذ وكان الحكم فيه ما ذكرناه ، وروى ابن وهب أيضا وابن القاسم عن مالك أنه قال : أنا أكره عتق السائبة وأنهى عنه ; فإن وقع نفذ وكان ميراثا لجماعة المسلمين ، وعقله عليهم ، وقال أصبغ : لا بأس بعتق السائبة ابتداء ; ذهب إلى المشهور من مذهب مالك ; وله احتج إسماعيل القاضي ابن إسحاق وإياه تقلد ، ومن حجته في ذلك أن عتق السائبة مستفيض بالمدينة لا ينكره عالم ، وأن عبد الله بن عمر وغيره من السلف أعتقوا سائبة . وروي عن ابن شهاب وربيعة وأبي الزناد وهو قول عمر بن عبد العزيز وأبي العالية وعطاء وعمرو بن دينار وغيرهم .قلت : أبو العالية الرياحي البصري التميمي - رضي الله عنه - ممن أعتق سائبة ; أعتقته مولاة له من بني رياح سائبة لوجه الله تعالى ، وطافت به على حلق المسجد ، واسمه رفيع بن مهران ، وقال ابن نافع : لا سائبة اليوم في الإسلام ، ومن أعتق سائبة كان ولاؤه له ; وبه قال الشافعي وأبو حنيفة وابن الماجشون ، ومال إليه ابن العربي ; واحتجوا بقوله صلى الله عليه وسلم : من أعتق سائبة فولاؤه له وبقوله : إنما الولاء لمن أعتق . فنفى أن يكون الولاء لغير معتق ، واحتجوا بقوله تعالى : ما جعل الله من بحيرة ولا سائبة وبالحديث لا سائبة في الإسلام وبما رواه أبو قيس عن هزيل بن شرحبيل قال : قال رجل لعبد الله : إني أعتقت غلاما لي سائبة فماذا ترى فيه ؟ فقال عبد الله : إن أهل الإسلام لا يسيبون ، إنما كانت تسيب الجاهلية ; أنت وارثه وولي نعمته .
﴿ تفسير الطبري ﴾
القول في تأويل قوله : مَا جَعَلَ اللَّهُ مِنْ بَحِيرَةٍ وَلا سَائِبَةٍ وَلا وَصِيلَةٍ وَلا حَامٍقال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: ما بحر الله بحيرة, ولا سيَّب سائبة, ولا وصل وصيلة, ولا حَمَى حاميًا = ولكنكم الذين فعلتم ذلك، أيها الكفرة, فحرَّمتموه افتراء على ربكم، كالذي:-12819 - حدثني محمد بن عبد الله بن عبد الحكم قال ، حدثني أبي وشعيب بن الليث, عن الليث, عن ابن الهاد = وحدثني يونس قال ، حدثنا عبد الله بن يوسف قال ، حدثني الليث قال ، حدثني ابن الهاد =، عن ابن شهاب, عن سعيد بن المسيب, عن أبي هريرة قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " رأيت عمرو بن عامر الخزاعي يجرُّ قُصْبَه في النار, وكان أول من سيَّب السُّيَّب ". (149)12820 - حدثنا هناد بن السري قال ، حدثنا يونس بن بكير قال ، حدثنا محمد بن إسحاق قال ، حدثني محمد بن إبراهيم بن الحارث, عن أبي صالح, عن أبي هريرة قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لأكثم بن الجون: يا أكثم, رأيتُ عمرو بن لُحيّ بن قَمَعَة بن خِنْدف يجرّ قُصْبه في النار, فما رأيت رجلا أشبه برجل منك به، ولا به منك! فقال أكثم: عسَى أن يضرّني شبهه، يا رسول الله! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لا إنك مؤمن وهو كافر, إنه أوّل من غيَّر دين إسماعيل، وبحر البحيرة, وسيَّب السائبة, وحمى الحامي". (150)12821 - حدثنا هناد قال ، حدثنا يونس قال ، حدثني هشام بن سعد, عن زيد بن أسلم, أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: قد عرفت أوّلَ من بَحَر البحائر، رجلٌ من مُدْلج كانت له ناقتان, فجدَع آذانهما، وحرّم ألبانهما وظهورَهما، وقال: هاتان لله! ثم احتاج إليهما، فشرب ألبانهما، وركب ظهورهما. قال: فلقد رأيته في النار يؤذِي أهل النار ريح قُصْبه. (151)12822 - حدثنا هناد قال، حدثنا عَبْدة, عن محمد بن عمرو, عن أبي سلمة, عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: عُرِضت عليَّ النار، فرأيت فيها عمرو بن فلان بن فلان بن خندف يجرّ قصْبه في النار, وهو أوّل من غيَّر دين إبراهيم، وسيب السائبة, وأشبه من رأيت به أكثم بن الجون! فقال أكثم: يا رسول الله, أيضرني شبهه؟ قال: " لا لأنك مُسلم, وإنه كافر ". (152)12823 - حدثنا الحسن بن يحيى قال ، أخبرنا عبد الرزاق قال : رأيت عمرو بن عامر الخزاعيّ يجرّ قُصْبه في النار, وهو أوّل من سيّب السوائب. (153)12824 - حدثنا الحسن بن يحيى قال ، أخبرنا عبد الرزاق قال ، أخبرنا معمر, عن زيد بن أسلم قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إني لأعرف أوّل من سيب السوائب، وأوّل من غيَّر عهد إبراهيم! قالوا: من هو، يا رسول الله؟ قال: عمرو بن لُحَيّ أخو بني كعب, لقد رأيته يجرّ قُصْبه في النار, يؤذي ريحه أهل النار. وإني لأعرف أوّل من بحر البحائر! قالوا: من هو، يا رسول الله؟ قال: رجل من بني مدلج، كانت له ناقتان, فجدع آذانهما، وحرّم ألبانهما, ثم شرب ألبانهما بعدَ ذلك, فلقد رأيته في النار هو، وهما يعضّانه بأفواههما, ويخبطانه بأخفافهما. (154)و " البحيرة " الفعيلة من قول القائل: " بَحَرْت أُذن هذه الناقة "، إذا شقها," أبحرُها بحرًا ", والناقة " مبحورة ", ثم تصرف " المفعولة " إلى " فعيلة ", فيقال: " هي بحيرة ". وأما " البَحِرُ" من الإبل فهو الذي قد أصابه داءٌ من كثرة شرب الماء, يقال منه: " بَحِر البعيرُ يبحر بَحَرًا "، (155) ومنه قول الشاعر: (156)لأعْلِطَنَّهُ وَسْمًا لا يُفَارَقُهُكَمَا يُحَزُّ بِحَمْيِ المِيسَمِ البَحِرُ (157)وبنحو الذي قلنا في معنى " البحيرة ", جاء الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.12825 - حدثنا عبد الحميد بن بيان قال ، أخبرنا محمد بن يزيد, عن إسماعيل بن أبي خالد, عن أبي إسحاق، عن أبي الأحوص, عن أبيه قال : دخلت على النبي صلى الله عليه وسلم, فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: (158) أرأيت إبلك ألست تنتجها مسلَّمةً آذانُها, فتأخذ الموسى فتجْدَعها، تقول: " هذه بحيرة ", وتشق آذانها، تقولون: " هذه صَرْم "؟ قال: نعم! قال : فإن ساعدَ الله أشدّ, وموسَى الله أحدَ! كلّ مالك لك حلالٌ، لا يحرَّم عليك منه شيء. (159)12826- حدثنا محمد بن المثنى قال ، حدثنا محمد بن جعفر قال ، حدثنا شعبة, عن أبي إسحاق قال ، سمعت أبا الأحوص, عن أبيه قال أتيتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: هل تُنتَجُ إبل قومك صحاحًا آذانُها، فتعمد إلى الموسَى فتقطع آذانها فتقول: " هذه بُحْرٌ", وتشقها أو تشق جلودها فتقول: " هذه صُرُمٌ", فتحرّمها عليك وعلى أهلك؟ قال: نعم! قال: فإن ما آتاك الله لك حِلّ, وساعد الله أشدّ, وموسى الله أحدّ = وربما قال: ساعدُ الله أشد من ساعدك, وموسى الله أحدّ من موساك. (160)وأما " السائبة ": فإنها المسيَّبة المخلاة. وكانت الجاهلية يفعل ذلك أحدهم ببعض مواشيه, فيحرِّم الانتفاع به على نفسه, كما كان بعض أهل الإسلام يعتق عبدَه سائبةً ، فلا ينتفع به ولا بولائه. (161) وأخرجت " المسيَّبة " بلفظ " السائبة ", كما قيل: " عيشة راضية ", بمعنى: مرضية.* * *وأما " الوصيلة ", فإن الأنثى من نَعَمهم في الجاهلية كانت إذا أتأمت بطنًا بذكر وأنثى, قيل: " قد وصلت الأنثى أخاها ", بدفعها عنه الذبح, فسمَّوها " وَصيلة ".* * *وأما " الحامي"، فإنه الفحل من النعم يُحْمَى ظهره من الركوب والانتفاع، بسبب تتابُعِ أولادٍ تحدُث من فِحْلته.* * *وقد اختلف أهل التأويل في صفات المسميات بهذه الأسماء، وما السبب الذي من أجله كانت تفعل ذلك.* ذكر الرواية بما قيل في ذلك:12827 - حدثنا ابن حميد قال ، حدثنا سلمة بن الفضل, عن ابن إسحاق، (162) عن محمد بن إبراهيم بن الحارث التيميّ: أن أبا صالح السمان حدّثه: أنه سمع أبا هريرة يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لأكثم بن الجون الخزاعيّ: يا أكثم، رأيت عمرو بن لحي بن قمعة بن خندف يجرّ قُصْبه في النار, فما رأيت من رجل أشبه برجل منك به، ولا به منك! (163) فقال أكثم: أيضرّني شبهه يا نبيّ الله؟ قال: لا إنك مؤمن وهو كافر، (164) وإنه كان أوّل من غيَّر دين إسماعيل، ونصب الأوثان, وسيَّب السائبَ فيهم. (165)= وذلك أن الناقة إذا تابعت بين عشرإناث ليس فيها ذكر، (166) سُيِّبت فلم يركب ظهرها، ولم يجزَّ وبرها، ولم يشرَب لبنها إلا ضيف. فما نتجت بعد ذلك من أنثى شُقّ أذنها، ثم خلّى سبيلها مع أمها في الإبل, فلم يركب ظهرها، ولم يجزّ وبرها، ولم يشرب لبنها إلا ضيف كما فعل بأمها، فهي" البحيرة " ابنة " السائبة ".و " الوصيلة "، أن الشاة إذا نَتَجت عشر إناث متتابعات في خمسة أبطن ليس فيهن ذكر، جعلت " وصيلة "، قالوا: " وصلت ", فكان ما وَلدت بعد ذلك للذكور منهم دون إناثهم، (167) إلا أن يموت منها شيء فيشتركون في أكله، ذكورُهم وإناثهم (168) .و " الحامي" أنّ الفحل إذا نُتِج له عشر إناث متتابعات ليس بينهن ذكرٌ، حمي ظهره ولم يركب, ولم يجزّ وبره, ويخلَّى في إبله يضرب فيها, لا ينتفع به بغير ذلك. يقول الله تعالى ذكره: " ما جعل الله من بحيرة ولا سائبة ولا وصيلة ولا حام " إلى قوله: " ولا يهتدون ".12828 - حدثنا ابن بشار قال، حدثنا عبد الرحمن قال ، حدثنا سفيان, عن الأعمش, عن أبي الضحى, عن مسروق في هذه الآية: " ما جعل الله من بحيرة ولا سائبة ولا وصيلة ولا حام " = قال أبو جعفر: سقط عليّ فيما أظنّ كلام منه = قال: فأتيت علقمة فسألتُه, فقال: ما تريد إلى شيء كانت يَصنعه أهل الجاهلية. (169)12829 - حدثني يحيى بن إبراهيم المسعوديّ قال ، حدثنا أبي, عن أبيه, عن جده, عن الأعمش, عن مسلم قال : أتيت علقمة, فسألته عن قول الله تعالى: " ما جعل الله من بحيرة ولا سائبة ولا وصيلة ولا حامٍ"، فقال: وما تصنع بهذا؟ إنما هذا شيء من فعل الجاهلية! قال: فأتيت مسروقًا فسألته, فقال: " البحيرة "، كانت الناقة إذا ولدت بطنًا خمسًا أو سبعًا, شقوا أذنها، وقالوا: " هذه بحيرة " = قال: " ولا سائبة " ، قال: كان الرجل يأخذ بعضَ ماله فيقول: " هذه سائبة " = قال: " ولا وصيلة "، قال: كانوا إذا ولدت الناقة الذكر أكله الذكور دون الإناث, وإذا ولدت ذكرًا وأنثى في بطن قالوا: " وصلت أخاها ", فلا يأكلونهما. قال: فإذا مات الذكر أكله الذكور دون الإناث = قال: " ولا حام "، قال : كان البعير إذا وَلد وولد ولده، قالوا: " قد قضى هذا الذي عليه ", فلم ينتفعوا بظهره. قالوا: " هذا حمًى ". (170)12830 - حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا محمد بن عبيد، عن الأعمش, عن مسلم بن صبيح قال : سألت علقمة عن قوله: " ما جعل الله من بحيرة ولا سائبة " ، قال: ما تصنع بهذا؟ هذا شيء كان يفعله أهل الجاهلية.12831 - حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا يحيى بن يمان، ويحيى بن آدم, عن إسرائيل, عن أبي إسحاق, عن أبي الأحوص: " ما جعل الله من بحيرة " ، قال: البحيرة: التي قد ولت خمسة أبطن ثم تركت.12832 - حدثنا ابن حميد قال ، حدثنا جرير بن عبد الحميد, عن مغيرة, عن الشعبي: " ما جعل الله من بحيرة ". قال: البحيرة، المخضرمة (171) " ولا سائبة "، والسائبة: ما سُيِّب للعِدَى (172) = و " الوصيلة "، إذا ولدت بعد أربعة أبطن = فيما يرى جرير = ثم ولدت الخامس ذكرًا وأنثى، وصلتْ أخاها = و " الحام "، الذي قد ضرب أولادُ أولاده في الإبل.12833- حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا جرير, عن مغيرة, عن الشعبي، بنحوه = إلا أنه قال: و " الوصيلة " التي ولدت بعد أربعة أبطن ذكرًا وأنثى، قالوا: " وصلت أخاها "، وسائر الحديث مثل حديث ابن حميد.12834 - حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا إسحاق الأزرق, عن زكريا, عن الشعبي: أنه سئل عن " البحيرة ", فقال: هي التي تجدع آذانها. وسئل عن " السائبة ", فقال: كانوا يهدون لآلهتهم الإبل والغنم فيتركونها عند آلهتهم، فتذهب فتختلطُ بغنم الناس، (173) فلا يشرب ألبانها إلا الرجال, فإذا مات منها شيء أكله الرجال والنساء جميعًا.12835 - حدثني محمد بن عمرو قال ، حدثنا أبو عاصم قال ، حدثنا عيسى, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد في قول الله تعالى ذكره: " ما جعل الله من بحيرة " وما معها: " البحيرة "، من الإبل يحرّم أهل الجاهلية وَبرها وظهرها ولحمها ولبنها إلا على الرجال, فما ولدت من ذكر وأنثى فهو على هيئتها, وإن ماتت اشترك الرجال والنساء في أكل لحمها. فإذا ضَرَب الجمل من ولد البحيرة، (174) فهو " الحامي". و " الحامي"، اسمٌ. (175) و " السائبة " من الغنم على نحو ذلك، إلا أنها ما ولدت من ولد بينها وبين ستة أولاد، كان على هيئتها. فإذا ولدت في السابع ذكرًا أو أنثى أو ذكرين, ذبحوه، فأكله رجالهم دون نسائهم. وإن توأمت أنثى وذكرًا فهي" وصيلة "، (176) لترك ذبح الذكر بالأنثى. (177) وإن كانتا أنثيين تركتا.12836 - حدثني محمد بن سعد قال ، حدثني أبي قال ، حدثني عمي قال حدثني أبي, عن أبيه, عن ابن عباس: " ما جعل الله من بحيرة ولا سائبة " ، فالبحيرة، الناقة, كان الرجل إذا ولدت خمسة أبطن, فيعمد إلى الخامسة, ما لم تكن سَقْبًا، (178) فيبتك آذانها, ولا يجزّ لها وبرًا, ولا يذوق لها لبنًا, فتلك " البحيرة " =" ولا سائبة " ، كان الرجل يسيِّب من ماله ما شاء =" ولا وصيلة " ، فهي الشاة إذا ولدت سبعًا, عمد إلى السابع, فإن كان ذكرًا ذبح, وإن كانت أنثى تركت, وإن كان في بطنها اثنان ذكر وأنثى فولدتهما، قالوا: " وصلت أخاها ", فيتركان جميعًا لا يذبحان. فتلك " الوصيلة " = وقوله: " ولا حام " ، كان الرجل يكون له الفحل، فإذا لقح عشرًا قيل: " حام, فاتركوه " .12837 - حدثني المثنى قال ، حدثنا عبد الله بن صالح قال ، حدثنا معاوية بن صالح, عن علي بن أبي طلحة, عن ابن عباس قوله: " ما جعل الله من بحيرة ولا سائبة " ، ليسيِّبوها لأصنامهم =" ولا وصيلة "، يقول: الشاة =" ولا حام " يقول: الفحلُ من الإبل.12838 - حدثنا بشر بن معاذ قال ، حدثنا يزيد بن زريع قال ، حدثنا سعيد, عن قتادة قوله: " ما جعل الله من بحيرة ولا سائبة ولا وصيلة ولا حام "، تشديدٌ شدّده الشيطانُ على أهل الجاهلية في أموالهم, وتغليظ عليهم, فكانت " البحيرة " من الإبل، (179) إذا نتج الرجلُ خمسًا من إبله، نظر البطن الخامس, فإن كانت سقبًا ذبح فأكله الرجال دون النساء, وإن كان ميتة اشترك فيه ذكرُهم وأنثاهم, وإن كانت حائلا = وهي الأنثى = تركت، فبتكت أذنها, فلم يجزّ لها وَبرٌ، ولم يشرب لها لبن، ولم يركب لها ظهرٌ، ولم يذكر لله عليها اسم. وكانت " السائبة "، يسيبون ما بدا لهم من أموالهم, فلا تُمنع من حوض أن تشرع فيه، (180) ولا من حمًى أن ترتع فيه = وكانت " الوصيلة " من الشاء، من البطن السابع, إذا كان جديًا ذبح فأكله الرجال دون النساء. وإن كان ميتة اشترك فيه ذكرهم وأنثاهم. وإن جاءت بذكر وأنثى قيل: " وصلت أخاها فمنعته الذبح " = و " الحام "، كان الفحل إذا ركب من بني بنيه عشرة، أو ولد ولده, قيل: " حام حمى ظهره ", فلم يزَمَّ ولم يخطم ولم يركب.12839- حدثني محمد بن الحسين قال ، حدثنا أحمد بن مفضل قال ، حدثنا أسباط, عن السدي: " ما جعل الله من بحيرة ولا سائبة ولا وصيلة ولا حام " ، فالبحيرة من الإبل، كانت الناقة إذا نتجت خمسة أبطن, إن كان الخامس سقبًا ذبحوه فأهدوه إلى آلهتهم، وكانت أمه من عُرْض الإبل. وإن كانت رُبَعة استحيوها, (181) وشقوا أذن أمِّها, وجزّوا وبرها, وخلوها في البطحاء, فلم تجُزْ لهم في دية, ولم يحلبوا لها لبنًا, ولم يجزّوا لها وبرًا, ولم يحملوا على ظهرها, وهي من الأنعام التي حرمت ظهورها = وأما " السائبة "، فهو الرجل يسيِّب من ماله ما شاء على وجه الشكر إن كثر ماله أو برأ من وَجع, أو ركب ناقة فأنجح, فإنه يسمي" السائبة " (182) يرسلها فلا يعرض لها أحدٌ من العرب إلا أصابته عقوبة في الدنيا = وأما " الوصيلة ", فمن الغنم, هي الشاة إذا ولدت ثلاثة أبطن أو خمسة, فكان آخر ذلك جديًا، ذبحوه وأهدوه لبيت الآلهة, وإن كانت عناقًا استحيوها, (183) وإن كانت جديًا وعناقًا استحيوا الجدي من أجل العَناق, فإنها وصيلة وصلت أخاها = وأما " الحام "، فالفحل يضرب في الإبل عشرَ سنين = ويقال: إذا ضرب ولد ولده = قيل: " قد حمى ظهره ", فيتركونه لا يمسُّ ولا ينحرُ أبدًا, ولا يمنع من كلأ يريده, وهو من الأنعام التي حُرِّمت ظهورها.12840 - حدثنا الحسن بن يحيى قال ، أخبرنا عبد الرزاق قال ، أخبرنا معمر, عن الزهري, عن ابن المسيب في قوله: " ما جعل الله من بحيرة ولا سائبة ولا وصيلة ولا حام "، قال: " البحيرة " من الإبل، التي يمنح درّها للطواغيت (184) = و " السائبة " من الإبل، كانوا يسيِّبونها لطواغيتهم = و " الوصيلة "، من الإبل، كانت الناقة تبتكر بأنثى, ثم تثنى بأنثى, (185) فيسمونها " الوصيلة ", يقولون: " وصلت أنثيين ليس بينهما ذكر ", فكانوا يجدعونها لطواغيتهم = أو: يذبحونها, الشك من أبي جعفر= و " الحام "، الفحل من الإبل, كان يضربُ. الضرابَ المعدودة. (186) فإذا بلغ ذلك قالوا: " هذا حام, قد حمى ظهره "، فترك, فسموه " الحام "= قال معمر قال قتادة، إذا ضرب عشرة.12841- حدثنا الحسن بن يحيى قال ، أخبرنا عبد الرزاق قال ، أخبرنا معمر, عن قتادة قال : " البحيرة " من الإبل، كانت الناقة إذا نُتِجت خمسة أبطن, فإن كان الخامس ذكرًا، (187) كان للرجال دون النساء, وإن كانت أنثى، بتكوا آذانها ثم أرسلوها, فلم ينحروا لها ولدًا، ولم يشربوا لها لبنًا, ولم يركبوا لها ظهرًا = وأما " السائبة ", فإنهم كانوا يسيِّبون بعض إبلهم, فلا تُمنع حوضًا أن تشرع فيه, ولا مرعًى أن ترتع فيه =" والوصيلة "، الشاة كانت إذا ولدت سبعة أبطن, فإن كان السابع ذكرًا، ذبح وأكله الرجال دون النساء, وإن كانت أنثى تركت.12842 - حدثت عن الحسين بن الفرج قال ، سمعت أبا معاذ الفضل بن خالد قال ، حدثنا عبيد بن سلمان, عن الضحاك: " ما جعل الله من بحيرة ولا سائبة ولا وصيلة ولا حام " ، أما " البحيرة " فكانت الناقة إذا نَتَجُوها خمسة أبطن نحروا الخامس إن كان سقبًا, وإن كان رُبَعة شقُّوا أُذنها واستحيوها, وهي" بحيرة "، وأما السَّقب فلا يأكل نساؤهم منه, وهو خالص لرجالهم, فإن ماتت الناقة أو نَتَجوها ميْتًا، فرجالهم ونساؤهم فيه سواءٌ، يأكلون منه = وأما " السائبة "، فكان يسيِّب الرجل من ماله من الأنعام, فيُهْمَل في الحمى، فلا ينتفع بظهره ولا بولده ولا بلبنه ولا بشعره ولا بصوفه = وأما " الوصيلة ", فكانت الشاة إذا ولدت سبعة أبطن ذبحُوا السابع إذا كان جديًا, وإن كان عناقًا استحيوه, وإن كان جديًا وعناقًا استحيوهما كليهما, وقالوا: " إن الجدي وصلته أخته, فحرَّمته علينا " = وأما " الحامي"، فالفحل إذا ركبوا أولاد ولده قالوا: " قد حمى هذا ظهره, وأحرزه أولاد ولده "، (188) فلا يركبونه, ولا يمنعونه من حِمى شجر, ولا حوض مَا شرع فيه, وإن لم يكن الحوض لصاحبه. وكانت من إبلهم طائفة لا يذكرون اسم الله عليها في شيء من شأنهم: لا إن ركبوا, ولا إن حملوا, ولا إن حلبوا, ولا إن نتجوا, ولا إن باعوا. ففي ذلك أنزل الله تعالى ذكره: " ما جعل الله من بحيرة ولا سائبة "، إلى قوله: " وأكثرهم لا يعقلون " .12843 - حدثني يونس قال ، أخبرنا ابن وهب قال ، قال ابن زيد, في قوله: " ما جعل الله من بحيرة ولا سائبة ولا وصيلة ولا حام "، قال: هذا شيء كان يعمل به أهل الجاهلية, (189) وقد ذهب. قال: " البحيرة "، كان الرجل يجدع أذني ناقته، ثم يعتقها كما يعتق جاريته وغلامه, لا تحلب ولا تركب = و " السائبة "، يسيبها بغير تجديع = و " الحام " إذا نتج له سبع إناث متواليات, قد حمي ظهره, ولا يركب, ولا يعمل عليه = و " الوصيلة "، من الغنم: إذا ولدت سبع إناث متواليات، حمت لحمها أن يؤكل.12844- حدثنا يونس قال ، أخبرنا ابن وهب قال ، حدثنا عبد الله بن يوسف قال ، حدثنا الليث بن سعد قال ، حدثني ابن الهاد, عن ابن شهاب قال ، قال سعيد بن المسيب: " السائبة " التي كانت تسيَّب فلا يحمل عليها شيء = و " البحيرة "، التي يمنح دَرُّها للطواغيت فلا يحلبها أحد (190) = و " الوصيلة "، الناقة البكر تبتكر أوّل نتاج الإبل بأنثى, (191) ثم تثني بعد بأنثى, وكانوا يسمُّونها للطواغيت, يدعونها " الوصيلة ", أنْ وصلت أخواتها إحداهما بالأخرى (192) =" والحامي"، فحل الإبل، يضرب العَشْر من الإبل. فإذا نقضَ ضِرابه (193) يدعونه للطواغيت, وأعفوه من الحمل فلم يحملوا عليه شيئًا, وسموه " الحامي".* * *قال أبو جعفر: وهذه أمور كانت في الجاهلية فأبطلها الإسلام, فلا نعرف قومًا يعملون بها اليوم.فإذا كان ذلك كذلك= وكانَ ما كانت الجاهلية تعمل به لا يوصل إلى علمه (194) = إذ لم يكن له في الإسلام اليوم أثر, ولا في الشرك، نعرفه = إلا بخبر, (195) وكانت الأخبار عما كانوا يفعلون من ذلك مختلفة الاختلافَ الذي ذكرنا، فالصواب من القول في ذلك أن يقال: أما معاني هذه الأسماء, فما بيّنا في ابتداء القول في تأويل هذه الآية، وأما كيفية عمل القوم في ذلك, فما لا علم لنا به. وقد وردت الأخبار بوصف عملهم ذلك على ما قد حكينا, وغير ضائرٍ الجهلُ بذلك إذا كان المرادُ من علمه المحتاجُ إليه, موصلا إلى حقيقته, (196) وهو أن القوم كانوا يحرِّمون من أنعامهم على أنفسهم ما لم يحرمه الله، (197)اتباعًا منهم خطوات الشيطان, فوبَّخهم الله تعالى ذكره بذلك, وأخبرهم أن كل ذلك حلال. فالحرام من كل شيء عندنا ما حرَّم الله تعالى ذكره ورسوله صلى الله عليه وسلم, بنصٍّ أو دليل، والحلال منه ما حلله الله ورسوله كذلك. (198)* * *القول في تأويل قوله : وَلَكِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَأَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ (103)قال أبو جعفر: اختلف أهل التأويل في المعنيّ ب " الذين كفروا " في هذا الموضع، والمراد بقوله: " وأكثرهم لا يعقلون " .فقال بعضهم: المعنيّ ب " الذين كفروا " اليهود, وب " الذين لا يعقلون "، أهل الأوثان.* ذكر من قال ذلك:12845 - حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا أبو أسامة, عن سفيان, عن دواد بن أبي هند, عن محمد بن أبي موسى: " ولكن الذين كفروا يفترون على الله الكذب "، قال: أهل الكتاب =" وأكثرهم لا يعقلون " ، قال: أهل الأوثان. (199)* * *وقال آخرون: بل هم أهل ملّة واحدة, ولكن " المفترين "، المتبوعون و " الذين لا يعقلون "، الأتباع.* ذكر من قال ذلك:12846 - حدثت عن الحسين بن الفرج قال ، سمعت أبا معاذ قال ، حدثنا خارجة, عن داود بن أبي هند, عن الشعبي في قوله: " ولكن الذين كفروا يفترون على الله الكذب وأكثرهم لا يعقلون "، هم الأتباع = وأما " الذين افتروا ", فعقلوا أنهم افتروا. (200)* * *قال أبو جعفر: وأولى الأقوال في ذلك عندنا بالصواب أن يقال: إن المعنيين بقوله: " ولكن الذين كفروا يفترون على الله الكذب " ، الذين بحروا البحائر, وسيَّبوا السوائب, ووصلوا الوصائل, وحموا الحوامي، مثل عمرو بن لحي وأشكاله ممن سنّ لأهل الشرك السنن الرديئة، وغيَّر دين الله دين الحق، (201) وأضافوا إلى الله تعالى ذكره: أنه هو الذي حرّم ما حرّموا، وأحلَّ ما أحلوا, افتراءً على الله الكذب وهم يعلمون, واختلاقًا عليه الإفك وهم يفهمون، (202) فكذبهم الله تعالى ذكره في قيلهم ذلك, وإضافتهم إليه ما أضافوا من تحليل ما أحلوا وتحريم ما حرموا, فقال تعالى ذكره: ما جعلت من بحيرة ولا سائبة, ولكن الكفار هم الذين يفعلون ذلك، ويفترون على الله الكذب.= (203) وأن يقال، إن المعنيين بقوله: " وأكثرهم لا يعقلون " ، هم أتباع من سنّ لهم هذه السنن من جهلة المشركين, فهم لا شك أنهم أكثر من الذين لهم سنوا ذلك لهم، فوصفهم الله تعالى بأنهم لا يعقلون, لأنهم لم يكونوا يعقلون أن الذين سنوا لهم تلك السنن وأخبروهم أنها من عند الله، كذبةٌ في إخبارهم، أفَكَةٌ, بل ظنوا أنهم فيما يقولون محقُّون، وفي إخبارهم صادقون. وإنما معنى الكلام: وأكثرهم لا يعقلون أن ذلك التحريم الذي حرَّمه هؤلاء المشركون وأضافوه إلى الله تعالى ذكره كذب وباطل. (204) وهذا القول الذي قلنا في ذلك، نظير قول الشعبي الذي ذكرنا قبلُ. (205) ولا معنى لقول من قال: " عني بالذي كفروا أهل الكتاب ", وذلك أن النكير في ابتداء الآية من الله تعالى ذكره على مشركي العرب, فالختم بهم أولى من غيرهم, إذ لم يكن عرض في الكلام ما يُصرف من أجله عنهم إلى غيرهم.* * *وبنحو ذلك كان يقول قتادة:12847 - حدثنا بشر بن معاذ قال ، حدثنا يزيد قال ، حدثنا سعيد, عن قتادة قوله: " وأكثرهم لا يعقلون " ، يقول: تحريمُ الشيطان الذي حرّم عليهم, (206) إنما كان من الشيطان، ولا يعقلون.* * *---------------(149) الأثر: 12819- رواه أبو جعفر بإسنادين: أولهما"محمد بن عبد الله بن عبد الحكم بن أعين المصري" ، ثقة مضى برقم: 2377.وأبوه: "عبد الله بن عبد الحكم بن أعين" ، الفقيه المصري ، ثقة ، مترجم في التهذيب ، و"شعيب بن الليث بن سعد بن عبد الرحمن الفهمي المصري" ، ثقة ، مضى برقم: 3034 ، 5314وأبوه"الليث بن سعد" الإمام الجليل القدر ، مضى برقم: 186 ، 187 ، 2072 ، 2584 ، 9507.و"ابن الهاد" هو: "يزيد بن الهاد" منسوبا إلى جده ، وهو: "يزيد بن عبد الله بن أسامة بن الهاد" ثقة ، مضى برقم: 2031 ، 3034 ، 4314.وأما الإسناد الثاني فتفسيره:"يونس" هو"يونس بن عبد الأعلى الصدفي" ثقة مضى برقم: 1679 ، 3503 وغيرها.و"عبد الله بن يوسف التنيسي الكلاعي" ثقة من شيوخ البخاري. مترجم في التهذيب.وخبر أبي هريره هذا ، من طريق الليث بن سعد ، عن يزيد بن الهاد عن ابن شهاب عن سعيد بن المسيب ، عن أبي هريرة رواه أحمد في المسند رقم: 8773 ، وأشار إليه البخاري في صحيحه (الفتح 8: 214) وقد رواه قبل من طريق صالح بن كيسان عن ابن شهاب ، عن سعيد ، ورواه أحمد قبل ذلك منقطعا رقم: 7696 ، من طريق عبد الرزاق عن معمر عن الزهري عن أبي هريرة وقد استوفى أخي السيد أحمد في شرحه بيان ذلك. وأما مسلم فقد رواه في صحيحه 17: 189 من طريق صالح بن كيسان ، عن ابن شهاب عن سعيد.وذكره ابن كثير في تفسيره 3: 253 ، وذكر رواية البخاري الآنفة: "قال الحاكم: أراد البخاري أن يزيد بن عبد الله بن الهاد رواه عن عبد الوهاب بن بخت ، عن الزهري هكذا حكاه شيخنا أبو الحجاج المزي في الأطراف ، وسكت ولم ينبه عليه= قال ابن كثير: وفيما قاله الحاكم نظر ، فإن الإمام أحمد وأبا جعفر بن جرير روياه من حديث الليث بن سعد عن ابن الهاد عن الزهري نفسه ، والله أعلم". وتفسير كلام ابن كثير أن ابن الهاد قد ثبت سماعه من الزهري. ولم يبين هو ما أراد أبو الحجاج بما قال ولم يفسره. ولم يشر الحافظ ابن حجر في الفتح (8: 214) إلى شيء مما قاله المزي.وأما "القصب" (بضم فسكون): هي الأمعاء كلها. وأما قوله: "سيب السيب" فإن"سيب الدابة أو الناقة أو الشيء": تركه يسيب حيث شاء ، أي يذهب حيث شاء. وأما "السيب" (بضم السين وتشديد الياء المفتوحة) فهو جمع"سائبة" على مثال"نائحة ونوح" و"نائم ونوم" كما سلف في تعليقي على الأثر رقم: 10447 ، وشاهده رواه ابن هشام في سيرته هذا البيت (1: 93):حَوْلَ الوَصَائِل فِي شُرَيْفٍحِقَّةٌ وَالحَامِيَاتُ ظُهُورُهاوَالسُّيَّبُ وتجمع"سائبة" أيضًا على"سوائب" وهو القياس. وقد جاء في إحدى روايتي صحيح مسلم (17: 189): "أول من سيب السيوب" (بضم السين والياء) وقال القاضي عياض في مشارق الأنوار: "أول من سيب السوائب ، وفي الرواية الأخرى: أول من سيب السيوب" ، ولم يبين ذلك. وبيانه أن"السيوب" جمع"سيب" (بفتح فسكون) مصدر سميت به"السائبة" وقد جاء في حديث عبد الرحمن بن عوف في يوم الشورى: "وإن الحيلة بالنطق أبلغ من السيوب في الكلم" وفسروه تفسيرين ، الأول ما في لسان العرب: "السيوب: ما سيب وخلى فساب أي ذهب" والآخر ما قاله الزمخشري في الفائق: "السيوب مصدر: ساب كان قياسا جمع"سائب" و"سائبة" على"سيوب" فإن ما جاء مصدره على"فعول" كان جمع"فاعل" منه على"فعول" مثل"شاهد وشهود" و"قاعد وقعود" و"حاضر وحضور" وقد ذكرت ذلك في تعليق سالف وانظر شرح الشافية 2: 158. فهذا تفسير ما أغفله القاضي عياض ، والنووي في شرح صحيح مسلم.وكان في المطبوعة: "أول من سيب السائبة" ، غير ما في المخطوطة وهو اطراح سيئ لأمانة العلم!! وكتبه محمود محمد شاكر.(150) الأثر: 12820-"محمد بن إبراهيم بن الحارث التيمي" روى له أصحاب الكتب الستة ، تابعي ثقة كثير الحديث مضى برقم: 4249.و"أبو صالح" هو: "ذكوان السمان" ، تابعي ثقة. مضى مرارًا.وأما "محمد بن إسحق" ، صاحب السيرة ، فقد مضى توثيق أخي السيد أحمد له في رقم: 221 وفي غيره من كتبه.وهذا الخبر ساقه ابن كثير في تفسيره 3: 254 ، هو ورقم: 12822 ، وفي البداية والنهاية 2: 189 ، ثم قال"وليس هذان الطريقان في الكتب من هذا الوجه" يعني الصحاح وإلا فإن هذا الخبر ثابت بإسناد محمد بن إسحق في سيرة ابن هشام 1: 78 ، 79 وذكره ابن عبد البر في الاستيعاب بغير إسناد ص: 55 وذكره ابن الأثير بإسناده 1: 123 ، 124 ، وابن حجر في الإصابة (ترجمة: أكثم بن الجون) ونسبه لابن أبي عروبة وابن مندة من طريق ابن إسحق وخرجه السيوطي في الدر المنثور 2: 338 فخلط في تخريجه تخليطا شديدا فقال: "أخرج ابن أبي شيبة ، وابن جرير وابن مردويه والحاكم وصححه" وإنما ذلك رقم: 12822 ، الآتي بعد. وسيأتي هذا الخبر مطولا من طريق أخرى رقم: 12827 ، وهو إسناد أبي جعفر الثاني في رواية سيرة ابن إسحق.وقوله: "عسى أن يضرني شبهه" يعني: لعله يضرني شبهه ، يتخوف أن يكون ذلك. وفي المطبوعة: "أخشى أن يضرني شبهه" وهو مخالف للرواية ، وإنما اختلط عليه خط ناسخ المخطوطة إذ كتبها مختلطة: "تحتي" كأنه أراد أن يكتب شيئًا ، ثم عاد عليه حتى صار"عسى" منقوطة وبمثل ما في المطبوعة ، جاءني في الدر المنثور. وكثرة مثل ذلك دلتني على أن هذه النسخة المخطوطة التي ننشرها هي التي وقعت في يد السيوطي ، والصواب ما أثبته من السيرة ، ومن نقل عنها.وكان في المخطوطة أيضًا: "وحمى الحمى" ، وهو خطأ محض ، صوابه من مراجع هذا الخبر.(151) الأثر: 12821-"هشام بن سعد المدني""يتيم زيد بن أسلم" كان من أوثق الناس عن زيد وهو ثقة ، وتكلم فيه بعضهم مضى برقم: 5490. وهذا خبر مرسل.وسيأتي من طريق معمر ، عن زيد بن أسلم برقم: 12824.(152) الأثر: 12822-"عبدة" هو"عبدة بن سليمان الكلابي" ثقة مضى قريبا برقم: 12729. وكان في المطبوعة والمخطوطة: "عبيدة" وهو خطأ صوابه في تفسير ابن كثير.و"محمد بن عمرو بن علقمة بن وقاص الليثي" و"أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف" مضيا أيضًا في مثل هذا الإسناد رقم: 12729 وهذا إسناد رجاله ثقات.وهذا الخبر رواه الحاكم في المستدرك 4: 605 ، من طريق أبي حاتم الرازي ، عن محمد ابن عبد الله الأنصاري عن محمد بن عمرو وفيه"فرأيت فيها عمرو بن لحي بن قمعة بن خندف" مصرحا ثم قال: "وهذا حديث صحيح على شرط مسلم ، ولم يخرجاه" ووافقه الذهبي.وقد مر بك أن ابن كثير قال في تفسيره 3: 254 والبداية والنهاية 2: 189 ، أنه ليس في الكتب يعني الصحاح ولم يزد.وأما الحافظ ابن حجر فخرجه في الإصابة (ترجمة أكثم بن الجون) من طريق أحمد بن حنبل ، عن محمد بن بشر العبدي ، عن محمد بن عمرو ، عن أبي سلمة ، بمثله ثم أشار إلى طريق الحاكم في المستدرك. ولكن أعياني أن أجد خبر أحمد في المسند.وأما الإمام الحافظ أبو محمد بن حزم فقد رواه في كتاب جمهرة الأنساب ص: 223 من طريق علي بن عمر الدارقطني عن الحسين بن إسمعيل القاضي المحاملي عن سعيد بن يحيى الأموي عن أبيه عن محمد بن عمرو. ثم قال أبو محمد بعد سياقه أحاديث البخاري ومسلم وهذا الحديث وهي أربعة هذا ثالثها: "أما الحديث الأول والثالث والرابع ، ففي غاية الصحة والثبات" فحكم لهذا الخبر بالصحة.وفي المطبوعة هنا: "عمرو بن فلان بن فلان بن فلان بن خندف""فلان" ثلاث مرات وهو مخالف لما في المخطوطة ، وخطأ بعد ذلك فإن ما بين"عمرو" و"خندف" اثنان لا ثلاثة. وهكذا في المخطوطة والمطبوعة: "لا لأنك مسلم" ولولا اتفاقهما لرجحت أن تكون: "لا إنك مسلم" كما في رواية غيره.(153) الأثر: 12823- هذا خبر مرسل كما ترى ، لم يرفعه عبد الرزاق.(154) الأثر: 12824- هذا أيضًا خبر مرسل ، وهو طريق أخرى للخبر السالف رقم: 12821. وقد ذكره الحافظ ابن حجر في الفتح (8: 214 ، 215) ثم قال: "والأول أصح" ، يعني ذكر هذا الرجل من بني مدلج ، أنه أول من بحر البحائر ، وأن الصواب ما جاء في الأخبار الصحاح قبل ، أنه عمرو بن لحي.و"بنو مدلج" هم بنو مدلج بن مرة بن عبد مناة بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن اليأس ابن مضر بن نزار بن معد ليسوا من قريش. وكانت فيهم القيافة والعيافة ، منهم"مجزز المدلجي" الذي سر النبي صلى الله عليه وسلم بقيافته (جمهرة الأنساب: 176 ، 177).(155) هذه على وزن"فرح يفرح فرحًا".(156) أعياني أن أجد قائله.(157) سيأتي في التفسير 29: 19 (بولاق) لسان العرب (بحر)."علط البعير يعلطه علطًا" وسمه بالعلاط. و"العلاط" (بكسر العين): سمة في عرض عنق البعير ، فإذا كان في طول العنق فهو"السطاع" (بكسر السين). هذا تفسير اللغة أنه في العنق وأما أبو جعفر الطبري فقد قال في تفسيره (29: 19)"والعرب تقول: والله لأسمنك وسما لا يفارقك يريدون الأنف" ثم ذكر البيت وقال: "والنجر": داء يأخذ الإبل فتكوى على أنوفها. وذكر هناك بالنون والجيم كما أثبته وله وجه سيأتي إلا أني أخشى أن يكون الصواب هناك ، كما هو هنا بالباء والحاء ، وقوله: "بحمى الميسم". يقال: "حمى المسمار حميا وحموا": سخن في النار و"أحميت المسمار في النار إحماء". و"الميسم" المكواة التي يوسم بها الدواب. وأما "البحر" فقد فسره أبو جعفر ولكن الأزهري قال: "الداء الذي يصيب البعير فلا يروى من الماء هو النجر بالنون والجيم ، والبجر بالباء والجيم وأما البحر: فهو داء يورث السل".وهذا البيت في هجاء رجل وإيعاده بالشر شرا يبقى أثره.وكان في المطبوعة: "لأعطنك" بالكاف في آخره والصواب من المخطوطة ومما سيأتي في المطبوعة من التفسير (29: 19) ومن لسان العرب.(158) في المطبوعة ، أسقط"له" وهي ثابته في المخطوطة: وهي صواب.(159) الأثر: 12825- هذا الخبر رواه أبو جعفر بإسنادين هذا والذي يليه."عبد الحميد بن بيان القناد" شيخ أبي جعفر ، مضى مرارا.و"محمد بن يزيد الكلاعي" الواسطي وثقه أحمد وهو من شيوخه مضى برقم: 11408.و"إسمعيل بن أبي خالد الأحمسي" ثقة مضى برقم: 5694 ، 5777.و"أبو إسحق" هو السبيعي الإمام. مضى مرارا.و"أبو الأحوص" هو: "عوف بن مالك بن نضلة الجشمي" تابعي ثقة ، مضى برقم: 6172.وأبوه: "مالك بن نضلة بن خديج الجشمي" ويقال: "مالك بن عوف بن نضلة" وبهذا ترجمه ابن سعد في الطبقات 6: 17. وأما في التاريخ الكبير للبخاري 4/1/303 ، فإني رأيت فيه: "مالك بن يقظة الخزاعي والد أبي الأحوص له صحبة". و"أبو الأحوص" المشهور هو"عوف بن مالك بن نضلة" فظني أن الذي في التاريخ خطأ فإني لم أجد هذا الاسم في الصحابة فيكون فيه خطأ في"يقظة" وهو"نضلة" وفي"الخزاعي" وهو: "الجشمي" والله أعلم.وهذا الخبر جاء في المخطوطة كما أثبته وفي المطبوعة: "وتشق آذانها وتقول" بالإفراد فأثبت ما في المخطوطة.وقوله: "مسلمة آذانها" أي: سليمة صحاحًا. وسأشرح ألفاظه في آخر الخبر الآتي وما كان من الخطأ في المطبوعة والمخطوطة في"صرم" بعد تخريجه هناك.(160) الأثر: 12826- هذا الخبر ، مكرر الذي قبله.•رواه من طريق شعبة ، عن أبي إسحق مطولا أبو داود الطيالسي في مسنده: 184 رقم: 1303.•ورواه أحمد في المسند عن طريق محمد بن جعفر عن شعبة عن أبي إسحق= ثم من طريق عفان عن شعبة في المسند 3: 473.•ورواه البيهقي في السنن الكبرى 10: 10 من طريق عبد الرزاق عن معمر عن أبي إسحق.•وخرجه ابن كثير في تفسيره من رواية ابن أبي حاتم 3: 256 مطولا ولم ينسبه إلى غيره.•وخرجه السيوطي في الدر المنثور 2: 337 مطولا جدًا ونسبه إلى أحمد ، وعبد بن حميد والحكيم الترمذي في نوادر الأصول وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي في الأسماء والصفات. أما لفظه عند السيوطي فلا أدري لفظ من يكون ، فإنه ليس لفظ من ذكرت آنفا تخريج الخبر من كتبهم.•ثم رواه أحمد في المسند 4: 136 ، 137 من طريق سفيان بن عيينة عن أبي الزعراء عمرو ابن عمرو عن عمه أبي الأحوص عن أبيه بلفظ آخر مختلف كل الاختلاف.•وهذا شرح غريب هذين الخبرين."نتج الناقة ينتجها نتجا" (على وزن: ضرب): إذا تولى نتاجها أي ولادها. وأما قوله في الخبر الثاني: "هل تنتج إبل قومك" فهو بالبناء للمجهول. يقال: "نتجت الناقة تنتج" (بالبناء للمجهول): إذا ولدت.•و"جدع الأنف والأذن والشفة": إذا قطع بعض ذلك. وأما قوله: "هذه صرم" فقد كتبت في المخطوطة والمطبوعة في الخبرين"حرم" بالحاء وكذلك وقع في تفسير ابن كثير ، والصواب من المراجع التي ذكرتها ومن بيان كتب اللغة في تفسير هذا الخبر.•وتقرأ"صرم" في الخبر الأول بفتح فسكون و"الصرم" القطع سماها المصرومة بالمصدر كما يدل على صواب ذلك من قراءته ما جاء في شرح اللفظ في لسان العرب مادة (صرب). وأما في الخبر الثاني فإن قوله: "هذه بحر" (بضم الباء والحاء) جمع"بحيرة" وقوله: "هذه صرم" (بضم الصاد والراء) جمع"صريمة" وهي التي قطعت أذنها وصرمت. وهذا صريح ما قاله صاحب اللسان في مادتي"صرم" و"صرب" والزمخشري في الفائق"صرب" وروى أحمد في المسند 4: 136 ، 137: "صرماء" ولم تشر إليها كتب اللغة. وأما الومخشري وصاحب اللسان فقد رويا: "وتقول: صربى" (على وزن سكرى). وقال في تفسيرها: كانوا إذا جدعوا البحيرة أعفوها من الحلب إلا للضيف فيجتمع اللبن في ضرعها من قولهم: "صرب اللبن في الضرع": إذا حقنه لا يحلبه. ورويا أنه يقال إن الباء مبدلة من الميم كقولهم"ضربة لازم ، ولازب" ، وأنه أصح التفسيرين.(161) انظر تفسير"السائبة" فيما سلف 3: 386 تعليق: 1.(162) في المطبوعة والمخطوطة: "عن أبي إسحق" وهو خطأ محض كما ترى في تخريجه.(163) مضى في الأثر: 12820 ، "فما رأيت رجلا" وهذه رواية أخرى.(164) في المطبوعة: "لا لأنك مسلم" غيرها وهي في المخطوطة وابن هشام كما أثبتها.(165) في المطبوعة: "سيب السوائب فيهم" وأثبت ما في المخطوطة وإن كان الناسخ كتب"السائب فيهم" وصوابه من سيرة ابن هشام.وهذا الشطر من الخبر هو حديث أبي هريرة وقد مضى آنفًا برقم: 12820 ومضى تخريجه هناك. أما الشطر الثاني الذي وضعته في أول السطر فإنه من كلام ابن إسحق نفسه ، كما سترى في التخريج.(166) في المطبوعة والمخطوطة: "إذاتابعت ثنتي عشرة إناثا ليس فيهما ذكر" إلا أن في المخطوطة: "ليس فيهم" وهما خطأ محض ، وصواب هذه العبارة هو ما أثبته من سيرة ابن هشام وغيرها إلا أنني جعلت"فيهن" مكان"بينهن" في سيرة ابن هشام لما سيأتي بعد في الخبر"فيهن" مكان"بينهن" فيما يقابلها من سيرة ابن هشام.(167) الأثر: 12827- صدر هذا الخبر إلى قوله: "سيب السائب فيهم" هو حديث أبي هريرة السالف رقم: 12820 ، وهو في سيرة ابن هشام 1: 78 ، 79 ، وقد خرجته هناك.وأما الشطر الثاني إلى آخر الخبر ، فهو من كلام ابن إسحق وهو في سيرة ابن هشام 1: 91 ، 92.(168) في المطبوعة: لذكورهم دون إناثهم ، وفي المخطوطة: لذكورهم بينهم ، غير منقوطة والصواب من سيرة ابن هشام.(169) في المطبوعة: "كانت تصنعه" والصواب من المخطوطة.(170) الأثر: 12829-"يحيى بن إبراهيم المسعودي" شيخ الطبري هو: "يحيى ابن إبراهيم بن محمد بن أبي عبيدة المسعودي" مضى برقم: 84 ، 5379 ، 8811 ، 9744.وأبوه: "إبراهيم بن محمد بن أبي عبيدة المسعودي" مضى برقم: 84 ، 5379 ، 8811 ، 9744.وأبوه"محمد بن أبي عبيدة المسعودي" مضى في ذلك أيضا.وجده"أبو عبيدة بن معن المسعودي" مضى أيضًا.وكان في المطبوعة هنا: "هذا حام" وأثبت ما في المخطوطة.(171) "المخضرمة" من النوق والشاء المقطوعة نصف الأذن أو طرف الأذن أو المقطوعة إحدى الأذنين وهي سمة الجاهلية. وفي الحديث: "خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم النحر على ناقة مخضرمة".(172) "العدي" (بكسر العين ودال مفتوحة): الغرباء يعني الأضياف كما جاء في سائر الأخبار. هكذا هي في المخطوطة"العدي" أما المطبوعة ففيها: "للهدي" وهو تحريف وخطأ محض. ولو كان في كتابة الناسخ خطأ فأقرب ذلك أن تكون"للمعتري" يقال: "عراه يعروه واعتراه" إذا غشيه طالبا معروفه. ويقال: "فلان تعروه الأضياف وتعتريه" أي تغشاه وبذلك فسروا قول النابغة:أَتَيْتُكَ عَارِيًا خَلَقًا ثِيَابِيْعَلَى خَوْفٍ تُظَنَّ بِيَ الظُّنُونأي: ضيفًا طالبًا لرفدك.(173) في المطبوعة: "... عند آلهتهم لتذبح فتخلط بغنم الناس" غير ما في المخطوطة فأفسد الكلام إفسادًا. وقوله: "فتذهب فتختلط" ذكرت في 7: 457 تعليق: 6 أن العرب تجعل"ذهب" من ألفاظ الاستعانة التي تدخل على الكلام طلبا لتصوير حركة أو بيان فعل مثل قولهم: "قعد فلان لا يمر به أحد إلا سبه" لا يراد بهما معنى"الذهاب" و"القعود" ومثلهما كثير في كلامهم ثم انظر هذا ص: 250ن 251 ، تعليق: 1.(174) "ضرب" من"الضراب" (بكسر الضاد) وهو سفاد الجمل الناقة ونزوه عليها.(175) في المطبوعة حذف قوله: "والحامي اسم" لظنه أنه زيادة لا معنى لها. ولكنه أراد أن"الحامي" اسم لهذا الجمل من ولد البحيرة ، وليس باسم فاعل.(176) قوله: "توأمت" هكذا جاء في المطبوعة والمخطوطة ولم أجدهم قالوا في ذلك المعنى إلا: "أتأمت المرأة وكل حامل": إذا ولدت اثنين في بطن واحد. فهذا حرف لا أدري ما أقول فيه إلا أنه هكذا جاء هنا.(177) في المطبوعة والمخطوطة: "ترك" بغير لام ، والذي أثبته أشبه عندي بالصواب.(178) في المطبوعة والمخطوطة: "فما لم يكن سقبا" وصواب ذلك ما أثبت. و"السقب" الذكر من ولد الناقة. قال الأصمعي: إذا وضعت الناقة ولدها فولدها ساعة تضعه"سليل" قبل أن يعلم أذكر هو أم أنثى. فإذا علم فإن كان ذكرا فهو"سقب".(179) في المطبوعة والمخطوطة: "مثل الإبل" وهو خطأ لا شك فيه.(180) في المطبوعة والمخطوطة: "فلا تمتنع" ، والصواب ما أثبت.(181) "الربع" (بضم الراء وفتح الباء): الفصيل الذي ينتح في الربيع ، وهو أول النتاح ، والأنثى"ربعة".(182) هكذا في المخطوطة والمطبوعة: "يسمى السائبة" ، وأرجح أن الصواب: "يسيب السائبة" ،(183) "العناق" (بفتح العين): الأنثى من ولد المعز.(184) في المطبوعة والمخطوطة: "يمنع" بالعين ، وصوابه بالحاء.(185) في المطبوعة: "تبكر" ، والصواب من المخطوطة. ويقال: "ابتكرت الحامل" ، إذا ولدت بكرها ، و"أثنت" في الثاني ، و"ثلثت" في الثالث.(186) في المطبوعة: "المعدود" بغير تاء في آخره ، وأثبت ما في المخطوطة ، وهو صواب.(187) في المطبوعة: "فإن كان الخامس" ، وأثبت ما في المخطوطة ، وهو صواب.(188) في المطبوعة: "وأحرز أولاد ولده" ، صوابه من المخطوطة."أحرزه": صانه وحفظه ووقاه.(189) في المطبوعة: "كانت تعمل به" ، وأثبت ما في المخطوطة.(190) في المطبوعة والمخطوطة: "يمنع درها" ، والصواب ما أثبت.(191) في المطبوعة والمخطوطة هنا"تبكر" ، وانظر ما سلف ص: 131 تعليق2.(192) حذف في المطبوعة: "أخواتها" ، ولا ضرورة لحذفها ، فالكلام مستقيم.(193) في المطبوعة والمخطوطة: "نقص ضرابه" ، وهو لا معنى له ، والصواب: "نفض" بالنون والفاء والضاد. يقال"نفضت الإبل وأنفضت": نتجت كلها. قال ذو الرمة:كِلاَ كَفْأَتَيهْا تُنْفِضَانِ، وَلَمْ يَجِدْلَهَا ثِيلَ سَقْبٍ في النِّتَاجَيْنِ لاَ مِسُيعني: أن كل واحد من الكفأتين (يعني النتاجين) تلقى ما في بطنها من أجنتها ، فتوجد إناثًا ليس فيها ذكر. وقوله: "نفض ضرابه" ، لم تذكر كتب اللغة هذه العبارة ، ولكن هذا هو تفسيرها: أن تلد النوق التي ضربها إناثًا متتابعات ليس بينهن ذكر ، كما سلف في الآثار التي رواها أبو جعفر.(194) كان في المطبوعة: "لا توصل إلى عمله" ، وهو خطأ ، صوابه من المخطوطة.(195) السياق: "لا يوصل إلى عمله. . . إلا بخبر".(196) في المطبوعة: "موصلا إلى حقيقته" ، وأثبت ما في المخطوطة ، وهو صواب المعنى.(197) في المطبوعة: "كانوا محرمين من أنعامهم" ، والجيد من المخطوطة.(198) في المطبوعة: "ما أحله الله" ، وأثبت ما في المخطوطة.(199) الأثر: 12845 -"محمد بن أبي موسى" ، مضى برقم: 10556.(200) في المطبوعة: "يعقلون أنهم افتروا" ، وأثبت ما في المخطوطة.(201) في المطبوعة: "ممن سنوا لأهل الشرك ، . . . وغيروا" بالجمع ، وأثبت ما في المخطوطة ، وهو صواب محض ، لا يرده أنه قال بعده"وأضافوا" بالجمع.(202) في المطبوعة: "وهم يعمهون" ، وأثبت ما في المخطوطة ، وهو الصواب.(203) قوله: "وأن يقال" ، معطوف على قوله في أول الفقرة: "وأولى الأقوال في ذلك عندنا بالصواب أن يقال. . .".(204) انظر تفسير"افترى" فيما سلف 6: 292/8: 451.(205) في المطبوعة ، أسقط"قبل" ، لسوء كتابتهافي المخطوطة.(206) في المطبوعة: "يقول: لا يعقلون تحريم الشيطان الذي يحرم عليهم" ، زاد وغير ، فأفسد الجملة إفسادًا ، وهو يظن أنه يصلحها.
﴿ ما جعل الله من بحيرة ولا سائبة ولا وصيلة ولا حام ولكن الذين كفروا يفترون على الله الكذب وأكثرهم لا يعقلون ﴾