فلما ولد يحيى، وبلغ مبلغًا يفهم فيه الخطاب، أمره اللَّه أن يأخذ التوراة بجدٍّ واجتهاد بقوله: يا يحيى خذ التوراة بجد واجتهاد بحفظ ألفاظها، وفهم معانيها، والعمل بها، وأعطيناه الحكمة وحسن الفهم، وهو صغير السن.
﴿ تفسير الجلالين ﴾
«يا يحيى خذ الكتاب» أي: التوراة «بقوة» بجد «وآتيناه الحكم» النبوة «صبيا» ابن ثلاث سنين.
﴿ تفسير السعدي ﴾
دل الكلام السابق على ولادة يحيى، وشبابه، وتربيته، فلما وصل إلى حالة يفهم فيها الخطاب أمره الله أن يأخذ الكتاب بقوة، أي: بجد واجتهاد، وذلك بالاجتهاد في حفظ ألفاظه، وفهم معانيه، والعمل بأوامره ونواهيه، هذا تمام أخذ الكتاب بقوة، فامتثل أمر ربه، وأقبل على الكتاب، فحفظه وفهمه، وجعل الله فيه من الذكاء والفطنة، ما لا يوجد في غيره ولهذا قال: وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا ْ أي: معرفة أحكام الله والحكم بها، وهو في حال صغره وصباه.
﴿ تفسير البغوي ﴾
قوله عز وجل : ( يا يحيى ) قيل : فيه حذف معناه : ووهبنا له يحيى وقلنا له : يا يحيى ، ( خذ الكتاب ) يعني التوراة ( بقوة ) بجد ( وآتيناه الحكم ) قال ابن عباس رضي الله عنهما : النبوة ( صبيا ) وهو ابن ثلاث سنين .وقيل : أراد بالحكم فهم الكتاب فقرأ التوراة وهو صغير .وعن بعض السلف : من قرأ القرآن قبل أن يبلغ فهو ممن أوتي الحكم صبيا .
﴿ تفسير الوسيط ﴾
وقوله- سبحانه-: يا يَحْيى خُذِ الْكِتابَ بِقُوَّةٍ مقول لقول محذوف، والسر في حذفه المسارعة إلى الإخبار بإنجاز الوعد الكريم.والتقدير: وبعد أن ولد يحيى، ونما وترعرع قلنا له عن طريق وحينا: يا يَحْيى خُذِ الْكِتابَ الذي هو التوراة بِقُوَّةٍ أى: بجد واجتهاد، وتفهم لمعناه على الوجه الصحيح، وتطبيق ما اشتمل عليه من أحكام وآداب، فإن بركة العلم في العمل به.والجار والمجرور بِقُوَّةٍ حال من فاعل خذ وهو يحيى، والباء للملابسة أى: خذه حالة كونك ملتبسا بحفظه وتنفيذ أحكامه بشدة وثبات.وقوله: وَآتَيْناهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا أى: وأعطيناه بقدرتنا وفضلنا الْحُكْمَ أى: فهم الكتاب والعمل بأحكامه، وهو في سن الصبا.قيل: كان سنه ثلاث سنين، وقيل سبع سنين.قال الآلوسى: «أخرج أبو نعيم، وابن مردويه، والديلمي، عن ابن عباس، عن النبي صلّى الله عليه وسلّم أنه قال في ذلك: «أعطى الفهم والعبادة وهو ابن سبع سنين».وقال الجمل في حاشيته: «فإن قلت: كيف يصح حصول العقل والفطنة والنبوة حال الصبا؟.قلت: لأن أصل النبوة مبنى على خرق العادات. إذا ثبت هذا. فلا تمنع صيرورة الصبى نبيا. وقيل: أراد بالحكم فهم الكتاب فقرأ التوراة وهو صغير.. .والذي تطمئن إليه النفس وعليه جمهور المفسرين أن المراد بالحكم هنا: العلم النافع مع العمل به، وذلك عن طريق حفظ التوراة وفهمها وتطبيق أحكامها.قال ابن كثير: وَآتَيْناهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا أى: الفهم والعلم والجد والعزم، والإقبال على الخير، والإكباب عليه، والاجتهاد فيه، وهو صغير حدث.قال عبد الله بن المبارك: قال معمر: قال الصبيان ليحيى بن زكريا: اذهب بنا نلعب، فقال: ما للعب خلقنا. قال: فلهذا أنزل الله: وَآتَيْناهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا .
﴿ تفسير ابن كثير ﴾
وهذا أيضا تضمن محذوفا ، تقديره : أنه وجد هذا الغلام المبشر به ، وهو يحيى ، عليه السلام ، وأن الله علمه الكتاب ، وهو التوراة التي كانوا يتدارسونها بينهم ، ويحكم بها النبيون الذين أسلموا للذين هادوا والربانيون والأحبار . وقد كان سنه إذ ذاك صغيرا ، فلهذا نوه بذكره ، وبما أنعم به عليه وعلى والديه ، فقال : ( يا يحيى خذ الكتاب بقوة ) أي : تعلم الكتاب ) بقوة ) أي : بجد وحرص واجتهاد ( وآتيناه الحكم صبيا ) أي : الفهم والعلم والجد والعزم ، والإقبال على الخير ، والإكباب عليه ، والاجتهاد فيه وهو صغير حدث السن .قال عبد الله بن المبارك : قال معمر : قال الصبيان ليحيى بن زكريا : اذهب بنا نلعب . قال : ما للعب خلقت ، قال : فلهذا أنزل الله : ( وآتيناه الحكم صبيا ) .
﴿ تفسير القرطبي ﴾
قوله تعالى : يا يحيى خذ الكتاب بقوة في الكلام حذف ؛ المعنى فولد له ولد وقال الله تعالى للمولود : يا يحيى خذ الكتاب بقوة وهذا اختصار يدل الكلام عليه . والكتاب التوراة بلا خلاف . بقوة أي بجد واجتهاد ؛ قاله مجاهد . وقيل : العلم به ، والحفظ له والعمل به ، وهو الالتزام لأوامره ، والكف عن نواهيه ؛ قاله زيد بن أسلم ؛ وقد تقدم في ( البقرة ) .وآتيناه الحكم صبيا قيل : الأحكام والمعرفة بها . وروى معمر أن الصبيان قالوا ليحيى : اذهب بنا نلعب ؛ فقال : ما للعب خلقت . فأنزل الله تعالى : وآتيناه الحكم صبيا وقال قتادة : كان ابن سنتين أو ثلاث سنين . وقال مقاتل : كان ابن ثلاث سنين . و صبيا نصب على الحال . وقال ابن عباس : من قرأ القرآن قبل أن يحتلم فهو ممن أوتي الحكم صبيا . وروي في تفسير هذه الآية من طريق عبد الله بن عمر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : كل بني آدم يأتي يوم القيامة وله ذنب إلا ما كان من يحيى بن زكريا . وقال قتادة : إن يحيى - عليه السلام - لم يعص الله قط بصغيرة ولا كبيرة ولا هم بامرأة . وقال مجاهد : وكان طعام يحيى - عليه السلام - العشب ، كان للدمع في خديه مجار ثابتة . وقد مضى الكلام في معنى قوله : وسيدا وحصورا في ( آل عمران ) .
﴿ تفسير الطبري ﴾
يقول تعالى ذكره: فولد لزكريا يحيى، فلما ولد، قال الله له: يا يحيى، خذ هذا الكتاب بقوة، يعني كتاب الله الذي أنزله على موسى، وهو التوراة بقوّة، يقول: بجدّ.كما حدثنا الحسن، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قتادة، في قوله (خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ) قال : بجدّ.حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال : ثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد (خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ) قال: بجدّ.حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد، مثله.وقال ابن زيد في ذلك ما حدثني به يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: (يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ) قال: القوّة: أن يعمل ما أمره الله به، ويجانب فيه ما نهاه الله عنه .قال أبو جعفر: وقد بيَّنت معنى ذلك بشواهده فيما مضى من كتابنا هذا، في سورة آل عمران، فأغنى ذلك عن إعادته في هذا الموضع.وقوله (وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا) يقول تعالى ذكره: وأعطيناه الفهم لكتاب الله في حال صباه قبل بلوغه أسنان الرجال.وقد حدثنا أحمد بن منيع، قال: ثنا عبد الله بن المبارك، قال: أخبرني معمر، ولم يذكره عن أحد في هذه الآية (وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا) قال: بلغني أن الصبيان قالوا ليحيى: اذهب بنا نلعب، فقال: ما للعب خُلقتُ، فأنزل الله (وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا).وقوله ( وَحَنَانًا مِنْ لَدُنَّا ) يقول تعالى ذكره: ورحمة منا ومحبة له آتيناه الحكم صبيا.وقد اختلف أهل التأويل في معنى الحنان، فقال بعضهم: معناه: الرحمة، ووَجهوا الكلام إلى نحو المعنى الذي وجهناه إليه.* ذكر من قال ذلك:حدثنا علي، قال: ثنا عبد الله، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس، قوله ( وَحَنَانًا مِنْ لَدُنَّا ) يقول: ورحمة من عندنا.حدثنا محمد بن المثنى، قال: ثنا محمد بن جعفر ، قال: ثنا شعبة، عن سماك، عن عكرمة، في هذه الآية ( وَحَنَانًا مِنْ لَدُنَّا ) قال: رحمة.