قل -أيها الرسول-، للذين كفروا من اليهود وغيرهم والذين استهانوا بنصرك في "بَدْر": إنكم ستُهْزَمون في الدنيا وستموتون على الكفر، وتحشرون إلى نار جهنم؛ لتكون فراشًا دائمًا لكم، وبئس الفراش.
﴿ تفسير الجلالين ﴾
«قل» يا محمد «للذين كفروا» من اليهود «ستُغلبون» بالتاء والياء في الدنيا بالقتل والأسر وضرب الجزية وقد وقع ذلك «وتُحشرون» بالوجهين في الآخرة «إلى جهنم» فتدخلونها «وبئس المهاد» الفراش هي.
﴿ تفسير السعدي ﴾
ثم قال تعالى قل يا محمد للذين كفروا ستغلبون وتحشرون إلى جهنم وبئس المهاد وفي هذا إشارة للمؤمنين بالنصر والغلبة وتحذير للكفار، وقد وقع كما أخبر تعالى، فنصر الله المؤمنين على أعدائهم من كفار المشركين واليهود والنصارى، وسيفعل هذا تعالى بعباده وجنده المؤمنين إلى يوم القيامة، ففي هذا عبرة وآية من آيات القرآن المشاهدة بالحس والعيان، وأخبر تعالى أن الكفار مع أنهم مغلوبون في الدار أنهم محشورون ومجموعون يوم القيامة لدار البوار، وهذا هو الذي مهدوه لأنفسهم فبئس المهاد مهادهم، وبئس الجزاء جزاؤهم.
﴿ تفسير البغوي ﴾
قوله تعالى : ( قل للذين كفروا ستغلبون وتحشرون إلى جهنم ) قرأ حمزة والكسائي بالياء فيهما ، أي أنهم يغلبون ويحشرون ، وقرأ الآخرون بالتاء فيهما ، على الخطاب ، أي : قل لهم : إنكم ستغلبون وتحشرون قال مقاتل : أراد مشركي مكة معناه : قل لكفار مكة : ستغلبون يوم بدر وتحشرون إلى جهنم في الآخرة ، فلما نزلت هذه الآية قال لهم النبي صلى الله عليه وسلم يوم بدر " إن الله غالبكم وحاشركم إلى جهنم " .وقال بعضهم المراد بهذه الآية : اليهود ، وقال الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس رضي الله عنهما : إن يهود أهل المدينة قالوا لما هزم رسول الله صلى الله عليه وسلم المشركين يوم بدر : هذا - والله - النبي الذي بشرنا به موسى لا ترد له راية ، وأرادوا اتباعه ، ثم قال بعضهم لبعض : لا تعجلوا حتى تنظروا إلى وقعة أخرى ، فلما كان يوم أحد ونكب أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم شكوا فغلب عليهم الشقاء ، فلم يسلموا ، وقد كان بينهم وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم عهد إلى مدة فنقضوا ذلك العهد وانطلق كعب بن الأشرف في ستين راكبا إلى مكة ليستفزهم ، فأجمعوا أمرهم على قتال رسول الله صلى الله عليه وسلم فأنزل الله تعالى فيهم هذه الآية .وقال محمد بن إسحاق عن رجاله ورواه سعيد بن جبير وعكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما أيضا : أنه لما أصاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قريشا ببدر ورجع إلى المدينة جمع اليهود في سوق بني قينقاع وقال : " يا معشر اليهود احذروا من الله مثل ما نزل بقريش يوم بدر وأسلموا قبل أن ينزل بكم مثل ما نزل بهم فقد عرفتم أني نبي مرسل تجدون ذلك في كتابكم " فقالوا : يا محمد لا يغرنك أنك لقيت قوما أغمارا لا علم لهم بالحرب فأصبت منهم فرصة وإنا والله لو قاتلناك لعرفت أنا نحن الناس ، فأنزل الله تعالى ( قل للذين كفروا ستغلبون ) تهزمون ( وتحشرون ) في الآخرة ( إلى جهنم ) ( وبئس المهاد ) الفراش ، أي بئس ما مهد لهم يعني النار
﴿ تفسير الوسيط ﴾
ثم أنذر الله- تعالى- الكافرين بسوء المصير، وبشر المؤمنين بحسن العاقبة فقال- تعالى-:قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا سَتُغْلَبُونَ وَتُحْشَرُونَ إِلى جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمِهادُ.وقد وردت روايات في سبب نزول هذه الآية والتي بعدها. من أشهرها: ما ذكره ابن إسحاق عن عاصم بن عمرو بن قتادة أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لما أصاب من قريش ما أصاب في غزوة بدر ورجع إلى المدينة جمع اليهود في سوق بنى قينقاع وقال: «يا معشر اليهود احذروا من الله مثل ما نزل بقريش يوم بدر قبل أن ينزل بكم ما نزل بهم، فقد عرفتم أنى نبي مرسل تجدون ذلك في كتابكم وعهد الله إليكم» فقالوا يا محمد، لا يغرنك أنك قتلت نفرا من قريش كانوا أغمارا لا علم لهم بالحرب فأصبت فيهم فرصة. إنك والله لو قاتلتنا لعرفت أنا نحن الناس. فأنزل الله- تعالى- قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا سَتُغْلَبُونَ إلى قوله- تعالى- لَعِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصارِ . والمعنى: قل يا محمد لهؤلاء اليهود وأمثالهم من المشركين الذين يدلون بقوتهم، ويغترون بأموالهم وأولادهم وعصبيتهم.. قل لهم ستغلبون وتهزمون في الدنيا على أيدى المؤمنين وتحشرون يوم القيامة ثم تساقون إلى نار جهنم لتلقوا فيها مصيركم المؤلم، وَبِئْسَ الْمِهادُ أى بئس المكان الذي هيئوه لأنفسهم في الآخرة بسبب سوء فعلهم. والمهاد: المكان الممهد الذي ينام عليه كالفراش.ولقد أمر الله- تعالى- نبيه صلّى الله عليه وسلّم أن يتولى الرد عليهم. وأن يواجههم بهذا الخطاب المشتمل على التهديد والوعيد، لأنهم كانوا يتفاخرون عليه بأموالهم وبقوتهم، فكان من المناسب أن يتولى صلّى الله عليه وسلّم الرد عليهم، وأن يخبرهم بأن النصر سيكون له ولأصحابه، وأن الدائرة ستدور عليهم.وقوله سَتُغْلَبُونَ إخبار عن أمر يحصل في المستقبل، وقد وقع كما أخبر به الله- تعالى-فقد دارت الدائرة على اليهود من بنى قينقاع والنضير وقريظة وغيرهم، بعد بضع سنوات من الهجرة، وتم فتح مكة في السنة الثامنة بعد الهجرة.وقوله وَبِئْسَ الْمِهادُ إما من تمام ما يقال لهم، أو استئناف لتهويل شأن جهنم، وتفظيع حال أهلها.
﴿ تفسير ابن كثير ﴾
يقول تعالى : قل يا محمد للكافرين : ( ستغلبون ) أي : في الدنيا ، ( وتحشرون ) أي : يوم القيامة ( إلى جهنم وبئس المهاد ) .وقد ذكر محمد بن إسحاق بن يسار ، عن عاصم بن عمر بن قتادة ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما أصاب من أهل بدر ما أصاب ورجع إلى المدينة ، جمع اليهود في سوق بني قينقاع وقال : " يا معشر يهود ، أسلموا قبل أن يصيبكم الله ما أصاب قريشا " . فقالوا : يا محمد ، لا يغرنك من نفسك أن قتلت نفرا من قريش كانوا أغمارا لا يعرفون القتال ، إنك والله لو قاتلتنا لعرفت أنا نحن الناس ، وأنك لم تلق مثلنا ؟ فأنزل الله في ذلك من قولهم : ( قل للذين كفروا ستغلبون وتحشرون إلى جهنم وبئس المهاد ) إلى قوله : ( لعبرة لأولي الأبصار ) .وقد رواه ابن إسحاق أيضا ، عن محمد بن أبي محمد ، عن سعيد أو عكرمة ، عن ابن عباس فذكره
﴿ تفسير القرطبي ﴾
قوله تعالى : قل للذين كفروا ستغلبون وتحشرون إلى جهنم وبئس المهاديعني اليهود ، قال محمد بن إسحاق : لما أصاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قريشا ببدر وقدم المدينة جمع اليهود فقال : ( يا معشر اليهود احذروا من الله مثل ما نزل بقريش يوم بدر قبل أن ينزل بكم ما نزل بهم فقد عرفتم أني نبي مرسل تجدون ذلك في كتابكم وعهد الله إليكم ) فقالوا : يا محمد ، لا يغرنك أنك قتلت أقواما أغمارا لا علم لهم بالحرب فأصبت فيهم فرصة ، والله لو قاتلتنا لعرفت أنا نحن الناس . فأنزل الله تعالى : قل للذين كفروا ستغلبون بالتاء يعني اليهود : أي تهزمونوتحشرون إلى جهنم في الآخرة . فهذه رواية عكرمة وسعيد بن جبير عن ابن عباس . وفي رواية أبي صالح عنه أن اليهود لما فرحوا بما أصاب المسلمين يوم أحد نزلت . فالمعنى على هذا " سيغلبون " بالياء ، يعني قريشا ، " ويحشرون " بالياء فيهما ، وهي قراءة نافع .قوله تعالى : وبئس المهاد يعني جهنم ; هذا ظاهر الآية . وقال مجاهد : المعنى بئس ما مهدوا لأنفسهم ، فكأن المعنى : بئس فعلهم الذي أداهم إلى جهنم .
﴿ تفسير الطبري ﴾
القول في تأويل قوله : قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا سَتُغْلَبُونَ وَتُحْشَرُونَ إِلَى جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمِهَادُ (12)قال أبو جعفر: اختلفت القرأة في ذلك.فقرأه بعضهم: ( قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا سَتُغْلَبُونَ وَتُحْشَرُونَ ) بالتاء، على وجه الخطاب للذين كفروا بأنهم سيغلبون. واحتجوا لاختيارهم قراءة ذلك بالتاء بقوله: قَدْ كَانَ لَكُمْ آيَةٌ فِي فِئَتَيْنِ . قالوا: ففي ذلك دليل على أن قوله: " ستغلبون "، كذلك، خطابٌ لهم. وذلك هو قراءة عامة قرأة الحجاز والبصرة وبعض الكوفيين. وقد يجوز لمن كانت نيته في هذه الآية: أنّ الموعودين بأن يُغلبوا، هم الذين أُمِر النبي صلى الله عليه وسلم بأن يقول ذلك لهم = أن يقرَأه بالياء والتاء. لأن الخطابَ بالوحي حين نزل، لغيرهم. فيكون نظير قول القائل في الكلام: " قلت للقوم: إنكم مغلوبون "، و " قلت لهم: إنهم مغلوبون ". وقد ذكر أن في قراءة عبد الله: ( قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ تَنْتَهُوا يُغْفَرُ لَكُمْ ) [سورة الأنفال: 38]، وهي في قراءتنا: إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ .* * *وقرأت ذلك جماعة من قرأة أهل الكوفة: ( سَيُغْلَبُونَ وَيُحْشَرُونَ )، على معنى: قل لليهود: سيغلب مشركو العرب ويحشرون إلى جهنم. ومن قرأ ذلك كذلك على هذا التأويل، لم يجز في قراءته غير الياء. (10)* * *قال أبو جعفر: والذي نختار من القراءة في ذلك، قراءةُ من قرأه بالتاء، بمعنى: قل يا محمد للذين كفروا من يهود بني إسرائيل الذين يتبعون ما تشابه من آي الكتاب الذي أنزلته إليك ابتغاءَ الفتنة وابتغاءَ تأويله: " ستغلبون وتحشرون إلى جهنم وبئس المهاد ".وإنما اخترنا قراءة ذلك كذلك، على قراءته بالياء، لدلالة قوله: قَدْ كَانَ لَكُمْ آيَةٌ فِي فِئَتَيْنِ ، على أنهم بقوله: " ستغلبون "، مخاطبون خطابهم بقوله: " قد كان لكم "، فكان إلحاق الخطاب بمثله من الخطاب، أولى من الخطاب بخلافه من الخبر عن غائب.= وأخرى أنّ:-6666 - أبا كريب حدثنا قال، حدثنا يونس بن بكير، عن محمد بن إسحاق قال، حدثني محمد بن أبي محمد مولى زيد، عن سعيد بن جبير أو عكرمة، عن ابن عباس قال، لما أصاب رسولُ الله صلى الله عليه وسلم قريشًا يوم بدْر فقدم المدينة، جمع يهودَ في سوق بني قَينُقاع. فقال: يا معشر يهود، أسلموا قبل أن يصيبكم مثل ما أصاب قريشًا! فقالوا: يا محمد، لا تغرّنك نفسك أنك قتلتَ نفرًا من قريش كانوا أغمارًا لا يعرفون القتال، (11) إنك والله لو قاتلتنا لعرفت أنا نحن الناس، وأنك لم تأت مثلنا!! (12) فأنزل الله عز وجل في ذلك من قولهم: " قلْ للذين كفروا ستغلبون وتحشرون إلى جهنم وبئس المهاد " إلى قوله: لأُولِي الأَبْصَارِ .6667 - حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة قال، حدثنا محمد بن إسحاق، عن عاصم بن عُمر بن قتادة، قال: لما أصاب الله قريشًا يوم بدر، جمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يهودَ في سوق بني قينقاع حين قدم المدينة = ثم ذكر نحو حديث أبي كريب، عن يونس. (13)6668 - حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق قال: كان من أمر بني قينقاع أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جمعهم بسوق بني قَينُقاع، ثم قال: يا معشر اليهود، احذروا من الله مثل ما نزل بقريش من النِّقمة، وأسلموا، فإنكم قد عرفتم أني نبيٌّ مُرْسل، تجدون ذلك في كتابكم وعهد الله إليكم! فقالوا: يا محمد، إنك ترى أنا كقومك! (14) لا يغرَّنك أنك لقيت قومًا لا علم لهم بالحرب فأصبتَ فيهم فرصة! إنا والله لئن حاربناك لتعلمنّ أنا نحن الناس. (15)6669 - حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة، عن محمد بن إسحاق، عن محمد بن أبي محمد مولى آل زيد بن ثابت، عن سعيد بن جبير أو عكرمة، عن ابن عباس، قال: ما نزلت هؤلاء الآيات إلا فيهم: " قُلْ للذين كفروا ستغلبون وتحشرونَ إلى جهنم وبئس المهاد " إلى لأُولِي الأَبْصَارِ . (16)6670 - حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج، عن عكرمة في قوله: " قل للذين كفروا ستغلبون وتحشرون إلى جهنم وبئس المهاد "، قال فِنْحاص اليهودي في يوم بدر: لا يغرَّنَّ محمدًا أنْ غلب قريشًا وقتلهم! إنّ قريشًا لا تُحسنُ القتال! فنزلت هذه الآية: " قل للذين كفروا ستغلبون وتحشرون إلى جهنم وبئس المهاد ".* * *قال أبو جعفر: فكل هذه الأخبار تنبئ عن أن المخاطبين بقوله: " ستغلبون وتحشرون إلى جهنم وبئس المهاد "، هم اليهود المقولُ لهم: قَدْ كَانَ لَكُمْ آيَةٌ فِي فِئَتَيْنِ ، الآية - وتدل على أن قراءَة ذلك بالتاء، أولى من قراءته بالياء.* * *ومعنى قوله: " وتحشرون "، وتجمعون، فتجلبون إلى جهنم. (17)* * *وأما قوله: " وبئس المهاد "، وبئس الفراش جهنم التي تحشرون إليها. (18) وكان مجاهد يقول كالذي:-6671 - حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم، عن عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قوله: " وبئس المهاد "، قال: بئسما مَهدُوا لأنفسهم.6672 - حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد مثله._________________الهوامش :(10) انظر هذا كله في معاني القرآن للفراء 1: 191-192.(11) في سيرة ابن هشام: "لا يغرنك من نفسك". والأغمار جمع غمر (بضم فسكون): وهو الجاهل الغر الذي لم يجرب الأمور ، ولم تحنكه التجارب.(12) في ابن هشام: "لم تلق مثلنا".(13) الأثر: 6666 ، 6667- في سيرة ابن هشام 2: 201.(14) في ابن هشام: "أنا قومك" بحذف الكاف ، وهي جيدة جدًا ، ولكن ما في التفسير موافق لما في التاريخ.(15) الأثر: 6668- سيرة ابن هشام 3: 50 / تاريخ الطبري 2: 297.(16) الأثر: 6669 - سيرة ابن هشام 3: 51 .(17) لم يفسر أبو جعفر"تحشرون" فيما سلف 4: 228 ، وذلك دليل على ما روى من اختصاره هذا التفسير اختصارًا.(18) انظر ما سلف 4: 246.