فإن لم يستجب هؤلاء المشركون لكم -أيها الرسول ومَن آمن معك- لما تدعونهم إليه؛ لِعَجْز الجميع عن ذلك، فاعلموا أن هذا القرآن إنما أنزله الله على رسوله بعلمه وليس من قول البشر، واعلموا أن لا إله يُعبد بحق إلا الله، فهل أنتم -بعد قيام هذه الحجة عليكم- مسلمون منقادون لله ورسوله؟
﴿ تفسير الجلالين ﴾
«فإ» ن «لم يستجيبوا لكم» أي من دعوتموهم للمعاونة «فاعلموا» خطاب للمشركين «أنما أنزل» ملتبسا «بعلم الله» وليس افتراء عليه «وأن» مخففة أي أنه «لا إله إلا هو فهل أنتم مسلمون» بعد هذه الحجة القاطعة أي أسلموا.
﴿ تفسير السعدي ﴾
فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكُمْ على شيء من ذلكم فَاعْلَمُوا أَنَّمَا أُنْزِلَ بِعِلْمِ اللَّهِ [من عند الله] لقيام الدليل والمقتضي، وانتفاء المعارض. وَأَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ أي: واعلموا أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ أي: هو وحده المستحق للألوهية والعبادة، فَهَلْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ أي: منقادون لألوهيته، مستسلمون لعبوديته، وفي هذه الآيات إرشاد إلى أنه لا ينبغي للداعي إلى الله أن يصده اعتراض المعترضين، ولا قدح القادحين.خصوصا إذا كان القدح لا مستند له، ولا يقدح فيما دعا إليه، وأنه لا يضيق صدره، بل يطمئن بذلك، ماضيا على أمره، مقبلا على شأنه، وأنه لا يجب إجابة اقتراحات المقترحين للأدلة التي يختارونها. بل يكفي إقامة الدليل السالم عن المعارض، على جميع المسائل والمطالب. وفيها أن هذا القرآن، معجز بنفسه، لا يقدر أحد من البشر أن يأتي بمثله، ولا بعشر سور من مثله، بل ولا بسورة من مثله، لأن الأعداء البلغاء الفصحاء، تحداهم الله بذلك، فلم يعارضوه، لعلمهم أنهم لا قدرة فيهم على ذلك.وفيها: أن مما يطلب فيه العلم، ولا يكفي غلبة الظن، علم القرآن، وعلم التوحيد، لقوله تعالى: فَاعْلَمُوا أَنَّمَا أُنْزِلَ بِعِلْمِ اللَّهِ وَأَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ
﴿ تفسير البغوي ﴾
( فإن لم يستجيبوا لكم ) يا أصحاب محمد . وقيل : لفظه جمع والمراد به الرسول صلى الله عليه وسلم وحده . ( فاعلموا ) قيل : هذا خطاب مع المؤمنين . وقيل : مع المشركين ، ( أنما أنزل بعلم الله ) يعني : القرآن . وقيل : أنزله وفيه علمه ، ( وأن لا إله إلا هو ) أي : فاعلموا أن لا إله إلا هو ، ( فهل أنتم مسلمون ) لفظه استفهام ومعناه أمر ، أي : أسلموا .
﴿ تفسير الوسيط ﴾
وقوله- سبحانه- فَإِلَّمْ يَسْتَجِيبُوا لَكُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّما أُنْزِلَ بِعِلْمِ اللَّهِ، وَأَنْ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ فَهَلْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ إرشاد لهؤلاء المشركين إلى طريق الحق والسعادة لو كانوا يعقلون، إذ الخطاب موجه إليهم لعلهم يثوبون إلى الرشد.والمعنى: قل- أيها الرسول الكريم- لهؤلاء الذين تحديتهم أن يأتوا بعشر سور من مثل القرآن، وأبحت لهم أن يستعينوا في ذلك بمن شاءوا من البشر، قل لهم: فإن لم يستجب لدعوتكم من استعنتم بهم في الإتيان بعشر سور من مثل القرآن.. وهم لن يستجيبوا لكم قطعا- فَاعْلَمُوا أيها الناس أن هذا القرآن أُنْزِلَ بِعِلْمِ اللَّهِ وحده، وبقدرته وحدها. ولا يقدر على إنزاله بتلك الصورة أحد سواه.واعلموا- أيضا- أنه لا إِلهَ إِلَّا هُوَ- سبحانه- فهو الإله الحق، الذي تعنو له الوجوه، وتخضع له القلوب، وتتجه إليه النفوس بالعبادة والطاعة.فَهَلْ أَنْتُمْ أيها المشركون بعد كل تلك الأدلة الواضحة الدالة على وحدانية الله، وعلى أن هذا القرآن من عنده مُسْلِمُونَ أى: داخلون في الإسلام، متبعون لما جاءكم به الرسول صلى الله عليه وسلم.والمراد بالعلم في قوله فَاعْلَمُوا أَنَّما أُنْزِلَ ... : الاعتقاد الجازم البالغ نهاية اليقين، أى فأيقنوا أن هذا القرآن ما أنزل إلا ملابسا لعلم الله- تعالى- المحيط بكل شيء.والفاء في قوله فَهَلْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ للتفريع، والاستفهام هنا المقصود به الحض على الفعل وعدم تأخيره.أى: فهل أنتم بعد كل هذه الأدلة على صدق ما جاءكم به نبينا محمد صلى الله عليه وسلم تشكون في أن الإسلام هو الدين الحق؟ إن الشك في ذلك لا يكون من عاقل، فبادروا إلى الدخول في الإسلام إن كنتم من ذوى العقول التي تعقل ما يقال لها.ويرى بعض العلماء أن الخطاب في هذه الآية موجه إلى النبي صلى الله عليه وسلم والمسلمين، أو إليه وحده صلى الله عليه وسلم وعلى سبيل التعظيم وعليه يكون المعنى:«فإن لم يستجب لكم- أيها المؤمنون- هؤلاء الذين أعرضوا عن دعوة الحق، بعد أن ثبت عجزهم عن الإتيان بما تحديتموهم به فَاعْلَمُوا أى فازدادوا علما ويقينا وثباتا، بأن هذا القرآن «إنما أنزل بعلم الله» الذي لا يعزب عنه شيء، وازدادوا علما بأنه لا إله إلا هو- سبحانه- مستحق للعبادة والطاعة، فهل أنتم بعد كل ذلك مُسْلِمُونَ أى ثابتون على الإسلام، وملتزمون بكل أوامره ونواهيه.ومع أننا نرى أن القولين صحيحان من حيث المعنى، إلا أننا نفضل الرأى الأول القائل بأن الخطاب للمشركين، لأن سياق الآيات السابقة في شأنهم فلأن يكون الخطاب لهم هنا أولى.ثم بين- سبحانه- سوء مصير الذين لا يريدون بأقوالهم وأعمالهم وجه الله- تعالى- فقال:
﴿ تفسير ابن كثير ﴾
ثم قال تعالى : ( فإن لم يستجيبوا لكم ) أي : فإن لم يأتوا بمعارضة ما دعوتموهم إليه ، فاعلموا أنهم عاجزون عن ذلك ، وأن هذا الكلام منزل من عند الله ، متضمن علمه وأمره ونهيه ، ( وأن لا إله إلا هو فهل أنتم مسلمون ) .
﴿ تفسير القرطبي ﴾
قوله تعالى : فإن لم يستجيبوا لكم فاعلموا أنما أنزل بعلم الله وأن لا إله إلا هو فهل أنتم مسلمونقوله تعالى : فإن لم يستجيبوا لكم أي في المعارضة ولم تتهيأ لهم فقد قامت عليهم الحجة ; إذ هم اللسن البلغاء ، وأصحاب الألسن الفصحاء . فاعلموا أنما أنزل بعلم الله واعلموا صدق محمد - صلى الله عليه وسلم - " و " اعلموا " أن لا إله إلا هو فهل أنتم مسلمون " استفهام معناه الأمر ، وقد تقدم القول في معنى هذه الآية ، وأن القرآن معجز في مقدمة الكتاب . والحمد لله .وقال : قل فأتوا وبعده . فإن لم يستجيبوا لكم ولم يقل لك ; فقيل : هو على تحويل المخاطبة من الإفراد إلى الجمع تعظيما وتفخيما ; وقد يخاطب الرئيس بما يخاطب به الجماعة . وقيل : الضمير في " لكم " وفي " فاعلموا " للجميع ، أي فليعلم الجميع أنما أنزل بعلم الله ; قاله مجاهد . وقيل : الضمير في " لكم " وفي " فاعلموا " للمشركين ; والمعنى : فإن لم يستجب لكم من تدعونه إلى المعاونة ; ولا تهيأت لكم المعارضة فاعلموا أنما أنزل بعلم الله . وقيل : الضمير في " لكم " للنبي - صلى الله عليه وسلم - وللمؤمنين ، وفي " فاعلموا " للمشركين .
﴿ تفسير الطبري ﴾
القول في تأويل قوله تعالى : فَإِلَّمْ يَسْتَجِيبُوا لَكُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّمَا أُنْزِلَ بِعِلْمِ اللَّهِ وَأَنْ لا إِلَهَ إِلا هُوَ فَهَلْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (14)قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره لنبيه: قل يا محمد لهؤلاء المشركين: فإن لم يستجب لكمْ من تدعون من دون الله إلى أنْ يأتوا بعشر سور مثل هذا القرآن مفتريات، ولم تطيقوا أنتم وهم أن تأتوا بذلك، فاعلموا وأيقنوا أنه إنما أنزل من السماء على محمد صلى الله عليه وسلم بعلم الله وإذنه، وأن محمدًا لم يفتره، ولا يقدر أن يفتريه ، (وأن لا إله إلا هو)، يقول: وأيقنوا أيضًا أن لا معبود يستحق الألوهة على الخلق إلا الله الذي له الخلق والأمر، فاخلعوا الأنداد والآلهة ، وأفردوا له العبادة.* * *وقد قيل: إن قوله: (فإن لم يستجيبوا لكم) خطاب من الله لنبيه، كأنه قال: فإن لم يستجب لك هؤلاء الكفار ، يا محمد، فاعلموا ، أيها المشركون ، أنما أنزل بعلم الله ، وذلك تأويل بعيد من المفهوم.* * *وقوله: (فهل أنتم مسلمون) ، يقول: فهل أنتم مذعنون لله بالطاعة، ومخلصون له العبادة ، بعد ثبوت الحجة عليكم؟* * *وكان مجاهد يقول: عني بهذا القول أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم.18009- حدثني محمد بن عمرو قال ، حدثنا أبو عاصم قال ، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: (فهل أنتم مسلمون) ، قال: لأصحاب محمد صلى الله عليه وسلم.18010- حدثني المثنى قال ، حدثنا أبو حذيفة قال ، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد قال ،18010- وحدثنا إسحاق قال ، حدثنا عبد الله، عن ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قوله: (وأن لا إله إلا هو فهل أنتم مسلمون) ، قال: لأصحاب محمد صلى الله عليه وسلم.18011- حدثنا القاسم قال ، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد، مثله.* * *وقيل: (فإن لم يستجيبوا لكم) ، والخطاب في أوّل الكلام قد جرى لواحدٍ، وذلك قوله: قُلْ فَأْتُوا ، ولم يقل: " فإن لم يستجيبوا لك " على نحو ما قد بينا قبلُ في خطاب رئيس القوم وصاحب أمرهم، أن العرب تخرج خطابه أحيانا مخرج خطاب الجمع، إذا كانَ خطابه خطابًا لأتباعه وجنده، وأحيانًا مخرج خطاب الواحد ، إذا كان في نفسه واحدًا. (5)--------------------الهوامش :(5) انظر ما سلف 12 : 298 ، 549 ، تعليق : 1 ، والمراجع هناك .
﴿ فإلم يستجيبوا لكم فاعلموا أنما أنـزل بعلم الله وأن لا إله إلا هو فهل أنتم مسلمون ﴾