وما ينتظر هؤلاء المشركون لحلول العذاب عليهم إن بقوا على شركهم، إلا نفخة واحدة ما لها من رجوع.
﴿ تفسير الجلالين ﴾
«وما ينظر» ينتظر «هؤلاء» أي كفار مكة «إلا صيحة واحدة» هي نفخة القيامة تحل بهم العذاب «ما لها من فواق» بفتح الفاء وضمها: رجوع.
﴿ تفسير السعدي ﴾
فلينتظروا صَيْحَةً وَاحِدَةً مَا لَهَا مِنْ فَوَاقٍ أي: من رجوع ورد، تهلكهم وتستأصلهم إن أقاموا على ما هم عليه.
﴿ تفسير البغوي ﴾
( وما ينظر ) ينتظر ) ( هؤلاء ) يعني : كفار مكة ، ( إلا صيحة واحدة ) وهي نفخة الصور ، ( ما لها من فواق ) قرأ حمزة ، والكسائي : " فواق " بضم الفاء ، وقرأ الآخرون بفتحها وهما لغتان ، فالفتح لغة قريش ، والضم لغة تميم .قال ابن عباس وقتادة : من رجوع ، أي : ما يرد ذلك الصوت فيكون له رجوع .وقال مجاهد : نظرة . وقال الضحاك : مثنوية ، أي صرف ورد .والمعنى : أن تلك الصيحة التي هي ميعاد عذابهم إذا جاءت لم ترد ولم تصرف .وفرق بعضهم بين الفتح والضم ، فقال الفراء ، وأبو عبيدة : الفتح بمعنى الراحة والإفاقة ، كالجواب من الإجابة ، ذهبا بها إلى إفاقة المريض من علته ، والفواق بالضم ما بين الحلبتين ، وهو أن تحلب الناقة ثم تترك ساعة حتى يجتمع اللبن ، فما بين الحلبتين فواق ، أي أن العذاب لا يمهلهم بذلك القدر .وقيل : هما أيضا مستعارتان من الرجوع ؛ لأن اللبن يعود إلى الضرع بين الحلبتين ، وإفاقة المريض : رجوعه إلى الصحة .
﴿ تفسير الوسيط ﴾
وقوله- سبحانه-: وَما يَنْظُرُ هؤُلاءِ إِلَّا صَيْحَةً واحِدَةً ما لَها مِنْ فَواقٍ. بيان للعذاب المعد للمشركين المعاصرين للنبي صلّى الله عليه وسلم بعد بيان العقاب الذي حل بالسابقين.والمراد بالصيحة هنا: النفخة الثانية التي ينفخها إسرافيل في الصور، فيقوم الخلائق من قبورهم للحساب والجزاء.وقيل المراد بها النفخة الأولى، وضعف هذا القول بأنهم لن يكونوا موجودين وقتها حتى يصعقوا بها..وينظرون هنا بمعنى ينتظرون. وجعلهم- سبحانه- منتظرين للعقاب مع أنهم لم ينتظروه على سبيل الحقيقة للإشعار بتحقق وقوعه، وأنهم بصدد لقائه، فهم لذلك في حكم المنتظرين له.أى: وما ينتظر هؤلاء المشركون الذين هم أمثال المهلكين من قبلهم، إِلَّا صَيْحَةً واحِدَةً أى: نفخة واحدة ينفخها إسرافيل فَإِذا هُمْ مِنَ الْأَجْداثِ إِلى رَبِّهِمْ يَنْسِلُونَ، وهذه النفخة ما لَها مِنْ فَواقٍ أى: ليس لها من توقف وانتظار حتى ولو بمقدار فواق ناقة وهو الزمن الذي يكون بين الحلبتين، أو الزمن الذي يكون فيه رجوع اللبن في الضرع بعد الحلب.والمقصود بيان أن هذه الصيحة سريعة الوقوع، وأنها لن تتأخر عن وقتها، وأنها صيحة واحدة فقط يتم بعدها كل شيء يتعلق بالبعث والجزاء.قال الجمل في حاشيته ما ملخصه: قوله: ما لَها مِنْ فَواقٍ يجوز أن يكون قوله لَها رافعا لقوله: مِنْ فَواقٍ على الفاعلية لاعتماده على النفي.وأن يكون جملة من مبتدأ وخبر، وعلى التقديرين فالجملة المنفية صفة لصيحة، ومن مزيدة..والفواق- بفتح الفاء وضمها- الزمان الذي بين حلبتى الحالب ورضعتى الراضع- والمعنى: ما لها من توقف قدر فواق ناقة. وفي الحديث: «العيادة قدر فواق ناقة» .. .
﴿ تفسير ابن كثير ﴾
وقوله : ( وما ينظر هؤلاء إلا صيحة واحدة ما لها من فواق ) قال مالك عن زيد بن أسلم : أي ليس لها مثنوية أي : ما ينظرون إلا الساعة أن تأتيهم بغتة فقد جاء أشراطها أي : فقد اقتربت ودنت وأزفت وهذه الصيحة هي نفخة الفزع التي يأمر الله إسرافيل أن يطولها ، فلا يبقى أحد من أهل السماوات والأرض إلا فزع إلا من استثنى الله - عز وجل - .
﴿ تفسير القرطبي ﴾
قوله تعالى : وما ينظر هؤلاء إلا صيحة واحدة ينظر بمعنى ينتظر ، ومنه قوله تعالى : انظرونا نقتبس من نوركم هؤلاء يعني كفار مكة . إلا صيحة واحدة أي : نفخة القيامة . أي : ما ينتظرون بعد ما أصيبوا ببدر إلا صيحة القيامة . وقيل : ما ينتظر أحياؤهم الآن إلا الصيحة التي هي النفخة في الصور ، كما قال تعالى : ما ينظرون إلا صيحة واحدة تأخذهم وهو يخصمون فلا يستطيعون توصية وهذا إخبار عن قرب القيامة والموت . وقيل : أي : ما ينتظر كفار آخر هذه الأمة المتدينين بدين أولئك إلا صيحة واحدة وهي النفخة . وقال عبد الله بن عمرو : لم تكن صيحة في السماء إلا بغضب من الله - عز وجل - على أهل الأرض .ما لها من فواق أي من ترداد ، عن ابن عباس . مجاهد : ما لها رجوع . قتادة : ما لها من مثنوية . السدي : ما لها من إفاقة . وقرأ حمزة والكسائي : " ما لها من فواق " بضم الفاء . الباقون بالفتح . الجوهري : والفواق والفواق ما بين الحلبتين من الوقت ; لأنها تحلب ثم تترك سويعة يرضعها الفصيل لتدر ثم تحلب . يقال : ما أقام عنده إلا فواقا ، وفي الحديث : ( العيادة قدر فواق الناقة ) . وقوله تعالى : ما لها من فواق يقرأ بالفتح والضم أي : ما لها من نظرة وراحة وإفاقة . والفيقة بالكسر اسم اللبن الذي يجتمع بين الحلبتين : صارت الواو ياء لكسر ما قبلها ، قال الأعشى يصف بقرة :حتى إذا فيقة في ضرعها اجتمعت جاءت لترضع شق النفس لو رضعاوالجمع فيق ثم أفواق ، مثل : شبر وأشبار ، ثم أفاويق . قال ابن همام السلولي :وذموا لنا الدنيا وهم يرضعونها أفاويق حتى ما يدر لها ثعلوالأفاويق أيضا ما اجتمع في السحاب من ماء ، فهو يمطر ساعة بعد ساعة . وأفاقت الناقة إفاقة أي : اجتمعت الفيقة في ضرعها ، فهي مفيق ومفيقة - عن أبي عمرو - والجمع مفاويق . وقال الفراء وأبو عبيدة وغيرهما : من فواق بفتح الفاء أي : راحة لا يفيقون فيها ، كما يفيق المريض والمغشي عليه . و " من فواق " بضم الفاء : من انتظار . وقد تقدم أنهما بمعنى وهو ما بين الحلبتين .قلت : والمعنى المراد أنها ممتدة لا تقطيع فيها . وروى أبو هريرة قال : حدثنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ونحن في طائفة من أصحابه . . . الحديث . وفيه : يأمر الله - عز وجل - إسرافيل بالنفخة الأولى فيقول : انفخ نفخة الفزع ، فيفزع أهل السماوات وأهل الأرض إلا من شاء الله ، ويأمره فيمدها ويديمها ويطولها . يقول الله - عز وجل - : ما ينظر هؤلاء إلا صيحة واحدة ما لها من فواق . . . وذكر الحديث ، خرجه علي بن معبد وغيره كما ذكرناه في كتاب التذكرة .
﴿ تفسير الطبري ﴾
القول في تأويل قوله تعالى : وَمَا يَنْظُرُ هَؤُلاءِ إِلا صَيْحَةً وَاحِدَةً مَا لَهَا مِنْ فَوَاقٍ (15)يقول تعالى ذكره: ( وَمَا يَنْظُرُ هَؤُلاءِ ) المشركون بالله من قُريش ( إِلا صَيْحَةً وَاحِدَةً ) يعني بالصيحة الواحدة: النفخة الأولى في الصور ( مَا لَهَا مِنْ فَوَاقٍ ) يقول: ما لتلك الصيحة من فيقة, يعني من فتور ولا انقطاع.وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.* ذكر من قال ذلك:حدثنا بشر, قال: ثنا يزيد, قال: ثنا سعيد, عن قتادة, قوله ( وَمَا يَنْظُرُ هَؤُلاءِ إِلا صَيْحَةً وَاحِدَةً ) يعني: أمة محمد ( مَا لَهَا مِنْ فَوَاقٍ )حدثنا أبو كُرَيب, قال: ثنا المحاربي, عن إسماعيل بن رافع, عن يزيد بن زياد, عن رجل من الأنصار, عن محمد بن كعب القرظي, عن أبي هريرة, قال: قال رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم: " إنَّ الله لما فَرغَ مِنْ خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ خَلَقَ الصُّورَ, فَأَعْطَاهُ إسْرَافِيلَ, فَهُوَ وَاضِعُهُ عَلَى فِيهِ شَاخِص بِبَصَرِهِ إلَى العَرْشِ يَنْتَظِرُ مَتَى يُؤْمَرُ". قال أبو هريرة: يا رسول الله وما الصور؟ قال: " قَرْنٌ", قال: كيف هو؟ قال: " قَرْنٌ عَظِيمٌ يُنْفَخُ فِيهِ ثَلاثُ نَفَخَاتٍ: نَفْخَةُ الفَزَعِ الأولى, والثَّانِيَةُ: نَفْخَةُ الصَّعْقِ, والثَّالِثَةُ: نَفْخَةُ القِيَامِ لِرَبّ العَالَمِينَ, يَأْمُرُ الله إسْرَافِيلَ بالنَّفْخَةِ الأولى, فَيَقُولُ: انْفُخْ نَفْخَةَ الفَزَعِ, فَيَفْزَعُ أهْلُ السَّمَاوَاتِ وَأهْلُ الأرْضِ إلا مَنْ شَاءَ الله, وَيَأْمُرُهُ الله فَيُدِيمُهَا وَيُطَوِّلُهَا, فَلا يَفْتُرُ وَهِيَ الَّتِي يَقُولُ الله ( مَا يَنْظُرُ هَؤُلاءِ إِلا صَيْحَةً وَاحِدَةً مَا لَهَا مِنْ فَوَاقٍ ) . واختلف أهل التأويل في معنى قوله ( مَا لَهَا مِنْ فَوَاقٍ )" فقال بعضهم: يعني بذلك: ما لتلك الصيحة من ارتداد ولا رجوع.* ذكر من قال ذلك:حدثني عليّ, قال: ثنا عبد الله, قال: ثني معاوية, عن عليّ, عن ابن عباس ( مَا لَهَا مِنْ فَوَاقٍ ) يقول: من ترداد.حدثني محمد بن سعد, قال: ثني أبي, قال: ثني عمي, قال: ثني أبي, عن أبيه, عن ابن عباس ( مَا لَهَا مِنْ فَوَاقٍ ) يقول: ما لها من رجعة.حدثني محمد بن عمرو, قال: ثنا أبو عاصم, قال: ثنا عيسى; وحدثني الحارث, قال: ثنا الحسن, قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, قوله ( مَا لَهَا مِنْ فَوَاقٍ ) قال: من رجوع.حدثنا بشر, قال: ثنا يزيد, قال: ثنا سعيد, عن قتادة ( مَا لَهَا مِنْ فَوَاقٍ ) يعني الساعة ما لها من رجوع ولا ارتداد.وقال آخرون: بل معنى ذلك: ما لهؤلاء المشركين بعد ذلك إفاقة ولا رجوع إلى الدنيا.* ذكر من قال ذلك:حدثنا محمد بن الحسين, قال: ثنا أحمد بن المفضل, قال: ثنا أسباط, عن السديّ( مَا لَهَا مِنْ فَوَاقٍ ) يقول: ليس لهم بعدها إفاقة ولا رجوع إلى الدنيا.وقال آخرون: الصيحة في هذا الموضع: العذاب. ومعنى الكلام: ما ينتظر هؤلاء المشركون إلا عذابا يهلكهم, لا إفاقة لهم منه.* ذكر من قال ذلك:حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد في قوله ( مَا لَهَا مِنْ فَوَاقٍ ) قال: ما ينتظرون إلا صيحة واحدة ما لها من فواق, يا لها من صيحة لا يفيقون فيها كما يفيق الذي يغشي عليها وكما يفيق المريض تهلكهم, ليس لهم فيها إفاقة.واختلفت القرّاء في قراءة ذلك, فقرأته عامة قرّاء المدينة والبصرة وبعض أهل الكوفة ( مِنْ فَوَاقٍ ) بفتح الفاء. وقرأته عامة أهل الكوفة: " مِنْ فُوَاقٍ" بضم الفاء.واختلفت أهل العربية في معناها إذا قُرئت بفتح الفاء وضمها, فقال بعض البصريين منهم: معناها, إذا فتحت الفاء: ما لها من راحة, وإذا ضمت جعلها فُواق ناقة ما بين الحلبتين. وكان بعض الكوفيين منهم يقول: معنى الفتح والضم فيها واحد, وإنما هما لغتان مثل السَّوَاف والسُّواف, وجَمام المكوك وجُمامه, وقَصاص الشعر وقُصاصه.والصواب من القول في ذلك أنهما لغتان, وذلك أنا لم نجد أحدا من المتقدمين على اختلافهم في قراءته يفرّقون بين معنى الضمّ فيه والفتح, ولو كان مختلف المعنى باختلاف الفتح فيه والضم, لقد كانوا فرقوا بين ذلك في المعنى. فإذ كان ذلك كذلك, فبأي القراءتين قرأ القارئ فمصيب; وأصل ذلك من قولهم: أفاقت الناقة, فهي تفيق إفاقة, وذلك إذا ردت ما بين الرضعتين ولدها إلى الرضعة الأخرى, وذلك أن ترضع البهيمة أمها, ثم تتركها حتى ينزل شيء من اللبن, فتلك الإفاقة; يقال إذا اجتمع ذلك في الضرع فيقة, كما قال الأعشى:حَتَّى إذَا فِيْقَةٌ فِي ضَرْعِها اجْتَمَعَتْجاءَتْ لِتُرْضِعَ شِقَّ النَّفْسِ لوْ رَضَعا (10)-------------------------الهوامش :(10) البيت في ديوان الأعشى ميمون بن قيس ص 13 وهو الثالث والثلاثون من قصيدة يمدح بها هوذة بن علي الحنفي . والفيقة : اللبن الذي يجتمع في الضرع بين الحلبتين . وشق الشيء : شطره ، والقطعة منه ، وشق النفس : ولدها ، لأنه قطعة منها . ويقول : حتى إذا اجتمع اللبن في ضرعها ، عادت ترضع ولدها ، لو أنه حي يرضع . والضمير في ضرعها : راجع إلى راحلته المذكورة قبل . واستشهد المؤلف بالبيت على معنى قوله تعالى :"ما لها من فواق" . قال أبو عبيدة ( 213 - 1) من فتحها قال : ما لها من راحة . ومن ضمها قال فواق ، وجعلها من" فواق ناقة" : ما بين الحلبتين . وقوم قالوا : هما واحد . بمنزلة جمام المكوك وجمام المكوك ، وقصاص الشعر وقصاص الشعر (الأول بضم أوله ، والثاني بفتحه فيهن) . أ ه . وقال الفراء في معاني القرآن (الورقة 277) :" ما لها من فواق" : من راحة ولا إفاقة . وأصله من الإفاقة في الرضاع ، إذا ارتضعت البهيمة أمها ، ثم تركتها حتى تنزل شيئا من اللبن ، فتلك الإفاقة والفواق بغير همز . وجاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال :" العيادة قدر فواق ناقة" . وقرأها الحسن ، وأهل المدينة ، وعاصم : فواق بالفتح ؛ وهي لغة جيدة عالية . وضم حمزة ، ويحيي ، والأعمش ، والكسائي . أ ه.