ويدور عليهم الخدم بأواني الطعام الفضيَّة، وأكواب الشراب من الزجاج، زجاج من فضة، قدَّرها السقاة على مقدار ما يشتهي الشاربون لا تزيد ولا تنقص، ويُسْقَى هؤلاء الأبرار في الجنة كأسًا مملوءة خمرًا مزجت بالزنجبيل، يشربون مِن عينٍ في الجنة تسمى سلسبيلا؛ لسلامة شرابها وسهولة مساغه وطيبه.
﴿ تفسير الجلالين ﴾
«قوارير من فضة» أي أنها من فضة يرى باطنها من ظاهرها كالزجاج «قدروها» أي الطائفون «تقديرا» على قدر ريِّ الشاربين من غير زيادة ولا نقص وذلك ألذ الشراب.
﴿ تفسير السعدي ﴾
قَوَارِيرَ مِنْ فِضَّةٍ أي: مادتها من فضة، [وهي] على صفاء القوارير، وهذا من أعجب الأشياء، أن تكون الفضة الكثيفة من صفاء جوهرها وطيب معدنها على صفاء القوارير. قَدَّرُوهَا تَقْدِيرًا أي: قدروا الأواني المذكورة على قدر ريهم، لا تزيد ولا تنقص، لأنها لو زادت نقصت لذتها، ولو نقصت لم تف بريهم . ويحتمل أن المراد: قدرها أهل الجنة بنفوسهم بمقدار يوافق لذاتهم، فأتتهم على ما قدروا في خواطرهم.
﴿ تفسير البغوي ﴾
"قوارير من فضة"، قال المفسرون: أراد بياض الفضة في صفاء القوارير، فهي من فضة في صفاء الزجاج، يرى ما في داخلها من خارجها. قال الكلبي: إن الله جعل قوارير كل قوم من تراب أرضهم، وإن أرض الجنة من فضة، فجعل منها قوارير يشربون فيها، "قدروها تقديراً"، قدروا الكأس على قدر ريهم لا يزيد ولا ينقص، أي قدرها لهم السقاة والخدم الذين يطوفون عليهم يقدرونها ثم يسقون.
﴿ تفسير الوسيط ﴾
أى: ويطاف على هؤلاء الأبرار بآنية كائنة من فضة، وبأكواب وأقداح من فضة- أيضا- وجعلت هذه الأكواب في مثل القوارير في صفائها ونقائها، وفي مثل الفضة في جمالها وحسنها، بحيث يرى ما بداخلها من خارجها.وقوله- سبحانه- قَدَّرُوها تَقْدِيراً أى: إن الطائفين بهذه الأكواب عليهم، قد وضعوا فيها من الشراب على مقدار ما يشبع هؤلاء الأبرار ويرويهم بدون زيادة أو نقصان والطائفون عليهم بذلك هم الخدم الذين جعلهم الله- تعالى- لخدمة هؤلاء الأبرار. وبنى الفعل للمجهول للعلم بهم.وقال- سبحانه- هنا بِآنِيَةٍ مِنْ فِضَّةٍ وفي سورة الزخرف يُطافُ عَلَيْهِمْ بِصِحافٍ مِنْ ذَهَبٍ وَأَكْوابٍ.. زيادة في تكريمهم وفي سمو منزلتهم، إذ تارة يطاف عليهم بأكواب من فضة، وتارة يطاف عليهم بصحاف من ذهب، ومن المعروف أنه كلما تعددت المناظر الحسنة، والمشارب اللذيذة، كان ذلك أبهج للنفس.والمراد بالكينونة في قوله- تعالى- كانَتْ قَوارِيرَا.. أنها تكونت ووجدت على هذه الصفة.قال الآلوسى: قوله- تعالى- كانَتْ قَوارِيرَا أى: كانت تلك الأكواب قوارير، جمع قارورة، وهي إناء رقيق من الزجاج توضع فيه الأشربة، ونصبه على الحال، فإن «كان» تامة، وهو كما تقول: خلقت قوارير. وقوله- تعالى-: قَوارِيرَا مِنْ فِضَّةٍ بدل. والكلام على التشبيه البليغ.والمراد تكونت جامعة بين صفاء الزجاجة وشفيفها، ولون الفضة وبياضها.وقرأ نافع والكسائي وأبو بكر بتنوين قَوارِيرَا في الموضعين وصلا، وإبداله ألفا وقفا. وابن كثير يمنع صرف الثاني ويصرف الأول.. والقراءة بمنع صرفهما للباقين .وقال الشوكانى: وجملة «قدروها تقديرا» صفة لقوارير.. أى: قدرها السقاة من الخدم، الذين يطوفون عليهم على قدر ما يحتاج إليه الشاربون من أهل الجنة، من دون زيادة ولا نقصان..، وقيل: قدرها الملائكة. وقيل: قدرها الشاربون لها من أهل الجنة على مقدار حاجتهم، فجاءت كما يريدون في الشكل لا تزيد ولا تنقص.. .
﴿ تفسير ابن كثير ﴾
وقوله : ( قوارير قوارير من فضة ) فالأول منصوب بخبر " كان " أي : كانت قوارير . والثاني منصوب إما على البدلية أو تمييز ; لأنه بينه بقوله : ( قوارير من فضة )قال ابن عباس ومجاهد والحسن البصري ، وغير واحد : بياض الفضة في صفاء الزجاج ، والقوارير لا تكون إلا من زجاج ، فهذه الأكواب هي من فضة ، وهي مع هذا شفافة يرى ما في باطنها من ظاهرها ، وهذا مما لا نظير له في الدنيا .قال ابن المبارك ، عن إسماعيل ، عن رجل ، عن ابن عباس : ليس في الجنة شيء إلا قد أعطيتم في الدنيا شبهه إلا قوارير من فضة . رواه ابن أبي حاتم .وقوله : ( قدروها تقديرا ) أي : على قدر ريهم ، لا تزيد عنه ولا تنقص ، بل هي معدة لذلك ، مقدرة بحسب ري صاحبها . هذا معنى قول ابن عباس ، ومجاهد ، وسعيد بن جبير ، وأبي صالح ، وقتادة ، وابن أبزى ، وعبد الله بن عبيد الله بن عمير ، وقتادة ، والشعبي ، وابن زيد . وقاله ابن جرير وغير واحد . وهذا أبلغ في الاعتناء والشرف والكرامة .وقال العوفي ، عن ابن عباس : ( قدروها تقديرا ) قدرت للكف . وهكذا قال الربيع بن أنس . وقال الضحاك : على قدر أكف الخدام . وهذا لا ينافي القول الأول ، فإنها مقدرة في القدر والري .
﴿ تفسير القرطبي ﴾
كانت قوارير قوارير من فضة أي في صفاء القوارير وبياض الفضة ; فصفاؤها صفاء الزجاج وهي من فضة . وقيل : أرض الجنة من فضة ، والأواني تتخذ من تربة الأرض التي هي منها . ذكره ابن عباس وقال : ليس في الجنة شيء إلا قد أعطيتم في الدنيا شبهه ، إلا القوارير من فضة . وقال : لو أخذت فضة من فضة الدنيا فضربتها حتى تجعلها مثل جناح الذباب لم تر من ورائها الماء ، ولكن قوارير الجنة مثل الفضة في صفاء القوارير .قدروها تقديرا قراءة العامة بفتح القاف والدال ; أي قدرها لهم السقاة الذين يطوفون بها عليهم . قال ابن عباس ومجاهد وغيرهما : أتوا بها على قدر ريهم ، بغير زيادة ولا نقصان . الكلبي : وذلك ألذ وأشهى ; والمعنى : قدرتها الملائكة التي تطوف عليهم . وعن ابن عباس أيضا : قدروها على ملء الكف لا تزيد ولا تنقص ، حتى لا تؤذيهم بثقل أو بإفراط صغر . وقيل : إن الشاربين قدروا لها مقادير في أنفسهم على ما اشتهوا وقدروا . وقرأ عبيد بن عمير والشعبي وابن سيرين قدروها بضم القاف وكسر الدال ; أي جعلت لهم على قدر إرادتهم . وذكر هذه القراءة المهدوي عن علي وابن عباس - رضي الله عنهما - ; وقال : ومن قرأ قدروها فهو راجع إلى معنى القراءة الأخرى ، وكأن الأصل قدروا عليها فحذف الجر ; والمعنى قدرت عليهم ; وأنشد سيبويه :آليت حب العراق الدهر آكله والحب يأكله في القرية السوسوذهب إلى أن المعنى على حب العراق . وقيل : هذا التقدير هو أن الأقداح تطير فتغترف بمقدار شهوة الشارب ; وذلك قوله تعالى : قدروها تقديرا أي لا يفضل عن الري لا ينقص منه ، فقد ألهمت الأقداح معرفة مقدار ري المشتهي حتى تغترف بذلك المقدار . ذكر هذا القول الترمذي الحكيم في ( نوادر الأصول ) .
﴿ تفسير الطبري ﴾
يقول تعالى ذكره: ( قَوَارِيرَا ) في صفاء الصفاء من فضة الفضة من البياض (5) .كما حدثني يعقوب، قال: ثنا ابن علية، عن أبي رجاء، قال: قال الحسن، في قوله: كَانَتْ قَوَارِيرَا * قَوَارِيرَا مِنْ فِضَّةٍ قال: صفاء القوارير في بياض الفضة.حدثنا ابن المثنى، قال: ثنا يحيى بن كثير، قال: ثنا شعبة، عن أبي رجاء، عن الحسن، في قوله الله ( قَوَارِيرَا مِنْ فِضَّةٍ ) قال: بياض الفضة في صفاء القوارير.حدثني يعقوب، قال: ثنا مروان بن معاوية، قال: أخبرنا ابن أبي خالد، عن أبي صالح، في قوله: كَانَتْ قَوَارِيرَا * قَوَارِيرَا مِنْ فِضَّةٍ قال: كان ترابها من فضة.وقوله: ( قَوَارِيرَا مِنْ فِضَّةٍ ) قال: صفاء الزجاج في بياض الفضة.حدثنا ابن بشار، قال: ثنا سليمان، قال: ثنا أبو هلال، عن قتادة، في قوله: قَوَارِيرَا * قَوَارِيرَا مِنْ فِضَّةٍ قال: لو احتاج أهل الباطل (6) أن يعملوا إناء من فضة يرى ما فيه من خلفه، كما يرى ما في القوارير ما قدروا عليه.حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة ( قَوَارِيرَا مِنْ فِضَّةٍ ) قال: هي من فضة، وصفاؤها: صفاء القوارير في بياض الفضة.&; 24-106 &;حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد ( قَوَارِيرَا مِنْ فِضَّةٍ ) قال: على صفاء القوارير، وبياض الفضة.وقوله: ( قَدَّرُوهَا تَقْدِيرًا ) يقول: قدّروا تلك الآنية التي يُطاف عليهم بها تقديرا على قَدْر رِيِّهم لا تزيد ولا تنقص عن ذلك.وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.* ذكر من قال ذلك:حدثني يعقوب، قال: ثنا ابن علية، عن أبي رجاء، عن الحسن، في قوله: ( قَدَّرُوهَا تَقْدِيرًا ) قال: قُدّرت لريّ القوم.حدثنا أبو كُريب، قال: ثنا ابن يمان، عن أشعث، عن جعفر، عن سعيد، في قوله: ( قَدَّرُوهَا تَقْدِيرًا ) قال: قدر ريِّهم.حدثنا أبو كُريب، قال: ثنا عمر بن عبيد، عن منصور، عن مجاهد، في قوله: ( قَوَارِيرَا مِنْ فِضَّةٍ قَدَّرُوهَا تَقْدِيرًا ) قال: لا تنقص ولا تفيض.حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى: وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد ( قَدَّرُوهَا تَقْدِيرًا ) قال: لا تَترع فتُهراق، ولا ينقصون من مائها فتنقص فهي ملأى.حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة ( قَدَّرُوهَا تَقْدِيرًا ) لريِّهم.حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة ( قَدَّرُوهَا تَقْدِيرًا ) قدرت على ريّ القوم.حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد في قوله: ( مِنْ فِضَّةٍ قَدَّرُوهَا تَقْدِيرًا ) قال: قدّروها لريهم على قدر شربهم أهل الجنة.حدثنا ابن حميد، قال: ثنا جرير، عن منصور، عن مجاهد، في قوله: ( قَدَّرُوهَا تَقْدِيرًا ) قال: ممتلئة لا تُهَراق، وليست بناقصة.وقال آخرون: بل معنى ذلك: قدّروها على قدر الكفّ.* ذكر من قال ذلك:حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثنا أبي، عن أبيه، &; 24-107 &; عن ابن عباس: ( قَدَّرُوهَا تَقْدِيرًا ) قال: قدرت للكفّ.واختلفت القرّاء في قراءة قوله ( قَدَّرُوهَا تَقْدِيرًا ) فقرأ ذلك عامة قرّاء الأمصار: ( قَدَّرُوها ) بفتح القاف، بمعنى: قدّرها لهم السُّقاة الذين يطوفون بها عليهم. ورُوي عن الشعبيّ وغيره من المتقدمين أنهم قرءوا ذلك بضم القاف، بمعنى: قُدّرت عليهم، فلا زيادة فيها ولا نقصان.والقراءة التي لا أستجير القراءة بغيرها فتح القاف، لإجماع الحجة من القرّاء عليه.