والله سبحانه هو الغالب القاهر فوق عباده؛ خضعت له الرقاب وذَلَّتْ له الجبابرة، وهو الحكيم الذي يضع الأشياء مواضعها وَفْق حكمت، الخبير الذي لا يخفى عليه شيء. ومن اتصف بهذه الصفات يجب ألا يشرك به. وفي هذه الآية إثبات الفوقية لله -تعالى- على جميع خلقه، فوقية مطلقة تليق بجلاله سبحانه.
﴿ تفسير الجلالين ﴾
«وهو القاهر» القادر الذي لا يعجزه شيء مستعليا «فوق عباده وهو الحكيم» في خلقه «الخبير» ببواطنهم كظواهرهم.
﴿ تفسير السعدي ﴾
وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ فلا يتصرف منهم متصرف، ولا يتحرك متحرك، ولا يسكن ساكن، إلا بمشيئته، وليس للملوك وغيرهم الخروج عن ملكه وسلطانه، بل هم مدبرون مقهورون، فإذا كان هو القاهر وغيره مقهورا، كان هو المستحق للعبادة. وَهُوَ الْحَكِيمُ فيما أمر به ونهى، وأثاب، وعاقب، وفيما خلق وقدر. الْخَبِيرُ المطلع على السرائر والضمائر وخفايا الأمور، وهذا كله من أدلة التوحيد.
﴿ تفسير البغوي ﴾
( وهو القاهر فوق عباده ) القاهر : الغالب ، وفي القهر زيادة معنى على القدرة ، وهي منع غيره عن بلوغ المراد ، وقيل : هو المنفرد بالتدبير الذي يجبر الخلق على مراده ، فوق عباده ، هو صفة الاستعلاء الذي تفرد به الله عز وجل . ( وهو الحكيم ) في أمره ، ( الخبير ) بأعمال عباده .
﴿ تفسير الوسيط ﴾
ثم بين- سبحانه- كمال قدرته، وعظيم سلطانه فقال: وَهُوَ الْقاهِرُ فَوْقَ عِبادِهِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ.أى أنه- كما قال ابن كثير- «هو الذي خضعت له الرقاب، وذلت له الجباه. وعنت له الوجوه، وقهر كل شيء، ودانت له الخلائق، وتواضعت لعظمة جلاله وكبريائه الأشياء، وتضاءلت بين يديه وتحت قهره وحكمه» .
﴿ تفسير ابن كثير ﴾
ولهذا قال تعالى : ( وهو القاهر فوق عباده ) أي : هو الذي خضعت له الرقاب ، وذلت له الجبابرة ، وعنت له الوجوه ، وقهر كل شيء ودانت له الخلائق ، وتواضعت لعظمة جلاله وكبريائه وعظمته وعلوه وقدرته الأشياء ، واستكانت وتضاءلت بين يديه وتحت حكمه وقهره( وهو الحكيم ) أي : في جميع ما يفعله ) الخبير ) بمواضع الأشياء ومحالها ، فلا يعطي إلا لمن يستحق ولا يمنع إلا من يستحق .
﴿ تفسير القرطبي ﴾
قوله تعالى : وهو القاهر فوق عباده وهو الحكيم الخبيرقوله تعالى : وهو القاهر فوق عباده القهر الغلبة ، والقاهر الغالب ، وأقهر الرجل إذا صير بحال المقهور الذليل ; قال الشاعر :تمنى حصين أن يسود جذاعه فأمسى حصين قد أذل وأقهراوقهر غلب . ومعنى فوق عباده فوقية الاستعلاء بالقهر والغلبة عليهم ; أي : هم تحت تسخيره لا فوقية مكان ; كما تقول : السلطان فوق رعيته أي : بالمنزلة والرفعة . وفي القهر معنى زائد ليس في القدرة ، وهو منع غيره عن بلوغ المراد . وهو الحكيم في أمره الخبير بأعمال عباده ، أي : من اتصف بهذه الصفات يجب ألا يشرك به .
﴿ تفسير الطبري ﴾
القول في تأويل قوله : وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ (18)قال أبو جعفر: يعني تعالى ذكره بقوله: " وهو "، نفسَه، يقول: والله الظاهر فوق عباده (41) = ويعني بقوله: " القاهر " ، المذلِّل المستعبد خلقه، العالي عليهم. وإنما قال: " فوق عباده ", لأنه وصف نفسه تعالى ذكره بقهره إياهم. ومن صفة كلّ قاهر شيئًا أن يكون مستعليًا عليه .فمعنى الكلام إذًا: والله الغالب عبادَه, المذلِّلهم, العالي عليهم بتذليله لهم، وخلقه إياهم, فهو فوقهم بقهره إياهم, وهم دونه =" وهو الحكيم " ، يقول: والله الحكيم في علِّوه على عباده، وقهره إياهم بقدرته، وفي سائر تدبيره (42) =" الخبير "، بمصالح الأشياء ومضارِّها, الذي لا يخفي عليه عواقب الأمور وبواديها, ولا يقع في تدبيره خلل , ولا يدخل حكمه دَخَل. (43)* * *---------------الهوامش :(41) في المطبوعة: "والله القاهر" ، وأثبت ما في المخطوطة ، وهو الصواب في التفسير.(42) انظر تفسير"الحكيم" فيما سلف من فهارس اللغة (حكم).(43) انظر تفسير (الخبير" فيما سلف من فهارس اللغة (خبر).