وعلى الوالدات إرضاع أولادهن مدة سنتين كاملتين لمن أراد إتمام الرضاعة، ويجب على الآباء أن يكفُلوا للمرضعات المطلقات طعامهن وكسوتهن، على الوجه المستحسن شرعًا وعرفًا؛ لأن الله لا يكلف نفسًا إلا قدر طاقتها، ولا يحل للوالدين أن يجعلوا المولود وسيلة للمضارة بينهما، ويجب على الوارث عند موت الوالد مثل ما يجب على الوالد قبل موته من النفقة والكسوة. فإن أراد الوالدان فطام المولود قبل انتهاء السنتين فلا حرج عليهما إذا تراضيا وتشاورا في ذلك؛ ليصلا إلى ما فيه مصلحة المولود. وإن اتفق الوالدان على إرضاع المولود من مرضعة أخرى غير والدته فلا حرج عليهما، إذا سلَّم الوالد للأم حقَّها، وسلَّم للمرضعة أجرها بما يتعارفه الناس. وخافوا الله في جميع أحوالكم، واعلموا أن الله بما تعملون بصير، وسيجازيكم على ذلك.
﴿ تفسير الجلالين ﴾
«والوالدات يرضعن» أي ليرضعن «أولادهن حولين» عامين «كاملين» صفة مؤكدة، ذلك «لمن أراد أن يتم الرضاعة» ولا زيادة عليه «وعلى المولود له» أي الأب «رزقهن» إطعام الوالدات «وكسوتهن» على الإرضاع إذا كن مطلقات «بالمعروف» بقدر طاقته «لا تُكلَّفُ نفس إلا وسعها» طاقتها «لا تضار والدة بولدها» أي بسببه بأن تكره على إرضاعه إذا امتنعت «ولا» يضار «مولود له بولده» أي بسببه بأن يكلف فوق طاقته وإضافة الولد إلى كل منهما في الموضعين للاستعطاف «وعلى الوارث» أي وارث الأب وهو الصبي أي على وليه في ماله «مثل ذلك» الذي على الأب للوالدة من الرزق و الكسوة «فأن أرادا» أي الوالدان «فصالا» فطاما له قبل الحولين صادرا «عن تراض» اتفاق «منهما وتشاور» بينهما لتظهر مصلحة الصبي فيه «فلا جناح عليهما» في ذلك «وإن أردتم» خطاب للآباء «أن تسترضعوا أولادكم» مراضع غير الوالدات «فلا جناح عليكم» فيه «إذا سلّمتم» إليهن «ما آتيتم» أي أردتم إيتاءه لهن من الأجرة «بالمعروف» بالجميل كطيب النفس «واتقوا الله واعلموا أن الله بما تعملون بصير» لا يخفى عليه شيء منه.
﴿ تفسير السعدي ﴾
هذا خبر بمعنى الأمر, تنزيلا له منزلة المتقرر, الذي لا يحتاج إلى أمر بأن يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ ولما كان الحول, يطلق على الكامل, وعلى معظم الحول قال: كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ فإذا تم للرضيع حولان, فقد تم رضاعه وصار اللبن بعد ذلك, بمنزلة سائر الأغذية, فلهذا كان الرضاع بعد الحولين, غير معتبر, لا يحرم. ويؤخذ من هذا النص, ومن قوله تعالى: وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْرًا أن أقل مدة الحمل ستة أشهر, وأنه يمكن وجود الولد بها. وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ أي: الأب رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ وهذا شامل لما إذا كانت في حباله أو مطلقة, فإن على الأب رزقها, أي: نفقتها وكسوتها, وهي الأجرة للرضاع. ودل هذا, على أنها إذا كانت في حباله, لا يجب لها أجرة, غير النفقة والكسوة, وكل بحسب حاله, فلهذا قال: لَا تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلَّا وُسْعَهَا فلا يكلف الفقير أن ينفق نفقة الغني, ولا من لم يجد شيئا بالنفقة حتى يجد، لَا تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا وَلَا مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ أي: لا يحل أن تضار الوالدة بسبب ولدها, إما أن تمنع من إرضاعه, أو لا تعطى ما يجب لها من النفقة, والكسوة أو الأجرة، وَلَا مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ بأن تمتنع من إرضاعه على وجه المضارة له, أو تطلب زيادة عن الواجب, ونحو ذلك من أنواع الضرر. ودل قوله: مَوْلُودٌ لَهُ أن الولد لأبيه, لأنه موهوب له, ولأنه من كسبه، فلذلك جاز له الأخذ من ماله, رضي أو لم يرض, بخلاف الأم. وقوله: وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ أي: على وارث الطفل إذا عدم الأب, وكان الطفل ليس له مال, مثل ما على الأب من النفقة للمرضع والكسوة، فدل على وجوب نفقة الأقارب المعسرين, على القريب الوارث الموسر، فَإِنْ أَرَادَا أي: الأبوان فِصَالًا أي: فطام الصبي قبل الحولين، عَنْ تَرَاضٍ مِنْهُمَا بأن يكونا راضيين وَتَشَاوُرٍ فيما بينهما, هل هو مصلحة للصبي أم لا؟ فإن كان مصلحة ورضيا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا في فطامه قبل الحولين، فدلت الآية بمفهومها, على أنه إن رضي أحدهما دون الآخر, أو لم يكن مصلحة للطفل, أنه لا يجوز فطامه. وقوله: وَإِنْ أَرَدْتُمْ أَنْ تَسْتَرْضِعُوا أَوْلَادَكُمْ أي: تطلبوا لهم المراضع غير أمهاتهم على غير وجه المضارة فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِذَا سَلَّمْتُمْ مَا آتَيْتُمْ بِالْمَعْرُوفِ أي: للمرضعات, وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ فمجازيكم على ذلك بالخير والشر.
﴿ تفسير البغوي ﴾
قوله تعالى : ( والوالدات يرضعن أولادهن ) يعني : المطلقات اللاتي لهن أولاد من أزواجهن يرضعن خبر بمعنى الأمر وهو أمر استحباب لا أمر إيجاب لأنه لا يجب عليهن الإرضاع إذا كان يوجد من ترضع الولد لقوله تعالى في سورة الطلاق : " فإن أرضعن لكم فآتوهن أجورهن " ( - الطلاق ) فإن رغبت الأم في الإرضاع فهي أولى من غيرها ( حولين كاملين ) أي سنتين وذكر الكمال للتأكيد كقوله تعالى : " تلك عشرة كاملة " ( 196 - البقرة ) وقيل إنما قال كاملين لأن العرب قد تسمي بعض الحول حولا وبعض الشهر شهرا كما قال الله تعالى : ( الحج أشهر معلومات ) ( 197 - البقرة ) وإنما هو شهران وبعض الثالث وقال : ( فمن تعجل في يومين فلا إثم عليه ) ( 203 - البقرة ) وإنما يتعجل في يوم وبعض يوم ويقال أقام فلان بموضع كذا حولين وإنما أقام به حولا وبعض آخر فبين الله تعالى أنهما حولان كاملان أربعة وعشرون شهرا واختلف أهل العلم في هذا الحد فمنهم من قال : هو حد لبعض المولودين فروى عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما أنها إذا وضعت لستة أشهر فإنها ترضعه حولين كاملين وإن وضعته لسبعة أشهر فإنها ترضعه ثلاثة وعشرين شهرا وإن وضعت لتسعة أشهر فإنها ترضعه أحدا وعشرين شهرا وإن وضعت لعشرة أشهر فإنها ترضعه عشرين شهرا كل ذلك تمام ثلاثين شهرا لقوله تعالى : ( وحمله وفصاله ثلاثون شهرا ) ( 15 - الأحقاف ) .وقال قوم : هو حد لكل مولود بأي وقت ولد لا ينقص رضاعه عن حولين إلا باتفاق الأبوين فأيهما أراد الفطام قبل تمام الحولين ليس له ذلك إلا أن يجتمعا عليه لقوله تعالى : ( فإن أرادا فصالا عن تراض منهما وتشاور ) وهذا قول ابن جريج والثوري ورواية الوالبي عن ابن عباس رضي الله عنهما وقيل : المراد من الآية : بيان أن الرضاع الذي تثبت به الحرمة ما يكون في الحولين فلا يحرم ما يكون بعد الحولين قال قتادة : فرض الله على الوالدات إرضاع حولين كاملين ثم أنزل التخفيف فقال : ( لمن أراد أن يتم الرضاعة ) أي هذا منتهى الرضاعة وليس فيها دون ذلك حد محدود وإنما هو على مقدار صلاح الصبي وما يعيش به ( وعلى المولود له ) يعني الأب ) ( رزقهن ) طعامهن ) ( وكسوتهن ) لباسهن ) ( بالمعروف ) أي على قدر الميسرة ( لا تكلف نفس إلا وسعها ) أي طاقتها ( لا تضار والدة بولدها ) قرأ ابن كثير وأهل البصرة برفع الراء نسقا على قوله ) ( لا تكلف ) وأصله تضارر فأدغمت الراء في الراء وقرأ الآخرون تضار بنصب الراء وقالوا : لما أدغمت الراء في الراء حركت إلى أخف الحركات وهو النصب ومعنى الآية ( لا تضار والدة بولدها ) فينزع الولد منها إلى غيرها بعد أن رضيت بإرضاعه ( ولا مولود له بولده ) أي لا تلقيه المرأة إلى أبيه بعدما ألفها تضاره بذلك وقيل معناه ( لا تضار والدة ) فتكره على إرضاعه إذا كرهت إرضاعه وقبل الصبي من غيرها لأن ذلك ليس بواجب عليها ( ولا مولود له بولده ) فيحتمل أن تعطى الأم أكثر مما يجب لها إذا لم يرتضع من غيرها .فعلى هذين القولين أصل الكلمة لا تضارر بفتح الراء الأولى على الفعل المجهول والوالدة والمولود له مفعولان ويحتمل أن يكون الفعل لهما وتكون تضار بمعنى تضارر بكسر الراء الأولى على تسمية الفاعل والمعنى ( لا تضار والدة ) فتأبى أن ترضع ولدها ليشق على أبيه ( ولا مولود له ) أي لا يضار الأب أم الصبي فينزعه منها ويمنعها من إرضاعه وعلى هذه الأقوال يرجع الإضرار إلى الوالدين يضار كل واحد منهما صاحبه بسبب الولد ويجوز أن يكون الضرار راجعا إلى الصبي أي لا يضار كل واحد منهما الصبي فلا ترضعه الأم حتى يموت أو لا ينفق الأب أو ينتزعه من الأم حتى يضر بالصبي فعلى هذا تكون الباء زائدة ومعناه ( لا تضار والدة بولدها ) ولا أب بولده وكل هذه الأقاويل مروية عن المفسرين .قوله تعالى : ( وعلى الوارث مثل ذلك ) اختلفوا في هذا الوارث فقال قوم : هو وارث الصبي معناه : وعلى وارث الصبي الذي لو مات الصبي وله مال ورثه مثل الذي كان على أبيه في حال حياته ثم اختلفوا في أي وارث هو من ورثته فقال بعضهم : هو عصبة الصبي من الرجال مثل : الجد والأخ وابن الأخ والعم وابن العم وهو قول عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه وبه قال إبراهيم والحسن ومجاهد وعطاء وهو مذهب سفيان قالوا : إذا لم يكن للصبي ما ينفق عليه أجبرت عصبته الذين يرثونه على أن يسترضعوه وقيل : هو وارث الصبي من كان من الرجال والنساء : وهو قول قتادة وابن أبي ليلى ومذهب أحمد وإسحاق وقالوا : يجبر على نفقته كل وارث على قدر ميراثه عصبة كانوا أو غيرهم .وقال بعضهم هو من كان ذا رحم محرم من ورثة المولود فمن ليس بمحرم مثل ابن العم والمولى فغير مراد بالآية وهو قول أبي حنيفة رحمه الله وذهب جماعة إلى أن المراد بالوارث هو الصبي نفسه الذي هو وارث أبيه المتوفى تكون أجرة رضاعه ونفقته في ماله فإن لم يكن له مال فعلى الأم ولا يجبر على نفقة الصبي إلا الوالدان وهو قول مالك والشافعي رحمهما الله وقيل هو الباقي من والدي المولود بعد وفاة الآخر عليه مثل ما كان على الأب من أجرة الرضاع والنفقة والكسوة .وقيل : ليس المراد منه النفقة بل معناه وعلى الوارث ترك المضارة وبه قال الشعبي والزهري ( فإن أرادا ) يعني الوالدين ) ( فصالا ) فطاما قبل الحولين ( عن تراض منهما ) أي اتفاق الوالدين ) ( وتشاور ) أي يشاورون أهل العلم به حتى يخبروا أن الفطام في ذلك الوقت لا يضر بالولد والمشاورة استخراج الرأي ( فلا جناح عليهما ) أي لا حرج عليهما في الفطام قبل الحولين ( وإن أردتم أن تسترضعوا أولادكم ) أي لأولادكم مراضع غير أمهاتهم إذا أبت أمهاتهم يرضعنهم أو تعذر لعلة بهن أي : انقطاع لبن أو أردن النكاح ( فلا جناح عليكم إذا سلمتم ) إلى أمهاتهم ( ما آتيتم ) ما سميتم لهن من أجرة الرضاع بقدر ما أرضعن وقيل إذا سلمتم أجور المراضع إليهن بالمعروف قرأ ابن كثير ( ما آتيتم ) وفي الروم " وما أتيتم من ربا " ( 39 - الروم ) بقصر الألف ومعناه ما فعلتم يقال : أتيت جميلا إذا فعلته فعلى هذه القراءة يكون التسليم بمعنى الطاعة والانقياد لا بمعنى تسليم الأجرة يعني إذا سلمتم لأمره وانقدتم لحكمه وقيل إذا سلمتم للاسترضاع عن تراض واتفاق دون الضرار ( واتقوا الله واعلموا أن الله بما تعملون بصير ) .
﴿ تفسير الوسيط ﴾
والمراد بالوالدات الأمهات سواء أكن في عصمة أزواجهن أم مطلقات لأن اللفظ عام في الكل ولا يوجد ما يقتضى تخصيصه بنوع من الأمهات. ويرى بعض المفسرين أن المراد بالوالدات هنا خصوص المطلقات لأن سياق الآيات قبل ذلك في أحكام الطلاق، ولأن المطلقة عرضة لإهمال العناية بالولد وترك إرضاعه.وحولين أى عامين. وأصل الحول- كما يقول الراغب- تغير الشيء وانفصاله عن غيره.والحول: السنة اعتبارا بانقلابها ودوران الشمس في مطالعها ومغاربها. قال- تعالى-:وَالْوالِداتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كامِلَيْنِ. ومنه حالت السنة تحول وحالت الدار تغيرت، وأحال فلان بمكان كذا أى أقام به حولا» .وعبر عن الأمهات بالوالدات، للإشارة إلى أنهن اللائي ولدن أولادهن، وأنهن الوعاء الذي خرجوا منه إلى الحياة، ومنهن يكون الغذاء الطبيعي المناسب لهذا المولود الذي جاء عن طريقهن.وقوله: يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ جملة خبرية اللفظ إنشائية المعنى، إذ التقدير ليرضعن. أى:عليهن إرضاع أولادهن.وعبر عن الطلب بصيغة الخبر، للإشعار بأن إرضاع الأم لطفلها عمل توجبه الفطرة، وتنادى به طبيعة الأمومة.قال الجمل: وهذا الأمر للندب وللوجوب، فهو يكون للندب عند استجماع شروط ثلاثة، قدرة الأب على استئجار المرضع، ووجود من يرضعه غير الأم، وقبول الولد للبن الغير. ويكون للوجوب عند فقد أحد هذه الشروط».وليس التحديد بالحولين للوجوب، لأنه يجوز الفطام قبل ذلك، بدليل قوله: لِمَنْ أَرادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضاعَةَ وإنما المقصود بهذا التحديد قطع التنازع بين الزوجين إذا تنازعا في مدة الرضاع، فإذا اتفق الأب والأم على أن يفطما ولدهما قبل تمام الحولين كان لهما ذلك إذا لم يتضرر الولد بهذا الفطام، وإن أراد الأب أن يفطمه قبل الحولين ولم ترض الأم أو العكس لم يكن لأحدهما ذلك.قال القرطبي ما ملخصه: وقد انتزع مالك- رحمه الله- ومن تابعه وجماعة من العلماء من هذه الآية أن الرضاعة المحرمة الجارية مجرى النسب إنما هي ما كان في الحولين، لأنه بانقضاء الحولين تمت الرضاعة، ولا رضاعة بعد الحولين معتبرة.. لقوله- تعالى-: وَالْوالِداتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كامِلَيْنِ فهذا يدل على ألا حكم لما ارتضع المولود بعد الحولين.وروى سفيان عن عمرو بن دينار عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم «لا رضاع إلا ما كان في الحولين» وهذا الخبر مع الآية ينفى رضاعة الكبير وأنه لا حرمة له. وقد روى عن عائشة القول به، وروى عن أبى موسى الأشعرى أنه كان يرى رضاع الكبير. وروى عنه الرجوع عنه.وسيأتى تحقيق هذه المسألة في سورة النساء».وفي وصف الحولين بكاملين، تأكيد لرفع توهم أن يكون المراد حولا وبعض الثاني، لأن إطلاق التثنية والجمع في الأزمان والأسنان على بعض المدلول إطلاق شائع عند العرب.فيقولون: هو ابن سنتين، ويريدون سنة وبعض الثانية.وفي هذه الجملة الكريمة وَالْوالِداتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كامِلَيْنِ بيان لمظهر من مظاهر رعاية الله- تعالى- للإنسان منذ ولادته، بل منذ تكوينه في بطن أمه جنينا، فقد أمر- سبحانه- الأمهات أن يقمن بإرضاع أولادهن في تلك المدة، لأن لبن الأم هو أفضل غذاء لطفلها في هذه الفترة، وأسلّم وسيلة لضمان صحته ونموه، ولصيانته من الأمراض النفسية والعقلية، فقد أثبت الأطباء الثقاة أن الطفل كثيرا ما يصاب بأمراض جسمية ونفسية وعقلية نتيجة رضاعته من غير أمه، كما أثبتوا أن عناية الأم بطفلها في هذه الفترة عن طريق إرضاعه ورعايته، تؤدى إلى تحسن أحواله ...وقوله: لِمَنْ أَرادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضاعَةَ بيان لمن توجه إليه الحكم. أى هذا الحكم لمن أراد إتمام الرضاع، فإذا أراد الأبوان أن ينقصا مدة الرضاع عن الحولين كان لهما ذلك. فالجملة الكريمة خير لمبتدأ محذوف أى هذا الحكم لمن أراد أن يتم مدة الرضاعة.وقوله: وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ بيان لما يجب على الآباء.أى: وعلى الآباء أن يقدموا إلى الوالدات ما يلزمهن من نفقة وكسوة بالمعروف أى بالطريقة التي تعارف عليها العقلاء بدون إسراف أو تقتير.قال صاحب الكشاف: فإن قلت لم قيل الْمَوْلُودِ لَهُ دون الوالد؟ قلت: ليعلم أن الوالدات إنما ولدن لهم، لأن الأولاد للآباء، ولذلك ينسبون إليهم لا إلى الأمهات، كما قال المأمون بن الرشيد:فإنما أمهات الناس أوعية ... مستودعات وللآباء أبناءفكان عليهم أن يرزقوهن ويكسوهن إذا أرضعن ولدهم كالأظآر ألا ترى أنه ذكره باسم الوالد حيث لم يكن هذا المعنى وهو قوله- تعالى-: يا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ وَاخْشَوْا يَوْماً لا يَجْزِي والِدٌ عَنْ وَلَدِهِ وَلا مَوْلُودٌ هُوَ جازٍ عَنْ والِدِهِ شَيْئاً ...وقوله: لا تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلَّا وُسْعَها تعليل لإيجاب المؤن بالمعروف. أو تفسير للمعروف ولهذا فصلت هذه الجملة عن سابقتها، وقوله وُسْعَها منصوب على أنه مفعول ثان لتكلف، والاستثناء قبله مفرغ أى أن أبا الولد لا يكلف في الإنفاق عليه وعلى أمه إلا بالقدر الذي تتسع له مقدرته بدون إرهاق أو مشقة.وتلك هي سنة الإسلام في جميع تكاليفه، فالله- تعالى- ما كلف عباده إلا بما يستطيعونه ويطيقونه بدون عسر أو عنت قال- تعالى-: لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها وقال- تعالى-: يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ.وقوله: لا تُضَارَّ والِدَةٌ بِوَلَدِها وَلا مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ تعليل للأحكام السابقة الموزعة بين الأب والأم، والتي أساسها رعاية حق هذا الوليد الذي أتى عن طريقهما.والمضارة مفاعلة من الضرر، والمعنى: لا ينبغي أن يقع ضرر على الأم بسبب ولدها، بأن يستغل الأب حنوها على وليدها فيمنعها شيئا من نفقتها، أو يأخذ منها طفلها وهي تريد إرضاعه، أو يكلفها بما ليس في مقدورها أو ما يخالف وظيفتها، ولا ينبغي كذلك أن يقع ضرر على الأب بسبب ولده، بأن تكلفه الأم بما لا تتسع له قدرته مستغلة محبته لولده وعنايته بتنشئته تنشئة حسنة.قال الجمل: ولا في قوله: لا تُضَارَّ يحتمل أن تكون نافية فيكون الفعل مرفوعا، ويحتمل أن تكون ناهية فيكون الفعل مجزوما، وقد قرئ بهما في السبع، وعلى كل يحتمل أن يكون الفعل مبنيا للفاعل وللمفعول» .والمعنى على الاحتمالين واحد وهو أنه لا يجوز أن يضر كل واحد منهما صاحبه أو يضر من صاحبه بسبب حنوه على ولده واهتمامه بشأنه.وأضاف الولد إلى كل منهما في الموضعين للاستعطاف، وللتنبيه على أن هذا الولد الذي رزقهما الله إياه جدير بأن يتفقا على رعايته وحمايته من كل ما يؤذيه، ولا يجوز مطلقا أن يكون مصدر قلق لأى واحد منهما.وقدمت الأم في الجملة الكريمة، لأن الشأن فيها أن يكون حنوها أشد، وعاطفتها أرق، ولأن مظنة إنزال العنف والأذى بها أقرب لضعفها عن الأب.فالجملة الكريمة توجبه سديد، وإرشاد حكيم، للآباء والأمهات إلى أن يقوم كل فريق منهم بواجبه نحو صاحبه ونحو الأولاد الذين هم ثمار لهم.وقوله: وَعَلَى الْوارِثِ مِثْلُ ذلِكَ معطوف على قوله وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ. إلخ وما بينهما تعليل أو تفسير معترض.أى: وعلى وارث الأب أو وارث الصبى- أى من سيرثه بعد موته- عليه مثل ما على الأب من النفقة وترك الإضرار. فهذه الجملة الكريمة سيقت لبيان من تجب عليه نفقة الصبى إذا فقد أباه، أو كان أبوه موجودا ولكنه عاجز عن الإنفاق عليه.قال الآلوسى ما ملخصه: والمراد بالوارث وارث الولد فإنه يجب عليه مثل ما وجب على الأب من الرزق والكسوة بالمعروف إن لم يكن للولد مال. وهو التفسير المأثور عن عمر وابن عباس وقتادة.. وخلق كثير. وخص الإمام أبو حنيفة هذا الوارث بمن كان ذا رحم محرم من الصبى ... وقال الشافعى المراد وارث الأب- يجب عليه عند موت الأب كل ما كان واجبا على الأب- وقيل المراد بالوارث الباقي من الأبوين، وقد جاء الوارث بمعنى الباقي كما في قوله صلّى الله عليه وسلّم اللهم متعني بسمعي وبصرى واجعلهما الوارث منى» وعلى أية حال فالجملة الكريمة تغرس معاني الإخاء والتراحم والتكافل بين أبناء الأسرة الواحدة، فالقادر ينفق على العاجز، والغنى يمد الفقير بحاجته، وبذلك تسعد الأسرة، وتسودها روح المحبة والمودة.وقوله: فَإِنْ أَرادا فِصالًا عَنْ تَراضٍ مِنْهُما وَتَشاوُرٍ فَلا جُناحَ عَلَيْهِما معطوف على قوله يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كامِلَيْنِ لأنه متفرغ عنه. والضمير في قوله فَإِنْ أَرادا يعود على الوالدين.قال القرطبي: والفصال والفصل. الفطام وأصله التفريق، فهو تفريق بين الصبى والثدي.ومنه سمى الفصيل- لولد الضأن- لأنه مفصول عن أمه. والتشاور: استخراج الرأى- بما فيه المصلحة- وكذلك المشاورة. من الشور وهو اجتناء العسل. يقال شرت العسل- إذا استخرجته من مواضعه- والشوار: متاع البيت لأنه يظهر للناظر. والشارة هيئة الرجل.والإشارة: إخراج ما في نفسك وإظهاره» .والمعنى: فإن أراد الأبوان فطاما لولدهما قبل الحولين، وكانت هذه الإرادة عن تراض منهما وتشاور في شأن الصبى وتفحص لأحواله، ورأيا أن هذا الفطام قبل بلوغه الحولين لن يضره فلا إثم عليهما في ذلك.وقال بعضهم: وأيضا لا إثم عليهما إذا فطماه بعد الحولين متى رأيا المصلحة في ذلك، وقد قيد- سبحانه- هذا الفطام للصبي بكونه عن تراض من الأبوين وتشاور منهما، رعاية لمصلحة هذا الصبى، لأن رضا أحدهما فقط قد يضره، بأن تمل الأم الإرضاع أو يبخل الأب بالإنفاق.ولأن إقدام أحدهما على الفطام بدون التشاور مع صاحبه قد يؤثر في صحة الصبى تأثيرا سيئا.لذا أوجب- سبحانه- التراضي والتشاور فيما بينهما من أجل مصلحة صبيهما.ثم قال- تعالى-: وَإِنْ أَرَدْتُمْ أَنْ تَسْتَرْضِعُوا أَوْلادَكُمْ فَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ إِذا سَلَّمْتُمْ ما آتَيْتُمْ بِالْمَعْرُوفِ.أى: وإن أردتم- أيها الآباء- أن تسترضعوا مراضع لأولادكم، ورضى الأمهات بذلك، فلا إثم عليكم فيما تفعلون ما دمتم تقصدون مصلحة أولادكم، وعليكم أن تسلموا هؤلاء المراضع أجرهن بالطريقة التي يقرها الشرع، وتستحسنها العقول السليمة، والأخلاق القويمة.واسترضع- كما يقول الزمخشري- منقول من أرضع. يقال: أرضعت المرأة الصبى، واسترضعتها الصبى فهي متعدية إلى مفعولين، والمعنى: أن تسترضعوا المراضع أولادكم.فحذف أحد المفعولين للاستغناء عنه.وقوله ما آتَيْتُمْ حذف مفعولاه أى آتيتموهن إياه. وبِالْمَعْرُوفِ متعلق بسلمتم أى بالقول الجميل، وبالوجه المتعارف المستحسن شرعا. ويجوز أن يتعلق بآتيتم. وأن يكون حالا من فاعل سلمتم أو آتيتم والعامل فيه محذوف أى متلبسين بالمعروف.ثم ختم- سبحانه- الآية بقوله: وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ.أى: اتقوا الله في كل شئونكم والتزموا ما بينه لكم من أحكام، واعلموا أن الله- تعالى- لا تخفى عليه أعمالكم، فهو محصيها عليكم، وسيجزى المحسن إحسانا والمسيء سوءا.ثم بين- سبحانه- عدة المرأة إذا توفى عنها زوجها، وما يجب عليها من آداب فقال- تعالى-.
﴿ تفسير ابن كثير ﴾
هذا إرشاد من الله تعالى للوالدات : أن يرضعن أولادهن كمال الرضاعة ، وهي سنتان ، فلا اعتبار بالرضاعة بعد ذلك ; ولهذا قال : ( لمن أراد أن يتم الرضاعة ) وذهب أكثر الأئمة إلى أنه لا يحرم من الرضاعة إلا ما كان دون الحولين ، فلو ارتضع المولود وعمره فوقهما لم يحرم .قال الترمذي : " باب ما جاء أن الرضاعة لا تحرم إلا في الصغر دون الحولين " : حدثنا قتيبة ، حدثنا أبو عوانة ، عن هشام بن عروة ، عن فاطمة بنت المنذر ، عن أم سلمة قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لا يحرم من الرضاع إلا ما فتق الأمعاء في الثدي ، وكان قبل الفطام " . وقال : هذا حديث حسن صحيح ، والعمل على هذا عند أكثر أهل العلم من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وغيرهم : أن الرضاعة لا تحرم إلا ما كان دون الحولين ، وما كان بعد الحولين الكاملين فإنه لا يحرم شيئا . وفاطمة بنت المنذر بن الزبير بن العوام ، وهي امرأة هشام بن عروة .قلت : تفرد الترمذي برواية هذا الحديث ، ورجاله على شرط الصحيحين ، ومعنى قوله : إلا ما كان في الثدي ، أي : في محل الرضاعة قبل الحولين ، كما جاء في الحديث ، الذي رواه أحمد ، عن وكيع وغندر ، عن شعبة ، عن عدي بن ثابت ، عن البراء بن عازب قال : لما مات إبراهيم ابن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " إن له مرضعا في الجنة " . وهكذا أخرجه البخاري من حديث شعبة وإنما قال ، عليه السلام ، ذلك ; لأن ابنه إبراهيم ، عليه السلام ، مات وله سنة وعشرة أشهر ، فقال : " إن له مرضعا في الجنة " يعني : تكمل رضاعه ، ويؤيده ما رواه الدارقطني ، من طريق الهيثم بن جميل ، عن سفيان بن عيينة ، عن عمرو بن دينار ، عن ابن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لا يحرم من الرضاع إلا ما كان في الحولين " ، ثم قال : لم يسنده عن ابن عيينة غير الهيثم بن جميل ، وهو ثقة حافظ .قلت : وقد رواه الإمام مالك في الموطأ ، عن ثور بن زيد ، عن ابن عباس موقوفا . ورواه الدراوردي عن ثور ، عن عكرمة ، عن ابن عباس وزاد : " وما كان بعد الحولين فليس بشيء " ، وهذا أصح .وقال أبو داود الطيالسي ، عن جابر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لا رضاع بعد فصال ، ولا يتم بعد احتلام " ، وتمام الدلالة من هذا الحديث في قوله : ( وفصاله في عامين ) [ لقمان : 14 ] . وقال : ( وحمله وفصاله ثلاثون شهرا ) [ الأحقاف : 15 ] . والقول بأن الرضاعة لا تحرم بعد الحولين مروي عن علي ، وابن عباس ، وابن مسعود ، وجابر ، وأبي هريرة ، وابن عمر ، وأم سلمة ، وسعيد بن المسيب ، وعطاء ، والجمهور . وهو مذهب الشافعي ، وأحمد ، وإسحاق ، والثوري ، وأبي يوسف ، ومحمد ، ومالك في رواية ، وعنه : أن مدته سنتان وشهران ، وفي رواية : وثلاثة أشهر . وقال أبو حنيفة : سنتان وستة أشهر ، وقال زفر بن الهذيل : ما دام يرضع فإلى ثلاث سنين ، وهذا رواية عن الأوزاعي . قال مالك : ولو فطم الصبي دون الحولين فأرضعته امرأة بعد فصاله لم يحرم ; لأنه قد صار بمنزلة الطعام ، وهو رواية عن الأوزاعي ، وقد روي عن عمر وعلي أنهما قالا : لا رضاع بعد فصال ، فيحتمل أنهما أرادا الحولين كقول الجمهور ، سواء فطم أو لم يفطم ، ويحتمل أنهما أرادا الفعل ، كقول مالك ، والله أعلم .وقد روي في الصحيح عن عائشة ، رضي الله عنها : أنها كانت ترى رضاع الكبير يؤثر في التحريم ، وهو قول عطاء بن أبي رباح ، والليث بن سعد ، وكانت عائشة تأمر بمن تختار أن يدخل عليها من الرجال لبعض نسائها فترضعه ، وتحتج في ذلك بحديث سالم مولى أبي حذيفة حيث أمر النبي صلى الله عليه وسلم امرأة أبي حذيفة أن ترضعه ، وكان كبيرا ، فكان يدخل عليها بتلك الرضاعة ، وأبى ذلك سائر أزواج النبي صلى الله عليه وسلم ، ورأين ذلك من الخصائص ، وهو قول الجمهور . وحجة الجمهور منهم الأئمة الأربعة ، والفقهاء السبعة ، والأكابر من الصحابة ، وسائر أزواج رسول الله صلى الله عليه وسلم سوى عائشة ما ثبت في الصحيحين ، عن عائشة : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " انظرن من إخوانكن ، فإنما الرضاعة من المجاعة " . وسيأتي الكلام على مسائل الرضاع ، وفيما يتعلق برضاع الكبير ، عند قوله تعالى : ( وأمهاتكم اللاتي أرضعنكم ) [ النساء : 23 ]وقوله : ( وعلى المولود له رزقهن وكسوتهن بالمعروف ) أي : وعلى والد الطفل نفقة الوالدات وكسوتهن بالمعروف ، أي : بما جرت به عادة أمثالهن في بلدهن من غير إسراف ولا إقتار ، بحسب قدرته في يساره وتوسطه وإقتاره ، كما قال تعالى : ( لينفق ذو سعة من سعته ومن قدر عليه رزقه فلينفق مما آتاه الله لا يكلف الله نفسا إلا ما آتاها سيجعل الله بعد عسر يسرا ) [ الطلاق : 7 ] . قال الضحاك : إذا طلق [ الرجل ] زوجته وله منها ولد ، فأرضعت له ولده ، وجب على الوالد نفقتها وكسوتها بالمعروف .وقوله : ( لا تضار والدة بولدها ) أي : لا تدفعه عنها لتضر أباه بتربيته ، ولكن ليس لها دفعه إذا ولدته حتى تسقيه اللبأ الذي لا يعيش بدون تناوله غالبا ، ثم بعد هذا لها رفعه عنها إذا شاءت ، ولكن إن كانت مضارة لأبيه فلا يحل لها ذلك ، كما لا يحل له انتزاعه منها لمجرد الضرار لها . ولهذا قال : ( ولا مولود له بولده ) أي : بأن يريد أن ينتزع الولد منها إضرارا بها ، قاله مجاهد ، وقتادة ، والضحاك ، والزهري ، والسدي ، والثوري ، وابن زيد ، وغيرهم .وقوله : ( وعلى الوارث مثل ذلك ) قيل : في عدم الضرار لقريبه قاله مجاهد ، والشعبي ، والضحاك . وقيل : عليه مثل ما على والد الطفل من الإنفاق على والدة الطفل ، والقيام بحقوقها وعدم الإضرار بها ، وهو قول الجمهور . وقد استقصى ذلك ابن جرير في تفسيره . وقد استدل بذلك من ذهب من الحنفية والحنبلية إلى وجوب نفقة الأقارب بعضهم على بعض ، وهو مروي عن عمر بن الخطاب ، وجمهور السلف ، ويرشح ذلك بحديث الحسن ، عن سمرة مرفوعا : من ملك ذا رحم محرم عتق عليه .وقد ذكر أن الرضاعة بعد الحولين ربما ضرت الولد إما في بدنه أو عقله ، وقد قال سفيان الثوري ، عن الأعمش ، عن إبراهيم ، عن علقمة : أنه رأى امرأة ترضع بعد الحولين . فقال : لا ترضعيه .وقوله : ( فإن أرادا فصالا عن تراض منهما وتشاور فلا جناح عليهما ) أي : فإن اتفقا والدا الطفل على فطامه قبل الحولين ، ورأيا في ذلك مصلحة له ، وتشاورا في ذلك ، وأجمعا عليه ، فلا جناح عليهما في ذلك ، فيؤخذ منه : أن انفراد أحدهما بذلك دون الآخر لا يكفي ، ولا يجوز لواحد منهما أن يستبد بذلك من غير مشاورة الآخر ، قاله الثوري وغيره ، وهذا فيه احتياط للطفل ، وإلزام للنظر في أمره ، وهو من رحمة الله بعباده ، حيث حجر على الوالدين في تربية طفلهما وأرشدهما إلى ما يصلحه ويصلحهما كما قال في سورة الطلاق : ( فإن أرضعن لكم فآتوهن أجورهن وأتمروا بينكم بمعروف وإن تعاسرتم فسترضع له أخرى ) [ الطلاق : 6 ] .وقوله : ( وإن أردتم أن تسترضعوا أولادكم فلا جناح عليكم إذا سلمتم ما آتيتم بالمعروف ) أي : إذا اتفقت الوالدة والوالد على أن يتسلم منها الولد إما لعذر منها ، أو عذر له ، فلا جناح عليهما في بذله ، ولا عليه في قبوله منها إذا سلمها أجرتها الماضية بالتي هي أحسن ، واسترضع لولده غيرها بالأجرة بالمعروف . قاله غير واحد .وقوله : ( واتقوا الله ) أي : في جميع أحوالكم ( واعلموا أن الله بما تعملون بصير ) أي : فلا يخفى عليه شيء من أحوالكم وأقوالكم .
﴿ تفسير القرطبي ﴾
والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة وعلى المولود له رزقهن وكسوتهن بالمعروف لا تكلف نفس إلا وسعها لا تضار والدة بولدها ولا مولود له بولده وعلى الوارث مثل ذلك فإن أرادا فصالا عن تراض منهما وتشاور فلا جناح عليهما وإن أردتم أن تسترضعوا أولادكم فلا جناح عليكم إذا سلمتم ما آتيتم بالمعروف واتقوا الله واعلموا أن الله بما تعملون بصيرفيه ثمان عشرة مسألة :الأولى : قوله تعالى : والوالدات ابتداء . يرضعن أولادهن في موضع الخبر . حولين كاملين ظرف زمان . ولما ذكر الله سبحانه النكاح والطلاق ذكر الولد ؛ لأن الزوجين قد يفترقان وثم ولد ، فالآية إذا في المطلقات اللاتي لهن أولاد من أزواجهن ، قاله السدي والضحاك وغيرهما ، أي هن أحق برضاع أولادهن من الأجنبيات لأنهن أحنى وأرق ، وانتزاع الولد الصغير إضرار به وبها ، وهذا يدل على أن الولد وإن فطم فالأم أحق بحضانته لفضل حنوها وشفقتها ، وإنما تكون أحق بالحضانة إذا لم تتزوج على ما يأتي . وعلى هذا يشكل قوله : وعلى المولود له رزقهن وكسوتهن بالمعروف لأن المطلقة لا تستحق الكسوة إذا لم تكن رجعية بل تستحق الأجرة إلا أن يحمل على مكارم الأخلاق فيقال : الأولى ألا تنقص الأجرة عما يكفيها لقوتها وكسوتها . وقيل : الآية عامة في المطلقات اللواتي لهن أولاد وفي الزوجات . والأظهر أنها في الزوجات في حال بقاء النكاح ؛ لأنهن المستحقات للنفقة والكسوة ، والزوجة تستحق النفقة والكسوة أرضعت أو لم ترضع ، والنفقة والكسوة مقابلة التمكين ، فإذا اشتغلت بالإرضاع لم يكمل التمكين ، فقد يتوهم أن النفقة تسقط فأزال ذلك الوهم بقوله تعالى : وعلى المولود له أي الزوج رزقهن وكسوتهن في حال الرضاع لأنه اشتغال في مصالح الزوج ، فصارت كما لو سافرت لحاجة الزوج بإذنه فإن النفقة لا تسقط .الثانية : قوله تعالى : ( يرضعن ) خبر معناه الأمر على الوجوب لبعض الوالدات ، وعلى جهة الندب لبعضهن على ما يأتي . وقيل : هو خبر عن المشروعية كما تقدم .الثالثة : واختلف الناس في الرضاع هل هو حق للأم أو هو حق عليها ، واللفظ محتمل ؛ لأنه لو أراد التصريح بكونه عليها لقال : وعلى الوالدات رضاع أولادهن كما قال تعالى : وعلى المولود له رزقهن وكسوتهن ولكن هو عليها في حال الزوجية ، وهو عرف يلزم إذ قد صار كالشرط ، إلا أن تكون شريفة ذات ترفه فعرفها ألا ترضع وذلك كالشرط . وعليها إن لم يقبل الولد غيرها واجب . وهو عليها إذا عدم لاختصاصها به . فإن مات الأب ولا مال للصبي فمذهب مالك في المدونة أن الرضاع لازم للأم بخلاف النفقة . وفي كتاب ابن الجلاب : رضاعه في بيت المال . وقال عبد الوهاب : هو فقير من فقراء المسلمين . وأما المطلقة طلاق بينونة فلا رضاع عليها ، والرضاع على الزوج إلا أن تشاء هي ، فهي أحق بأجرة المثل ، هذا مع يسر الزوج فإن كان معدما لم يلزمها الرضاع إلا أن يكون المولود لا يقبل غيرها فتجبر حينئذ على الإرضاع . وكل من يلزمها الإرضاع فإن أصابها عذر يمنعها منه عاد الإرضاع على الأب . وروي عن مالك أن الأب إذا كان معدما ولا مال للصبي أن الرضاع على الأم ، فإن لم يكن لها لبن ولها مال فالإرضاع عليها في مالها . قال الشافعي : لا يلزم الرضاع إلا والدا أو جدا وإن علا ، وسيأتي ما للعلماء في هذا عند قوله تعالى : وعلى الوارث مثل ذلك . يقال : رضع يرضع رضاعة ورضاعا ، ورضع يرضع رضاعا ورضاعة ( بكسر الراء في الأول وفتحها في الثاني ) واسم الفاعل راضع فيهما . والرضاعة : اللؤم ( مفتوح الراء لا غير ) .الرابعة : قوله تعالى : ( حولين ) أي سنتين ، من حال الشيء إذا انقلب ، فالحول منقلب من الوقت الأول إلى الثاني . وقيل : سمي العام حولا لاستحالة الأمور فيه في الأغلب . ( كاملين ) قيد بالكمال لأن القائل قد يقول : أقمت عند فلان حولين وهو يريد حولا وبعض حول آخر ، قال الله تعالى : فمن تعجل في يومين وإنما يتعجل في يوم وبعض الثاني .وقوله تعالى : لمن أراد أن يتم الرضاعة دليل على أن إرضاع الحولين ليس حتما فإنه يجوز الفطام قبل الحولين ، ولكنه تحديد لقطع التنازع بين الزوجين في مدة الرضاع ، فلا يجب على الزوج إعطاء الأجرة لأكثر من حولين . وإن أراد الأب الفطم قبل هذه المدة ولم ترض الأم لم يكن له ذلك . والزيادة على الحولين أو النقصان إنما يكون عند عدم الإضرار بالمولود وعند رضا الوالدين . وقرأ مجاهد وابن محيصن " لمن أراد أن تتم الرضاعة " بفتح التاء ورفع " الرضاعة " على إسناد الفعل إليها . وقرأ أبو حيوة وابن أبي عبلة والجارود بن أبي سبرة بكسر الراء من " الرضاعة " وهي لغة كالحضارة والحضارة . وروي عن مجاهد أنه قرأ " الرضعة " على وزن الفعلة . وروي عن ابن عباس أنه قرأ " أن يكمل الرضاعة " . النحاس : لا يعرف البصريون " الرضاعة " إلا بفتح الراء ، ولا " الرضاع " إلا بكسر الراء ، مثل القتال . وحكى الكوفيون كسر الراء مع الهاء وفتحها بغير هاء .الخامسة : انتزع مالك رحمه الله تعالى ومن تابعه وجماعة من العلماء من هذه الآية أن الرضاعة المحرمة الجارية مجرى النسب إنما هي ما كان في الحولين ؛ لأنه بانقضاء الحولين تمت الرضاعة ، ولا رضاعة بعد الحولين معتبرة . هذا قوله في موطئه ، وهي رواية محمد بن عبد الحكم عنه ، وهو قول عمر وابن عباس ، وروي عن ابن مسعود ، وبه قال الزهري وقتادة والشعبي وسفيان الثوري والأوزاعي والشافعي وأحمد وإسحاق وأبو يوسف ومحمد وأبو ثور . وروى ابن عبد الحكم عنه الحولين وزيادة أيام يسيرة . عبد الملك : كالشهر ونحوه . وروى ابن القاسم عن مالك أنه قال : الرضاع الحولين والشهرين بعد الحولين ، وحكى عنه الوليد بن مسلم أنه قال : ما كان بعد الحولين من رضاع بشهر أو شهرين أو ثلاثة فهو من الحولين ، وما كان بعد ذلك فهو عبث . وحكي عن النعمان أنه قال : وما كان بعد الحولين إلى ستة أشهر فهو رضاع ، والصحيح الأول لقوله تعالى : والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين وهذا يدل على ألا حكم لما ارتضع المولود بعد الحولين . وروى سفيان عن عمرو بن دينار عن ابن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لا رضاع إلا ما كان في الحولين . قال الدارقطني : لم يسنده عن ابن عيينة غير الهيثم بن جميل ، وهو ثقة حافظ .قلت : وهذا الخبر مع الآية والمعنى ينفي رضاعة الكبير وأنه لا حرمة له . وقد روي عن عائشة القول به . وبه يقول الليث بن سعد من بين العلماء . وروي عن أبي موسى الأشعري أنه كان يرى رضاع الكبير . وروي عنه الرجوع عنه . وسيأتي في سورة ( النساء ) مبينا إن شاء الله تعالى .السادسة : قال جمهور المفسرين : إن هذين الحولين لكل ولد . وروي عن ابن عباس أنه قال : هي في الولد يمكث في البطن ستة أشهر ، فإن مكث سبعة أشهر فرضاعه ثلاثة وعشرون شهرا فإن مكث ثمانية أشهر فرضاعه اثنان وعشرون شهرا ، فإن مكث تسعة أشهر فرضاعه أحد وعشرون شهرا ، لقوله تعالى : وحمله وفصاله ثلاثون شهرا . وعلى هذا تتداخل مدة الحمل ومدة الرضاع ويأخذ الواحد من الآخر .السابعة : قوله تعالى : وعلى المولود له أي وعلى الأب . ويجوز في العربية " وعلى المولود لهم " كقوله تعالى : ومنهم من يستمعون إليك ؛ لأن المعنى وعلى الذي ولد له و " الذي " يعبر به عن الواحد والجمع كما تقدم .الثامنة : رزقهن وكسوتهن الرزق في هذا الحكم الطعام الكافي ، وفي هذا دليل على وجوب نفقة الولد على الوالد لضعفه وعجزه . وسماه الله سبحانه للأم ؛ لأن الغذاء يصل إليه بواسطتها في الرضاع كما قال : وإن كن أولات حمل فأنفقوا عليهن ؛ لأن الغذاء لا يصل إلا بسببها .أجمع العلماء على أن على المرء نفقة ولده الأطفال الذين لا مال لهم . وقال صلى الله عليه وسلم لهند بنت عتبة وقد قالت له : إن أبا سفيان رجل شحيح وإنه لا يعطيني من النفقة ما يكفيني ويكفي بني إلا ما أخذت من ماله بغير علمه فهل علي في ذلك جناح ؟ فقال : خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف . والكسوة : اللباس . وقوله : ( بالمعروف ) : أي بالمتعارف في عرف الشرع من غير تفريط ولا إفراط . ثم بين تعالى أن الإنفاق على قدر غنى الزوج ومنصبها من غير تقدير مد ولا غيره بقوله تعالى : لا تكلف نفس إلا وسعها على ما يأتي بيانه في الطلاق إن شاء الله تعالى . وقيل المعنى : أي لا تكلف المرأة الصبر على التقتير في الأجرة ، ولا يكلف الزوج ما هو إسراف بل يراعي القصد .التاسعة : في هذه الآية دليل لمالك على أن الحضانة للأم ، فهي في الغلام إلى البلوغ ، وفي الجارية إلى النكاح ، وذلك حق لها ، وبه قال أبو حنيفة . وقال الشافعي : إذا بلغ الولد ثماني سنين وهو سن التمييز ، خير بين أبويه ، فإنه في تلك الحالة تتحرك همته لتعلم القرآن والأدب ووظائف العبادات ، وذلك يستوي فيه الغلام والجارية . وروى النسائي وغيره عن أبي هريرة أن امرأة جاءت إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت له : زوجي يريد أن يذهب بابني ، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم : هذا أبوك وهذه أمك فخذ أيهما شئت فأخذ بيد أمه . وفي كتاب أبي داود عن أبي هريرة قال : جاءت امرأة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم - وأنا قاعد عنده - فقالت : يا رسول الله ، إن زوجي يريد أن يذهب بابني ، وقد سقاني من بئر أبي عنبة ، وقد نفعني ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : ( استهما عليه ) فقال زوجها : من يحاقني في ولدي ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : ( هذا أبوك وهذه أمك فخذ بيد أحدهما شئت ) فأخذ بيد أمه فانطلقت به . ودليلنا ما رواه أبو داود عن الأوزاعي قال : حدثني عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عبد الله بن عمرو أن امرأة جاءت إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت : يا رسول الله ، إن ابني هذا كان بطني له وعاء ، وثديي له سقاء ، وحجري له حواء ، وإن أباه طلقني وأراد أن ينتزعه مني ، فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم : أنت أحق به ما لم تنكحي . قال ابن المنذر : أجمع كل من يحفظ عنه من أهل العلم على أن الزوجين إذا افترقا ولهما ولد أن الأم أحق به ما لم تنكح . وكذا قال أبو عمر : لا أعلم خلافا بين السلف من العلماء في المرأة المطلقة إذا لم تتزوج أنها أحق بولدها من أبيه ما دام طفلا صغيرا لا يميز شيئا إذا كان عندها في حرز وكفاية ولم يثبت فيها فسق ولا تبرج .ثم اختلفوا بعد ذلك في تخييره إذا ميز وعقل بين أبيه وأمه وفيمن هو أولى به ، قال ابن المنذر : وثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم قضى في ابنة حمزة للخالة من غير تخيير . روى أبو داود عن علي قال : خرج زيد بن حارثة إلى مكة فقدم بابنة حمزة ، فقال جعفر : أنا آخذها أنا أحق بها ، ابنة عمي وخالتها عندي والخالة أم . فقال علي : أنا أحق بها ، ابنة عمي وعندي ابنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وهي أحق بها . فقال زيد : أنا أحق بها ، أنا خرجت إليها وسافرت وقدمت بها . فخرج النبي صلى الله عليه وسلم فذكر حديثا قال : وأما الجارية فأقضي بها لجعفر تكون مع خالتها وإنما الخالة أم .العاشرة : قال ابن المنذر : وقد أجمع كل من يحفظ عنه من أهل العلم على ألا حق للأم في الولد إذا تزوجت .قلت : كذا قال في كتاب الأشراف له . وذكر القاضي عبد الوهاب في شرح الرسالة له عن الحسن أنه لا يسقط حقها من الحضانة بالتزوج . وأجمع مالك والشافعي والنعمان وأبو ثور على أن الجدة أم الأم أحق بحضانة الولد . واختلفوا إذا لم يكن لها أم وكان لها جدة هي أم الأب ، فقال مالك : أم الأب أحق إذا لم يكن للصبي خالة . وقال ابن القاسم : قال مالك : وبلغني ذلك عنه أنه قال : الخالة أولى من الجدة أم الأب . وفي قول الشافعي والنعمان : أم الأب أحق من الخالة . وقد قيل : إن الأب أولى بابنه من الجدة أم الأب - قال أبو عمر : وهذا عندي إذا لم يكن له زوجة أجنبية - ثم الأخت بعد الأب ثم العمة . وهذا إذا كان كل واحد من هؤلاء مأمونا على الولد ، وكان عنده في حرز وكفاية ، فإذا لم يكن كذلك لم يكن له حق في الحضانة ، وإنما ينظر في ذلك إلى من يحوط الصبي ومن يحسن إليه في حفظه وتعلمه الخير . وهذا على قول من قال إن الحضانة حق الولد ، وقد روي ذلك عن مالك وقال به طائفة من أصحابه ، وكذلك لا يرون حضانة لفاجرة ولا لضعيفة عاجزة عن القيام بحق الصبي لمرض أو زمانة . وذكر ابن حبيب عن مطرف وابن الماجشون عن مالك أن الحضانة للأم ثم الجدة للأم ثم الخالة ثم الجدة للأب ثم أخت الصبي ثم عمة الصبي ثم ابنة أخي الصبي ثم الأب . والجدة للأب أولى من الأخت والأخت أولى من العمة والعمة أولى ممن بعدها ، وأولى من جميع الرجال الأولياء . وليس لابنة الخالة ولا لابنة العمة ولا لبنات أخوات الصبي من حضانته شيء . فإذا كان الحاضن لا يخاف منه على الطفل تضييع أو دخول فساد كان حاضنا له أبدا حتى يبلغ الحلم . وقد قيل : حتى يثغر ، وحتى تتزوج الجارية ، إلا أن يريد الأب نقلة سفر وإيطان فيكون حينئذ أحق بولده من أمه وغيرها إن لم ترد الانتقال . وإن أراد الخروج لتجارة لم يكن له ذلك . وكذلك أولياء الصبي الذين يكون مآله إليهم إذا انتقلوا للاستيطان . وليس للأم أن تنقل ولدها عن موضع سكنى الأب إلا فيما يقرب نحو المسافة التي لا تقصر فيها الصلاة . ولو شرط عليها في حين انتقاله عن بلدها أنه لا يترك ولده عندها إلا أن تلتزم نفقته ومئونته سنين معلومة فإن التزمت ذلك لزمها : فإن ماتت لم تتبع بذلك ورثتها في تركتها . وقد قيل : ذلك دين يؤخذ من تركتها ، والأول أصح إن شاء الله تعالى ، كما لو مات الوالد أو كما لو صالحها على نفقة الحمل والرضاع فأسقطت لم تتبع بشيء من ذلك .الحادية عشرة : إذا تزوجت الأم لم ينزع منها ولدها حتى يدخل بها زوجها عند مالك . وقال الشافعي : إذا نكحت فقد انقطع حقها . فإن طلقها لم يكن لها الرجوع فيه عند مالك في الأشهر عندنا من مذهبه . وقد ذكر القاضي إسماعيل وذكره ابن خويزمنداد أيضا عن مالك أنه اختلف قوله في ذلك ، فقال مرة : يرد إليها ، وقال مرة : لا يرد . قال ابن المنذر : فإذا خرجت الأم عن البلد الذي به ولدها ثم رجعت إليه فهي أحق بولدها في قول الشافعي وأبي ثور وأصحاب الرأي . وكذلك لو تزوجت ثم طلقت أو توفي عنها زوجها رجعت في حقها من الولد .قلت وكذلك قال القاضي أبو محمد عبد الوهاب ، فإن طلقها الزوج أو مات عنها كان لها أخذه لزوال العذر الذي جاز له تركه .الثانية عشرة : فإن تركت المرأة حضانة ولدها ولم ترد أخذه وهي فارغة غير مشغولة بزوج ثم أرادت بعد ذلك أخذه نظر لها ، فإن كان تركها له من عذر كان لها أخذه ، وإن كانت تركته رفضا له ومقتا لم يكن لها بعد ذلك أخذه .الثالثة عشرة : واختلفوا في الزوجين يفترقان بطلاق والزوجة ذمية ، فقالت طائفة : لا فرق بين الذمية والمسلمة وهي أحق بولدها ، هذا قول أبي ثور وأصحاب الرأي وابن القاسم صاحب مالك . قال ابن المنذر : وقد روينا حديثا مرفوعا موافقا لهذا القول ، وفي إسناده مقال . وفيه قول ثان : إن الولد مع المسلم منهما ، هذا قول مالك وسوار وعبد الله بن الحسن ، وحكي ذلك عن الشافعي . وكذلك اختلفوا في الزوجين يفترقان ، أحدهما حر والآخر مملوك ، فقالت طائفة : الحر أولى ، هذا قول عطاء والثوري والشافعي وأصحاب الرأي . وقال مالك : في الأب إذا كان حرا وله ولد حر والأم مملوكة : إن الأم أحق به إلا أن تباع فتنتقل فيكون الأب أحق به .الرابعة عشرة : قوله تعالى : لا تضار والدة بولدها ولا مولود له بولده المعنى : لا تأبى الأم أن ترضعه إضرارا بأبيه أو تطلب أكثر من أجر مثلها ، ولا يحل للأب أن يمنع الأم من ذلك مع رغبتها في الإرضاع ، هذا قول جمهور المفسرين . وقرأ نافع وعاصم وحمزة والكسائي ( تضار ) بفتح الراء المشددة وموضعه جزم على النهي ، وأصله لا تضارر على الأصل ، فأدغمت الراء الأولى في الثانية وفتحت الثانية لالتقاء الساكنين ، وهكذا يفعل في المضاعف إذا كان قبله فتح أو ألف ، تقول : عض يا رجل ، وضار فلانا يا رجل . أي لا ينزع الولد منها إذا رضيت بالإرضاع وألفها الصبي . وقرأ أبو عمرو وابن كثير وأبان بن عاصم وجماعة " تضار " بالرفع عطفا على قوله : تكلف نفس وهو خبر والمراد به الأمر . وروى يونس عن الحسن قال : يقول : لا تضار زوجها تقول : لا أرضعه ، ولا يضارها فينزعه منها وهي تقول : أنا أرضعه . ويحتمل أن يكون الأصل " تضارر " بكسر الراء الأولى ، ورواها أبان عن عاصم ، وهي لغة أهل الحجاز . ف ( والدة ) فاعله ، ويحتمل أن يكون " تضارر " ف ( والدة ) مفعول ما لم يسم فاعله . وروي عن عمر بن الخطاب رضى الله عنه أنه قرأ " لا تضارر " براءين الأولى مفتوحة . وقرأ أبو جعفر بن القعقاع " تضار " بإسكان الراء وتخفيفها . وكذلك " لا يضار كاتب " وهذا بعيد لأن المثلين إذا اجتمعا وهما أصليان لم يجز حذف أحدهما للتخفيف ، فإما الإدغام وإما الإظهار . وروي عنه الإسكان والتشديد . وروي عن ابن عباس والحسن " لا تضارر " بكسر الراء الأولى .الخامسة عشرة : : قوله تعالى : وعلى الوارث مثل ذلك هو معطوف على قوله : وعلى المولود واختلفوا في تأويل قوله : وعلى الوارث مثل ذلك فقال قتادة والسدي والحسن وعمر بن الخطاب رضي الله عنه : هو وارث الصبي أن لو مات . قال بعضهم : وارثه من الرجال خاصة يلزمه الإرضاع ، كما كان يلزم أبا الصبي لو كان حيا ، وقاله مجاهد وعطاء . وقال قتادة وغيره : هو وارث الصبي من كان من الرجال والنساء ، ويلزمهم إرضاعه على قدر مواريثهم منه ، وبه قال أحمد وإسحاق . وقال القاضي أبو إسحاق إسماعيل بن إسحاق في كتاب " معاني القرآن " له : فأما أبو حنيفة فإنه قال : تجب نفقة الصغير ورضاعه على كل ذي رحم محرم ، مثل أن يكون رجل له ابن أخت صغير محتاج وابن عم صغير محتاج وهو وارثه ، فإن النفقة تجب على الخال لابن أخته الذي لا يرثه ، وتسقط عن ابن العم لابن عمه الوارث . قال أبو إسحاق : فقالوا قولا ليس في كتاب الله ولا نعلم أحدا قاله . وحكى الطبري عن أبي حنيفة وصاحبيه أنهم قالوا : الوارث الذي يلزمه الإرضاع هو وارثه إذا كان ذا رحم محرما منه ، فإن كان ابن عم وغيره ليس بذي رحم محرم فلا يلزمه شيء . وقيل : المراد عصبة الأب عليهم النفقة والكسوة . قال الضحاك : إن مات أبو الصبي وللصبي مال أخذ رضاعه من المال ، وإن لم يكن له مال أخذ من العصبة ، وإن لم يكن للعصبة مال أجبرت الأم على إرضاعه . وقال قبيصة بن ذؤيب والضحاك وبشير بن نصر قاضي عمر بن عبد العزيز : الوارث هو الصبي نفسه ، وتأولوا قوله : وعلى الوارث المولود ، مثل ما على المولود له ، أي عليه في ماله إذا ورث أباه إرضاع نفسه . وقال سفيان : الوارث هنا هو الباقي من والدي المولود بعد وفاة الآخر منهما فإن مات الأب فعلى الأم كفاية الطفل إذا لم يكن له مال ، ويشاركها العاصب في إرضاع المولود على قدر حظه من الميراث . وقال ابن خويزمنداد : ولو كان اليتيم فقيرا لا مال له ، وجب على الإمام القيام به من بيت المال ، فإن لم يفعل الإمام وجب ذلك على المسلمين ، الأخص به فالأخص ، والأم أخص به فيجب عليها إرضاعه والقيام به ، ولا ترجع عليه ولا على أحد . والرضاع واجب والنفقة استحباب : ووجه الاستحباب قوله تعالى : والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين وواجب على الأزواج القيام بهن ، فإذا تعذر استيفاء الحق لهن بموت الزوج أو إعساره لم يسقط الحق عنهن ، ألا ترى أن العدة واجبة عليهن والنفقة والسكنى على أزواجهن ، وإذا تعذرت النفقة لهن لم تسقط العدة عنهن . وروى عبد الرحمن بن القاسم في الأسدية عن مالك بن أنس رحمه الله أنه قال : لا يلزم الرجل نفقة أخ ولا ذي قرابة ولا ذي رحم منه . قال : وقول الله عز وجل : وعلى الوارث مثل ذلك هو منسوخ . قال النحاس : هذا لفظ مالك ، ولم يبين ما الناسخ لها ولا عبد الرحمن بن القاسم ، ولا علمت أن أحدا من أصحابهم بين ذلك ، والذي يشبه أن يكون الناسخ لها عنده والله أعلم ، أنه لما أوجب الله تعالى للمتوفى عنها زوجها من مال المتوفى نفقة حول والسكنى ثم نسخ ذلك ورفعه نسخ ذلك أيضا عن الوارث .قلت : فعلى هذا تكون النفقة على الصبي نفسه من ماله ، لا يكون على الوارث منها شيء على ما يأتي . قال ابن العربي : قوله وعلى الوارث مثل ذلك قال ابن القاسم عن مالك هي منسوخة ، وهذا كلام تشمئز منه قلوب الغافلين ، وتحتار فيه ألباب الشاذين ، والأمر فيه قريب ، وذلك أن العلماء المتقدمين من الفقهاء والمفسرين كانوا يسمون التخصيص نسخا ؛ لأنه رفع لبعض ما يتناوله العموم مسامحة ، وجرى ذلك في ألسنتهم حتى أشكل ذلك على من بعدهم ، وتحقيق القول فيه : أن قوله تعالى وعلى الوارث مثل ذلك إشارة إلى ما تقدم ، فمن الناس من رده إلى جميعه من إيجاب النفقة وتحريم الإضرار ، منهم أبو حنيفة من الفقهاء ، ومن السلف قتادة والحسن ويسند إلى عمر وقالت طائفة من العلماء : إن معنى قوله تعالى : وعلى الوارث مثل ذلك لا يرجع إلى جميع ما تقدم وإنما يرجع إلى تحريم الإضرار ، والمعنى : وعلى الوارث من تحريم الإضرار بالأم ما على الأب ، وهذا هو الأصل ، فمن ادعى أنه يرجع العطف فيه إلى جميع ما تقدم فعليه الدليل .قلت : قوله : " وهذا هو الأصل " ، يريد في رجوع الضمير إلى أقرب مذكور ، وهو صحيح ، إذ لو أراد الجميع الذي هو الإرضاع والإنفاق وعدم الضرر لقال : وعلى الوارث مثل هؤلاء ، فدل على أنه معطوف على المنع من المضارة ، وعلى ذلك تأوله كافة المفسرين فيما حكى القاضي عبد الوهاب ، وهو أن المراد به أن الوالدة لا تضار ولدها في أن الأب إذا بذل لها أجرة المثل ألا ترضعه ، ولا مولود له بولده في أن الأم إذا بذلت أن ترضعه بأجرة المثل كان لها ذلك ؛ لأن الأم أرفق وأحن عليه ، ولبنها خير له من لبن الأجنبية . قال ابن عطية : وقال مالك رحمه الله وجميع أصحابه والشعبي أيضا والزهري والضحاك وجماعة من العلماء : المراد بقوله ( مثل ذلك ) ألا تضار ، وأما الرزق والكسوة فلا يجب شيء منه . وروى ابن القاسم عن مالك أن الآية تضمنت أن الرزق والكسوة على الوارث ، ثم نسخ ذلك بالإجماع من الأمة في ألا يضار الوارث ، والخلاف هل عليه رزق وكسوة أم لا ؟ وقرأ يحيى بن يعمر " وعلى الورثة " بالجمع ، وذلك يقتضي العموم ، فإن استدلوا بقوله عليه السلام : لا يقبل الله صدقة وذو رحم محتاج قيل لهم الرحم عموم في كل ذي رحم ، محرما كان أو غير محرم ، ولا خلاف أن صرف الصدقة إلى ذي الرحم أولى لقوله عليه السلام : اجعلها في الأقربين فحمل الحديث على هذا ، ولا حجة فيه على ما راموه ، والله أعلم . وقال النحاس : وأما قول من قال وعلى الوارث مثل ذلك ألا يضار فقوله حسن ؛ لأن أموال الناس محظورة فلا يخرج شيء منها إلا بدليل قاطع . وأما قول من قال على ورثة الأب فالحجة أن النفقة كانت على الأب ، فورثته أولى من ورثة الابن وأما حجة من قال على ورثة الابن فيقول : كما يرثونه يقومون به . قال النحاس : وكان محمد بن جرير يختار قول من قال : الوارث هنا الابن ، وهو - وإن كان قولا غريبا - فالاستدلال به صحيح والحجة به ظاهرة ؛ لأن ماله أولى به . وقد أجمع الفقهاء إلا من شذ منهم أن رجلا لو كان له ولد طفل وللولد مال ، والأب موسر أنه لا يجب على الأب نفقة ولا رضاع ، وأن ذلك من مال الصبي . فإن قيل : قد قال الله عز وجل وعلى المولود له رزقهن وكسوتهن بالمعروف قيل : هذا الضمير للمؤنث ، ومع هذا فإن الإجماع حد للآية مبين لها ، لا يسع مسلما الخروج عنه . وأما من قال : ذلك على من بقي من الأبوين ، فحجته أنه لا يجوز للأم تضييع ولدها ، وقد مات من كان ينفق عليه وعليها . وقد ترجم البخاري على رد هذا القول ( باب - وعلى الوارث مثل ذلك ، وهل على المرأة منه شيء ) وساق حديث أم سلمة وهند . والمعنى فيه : أن أم سلمة كان لها أبناء من أبي سلمة ولم يكن لهم مال ، فسألت النبي صلى الله عليه وسلم فأخبرها أن لها في ذلك أجرا . فدل هذا الحديث على أن نفقة بنيها لا تجب عليها ، ولو وجبت عليها لم تقل للنبي صلى الله عليه وسلم : ولست بتاركتهم . وأما حديث هند فإن النبي صلى الله عليه وسلم أطلقها على أخذ نفقتها ونفقة بنيها من مال الأب ، ولم يوجبها عليها كما أوجبها على الأب . فاستدل البخاري من هذا على أنه لما لم يلزم الأمهات نفقات الأبناء في حياة الآباء فكذلك لا يلزمهن بموت الآباء . وأما قول من قال إن النفقة والكسوة على كل ذي رحم محرم فحجته أن على الرجل أن ينفق على كل ذي رحم محرم إذا كان فقيرا . قال النحاس : وقد عورض هذا القول بأنه لم يؤخذ من كتاب الله تعالى ولا من إجماع ولا من سنة صحيحة ، بل لا يعرف من قول سوى ما ذكرناه . فأما القرآن فقد قال الله عز وجل : وعلى الوارث مثل ذلك فإن كان على الوارث النفقة والكسوة فقد خالفوا ذلك فقالوا : إذا ترك خاله وابن عمه فالنفقة على خاله وليس على ابن عمه شيء ، فهذا مخالف نص القرآن ؛ لأن الخال لا يرث مع ابن العم في قول أحد ، ولا يرث وحده في قول كثير من العلماء ، والذي احتجوا به من النفقة على كل ذي رحم محرم أكثر أهل العلم على خلافه .السادسة عشرة : قوله تعالى : فإن أرادا فصالا الضمير في ( أرادا ) للوالدين . و ( فصالا ) معناه فطاما عن الرضاع ، أي عن الاغتذاء بلبن أمه إلى غيره من الأقوات . والفصال والفصل : الفطام ، وأصله التفريق ، فهو تفريق بين الصبي والثدي ، ومنه سمي الفصيل ؛ لأنه مفصول عن أمه . عن تراض منهما أي قبل الحولين . فلا جناح عليهما أي في فصله ، وذلك أن الله سبحانه لما جعل مدة الرضاع حولين بين أن فطامهما هو الفطام ، وفصالهما هو الفصال ليس لأحد عنه منزع ، إلا أن يتفق الأبوان على أقل من ذلك العدد من غير مضارة بالولد ، فذلك جائز بهذا البيان . وقال قتادة : كان الرضاع واجبا في الحولين وكان يحرم الفطام قبله ، ثم خفف وأبيح الرضاع أقل من الحولين بقوله : فإن أرادا فصالا الآية . وفي هذا دليل على جواز الاجتهاد في الأحكام بإباحة الله تعالى للوالدين التشاور فيما يؤدي إلى صلاح الصغير ، وذلك موقوف على غالب ظنونهما لا على الحقيقة واليقين ، والتشاور : استخراج الرأي ، وكذلك المشاورة ، والمشورة كالمعونة ، وشرت العسل : استخرجته ، وشرت الدابة وشورتها أي أجريتها لاستخراج جريها ، والشوار : متاع البيت ؛ لأنه يظهر للناظر . والشارة : هيئة الرجل ، والإشارة : إخراج ما في نفسك وإظهاره .السابعة عشرة : قوله تعالى : وإن أردتم أن تسترضعوا أولادكم أي لأولادكم غير الوالدة ، قاله الزجاج . قال النحاس : التقدير في العربية أن تسترضعوا أجنبية لأولادكم ، مثل كالوهم أو وزنوهم ؛ أي كالوا لهم أو وزنوا لهم ، وحذفت اللام لأنه يتعدى إلى مفعولين أحدهما بحرف ، وأنشد سيبويه :أمرتك الخير فافعل ما أمرت به فقد تركتك ذا مال وذا نسبولا يجوز : دعوت زيدا ، أي دعوت لزيد ؛ لأنه يؤدي إلى التلبيس ، فيعتبر في هذا النوع السماع .قلت : وعلى هذا يكون في الآية دليل على جواز اتخاذ الظئر إذا اتفق الآباء والأمهات على ذلك . وقد قال عكرمة في قوله تعالى : لا تضار والدة معناه الظئر ، حكاه ابن عطية . والأصل أن كل أم يلزمها رضاع ولدها كما أخبر الله عز وجل ، فأمر الزوجات بإرضاع أولادهن ، وأوجب لهن على الأزواج النفقة والكسوة - والزوجية قائمة - فلو كان الرضاع على الأب لذكره مع ما ذكره من رزقهن وكسوتهن ، إلا أن مالكا رحمه الله دون فقهاء الأمصار استثنى الحسيبة فقال : لا يلزمها رضاعة . فأخرجها من الآية وخصصها بأصل من أصول الفقه وهو العمل بالعادة . وهذا أصل لم يتفطن له إلا مالك . والأصل البديع فيه أن هذا أمر كان في الجاهلية في ذوي الحسب وجاء الإسلام فلم يغيره ، وتمادى ذوو الثروة والأحساب على تفريغ الأمهات للمتعة بدفع الرضعاء للمراضع إلى زمانه فقال به ، وإلى زماننا فتحققناه شرعا .الثامنة عشرة : قوله تعالى : إذا سلمتم ما آتيتم بالمعروف يعني الآباء ، أي سلمتم الأجرة إلى المرضعة الظئر ، قاله سفيان . مجاهد : سلمتم إلى الأمهات أجرهن بحساب ما أرضعن إلى وقت إرادة الاسترضاع . وقرأ الستة من السبعة ( ما آتيتم ) بمعنى ما أعطيتم . وقرأ ابن كثير " أتيتم " بمعنى ما جئتم وفعلتم ، كما قال زهير :وما كان من خير أتوه فإنما توارثه آباء آبائهم قبلقال قتادة والزهري : المعنى سلمتم ما أتيتم من إرادة الاسترضاع ، أي سلم كل واحد من الأبوين ورضي ، وكان ذلك على اتفاق منهما وقصد خير وإرادة معروف من الأمر . وعلى هذا الاحتمال فيدخل في الخطاب " سلمتم " الرجال والنساء ، وعلى القولين المتقدمين الخطاب للرجال . قال أبو علي : المعنى إذا سلمتم ما آتيتم نقده أو إعطاءه ، فحذف المضاف وأقيم الضمير مقامه ، فكان التقدير : ما آتيتموه ، ثم حذف الضمير من الصلة ، وعلى هذا التأويل فالخطاب للرجال ؛ لأنهم الذين يعطون أجر الرضاع . قال أبو علي : ويحتمل أن تكون " ما " مصدرية ، أي إذا سلمتم الإتيان ، والمعنى كالأول ، لكن يستغني عن الصفة من حذف المضاف ثم حذف الضمير .
﴿ تفسير الطبري ﴾
والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعةالقول في تأويل قوله تعالى : والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة يعني تعالى ذكره بذلك : والنساء اللواتي بن من أزواجهن ولهن أولاد قد ولدنهم من أزواجهن قبل بينونتهن منهم بطلاق أو ولدنهم منهم بعد فراقهم إياهن من وطء كان منهم لهن قبل البينونة يرضعن أولادهن , يعني بذلك أنهن أحق برضاعهم من غيرهن وليس ذلك بإيجاب من الله تعالى ذكره عليهن رضاعهم , إذا كان المولود له والدا حيا موسرا ; لأن الله تعالى ذكره قال في سورة النساء القصرى : وإن تعاسرتم فسترضع له أخرى 65 6 وأخبر تعالى أن الوالدة والمولود له إن تعاسرا في الأجرة التي ترضع بها المرأة ولدها , أن أخرى سواها ترضعه , فلم يوجب عليها فرضا رضاع ولدها , فكان معلوما بذلك أن قوله : والوالدات يرضعن أولادهن حولين دلالة على مبلغ غاية الرضاع التي متى اختلف الولدان في رضاع المولود بعدها , جعل حدا يفصل به بينهما , لا دلالة على أن فرضا على الوالدات رضاع أولادهن وأما قوله حولين فإنه يعني به سنتين , كما : 3907 - حدثني محمد بن عمرو , قال : ثنا أبو عاصم , قال : ثنا عيسى , عن ابن أبي نجيح , عن مجاهد : والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين سنتين * حدثني المثنى , قال : ثنا أبو حذيفة , قال : ثنا شبل , عن ابن أبي نجيح , عن مجاهد , مثله وأصل الحول من قول القائل : حال هذا الشيء : إذا انتقل , ومنه قيل : تحول فلان من مكان كذا : إذا انتقل عنه فإن قال لنا قائل : وما معنى ذكر كاملين في قوله : والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين بعد قوله يرضعن حولين وفي ذكر الحولين مستغنى عن ذكر الكاملين ؟ إذ كان غير مشكل على سامع سمع قوله : والوالدات يرضعن أولادهن حولين ما يراد به , فما الوجه الذي من أجله زيد ذكر كاملين ؟ قيل : إن العرب قد تقول : أقام فلان بمكان كذا حولين أو يومين أو شهرين , وإنما أقام به يوما وبعض آخر أو شهرا وبعض آخر , أو حولا وبعض آخر فقيل حولين كاملين ليعرف سامع ذلك أن الذي أريد به حولان تامان , لا حول وبعض آخر , وذلك كما قال الله تعالى ذكره : واذكروا الله في أيام معدودات فمن تعجل في يومين فلا إثم عليه ومن تأخر فلا إثم عليه 2 203 ومعلوم أن المتعجل إنما يتعجل في يوم ونصف , فكذلك ذلك في اليوم الثالث من أيام التشريق , وأنه ليس منه شيء تام , ولكن العرب تفعل ذلك في الأوقات خاصة , فتقول : اليوم يومان منذ لم أره , وإنما تعني بذلك يوما وبعض آخر , وقد توقع الفعل الذي تفعله في الساعة أو اللحظة على العام والزمان واليوم , فتقول زرته عام كذا , وقتل فلان فلانا زمان صفين , وإنما تفعل ذلك لأنها لا تقصد بذلك الخبر عن عدد الأيام والسنين , وإنما تعني بذلك الأخبار عن الوقت الذي كان فيه المخبر عنه , فجاز أن ينطق بالحولين واليومين على ما وصفت قبل , لأن معنى الكلام في ذلك : فعلته إذ ذاك , وفي ذلك الوقت فكذلك قوله : والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين لما جاز الرضاع في الحولين وليسا بالحولين , فكان الكلام لو أطلق في ذلك بغير تضمين الحولين بالكمال , وقيل : والوالدات يرضعن أولادهن حولين محتملا أن يكون معنيا به حول وبعض آخر نفي اللبس عن سامعيه بقوله : كاملين أن يكون مرادا به حول وبعض آخر , وأبين بقوله : كاملين عن وقت تمام حد الرضاع , وأنه تمام الحولين بانقضائهما دون انقضاء أحدهما وبعض الآخر ثم اختلف أهل التأويل في الذي دلت عليه هذه الآية من مبلغ غاية رضاع المولودين , أهو حد لكل مولود , أو هو حد لبعض دون بعض ؟ فقال بعضهم : هو حد لبعض دون بعض ذكر من قال ذلك : 3908 - حدثنا محمد بن المثنى , قال : ثنا عبد الوهاب , قال : ثنا داود عن عكرمة عن ابن عباس في التي تضع لستة أشهر : أنها ترضع حولين كاملين , وإذا وضعت لسبعة أشهر أرضعت ثلاثة وعشرين لتمام ثلاثين شهرا , وإذا وضعت لتسعة أشهر أرضعت واحدا وعشرين شهرا 3909 - حدثنا ابن المثنى , قال : ثنا عبد الأعلى , قال : ثنا داود , عن عكرمة بمثله , ولم يرفعه إلى ابن عباس 3910 - حدثنا الحسن بن يحيى , قال : أخبرنا عبد الرزاق , قال : أخبرنا معمر , عن الزهري عن أبي عبيد قال : رفع إلى عثمان امرأة ولدت لستة أشهر , فقال : إنها رفعت لا أراها إلا قد جاءت بشر أو نحو هذا ولدت لستة أشهر , فقال ابن عباس : إذا أتمت الرضاع كان الحمل لستة أشهر قال : وتلا ابن عباس : وحمله وفصاله ثلاثون شهرا 46 15 , فإذا أتمت الرضاع كان الحمل لستة أشهر فخلى عثمان سبيلها وقال آخرون : بل ذلك حد رضاع كل مولود اختلف والداه في رضاعه , فأراد أحدهما البلوغ إليه , والآخر التقصير عنه ذكر من قال ذلك : 3911 - حدثني المثنى , قال : ثنا عبد الله بن صالح , قال : ثني معاوية , عن علي , عن ابن عباس قوله : والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين فجعل الله سبحانه الرضاع حولين لمن أراد أن يتم الرضاعة , ثم قال : فإن أرادا فصالا عن تراض منهما وتشاور فلا جناح عليهما إن أرادا أن يفطماه قبل الحولين وبعده 3912 - حدثني المثنى , قال : ثنا سويد , قال : أخبرنا ابن المبارك , عن ابن جريج , قال : قلت لعطاء : والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين قال : إن أرادت أمه أن تقصر عن حولين كان عليها حقا أن تبلغه لا أن تزيد عليه إلا أن يشاء 3913 - حدثنا ابن حميد , قال : ثنا مهران , وحدثني علي بن سهل , قال : ثنا زيد بن أبي الزرقاء جميعا , عن الثوري في قوله : والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة والتمام : الحولان , قال : فإذا أراد الأب أن يفطمه قبل الحولين ولم ترض المرأة فليس له ذلك , وإذا قالت المرأة أنا أفطمه قبل الحولين وقال الأب لا فليس لها أن تفطمه حتى يرضى الأب حتى يجتمعا , فإن اجتمعا قبل الحولين فطماه , وإذا اختلفا لم يفطماه قبل الحولين , وذلك قوله : فإن أرادا فصالا عن تراض منهما وتشاور . وقال آخرون : بل دل الله تعالى ذكره بقوله : والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين على أن لا رضاع بعد الحولين , فإن الرضاع إنما هو كان في الحولين ذكر من قال ذلك : 3914 - حدثني المثنى , قال : ثنا آدم , قال : أخبرنا ابن أبي ذئب , قال : ثنا الزهري , عن ابن عباس وابن عمر أنهما قالا : إن الله تعالى ذكره يقول : والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين ولا نرى رضاعا بعد الحولين يحرم شيئا * حدثنا ابن حميد , قال : ثنا ابن المبارك , عن يونس بن يزيد , عن الزهري , قال : كان ابن عمر وابن عباس يقولان : لا رضاع بعد الحولين 3915 - حدثنا أبو السائب , قال : ثنا حفص , عن الشيباني , عن أبي الضحى , عن أبي عبد الرحمن , عن عبد الله قال : ما كان من رضاع بعد سنتين أو في الحولين بعد الفطام فلا رضاع 3916 - حدثنا ابن بشار , قال : ثنا يحيى بن سعيد وعبد الرحمن , قالا : ثنا سفيان , عن الأعمش , عن إبراهيم عن علقمة : أنه رأى امرأة ترضع بعد حولين , فقال لا ترضعيه 3917 - حدثنا ابن بشار , قال : ثنا عبد الرحمن , قال : ثنا سفيان , عن الشيباني , قال : سمعت الشعبي , يقول : ما كان من وجور أو سعوط أو رضاع في الحولين فإنه يحرم , وما كان بعد الحولين لم يحرم شيئا 3918 - حدثنا ابن المثنى , قال : ثنا محمد بن جعفر , قال : ثنا شعبة , عن المغيرة , عن إبراهيم أنه كان يحدث عن عبد الله أنه قال : لا رضاع بعد فصال أو بعد حولين 3919 - حدثنا أبو كريب , قال : ثنا حسن بن عطية , قال : ثنا إسرائيل , عن عبد الأعلى , عن سعيد بن جبير عن ابن عباس , قال : ليس يحرم من الرضاع بعد التمام , إنما يحرم ما أنبت اللحم وأنشأ العظم 3920 - حدثنا الحسن بن يحيى , قال : أخبرنا عبد الرزاق , قال : أخبرنا معمر , عن عمرو بن دينار , أن ابن عباس قال : لا رضاع بعد فصال السنتين * حدثنا هلال بن العلاء الرقي , قال : ثنا أبي , قال : ثنا عبيد الله , عن زيد , عن عمرو بن مرة , عن أبي الضحى , قال : سمعت ابن عباس يقول : والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين قال : لا رضاع إلا في هذين الحولين وقال آخرون : بل كان قوله : والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين دلالة من الله تعالى ذكره عباده على أن فرضا على والدات المولودين أن يرضعنهم حولين كاملين , ثم خفف تعالى ذكره ذلك بقوله : لمن أراد أن يتم الرضاعة فجعل الخيار في ذلك إلى الآباء والأمهات إذا أرادوا الإتمام أكملوا حولين , وإن أرادوا قبل ذلك فطم المولود كان ذلك إليهم على النظر منهم للمولود ذكر من قال ذلك : 3921 - حدثنا بشر , قال : ثنا يزيد , قال : ثنا سعيد , عن قتادة قوله : والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين ثم أنزل الله اليسر والتخفيف بعد ذلك فقال تعالى ذكره : لمن أراد أن يتم الرضاعة 3922 - حدثت عن عمار , قال : ثنا ابن أبي جعفر , عن أبيه , عن الربيع في قوله : والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين يعني المطلقات يرضعن أولادهن حولين كاملين , ثم أنزل الرخصة والتخفيف بعد ذلك , فقال : لمن أراد أن يتم الرضاعة ذكر من قال : إن الوالدات اللواتي ذكرهن الله في هذا الموضع البائنات من أزواجهن على ما وصفنا قبل : 3923 - حدثني موسى , قال : ثنا عمرو , قال : ثنا أسباط , عن السدي قال : والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين إلى : إذا سلمتم ما أتيتم بالمعروف أما الوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين فالرجل يطلق امرأته وله منها ولد , وأنها ترضع له ولده بما يرضع له غيرها 3924 - حدثني المثنى , قال : ثنا سويد بن نصر , قال : أخبرنا ابن المبارك , عن جويبر عن الضحاك في قوله : والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين قال : إذا طلق الرجل امرأته وهي ترضع له ولدا * حدثنا المثنى , قال : ثنا إسحاق , قال : ثنا أبو زهير , عن جويبر , عن الضحاك , بنحوه وأولى الأقوال بالصواب في قوله : والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة القول الذي رواه علي بن أبي طلحة , عن ابن عباس , ووافقه على القول به عطاء والثوري , والقول الذي روي عن عبد الله بن مسعود وابن عباس وابن عمر , وهو أنه دلالة على الغاية التي ينتهي إليها في الرضاع المولود إذا اختلف والده , وأن لا رضاع بعد الحولين يحرم شيئا , وأنه معني به كل مولود لستة أشهر كان ولاده , أو لسبعة أو لتسعة فأما قولنا : إنه دلالة على الغاية التي ينتهي إليها في الرضاع عند اختلاف الوالدين فيه ; فلأن الله تعالى ذكره لما حد في ذلك حدا , كان غير جائز أن يكون ما وراء حده موافقا في الحكم ما دونه , لأن ذلك لو كان كذلك , لم يكن للحد معنى معقول وإذا كان ذلك كذلك , فلا شك أن الذي هو دون الحولين من الأجل لما كان وقت رضاع , كان ما وراءه غير وقت له , وأنه وقت لترك الرضاع , وأن تمام الرضاع لما كان تمام الحولين , وكان التام من الأشياء لا معنى إلى الزيادة فيه , كان لا معنى للزيادة في الرضاع على الحولين , وأن ما دون الحولين من الرضاع لما كان محرما , كان ما وراءه غير محرم وإنما قلنا هو دلالة على أنه معني به كل مولود لأي وقت كان ولاده , لستة أشهر , أو سبعة , أو تسعة , لأن الله تعالى ذكره عم بقوله : والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين ولم يخصص به بعض المولودين دون بعض وقد دللنا على فساد القول بالخصوص بغير بيان الله تعالى ذكره ذلك في كتابه , أو على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم في كتابنا " كتاب البيان عن أصول الأحكام " بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع فإن قال لنا قائل : فإن الله تعالى ذكره قد بين ذلك بقوله : وحمله وفصاله ثلاثون شهرا فجعل ذلك حدا للمعنيين كليهما , فغير جائز أن يكون حمل ورضاع أكثر من الحد الذي حده الله تعالى ذكره , فما نقص من مدة الحمل عن تسعة أشهر , فهو مزيد في مدة الرضاع وما زيد في مدة الحمل نقص من مدة الرضاع , وغير جائز أن يجاوز بهما كليهما مدة ثلاثين شهرا , كما حده الله تعالى ذكره ؟ قيل له : فقد يجب أن يكون مدة الحمل على هذه المقالة إن بلغت حولين كاملين , ألا يرضع المولود إلا ستة أشهر , وإن بلغت أربع سنين أن يبطل الرضاع فلا ترضع , لأن الحمل قد استغرق الثلاثين شهرا وجاوز غايته أو يزعم قائل هذه المقالة أن مدة الحمل لن تجاوز تسعة أشهر , فيخرج من قول جميع الحجة , ويكابر الموجود والمشاهد , وكفى بهما حجة على خطأ دعواه إن ادعى ذلك , فإلى أي الأمرين لجأ قائل هذه المقالة وضح لذوي الفهم فساد قوله فإن قال لنا قائل : فما معنى قوله إن كان الأمر على ما وصفت : وحمله وفصاله ثلاثون شهرا 46 15 وقد ذكرت آنفا أنه غير جائز أن يكون ما جاوز حد الله تعالى ذكره نظير ما دون حده في الحكم , وقد قلت : إن الحمل والفصال قد يجاوزان ثلاثين شهرا ؟ قيل : إن الله تعالى ذكره لم يجعل قوله : وحمله وفصاله ثلاثون شهرا حدا لتعبد عباده بأن لا يجاوزه كما جعل قوله : والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة حدا لرضاع المولود التام الرضاع , وتعبد العباد بحمل والديه عليه عند اختلافهما فيه , وإرادة أحدهما الضرار به وذلك أن الأمر من الله تعالى ذكره إنما يكون فيما يكون للعباد السبيل إلى طاعته بفعله والمعصية بتركه , فأما ما لم يكن لهم إلى فعله , ولا إلى تركه سبيل فذلك مما لا يجوز الأمر به ولا النهي عنه , ولا التعبد به فإذ كان ذلك كذلك , وكان الحمل مما لا سبيل للنساء إلى تقصير مدته , ولا إلى إطالتها فيضعنه متى شئن ويتركن وضعه إذا شئن , كان معلوما أن قوله : وحمله وفصاله ثلاثون شهرا 46 15 إنما هو خبر من الله تعالى ذكره عن أن من خلفه من حملته وولدته وفصلته في ثلاثين شهرا , لا أمر بأن لا يتجاوز في مدة حمله وفصاله ثلاثون شهرا لما وصفنا , وكذلك قال ربنا تعالى ذكره في كتابه : ووصينا الإنسان بوالديه إحسانا حملته أمه كرها ووضعته كرها وحمله وفصاله ثلاثون شهرا 46 15 فإن ظن ذو غباء , أن الله تعالى ذكره إذ وصف أن من خلقه من حملته أمه ووضعته وفصلته في ثلاثين شهرا , فواجب أن يكون جميع خلقه ذلك صفتهم , وأن ذلك دلالة على أن حمل كل عباده وفصاله ثلاثون شهرا ; فقد يجب أن يكون كل عباده صفتهم أن يقولوا إذا بلغوا أشدهم وبلغوا أربعين سنة رب أوزعني أن أشكر نعمتك التي أنعمت علي وعلى والدي وأن أعمل صالحا ترضاه على ما وصف الله به الذي وصف في هذه الآية وفي وجودنا من يستحكم كفره بالله وكفرانه نعم ربه عليه , وجرأته على والديه بالقتل والشتم وضروب المكاره عند استكماله الأربعين من سنيه وبلوغه أشده ما يعلم أنه لم يعن الله بهذه الآية صفة جميع عباده , بل يعلم أنه إنما وصف بها بعضا منهم دون بعض , وذلك ما لا ينكره ولا يدفعه أحد ; لأن من يولد من الناس لتسعة أشهر أكثر ممن يولد لأربع سنين ولسنتين , كما أن من يولد لتسعة أشهر أكثر ممن يولد لستة أشهر ولسبعة أشهر واختلفت القراء في قراءة ذلك , فقرأ عامة أهل المدينة والعراق والشام : لمن أراد أن يتم الرضاعة بالياء في " يتم " ونصب " الرضاعة " بمعنى : لمن أراد من الآباء والأمهات أن يتم رضاع ولده , وقرأه بعض أهل الحجاز " لمن أراد أن تتم الرضاعة " بالتاء في " تتم " , ورفع " الرضاعة " بصفتها والصواب من القراءة في ذلك عندنا قراءة من قرأ بالياء في " يتم " ونصب " الرضاعة " , لأن الله تعالى ذكره قال والوالدات يرضعن أولادهن فكذلك هن يتممها إذا أردن هن والمولود له إتمامها وأنها القراءة التي جاء بها النقل المستفيض الذي ثبتت به الحجة دون القراءة الأخرى وقد حكي في الرضاعة سماعا من العرب كسر الراء التي فيها , وإن تكن صحيحة فهي نظيرة الوكالة والوكالة والدلالة والدلالة , ومهرت الشيء مهارة ومهارة , فيجوز حينئذ الرضاع والرضاع , كما قيل الحصاد والحصاد وأما القراءة فبالفتح لا غير .وعلى المولود له رزقهن وكسوتهن بالمعروفالقول في تأويل قوله تعالى : وعلى المولود له رزقهن وكسوتهن بالمعروف يعني تعالى ذكره بقوله : وعلى المولود له وعلى آباء الصبيان للمراضع رزقهن , يعني رزق والدتهن ويعني بالرزق ما يقوتهن من طعام , وما لا بد لهن من غذاء ومطعم وكسوتهن , ويعني بالكسوة الملبس ويعني بقوله : بالمعروف بما يجب لمثلها على مثله إذ كان الله تعالى ذكره قد علم تفاوت أحوال خلقه بالغنى والفقر , وأن منهم الموسع والمقتر وبين ذلك , فأمر كلا أن ينفق على من لزمته نفقته من زوجته وولده على قدر ميسرته , كما قال تعالى ذكره : لينفق ذو سعة من سعته ومن قدر عليه رزقه فلينفق مما آتاه الله لا يكلف الله نفسا إلا ما آتاها 65 7 وكما : 3925 - حدثني المثنى , قال : ثنا سويد , قال : أخبرنا ابن المبارك , عن جويبر , عن الضحاك في قوله : والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة وعلى المولود له رزقهن وكسوتهن بالمعروف قال : إذا طلق الرجل امرأته وهي ترضع له ولدا , فتراضيا على أن ترضع حولين كاملين , فعلى الوالد رزق المرضع والكسوة بالمعروف على قدر الميسرة , لا تكلف نفسا إلا وسعها 3926 - حدثني علي بن سهل الرملي , قال : ثنا زيد , وحدثنا ابن حميد , قال : ثنا مهران , عن سفيان قوله : والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة والتمام : الحولان وعلى المولود له على الأب طعامها وكسوتها بالمعروف 3927 - حدثت عن عمار , قال : ثنا ابن أبي جعفر , عن أبيه , عن الربيع قوله : وعلى المولود له رزقهن وكسوتهن بالمعروف قال : على الأبلا تكلف نفس إلا وسعهاالقول في تأويل قوله تعالى : لا تكلف نفس إلا وسعها يعني تعالى ذكره بذلك : لا تحمل نفس من الأمور إلا ما لا يضيق عليها ولا يتعذر عليها وجوده إذا أرادت وإنما عنى الله تعالى ذكره بذلك : لا يوجب الله على الرجال من نفقة من أرضع أولادهم من نسائهم البائنات منهم إلا ما أطاقوه ووجدوا إليه السبيل , كما قال تعالى ذكره : لينفق ذو سعة من سعته ومن قدر عليه رزقه فلينفق مما آتاه الله 65 7 كما 3928 - حدثنا ابن حميد , قال ثنا مهران , وحدثني علي قال : ثنا زيد جميعا , عن سفيان : لا تكلف نفس إلا وسعها إلا ما أطاقت والوسع : الفعل من قول القائل : وسعني هذا الأمر , فهو يسعني سعة , ويقال : هذا الذي أعطيتك وسعي , أي ما يتسع لي أن أعطيك فلا يضيق علي إعطاؤكه وأعطيتك من جهدي إذا أعطيته ما يجهدك فيضيق عليك إعطاؤه فمعنى قوله لا تكلف نفس إلا وسعها هو ما وصفت من أنها لا تكلف إلا ما يتسع لها بذل ما كلفت بذله , فلا يضيق عليها , ولا يجهدها , لا ما ظنه جهلة أهل القدر من أن معناه : لا تكلف نفس إلا ما قد أعطيت عليه القدرة من الطاعات , لأن ذلك لو كان كما زعمت لكان قوله تعالى ذكره : انظر كيف ضربوا لك الأمثال فضلوا فلا يستطيعون سبيلا 17 48 إذا كان دالا على أنهم غير مستطيعي السبيل إلى ما كلفوه واجبا أن يكون القوم في حال واحدة قد أعطوا الاستطاعة على ما منعوها عليه وذلك من قائله إن قاله إحالة في كلامه , ودعوى باطل لا يخيل بطوله وإذا كان بينا فساد هذا القول , فمعلوم أن الذي أخبر تعالى ذكره أنه كلف النفوس من وسعها غير الذي أخبر أنه كلفها مما لا تستطيع إليه السبيل .لا تضار والدة بولدها ولا مولود له بولدهالقول في تأويل قوله تعالى : لا تضار والدة بولدها ولا مولود له بولده اختلفت القراء في قراءة ذلك , فقرأ عامة قراء أهل الحجاز والكوفة والشام : لا تضار والدة بولدها بفتح الراء بتأويل لا تضارر على وجه النهي وموضعه إذا قرئ كذلك جزم , غير أنه حرك , إذ ترك التضعيف بأخف الحركات وهو الفتح , ولو حرك إلى الكسر كان جائزا إتباعا لحركة لام الفعل حركة عينه , وإن شئت فلأن الجزم إذا حرك حرك إلى الكسر وقرأ ذلك بعض أهل الحجاز وبعض أهل البصرة : " لا تضار والدة بولدها " رفع ومن قرأه كذلك لم يحتمل قراءته معنى النهي , ولكنها تكون بالخبر عطفا بقوله لا تضار على قوله : لا تكلف نفس إلا وسعها وقد زعم بعض نحويي البصرة أن معنى من رفع لا تضار والدة بولدها هكذا في الحكم , أنه لا تضار والدة بولدها , أي ما ينبغي أن تضار , فلما حذفت " ينبغي " وصار " تضار " في وضعه صار على لفظه , واستشهد لذلك بقول الشاعر : على الحكم المأتي يوما إذا قضى قضيته أن لا يجور ويقصد فزعم أنه رفع يقصد بمعنى ينبغي والمحكي عن العرب سماعا غير الذي قال ; وذلك أنه روي عنهم سماعا فتصنع ماذا , إذا أرادوا أن يقولوا : فتريد أن تصنع ماذا , فينصبونه بنية " أن " ; وإذا لم ينووا " أن " ولم يريدوها , قالوا : فتريد ماذا , فيرفعون تريد , لأن لا جالب ل " أن " قبله , كما كان له جالب قبل تصنع , فلو كان معنى قوله لا تضار إذا قرئ رفعا بمعنى : ينبغي أن لا تضار , أما ما ينبغي أن تضار ثم حذف ينبغي وأن , وأقيم تضار مقام ينبغي لكان الواجب أن يقرأ إذا قرئ بذلك المعنى نصبا لا رفعا , ليعلم بنصبه المتروك قبله المعني بالمراد , كما فعل بقوله فتصنع ماذا , ولكن معنى ذلك ما قلنا إذا رفع على العطف على لا تكلف ليست تكلف نفس إلا وسعها , وليست تضار والدة بولدها , يعني بذلك أنه ليس ذلك في دين الله وحكمه وأخلاق المسلمين وأولى القراءتين بالصواب في ذلك قراءة من قرأ بالنصب , لأنه نهي من الله تعالى ذكره كل واحد من أبوي المولود عن مضارة صاحبه له حرام عليهما ذلك بإجماع المسلمين , فلو كان ذلك خبرا لكان حراما عليهما ضرارهما به كذلك وبما قلنا في ذلك من أن ذلك بمعنى النهي تأوله أهل التأويل . ذكر من قال ذلك : 3929 - حدثنا محمد بن عمرو , قال : ثنا أبو عاصم , عن عيسى , عن ابن أبي نجيح , عن مجاهد : لا تضار والدة بولدها لا تأبى أن ترضعه ليشق ذلك على أبيه ولا يضار الوالد بولده , فيمنع أمه أن ترضعه ليحزنها * حدثني المثنى , قال : ثنا أبو حذيفة , قال : ثنا شبل , عن ابن أبي نجيح , عن مجاهد مثله 3930 - حدثنا بشر بن معاذ , قال : ثنا يزيد بن زريع , قال : ثنا سعيد , عن قتادة قوله : لا تضار والدة بولدها ولا مولود له بولده قال : نهى الله تعالى عن الضرار وقدم فيه , فنهى الله أن يضار الوالد فينتزع الولد من أمه إذا كانت راضية بما كان مسترضعا به غيرها , ونهيت الوالدة أن تقذف الولد إلى أبيه ضرارا * - حدثنا الحسن بن يحيى , قال : أخبرنا عبد الرزاق , قال : أخبرنا معمر , عن قتادة في قوله : لا تضار والدة بولدها ترمي به إلى أبيه ضرارا ; ولا مولود له بولده يقول : ولا الولد فينتزعه منها ضرارا إذا رضيت من أجر الرضاع ما رضي به غيرها , فهي أحق به إذا رضيت بذلك 3931 - حدثت عن عمار , قال : حدثنا ابن أبي جعفر , عن أبيه , عن يونس , عن الحسن : لا تضار والدة بولدها قال : ذلك إذا طلقها , فليس له أن يضارها , فينتزع الولد منها إذا رضيت منه بمثل ما يرضى به غيرها , وليس لها أن تضاره فتكلفه ما لا يطيق إذا كان إنسانا مسكينا فتقذف إليه ولده 3932 - حدثني المثنى , قال : ثنا إسحاق , قال : ثنا أبو زهير , عن جويبر , عن الضحاك : لا تضار والدة بولدها لا تضار أم بولدها , ولا أب بولده يقول : لا تضار أم بولدها فتقذفه إليه إذا كان الأب حيا أو إلى عصبته إذا كان الأب ميتا , ولا يضار الأب المرأة إذا أحبت أن ترضع ولدها ولا ينتزعه 3933 - حدثني موسى , قال : ثنا عمرو , قال : ثنا أسباط , عن السدي : لا تضار والدة بولدها يقول لا ينزع الرجل ولده من امرأته فيعطيه غيرها بمثل الأجر الذي تقبله هي به , ولا تضار والدة بولدها فتطرح الأم إليه ولده تقول لا أليه ساعة تضعه , ولكن عليها من الحق أن ترضعه حتى يطلب مرضعا 3934 - حدثني المثنى , قال : ثنا عبد الله بن صالح , قال : ثني الليث , قال : ثني عقيل , عن ابن شهاب , وسئل عن قول الله تعالى ذكره : والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين إلى لا تضار والدة بولدها ولا مولود له بولده قال ابن شهاب : والوالدات أحق برضاع أولادهن ما قبلن رضاعهن بما يعطى غيرهن من الأجر وليس للوالدة أن تضار بولدها فتأبى رضاعه مضارة وهي تعطى عليه ما يعطى غيرها من الأجر , وليس للمولود له أن ينزع ولده من والدته مضارا لها وهي تقبل من الأجر ما يعطاه غيرها 3935 - حدثنا ابن حميد , قال : ثنا مهران , وحدثني علي , قال ثنا زيد جميعا , عن سفيان في قوله : لا تضار والدة بولدها لا ترم بولدها إلى الأب إذا فارقها تضاره بذلك , ولا مولود له بولده ولا ينزع الأب منها ولدها , يضارها بذلك 3936 - حدثني يونس , قال : أخبرنا ابن وهب , قال : قال ابن زيد في قوله : لا تضار والدة بولدها ولا مولود له بولده قال : لا ينزعه منها وهي تحب أن ترضعه فيضارها ولا تطرحه عليه وهو لا يجد من ترضعه ولا يجد ما يسترضعه به 3937 - حدثنا عمرو بن علي الباهلي , قال : ثنا أبو عاصم , قال : ثني ابن جريج , عن عطاء في قوله : لا تضار والدة بولدها قال : لا تدعنه ورضاعه من شنآنها مضارة لأبيه , ولا يمنعها الذي عنده مضارة لها وقال بعضهم : الوالدة التي نهى الرجل عن مضارتها : ظئر الصبي ذكر من قال ذلك : 3938 - حدثني المثنى , قال : ثنا مسلم بن إبراهيم , قال : ثنا هارون النحوي , قال : ثنا الزبير بن الحارث عن عكرمة في قوله : لا تضار والدة بولدها قال : هي الظئر فمعنى الكلام : لا يضارر والد مولود والدته بمولوده منها , ولا والدة مولود والده بمولودها منه , ثم ترك ذكر الفاعل في يضار , فقيل : لا تضار والدة بولدها , ولا مولود له بولده , كما يقال إذا نهي عن إكرام رجل بعينه فيما لم يسم فاعله ولم يقصد بالنهي عن إكرامه قصد شخص بعينه : لا يكرم عمرو ولا يجلس إلى أخيه , ثم ترك التضعيف فقيل : لا يضار , فحركت الراء الثانية التي كانت مجزومة لو أظهر التضعيف بحركة الراء الأولى وقد زعم بعض أهل العربية أنها إنما حركت إلى الفتح في هذا الموضع لأنه أحد الحركات وليس للذي قال من ذلك معنى , لأن ذلك إنما كان جائزا أن يكون كذلك لو كان معنى الكلام : لا تضارون والدة بولدها , وكان المنهي عن الضرار هي الوالدة على أن معنى الكلام لو كان كذلك لكان الكسر في تضار أفصح من الفتح , والقراءة به كانت أصوب من القراءة بالفتح , كما أن مد بالثوب أفصح من مد به وفي إجماع القراء على قراءة : لا تضار بالفتح دون الكسر دليل واضح على إغفال من حكيت قوله من أهل العربية في ذلك فإن قال قائل ذلك قاله توهما منه أنه معنى ذلك : لا تضارر والدة , وأن الوالدة مرفوعة بفعلها , وأن الراء الأولى حظها الكسر ; فقد أغفل تأويل الكلام , وخالف قول جميع من حكينا قوله من أهل التأويل وذلك أن الله تعالى ذكره تقدم إلى كل واحد من أبوي المولود بالنهي عن ضرار صاحبه بمولودهما , لا أنه نهى كل واحد منهما عن أن يضار المولود , وكيف يجوز أن ينهاه عن مضارة الصبي , والصبي في حال ما هو رضيع غير جائز أن يكون منه ضرار لأحد , فلو كان ذلك معناه , لكل التنزيل : لا تضر والدة بولدها وقد زعم آخرون من أهل العربية أن الكسر في " تضار " جائز , والكسر في ذلك عندي غير جائز في هذا الموضع , لأنه إذا كسر تغير معناه عن معنى " لا تضارر " الذي هو في مذهب ما لم يسم فاعله , إلى معنى " لا تضارر " الذي هو في مذهب ما قد سمي فاعله فإذا كان الله تعالى ذكره قد نهى كل واحد من أبوي المولود عن مضارة صاحبه بسبب ولدهما , فحق على إمام المسلمين إذا أراد الرجل نزع ولده من أمه بعد بينونتها منه , وهي تحضنه وتكلفه وترضعه بما يحضنه به غيرها ويكلفه به ويرضعه من الأجرة , أن يأخذ الوالد بتسليم ولدها ما دام محتاجا الصبي إليها في ذلك بالأجرة التي يعطاها غيرها وحق إذا كان الصبي لا يقبل ثدي غير والدته , أو كان المولود له لا يجد من يرضع ولده , وإن كان يقبل ثدي غير أمه , أو كان معدما لا يجد ما يستأجر به مرضعا ولا يجد ما يتبرع عليه برضاع مولوده , أن يأخذ والدته البائنة من والده برضاعه وحضانته ; لأن الله تعالى ذكره حرم على كل واحد من أبويه ضرار صاحبه بسببه , فالإضرار به أحرى أن يكون محرما مع ما في الإضرار به من مضارة صاحبه .وعلى الوارث مثل ذلكالقول في تأويل قوله تعالى : وعلى الوارث مثل ذلك اختلف أهل التأويل في الوارث الذي عنى الله تعالى ذكره بقوله : وعلى الوارث مثل ذلك وأي وارث هو ؟ ووارث من هو ؟ فقال بعضهم : هو وارث الصبي ; وقالوا : معنى الآية : وعلى وارث الصبي إذا كان [ أبوه ] ميتا الذي كان على أبيه في حياته ذكر من قال ذلك : 3939 - حدثنا بشر بن معاذ , قال : ثنا يزيد , قالا : ثنا سعيد , عن قتادة : وعلى الوارث مثل ذلك على وارث الولد 3940 - حدثني موسى , قال : ثنا عمرو , قال : ثنا أسباط , عن السدي : وعلى الوارث مثل ذلك على وارث الولد * - حدثني المثنى , قال : ثنا سويد , قال : أخبرنا ابن المبارك , عن معمر , عن قتادة : وعلى الوارث مثل ذلك قال : وعلى وارث الصبي مثل ما على أبيه ثم اختلف قائلو هذه المقالة في وارث المولود الذي ألزمه الله تعالى مثل الذي وصف , فقال بعضهم : هم وارث الصبي من قبل أبيه من عصبته كائنا من كان أخا كان أو عما أو ابن عم أو ابن أخ ذكر من قال ذلك : 3941 - حدثنا الحسن بن يحيى , قال : أخبرنا عبد الرزاق , قال : أخبرنا ابن جريج أن عمرو بن شعيب أخبره أن سعيد بن المسيب أخبره أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال في قوله : وعلى الوارث مثل ذلك قال : حبس بني عم على منفوس كلالة بالنفقة عليه مثل العاقلة 3942 - حدثنا بشر بن معاذ , قال : ثنا يزيد , قال : ثنا سعيد , عن قتادة أن الحسن كان يقول : وعلى الوارث مثل ذلك على العصبة * حدثنا عمرو بن علي , قال : ثنا عبد الله بن إدريس وأبو عاصم , قالا : ثنا ابن جريج عن عمرو بن شعيب , عن سعيد بن المسيب قال : وقف عمر ابن عم على منفوس كلالة برضاعه 3943 - حدثني يعقوب بن إبراهيم , قال : ثنا ابن علية , عن يونس أن الحسن كان يقول : إذا توفي الرجل وامرأته حامل , فنفقتها من نصيبها , ونفقة ولدها من نصيبه من ماله إن كان له , فإن لم يكن له مال فنفقته على عصبته قال : وكان يتأول قوله : وعلى الوارث مثل ذلك على الرجال * حدثنا عمرو بن علي , قال : ثنا عبد الرحمن بن مهدي , قال : ثنا هشيم , عن يونس , عن الحسن , قال : على العصبة الرجال دون النساء 3944 - حدثنا أبو كريب وعمرو بن علي قالا : ثنا ابن إدريس , قال : ثنا هشام عن ابن سيرين أنه أتي عبد الله بن عتبة مع اليتيم وليه , ومع اليتيم من يتكلم في نفقته , فقال لولي اليتيم : لو لم يكن له مال لقضيت عليك بنفقته , لأن الله تعالى يقول : وعلى الوارث مثل ذلك * حدثني يعقوب بن إبراهيم , قال : ثنا ابن علية , قال : ثنا أيوب , عن محمد بن سيرين , قال : أتي عبد الله بن عتبة في رضاع صبي , فجعل رضاعه في ماله , وقال لوليه : لو لم يكن له مال جعلنا رضاعه في مالك , ألا تراه يقول : وعلى الوارث مثل ذلك 3945 - حدثنا ابن حميد , قال : ثنا جرير , عن مغيرة , عن إبراهيم في قوله : وعلى الوارث مثل ذلك قال : على الوارث ما على الأب إذا لم يكن للصبي مال , وإذا كان له ابن عم أو عصبة ترثه فعليه النفقة 3946 - حدثني محمد بن عمرو قال : ثنا أبو عاصم , عن عيسى , عن ابن أبي نجيح , عن مجاهد : وعلى الوارث مثل ذلك قال : الولي من كان * حدثني المثنى , قال : ثنا سويد , قال : أخبرنا ابن المبارك , عن أبي بشر ورقاء , عن ابن أبي نجيح , عن مجاهد , مثله * حدثني المثنى , قال : ثنا أبو حذيفة , قال : ثنا شبل , عن ابن أبي نجيح , عن مجاهد , مثله 3947 - حدثنا عبد الله بن محمد الحنفي , قال : ثنا عبد الله بن عثمان , قال : أخبرنا ابن المبارك قال : أخبرنا يعقوب , يعني ابن القاسم , عن عطاء وقتادة في يتيم ليس له شيء : أتجبر أولياؤه على نفقته ؟ قالا : نعم , ينفق عليه حتى يدرك 3948 - حدثت عن يعلى بن عبيد , عن جويبر , عن الضحاك قال : إن مات أبو الصبي وللصبي مال أخذ رضاعه من المال , وإن لم يكن له مال أخذ من العصبة , فإن لم يكن للعصبة مال أجبرت عليه أمه وقال آخرون منهم : بل ذلك على وارث المولود من كان من الرجال والنساء ذكر من قال ذلك : 3949 - حدثنا بشر بن معاذ , قال : ثنا يزيد , قال : ثنا سعيد عن قتادة أنه كان يقول : وعلى الوارث مثل ذلك على وارث المولود ما كان على الوالد من أجر الرضاع إذا كان الولد لا مال له على الرجال والنساء على قدر ما يرثون 3950 - حدثنا الحسن بن يحيى , قال : أخبرنا عبد الرزاق , قال : أخبرنا معمر , عن الزهري : أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أغرم ثلاثة كلهم يرث الصبي أجر رضاعه 3951 - حدثنا الحسن بن يحيى , قال : أخبرنا عبد الرزاق , قال : أخبرنا معمر , عن أيوب , عن ابن سيرين : أن عبد الله بن عتبة جعل نفقة صبي من ماله , وقال لوارثه : أما إنه لو لم يكن له مال أخذناك بنفقته , ألا ترى أنه يقول : وعلى الوارث مثل ذلك وقال آخرون منهم : هو من ورثته من كان منهم ذا رحم محرم للمولود , فأما من كان ذا رحم منه وليس بمحرم كابن العم والمولى ومن أشبههما فليس من عناه الله بقوله : وعلى الوارث مثل ذلك والذين قالوا هذه المقالة : أبو حنيفة , وأبو يوسف , ومحمد وقالت فرقة أخرى : بل الذي عنى الله تعالى ذكره بقوله : وعلى الوارث مثل ذلك المولود نفسه ذكر من قال ذلك : 3952 - حدثنا محمد بن عبد الله بن عبد الحكم المصري , قال : ثنا أبو زرعة وهب الله بن راشد , قال : أخبرنا حيوة بن شريح , قال : أخبرنا جعفر بن ربيعة أن بشر بن نصر المزني - وكان قاضيا قبل ابن حجيرة في زمان عبد العزيز كان يقول : وعلى الوارث مثل ذلك قال : الوارث : هو الصبي 3953 - حدثنا ابن حميد , قال : ثنا عبد الله بن يزيد المقرئ , قال : أخبرنا حيوة : قال : أخبرنا جعفر بن ربيعة , عن قبيصة بن ذؤيب : وعلى الوارث مثل ذلك قال : هو الصبي * حدثني المثنى , قال : ثنا سويد , قال : أخبرنا ابن المبارك , عن حيوة بن شريح , قال : أخبرني جعفر بن ربيعة , أن قبيصة بن ذؤيب كان يقول : الوارث : هو الصبي , يعني قوله : وعلى الوارث مثل ذلك 3954 - حدثني المثنى , قال : ثنا سويد , قال : أخبرنا ابن المبارك , عن جويبر , عن الضحاك : وعلى الوارث مثل ذلك قال : يعني بالوارث : الولد الذي يرضع قال أبو جعفر : وتأويل ذلك على ما تأوله هؤلاء : وعلى الوارث المولود مثل ما كان على المولود له وقال آخرون : بل هو الباقي من والدي المولود بعد وفاة الآخر منهما ذكر من قال ذلك : 3955 - حدثني عبد الله بن محمد الحنفي قال : أخبرنا عبد الله بن عثمان , قال : أخبرنا ابن المبارك , قال : سمعت سفيان يقول في صبي له عم وأم وهي ترضعه , قال : لكون رضاعه بينهما , ويرفع عن العم بقدر ما ترث الأم , لأن الأم تجبر على النفقة على ولدها القول في تأويل قوله تعالى : مثل ذلك اختلف أهل التأويل في تأويل قوله : مثل ذلك فقال بعضهم : تأويله : وعلى الوارث للصبي بعد وفاة أبويه مثل الذي كان على والده من أجر رضاعه ونفقته إذا لم يكن للمولود مال ذكر من قال ذلك : 3956 - حدثني يعقوب بن إبراهيم , قال : ثنا هشيم , عن مغيرة , عن إبراهيم في قوله : وعلى الوارث مثل ذلك قال : على الوارث رضاع الصبي * حدثنا عمرو بن علي ومحمد بن بشار قالا : ثنا عبد الرحمن , قال : ثنا أبو عوانة , عن منصور , عن إبراهيم : وعلى الوارث مثل ذلك قال : أجر الرضاع * حدثنا عمرو بن علي , قال : ثنا عبد الرحمن , قال : ثنا سفيان , عن المغيرة , عن إبراهيم : وعلى الوارث مثل ذلك قال : الرضاع * حدثنا عمرو بن علي , قال : ثنا عبد الرحمن , قال : ثنا أبو عوانة , عن المغيرة , عن إبراهيم في قوله : وعلى الوارث مثل ذلك قال : أجر الرضاع 3957 - حدثنا ابن بشار , قال : ثنا عبد الرحمن , قال : ثنا حماد بن سلمة , عن أيوب , عن محمد بن سيرين , عن عبد الله بن عتبة : وعلى الوارث مثل ذلك قال : الرضاع 3958 - حدثنا عمرو بن علي , قال : ثنا عبد الرحمن , قال : ثنا حماد بن سلمة , عن أيوب , عن محمد , عن عبد الله بن عتبة في قوله : وعلى الوارث مثل ذلك قال : النفقة بالمعروف * حدثنا ابن حميد , قال : ثنا جرير , عن مغيرة , عن إبراهيم : وعلى الوارث مثل ذلك قال : على الوارث ما على الأب من الرضاع إذا لم يكن للصبي مال * حدثنا سفيان , قال : ثنا أبي , عن سفيان , عن مغيرة , عن إبراهيم , قال : الرضاع والنفقة * حدثني أحمد بن حازم , قال : ثنا أبو نعيم , قال : ثنا سفيان , عن إبراهيم : وعلى الوارث مثل ذلك قال : الرضاع 3959 - حدثنا ابن بشار , قال : ثنا عبد الرحمن , قال : ثنا أبو عوانة , عن عطاء بن السائب , عن الشعبي , قال : الرضاع * حدثنا عمرو بن علي , قال : ثنا عبد الرحمن بن مهدي , قال : ثنا أبو عوانة عن مطرف , عن الشعبي : وعلى الوارث مثل ذلك قال : أجر الرضاع * حدثنا عمرو , قال : ثنا عبد الرحمن , قال : ثنا أبو عوانة , عن مغيرة , عن إبراهيم , والشعبي مثله 3960 - حدثنا أبو كريب وعمرو بن علي , قالا : حدثنا عبد الله بن إدريس , قال سمعت هشاما عن الحسن في قوله : وعلى الوارث مثل ذلك قال : الرضاع * - حدثني أبو السائب , قال : ثنا ابن إدريس , عن هشام وأشعث , عن الحسن , مثله 3961 - حدثت عن عمار , قال : ثنا ابن أبي جعفر , عن أبيه , عن يونس , عن الحسن : وعلى الوارث مثل ذلك يقول في النفقة على الوارث إذا لم يكن له مال 3962 - حدثنا ابن بشار , قال : ثنا عبد الرحمن , قال : ثنا حماد بن سلمة , عن قيس بن سعد , عن مجاهد مثله 3963 - حدثنا عمرو بن علي , قال : ثنا عبد الرحمن , قال : ثنا حماد بن سلمة , عن قيس بن سعد , عن مجاهد : وعلى الوارث مثل ذلك قال : النفقة بالمعروف 3964 - حدثني المثنى , قال : ثنا أبو حذيفة , قال : ثنا شبل , عن ابن أبي نجيح , عن مجاهد : وعلى الوارث مثل ذلك على الولي كفله ورضاعه إن لم يكن للمولود مال * حدثنا القاسم , قال : ثنا الحسين , قال : ثني الحجاج , عن ابن جريج , عن مجاهد , قال : وعلى الوارث مثل ذلك قال : وعلى الوارث من كان مثل ما وصف من الرضاع قال ابن جريج : وأخبرني عبد الله بن كثير عن مجاهد مثل ذلك في الرضاعة , قال : وعلى الوارث مثل ذلك قال : وعلى الوارث أيضا كفله ورضاعه إن لم يكن له مال , وأن لا يضار أمه 3965 - حدثنا القاسم , قال : ثنا الحسين , قال : ثني الحجاج , عن ابن جريج , عن عطاء الخراساني عن ابن عباس : وعلى الوارث مثل ذلك قال : نفقته حتى يفطم إن كان أبوه لم يترك له مالا 3966 - حدثنا بشر , قال : ثنا يزيد , قال : ثنا سعيد , عن قتادة : وعلى الوارث مثل ذلك قال : وعلى وارث الولد ما كان على الولد من أجر الرضاع إذا كان الولد لا مال له * حدثني عبد الله بن محمد الحنفي , قال : ثنا عبد الله بن عثمان , قال : أخبرنا ابن المبارك , عن معمر , عن قتادة : وعلى الوارث مثل ذلك قال : على وارث الصبي مثل ما على أبيه , إذا كان قد هلك أبوه ولم يكن له مال , فإن على الوارث أجر الرضاع * حدثنا ابن حميد , قال : ثنا جرير , عن منصور , عن إبراهيم : وعلى الوارث مثل ذلك قال : إذا مات وليس له مال كان على الوارث رضاع الصبي وقال آخرون : بل تأويل ذلك : وعلى الوارث مثل ذلك أن لا يضار ذكر من قال ذلك : 3967 - حدثنا عمرو بن علي ومحمد بن بشار , قالا : ثنا عبد الرحمن بن مهدي , قال : ثنا حماد بن زيد , عن علي بن الحكم , عن الضحاك بن مزاحم : وعلى الوارث مثل ذلك قال : أن لا يضار 3968 - حدثنا ابن حميد , قال : ثنا جرير , عن عاصم الأحول , عن الشعبي في قوله : وعلى الوارث مثل ذلك قال : لا يضار , ولا غرم عليه 3969 - حدثنا ابن وكيع , قال : ثنا أبي , عن سفيان , عن جابر , عن مجاهد في قوله : وعلى الوارث مثل ذلك أن لا يضار 3970 - حدثني المثنى , قال : ثنا عبد الله بن صالح , قال : ثنا الليث , قال : ثني عقيل عن ابن شهاب : والوالدات يرضعن أولادهن حولين قال : الوالدات أحق برضاع أولادهن ما قبلن رضاعهن بما يعطى غيرهن من الأجر وليس لوالدة أن تضار بولدها فتأبى رضاعه مضارة , وهي تعطى عليه ما يعطى غيرها وليس للمولود له أن ينزع ولده من والدته ضرارا لها , وهي تقبل من الأجر ما يعطى غيرها ; وعلى الوارث مثل ذلك مثل الذي على الوالد في ذلك 3971 - حدثنا ابن حميد , قال : ثنا مهران , وحدثنا علي , قال : ثنا زيد , عن سفيان : وعلى الوارث مثل ذلك قال : أن لا يضار وعليه مثل ما على الأب من النفقة والكسوة وقال آخرون : بل تأويل ذلك : وعلى وارث المولود مثل الذي كان على المولود له من رزق والدته وكسوتها بالمعروف ذكر من قال ذلك : 3972 - حدثني المثنى , قال : ثنا سويد , قال : أخبرنا ابن المبارك , عن جويبر , عن الضحاك : وعلى الوارث مثل ذلك قال : على الوارث عند الموت , مثل ما على الأب للمرضع من النفقة والكسوة , قال : ويعني بالوارث : الولد الذي يرضع أن يؤخذ من ماله إن كان له مال أجر ما أرضعته أمه , فإن لم يكن للمولود مال ولا لعصبته فليس لأمه أجر , وتجبر على أن ترضع ولدها بغير أجر 3973 - حدثني موسى بن هارون , قال : ثنا عمرو , قال : ثنا أسباط , عن السدي : وعلى الوارث مثل ذلك قال : على وارث الولد مثل ما على الوالد من النفقة والكسوة وقال آخرون : معنى ذلك : وعلى الوارث مثل ما ذكره الله تعالى ذكره ذكر من قال ذلك : 3974 - حدثني المثنى , قال : ثنا سويد , قال : أخبرنا ابن المبارك , عن ابن جريج , قال : قلت لعطاء : قوله تعالى ذكره : وعلى الوارث مثل ذلك قال : مثل ما ذكره الله تعالى ذكره قال أبو جعفر : وأولى الأقوال بالصواب في تأويل قوله : وعلى الوارث مثل ذلك أن يكون المعنى بالوارث ما قاله قبيصة بن ذؤيب والضحاك بن مزاحم ومن ذكرنا قوله آنفا من أنه معني بالوارث المولود , وفي قوله : مثل ذلك أن يكون معنيا به مثل الذي كان على والده من رزق والدته وكسوتها بالمعروف إن كانت من أهل الحاجة , وهي ذات زمانة وعاهة , ومن لا احتراف فيها ولا زوج لها تستغني به , وإن كانت من أهل الغنى والصحة فمثل الذي كان على والده لها من أجر رضاعه وإنما قلنا هذا التأويل أولى بالصواب مما عداه من سائر التأويلات التي ذكرناها , لأنه غير جائز أن يقال في تأويل كتاب الله تعالى ذكره قول إلا بحجة واضحة على ما قد بينا في أول كتابنا هذا وإذ كان ذلك كذلك , وكان قوله : وعلى الوارث مثل ذلك محتملا ظاهره : وعلى وارث الصبي المولود مثل الذي كان على المولود له , ومحتملا وعلى وارث المولود له مثل الذي كان عليه في حياته من ترك ضرار الوالدة ومن نفقة المولود , وغير ذلك من التأويلات على نحو ما قد قدمنا ذكره , وكان الجميع من الحجة قد أجمعوا على أن من ورثة المولود من لا شيء عليه من نفقته وأجر رضاعه , وصح بذلك من الدلالة على أن سائر ورثته غير آبائه وأمهاته وأجداده وجداته من قبل أبيه أو أمه في حكمه , في أنهم لا يلزمهم له نفقة ولا أجر رضاع , إذ كان مولى النعمة من ورثته , وهو ممن لا يلزمه له نفقة ولا أجر رضاع فوجب بإجماعهم على ذلك أن حكم سائر ورثته غير من استثني حكمه وكان إذا بطل أن يكون معنى ذلك ما وصفنا من أنه معني به ورثة المولود , فبطول القول الآخر وهو أنه معني به ورثة المولود له سوى المولود أحرى , لأن الذي هو أقرب بالمولود قرابة ممن هو أبعد منه إذا لم يصح وجوب نفقته وأجر رضاعه عليه , فالذي هو أبعد منه قرابة أحرى أن لا يصح وجوب ذلك عليه وأما الذي قلنا من وجوب رزق الوالدة وكسوتها بالمعروف على ولدها إذا كانت الوالدة بالصفة التي وصفنا على مثل الذي كان يجب لها من ذلك على المولود له , فما لا خلاف فيه من أهل العلم جميعا , فصح ما قلنا في الآية من التأويل بالنقل المستفيض وراثة عمن لا يجوز خلافه , وما عدا ذلك من التأويلات فمتنازع فيه , وقد دللنا على فسادهفإن أرادا فصالا عن تراض منهما وتشاور فلا جناح عليهماالقول في تأويل قوله تعالى : فإن أرادا فصالا عن تراض منهما وتشاور فلا جناح عليهما يعني تعالى ذكره بقوله : فإن أرادا إن أراد والد المولود ووالدته فصالا , يعني فصال ولدهما من اللبن ويعني بالفصال : الفطام , وهو مصدر من قول القائل : فاصلت فلانا أفاصله مفاصلة وفصالا : إذا فارقه من خلطة كانت بينهما , فكذلك فصال الفطيم , إنما هو منعه اللبن وقطعه شربه , وفراقه ثدي أمه إلا الاغتذاء بالأقوات التي يغتذي بها البالغ من الرجال وبما قلنا في ذلك قال أهل التأويل ذكر من قال ذلك : 3975 - حدثني موسى , قال : ثنا عمرو , قال : ثنا أسباط , عن السدي قوله : فإن أرادا فصالا يقول إن أرادا أن يفطماه قبل الحولين 3976 - حدثني المثنى , قال : ثنا عبد الله , قال : ثنا معاوية , عن علي , عن ابن عباس : فإن أرادا فصالا فإن أرادا أن يفطماه قبل الحولين وبعده 3977 - حدثني المثنى , قال : ثنا أبو زهير , عن جويبر , عن الضحاك : فإن أرادا فصالا عن تراض منهما قال : الفطام وأما قوله : عن تراض منهما وتشاور فإنه يعني بذلك : عن تراض من والدي المولود وتشاور منهما ثم اختلف أهل التأويل في الوقت الذي أسقط الله الجناح عنهما إن فطماه عن تراض منهما وتشاور , وأي الأوقات الذي عناه الله تعالى ذكره بقوله : فإن أرادا فصالا عن تراض منهما وتشاور فقال بعضهم : عنى بذلك : فإن أرادا فصالا في الحولين عن تراض منهما وتشاور , فلا جناح عليهما ذكر من قال ذلك : 3978 - حدثني موسى , قال : ثنا عمرو , قال : ثنا أسباط , عن السدي : فإن أرادا فصالا عن تراض منهما وتشاور يقول : إذا أرادا أن يفطماه قبل الحولين فتراضيا بذلك , فليفطماه 3979 - حدثنا الحسن بن يحيى , قال : أخبرنا عبد الرزاق , قال : أخبرنا معمر , عن قتادة : إذا أرادت الوالدة أن تفصل ولدها قبل الحولين , فكان ذلك عن تراض منهما وتشاور , فلا بأس به 3980 - حدثنا سفيان , قال : ثنا أبي , عن سفيان , عن ليث , عن مجاهد : فإن أرادا فصالا عن تراض منهما وتشاور قال : التشاور فيما دون الحولين ليس لها أن تفطمه إلا أن يرضى , وليس له أن يفطمه إلا أن ترضى * حدثني المثنى , قال : ثنا سويد , قال : أخبرنا ابن المبارك , عن سفيان , عن ليث , عن مجاهد , قال : التشاور : ما دون الحولين , فإن أرادا فصالا عن تراض منهما وتشاور دون الحولين , فلا جناح عليهما , فإن لم يجتمعا فليس لها أن تفطمه دون الحولين * حدثني المثنى قال : ثنا أبو نعيم , قال : ثنا سفيان عن ليث , عن مجاهد , قال : التشاور : ما دون الحولين , ليس لها حتى يجتمعا 3981 - حدثني المثنى , , قال : ثنا عبد الله , قال : ثني الليث , قال : أخبرنا عقيل , عن ابن شهاب :
﴿ والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة وعلى المولود له رزقهن وكسوتهن بالمعروف لا تكلف نفس إلا وسعها لا تضار والدة بولدها ولا مولود له بولده وعلى الوارث مثل ذلك فإن أرادا فصالا عن تراض منهما وتشاور فلا جناح عليهما وإن أردتم أن تسترضعوا أولادكم فلا جناح عليكم إذا سلمتم ما آتيتم بالمعروف واتقوا الله واعلموا أن الله بما تعملون بصير ﴾