أفلا يتدبر هؤلاء المنافقون مواعظ القرآن ويتفكرون في حججه؟ بل هذه القلوب مغلَقة لا يصل إليها شيء من هذا القرآن، فلا تتدبر مواعظ الله وعبره.
﴿ تفسير الجلالين ﴾
«أفلا يتدبرون القرآن» فيعرفون الحق «أم» بل «على قلوب» لهم «أقفالها» فلا يفهمونه.
﴿ تفسير السعدي ﴾
أي: فهلا يتدبر هؤلاء المعرضون لكتاب الله، ويتأملونه حق التأمل، فإنهم لو تدبروه، لدلهم على كل خير، ولحذرهم من كل شر، ولملأ قلوبهم من الإيمان، وأفئدتهم من الإيقان، ولأوصلهم إلى المطالب العالية، والمواهب الغالية، ولبين لهم الطريق الموصلة إلى الله، وإلى جنته ومكملاتها ومفسداتها، والطريق الموصلة إلى العذاب، وبأي شيء تحذر، ولعرفهم بربهم، وأسمائه وصفاته وإحسانه، ولشوقهم إلى الثواب الجزيل، ورهبهم من العقاب الوبيل. أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا أي: قد أغلق على ما فيها من الشر وأقفلت، فلا يدخلها خير أبدا؟ هذا هو الواقع.
﴿ تفسير البغوي ﴾
( أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها ) فلا تفهم مواعظ القرآن وأحكامه ، و " أم " بمعنى " بل " .أخبرنا أحمد بن إبراهيم الشريحي ، أخبرنا أبو إسحاق الثعلبي ، أنبأني عقيل بن محمد ، أخبرنا المعافى بن زكريا ، أخبرنا محمد بن جرير ، حدثنا بشر ، حدثنا حماد بن زيد ، حدثنا هشام بن عروة عن أبيه قال : تلا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها " فقال شاب من أهل اليمن : بل على قلوب أقفالها حتى يكون الله يفتحها أو يفرجها ، فما زال الشاب في نفس عمر حتى ولي فاستعان به .
﴿ تفسير الوسيط ﴾
ثم ساق- سبحانه- ما يدعو إلى التعجيب من حالهم فقال: أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ.. والفاء للعطف على جملة محذوفة، والاستفهام للإنكار والزجر. أى: أيعرضون عن كتاب الله- تعالى- فلا يتدبرونه مع أنه زاخر بالمواعظ والزواجر والأوامر والنواهي.أَمْ عَلى قُلُوبٍ أَقْفالُها، أى، بل على قلوب هؤلاء المنافقين أقفالها التي حالت بينهم وبين التدبر والتفكر. والأقفال: جمع قفل- بضم فسكون- وهو الآلة التي تقفل بها الأبواب وما يشبهها، والمراد: التسجيل عليهم بأن قلوبهم مغلقة، لا يدخلها الإيمان، ولا يخرج منها الكفر والنفاق.قال صاحب الكشاف: فإن قلت: لم نكرت القلوب وأضيفت الأقفال إليها؟قلت: أما التنكير ففيه وجهان: أن يراد على قلوب قاسية مبهم أمرها في ذلك. أو يراد على بعض القلوب وهي قلوب المنافقين. وأما إضافة الأقفال، فلأنه يريد الأقفال المختصة بها، وهي أقفال الكفر التي استغلقت فلا تنفتح .وشبيه بهذه الآية قوله- تعالى-: أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ، وَلَوْ كانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً.وقد أخذ العلماء من هذه الآية وأمثالها، وجوب التدبر والتفكر في آيات القرآن الكريم، والعمل بما فيها من هدايات وإرشادات، وأوامر ونواه، وآداب وأحكام، لأن عدم الامتثال لذلك يؤدى إلى قسوة القلوب وضلال النفوس، كما هو الحال في المنافقين والكافرين.ثم تواصل السورة حديثها عن المنافقين، فتفصح عن الأسباب التي حملتهم على هذا النفاق، وتصور أحوالهم السيئة عند ما تتوفاهم الملائكة، وتهددهم بفضح رذائلهم، وهتك أسرارهم.. قال- تعالى-:
﴿ تفسير ابن كثير ﴾
يقول تعالى آمرا بتدبر القرآن وتفهمه ، وناهيا عن الإعراض عنه ، فقال : ( أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها ) أي : بل على قلوب أقفالها ، فهي مطبقة لا يخلص إليها شيء من معانيه .قال ابن جرير : حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد قال : حدثنا سعيد قال : حدثنا حماد بن زيد ، حدثنا هشام بن عروة ، عن أبيه قال : تلا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوما : ( أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها ) ، فقال شاب من أهل اليمن : بل عليها أقفالها حتى يكون الله عز وجل يفتحها أو يفرجها . فما زال الشاب في نفس عمر - رضي الله عنه - حتى ولي ، فاستعان به .
﴿ تفسير القرطبي ﴾
قوله تعالى : أفلا يتدبرون القرآن أي يتفهمونه فيعلمون ما أعد الله للذين لم يتولوا عن الإسلام . أم على قلوب أقفالها أي بل على قلوب أقفال أقفلها الله - عز وجل - عليهم فهم لا يعقلون . وهذا يرد على القدرية والإمامية مذهبهم . وفي حديث مرفوع أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : [ إن عليها أقفالا كأقفال الحديد حتى يكون الله يفتحها ] . وأصل القفل اليبس والصلابة . ويقال لما يبس من الشجر : القفل . والقفيل مثله . والقفيل أيضا نبت . والقفيل : الصوت . قال الراجز :لما أتاك يابسا قرشبا قمت إليه بالقفيل ضرباكيف قريت شيخك الأزباالقرشب ( بكسر القاف ) المسن ، عن الأصمعي . وأقفله الصوم أي : أيبسه ، قاله القشيري والجوهري . فالأقفال هاهنا إشارة إلى ارتجاج القلب وخلوه عن الإيمان . أي : لا يدخل قلوبهم الإيمان ولا يخرج منها الكفر ; لأن الله تعالى طبع على قلوبهم وقال : على قلوب لأنه لو قال على قلوبهم لم يدخل قلب غيرهم في هذه الجملة . والمراد أم على قلوب هؤلاء وقلوب من كانوا بهذه الصفة أقفالها .
﴿ تفسير الطبري ﴾
القول في تأويل قوله تعالى : أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا (24)يقول تعالى ذكره: أفلا يتدبر هؤلاء المنافقون مواعظ الله التي يعظهم بها في آي القرآن الذي أنزله على نبيه عليه الصلاة والسلام , ويتفكَّرون في حُججه التي بيَّنها لهم في تنزيله فيعلموا بها خطأ ما هم عليه مقيمون ( أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا ) يقول: أم أقفل الله على قلوبهم فلا يعقلون ما أنزل الله في كتابه من المواعظ والعِبَر.وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.* ذكر من قال ذلك:حدثنا بشر, قال: ثنا يزيد, قال: ثنا سعيد, عن قتادة, قوله ( أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا ) إذا والله يجدون في القرآن زاجرا عن معصية الله, لو تدبره القوم فعقلوه, ولكنهم أخذوا بالمتشابه فهلكوا عند ذلك.حدثنا إسماعيل بن حفص الأيلي, قال: ثنا الوليد بن مسلم, عن ثور بن يزيد, عن خالد بن مَعدان, قال: ما من آدميّ إلا وله أربع أعين: عينان في رأسه لدنياه, وما يصلحه من معيشته, وعينان في قلبه لدينه, وما وعد الله من الغيب, فإذا أراد الله بعبد خيرا أبصرت عيناه اللتان في قلبه, وإذا أراد الله به غير ذلك طَمسَ عليهما, فذلك قوله ( أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا ).حدثنا ابن حُمَيد, قال: ثنا يحيى بن واضح, قال: ثنا ثور بن يزيد, قال: ثنا خالد بن معدان, قال: ما من الناس أحد إلا وله أربع أعين, عينان في وجهه لمعيشته, وعينان في قلبه, وما من أحد إلا وله شيطان متبطن فقار ظهره, عاطف عنقه على عنقه, فاغر فاه إلى ثمرة قلبه, فإذا أراد الله بعبد خيرا أبصرت عيناه اللتان في قلبه ما وعد الله من الغيب, فعمل به, وهما غيب, فعمل بالغيب, وإذا أراد الله بعبد شرّا تركه, ثم قرأ ( أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا ).حدثنا ابن حُميد, قال: ثنا الحكم, قال: ثنا عمرو, عن ثور, عن خالد بن مَعدَان بنحوه, إلا أنه قال: ترك القلب على ما فيه.حدثنا بشر, قال: ثنا يزيد, قال: ثنا سعيد, قال: ثنا حماد بن زيد, قال: ثنا هشام بن عروة, عن أبيه قال: " تلا رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم يوما( أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا ) فقال شاب من أهل اليمن: بل عليها أقفالها, حتى يكون الله عزّ وجلّ يفتحها أو يفرجها, فما زال الشاب في نفس عمر رضي الله عنه حتى ولي فاستعان به ".