توجَّه موسى إلى ربه داعيًا: إني لا أقدر إلا على نفسي وأخي، فاحكم بيننا وبين القوم الفاسقين.
﴿ تفسير الجلالين ﴾
«قال» موسى حينئذ «رب إني لا أملك إلا نفسي و» إلا «أخي» ولا أملك غيرهما فاجبرهم على الطاعة «فافرق» فافصل «بيننا وبين القوم الفاسقين».
﴿ تفسير السعدي ﴾
فلما رأى موسى عليه السلام عتوهم عليه قَالَ رَبِّ إِنِّي لَا أَمْلِكُ إِلَّا نَفْسِي وَأَخِي أي: فلا يدان لنا بقتالهم، ولست بجبار على هؤلاء. فَافْرُقْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ أي: احكم بيننا وبينهم، بأن تنزل فيهم من العقوبة ما اقتضته حكمتك، ودل ذلك على أن قولهم وفعلهم من الكبائر العظيمة الموجبة للفسق.
﴿ تفسير البغوي ﴾
( قال رب إني لا أملك إلا نفسي وأخي ) [ قيل : معناه وأخي لا يملك إلا نفسه ، وقيل : معناه لا يطيعني إلا نفسي وأخي ] ( فافرق ) فافصل ، ( بيننا ) قيل : فاقض بيننا ، ( وبين القوم الفاسقين ) العاصين .
﴿ تفسير الوسيط ﴾
ثم قصت علينا السورة الكريمة أن موسى- عليه السلام- بعد أن رأى من قومه ما رأى من عناد وجبن، لجأ إلى ربه يشكو إليه منهم، يلتمس منه أن يفرق بينه وبينهم، فقال: رَبِّ إِنِّي لا أَمْلِكُ إِلَّا نَفْسِي وَأَخِي، فَافْرُقْ بَيْنَنا وَبَيْنَ الْقَوْمِ الْفاسِقِينَ.أى: قال موسى باثا شكواه وحزنه إلى الله، ومعتذرا إليه من فسوق قومه وسفاهتهم وجبنهم: رب إنك تعلم أنى لا أملك لنصرة دينك أمر أحد ألزمه بطاعتك سوى أمر نفسي، وأمر أخى هارون، ولا ثقة لي في غيرنا أن يطيعك في العسر واليسر والمنشط والمكره.ولم يذكر الرجلين اللذين قالا لقومهما فيما سبق ادْخُلُوا عَلَيْهِمُ الْبابَ لعدم ثقته الكاملة في دخولهما معه أرض الجبارين، وفي وقوفهما بجانبه عند القتال إذا تخلى بقية القوم عنه فإن بعض الناس كثيرا ما يقدم على القتال مع الجيش الكبير، ولكنه قد يحجم إذا رأى أن عدد المجاهدين قليل. ومن هنا لم يذكر أنه يملك أمر هذين الرجلين كما يملك أمر نفسه وأمر أخيه.وصرح موسى- عليه السلام- بأنه يملك أمر أخيه هارون كما يملك أمر نفسه، لمؤازرته التامة له في كفاحه ظلم فرعون، ولوقوفه إلى جانبه بعزيمة صادقة في كل موطن من مواطن الشدة وليقينه بأنه مؤيد بروح من الله- تعالى.قال صاحب الكشاف: فإن قلت: أما كان معه الرجلان المذكوران؟ قلت كأنه لم يثق بهما كل الوثوق، ولم يطمئن إلى ثباتهما لما ذاق على طول الزمان واتصال الصحبة من أحوال قومه، وتلونهم وقسوة قلوبهم فلم يذكر إلا النبي المعصوم الذي لا شبهة في أمره. ويجوز أن يكون قال ذلك لفرط ضجره عند ما سمع منهم تقليلا لمن يوافقه. ويجوز أن يريد ومن يؤاخينى على ديني».هذا وقد ذكر النحويون وجوها من الإعراب لقوله وَأَخِي منها: أنه منصوب عطفا على قوله: نَفْسِي أى: ولا أملك إلا أخى مع ملكي نفسي دون غيرهما.وقوله- تعالى-: فَافْرُقْ بَيْنَنا وَبَيْنَ الْقَوْمِ الْفاسِقِينَ بيان لما يرجوه موسى من ربه- عز وجل- بعد أن خرج بنو إسرائيل عن طاعته.والفاء هنا لترتيب الفرق والدعاء به على ما قبله. والفرق معناه الفصل بين شيئين.والمعنى: قال موسى مخاطبا ربه: لقد علمت يا إلهى أنى لا أملك لنصرة دينك إلا أمر نفسي وأمر أخى، أما قومي فقد خرجوا عن طاعتي وفسقوا عن أمرك ومادام هذا شأنهم فافصل بيننا وبينهم بقضائك العادل، بأن تحكم لنا بما نستحق، وتحكم عليهم بما يستحقون فإنك أنت الحكم العدل بين العباد.
﴿ تفسير ابن كثير ﴾
وقوله : ( قال رب إني لا أملك إلا نفسي وأخي فافرق بيننا وبين القوم الفاسقين ) يعني : لما نكل بنو إسرائيل عن القتال غضب عليهم موسى عليه السلام ، وقال داعيا عليهم : ( رب إني لا أملك إلا نفسي وأخي ) أي : ليس أحد يطيعني منهم فيمتثل أمر الله ، ويجيب إلى ما دعوت إليه إلا أنا وأخي هارون ( فافرق بيننا وبين القوم الفاسقين ) قال العوفي عن ابن عباس : يعني اقض بيني وبينهم . وكذا قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس .وكذا قال الضحاك : اقض بيننا وبينهم ، وافتح بيننا وبينهم ، وقال غيره : افرق : افصل بيننا وبينهم ، كما قال الشاعر :يا رب فافرق بينه وبيني أشد ما فرقت بين اثنين
﴿ تفسير القرطبي ﴾
قوله تعالى : قال رب إني لا أملك إلا نفسي وأخي لأنه كان يطيعه ، وقيل المعنى : إني لا أملك إلا نفسي ، ثم ابتدأ فقال : وأخي . أي : وأخي أيضا لا يملك إلا نفسه ; فأخي على القول الأول في موضع نصب عطفا على نفسي ، وعلى الثاني في موضع رفع ، وإن شئت عطفت على اسم إن وهي الياء ; أي : إني وأخي لا نملك إلا أنفسنا ، وإن شئت عطفت على المضمر في أملك كأنه قال : لا أملك أنا وأخي إلا أنفسنا . فافرق بيننا وبين القوم الفاسقين يقال : بأي وجه سأله الفرق بينه وبين هؤلاء القوم ؟ ففيه أجوبة ; الأول : بما يدل على بعدهم عن الحق ، وذهابهم عن الصواب فيما ارتكبوا من العصيان ; ولذلك ألقوا في التيه . الثاني : بطلب التمييز أي : ميزنا عن جماعتهم وجملتهم ولا تلحقنا بهم في العقاب ، وقيل المعنى : فاقض بيننا وبينهم بعصمتك إيانا من العصيان الذي ابتليتهم به ; ومنه قوله تعالى : فيها يفرق كل أمر حكيم أي : يقضى . وقد فعل لما أماتهم في التيه ، وقيل : إنما أراد في الآخرة ، أي اجعلنا في الجنة ولا تجعلنا معهم في النار ; والشاهد على الفرق الذي يدل على المباعدة في الأحوال قول الشاعر :يا رب فافرق بينه وبيني أشد ما فرقت بين اثنينوروى ابن عيينة عن عمرو بن دينار عن عبيد بن عمير أنه قرأ : " فافرق " بكسر الراء .
﴿ تفسير الطبري ﴾
القول في تأويل قوله جل ثناؤه : قَالَ رَبِّ إِنِّي لا أَمْلِكُ إِلا نَفْسِي وَأَخِي فَافْرُقْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ (25)قال أبو جعفر: وهذا خبر من الله جل وعز عن قيل قوم موسى حين قال له قومه ما قالوا، من قولهم: إِنَّا لَنْ نَدْخُلَهَا أَبَدًا مَا دَامُوا فِيهَا فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ = أنه قال عندَ ذلك، وغضب من قيلهم له، (5) داعيا: يا رب إني لا أملك إلا نفسي وأخي= يعني بذلك، لا أقدر على أحد أن أحمله على ما أحب وأريد من طاعتك واتّباع أمرك ونهيك، إلا على نفسي وعلى أخي.* * *= من قول القائل: " ما أملك من الأمر شيئا إلا كذا وكذا "، بمعنى: لا أقدر على شيء غيره. (6)* * *ويعني بقوله: " فافرق بيننَا وبين القوم الفاسقين "، افصل بيننا وبينهم بقضاء منك تقضيه فينا وفيهم فتبعِدُهم منّا.* * *=من قول القائل: " فَرَقت بين هذين الشيئين "، بمعنى: فصلت بينهما، من قول الراجز: (7)يَا رَبِّ فافْرُقْ بَيْنَهُ وَبَيْنِيأَشَدَّ مَا فَرَّقْتَ بَيْنَ اثْنَيْنَ (8)* * *وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويلذكر من قال ذلك:11686 - حدثني محمد بن سعد قال حدثني أبي قال، حدثني عمي &; 10-189 &; قال، حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس: " فافرق بيننا وبين القوم الفاسقين "، يقول: اقض بيني وبينهم.11687 - حدثني المثنى قال، حدثنا عبد الله قال، حدثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس: " فافرق بيننا وبين القوم الفاسقين "، يقول: اقض بيننا وبينهم.11688 - حدثني موسى بن هارون قال، حدثنا عمرو بن حماد قال، حدثنا أسباط، عن السدي، قال: غضب موسى صلى الله عليه وسلم حين قال له القوم: " اذهب أنت وربك فقاتلا إنّا هاهنا قاعدون "، فدعا عليهم فقال: " رب إنّي لا أملك إلا نفسي وأخي فافرق بيننا وبين القوم الفاسقين "، وكانت عَجْلَةً من موسى عِجلها. (9)11689 - حدثت عن الحسين قال، سمعت أبا معاذ قال، حدثنا عبيد بن سليمان قال، سمعت الضحاك يقول في قوله: " فافرق بيننا وبين القوم الفاسقين "، يقول: اقض بيننا وبينهم، وافتح بيننا وبينهم= كلّ هذا يقول الرجل: " اقض بيننا " (10)فقضاء الله جل ثناؤه بينه وبينهم: أن سماهم " فاسقين ". (11)* * *وعنى بقوله: " الفاسقين " الخارجين عن الإيمان بالله وبه إلى الكفر بالله وبه.* * *وقد دللنا على أن معنى " الفسق "، الخروج من شيء إلى شيء، فيما مضى، بما أغنى عن إعادته. (12)* * *
﴿ قال رب إني لا أملك إلا نفسي وأخي فافرق بيننا وبين القوم الفاسقين ﴾