ألم نجعل هذه الأرض التي تعيشون عليها، تضم على ظهرها أحياء لا يحصون، وفي بطنها أمواتًا لا يحصرون، وجعلنا فيها جبالا ثوابت عاليات؛ لئلا تضطرب بكم، وأسقيناكم ماءً عذبًا سائغًا؟
﴿ تفسير الجلالين ﴾
«ألم نجعل الأرض كفاتا» مصدر كفت بمعنى ضم، أي ضامة.
﴿ تفسير السعدي ﴾
أي: أما امتننا عليكم وأنعمنا، بتسخير الأرض لمصالحكم، فجعلناها كِفَاتًا لكم.
﴿ تفسير البغوي ﴾
"ألم نجعل الأرض كفاتاً"، وعاءً، ومعنى الكفت: الضم والجمع، يقال: كفت الشيء: إذا ضمه وجمعه. وقال الفراء: يريد تكفتهم أحياء على ظهرها في دورهم ومنازلهم، وتكفتهم أمواتاً في بطنها، أي: تحوزهم.
﴿ تفسير الوسيط ﴾
ثم انتقل- سبحانه- إلى الاستدلال على إمكانية البعث بطريق ثالث فقال: أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ كِفاتاً، أَحْياءً وَأَمْواتاً، وَجَعَلْنا فِيها رَواسِيَ شامِخاتٍ.والكفات: اسم للمكان الذي يكفت فيه الشيء. أى يجمع ويضم ويوضع فيه.يقال: كفت فلان الشيء يكفته كفتا، من باب ضرب- إذا جمعه ووضعه بداخل شيء معين، ومنه سمى الوعاء كفاتا، لأن الشيء يوضع بداخله، وهو منصوب على أنه مفعول ثان لقوله نَجْعَلِ، لأن الجعل هنا بمعنى التصيير.
﴿ تفسير ابن كثير ﴾
قال ابن عباس كفاتا كنا وقال مجاهد يكفت الميت فلا يرى منه شيء وقال الشعبي بطنها لأمواتكم وظهرها لأحيائكم.
﴿ تفسير القرطبي ﴾
قوله تعالى : ألم نجعل الأرض كفاتا أي ضامة تضم الأحياء على ظهورها والأموات في بطنها . وهذا يدل على وجوب مواراة الميت ودفنه ، ودفن شعره وسائر ما يزيله عنه . وقوله - عليه السلام - : قصوا أظافركم وادفنوا قلاماتكم وقد مضى في ( البقرة ) بيانه يقال : كفت الشيء أكفته : إذا جمعته وضممته ، والكفت : الضم والجمع ; وأنشد سيبويه :كرام حين تنكفت الأفاعي إلى أحجارهن من الصقيعوقال أبو عبيد : كفاتا أوعية . ويقال للنحي : كفت وكفيت ; لأنه يحوي اللبن ويضمه قال :فأنت اليوم فوق الأرض حي وأنت غدا تضمك في كفاتوخرج الشعبي في جنازة فنظر إلى الجبان فقال : هذه كفات الأموات ، ثم نظر إلى البيوت فقال : هذه كفات الأحياء .والثانية : روي عن ربيعة في النباش قال تقطع يده فقيل له : لم قلت ذلك ؟ قال : إن الله - عز وجل - يقول : ألم نجعل الأرض كفاتا أحياء وأمواتا فالأرض حرز . وقد مضى هذا في سورة ( المائدة ) . وكانوا يسمون بقيع الغرقد كفتة ، لأنه مقبرة تضم الموتى ، فالأرض تضم الأحياء إلى منازلهم والأموات في قبورهم . وأيضا استقرار الناس على وجه الأرض ، ثم اضطجاعهم عليها ، انضمام منهم إليها . وقيل : هي كفات للأحياء يعني دفن ما يخرج من الإنسان من الفضلات في الأرض ; إذ لا ضم في كون الناس عليها ، والضم يشير إلى الاحتفاف من جميع الوجوه .وقال الأخفش وأبو عبيدة ومجاهد في أحد قوليه : الأحياء والأموات ترجع إلى الأرض ، أي الأرض منقسمة إلى حي وهو الذي ينبت ، وإلى ميت وهو الذي لا ينبت . وقال الفراء : انتصب أحياء وأمواتا بوقوع الكفات عليه ; أي ألم نجعل الأرض كفات أحياء وأموات . فإذا نونت نصبت ; كقوله تعالى : أو إطعام في يوم ذي مسغبة يتيما . وقيل : نصب على الحال من الأرض ، أي منها كذا ومنها كذا . وقال الأخفش : كفاتا جمع كافتة والأرض يراد بها الجمع فنعتت بالجمع . وقال الخليل : التكفيت : تقليب الشيء ظهرا لبطن أو بطنا لظهر . ويقال : انكفت القوم إلى منازلهم أي انقلبوا . فمعنى الكفات أنهم يتصرفون على ظهرها وينقلبون إليها ويدفنون فيها .
﴿ تفسير الطبري ﴾
يقول تعالى ذكره: منبها عباده على نعمه عليهم: ( أَلَمْ نَجْعَلِ ) أيها الناس ( الأَرْضَ ) لكم ( كِفَاتًا ) يقول: وعاء، تقول: هذا كفت هذا وكفيته، إذا كان وعاءه.وإنما معنى الكلام: ألم نجعل الأرض كِفاتَ أحيائكم وأمواتكم، تكْفِت أحياءكم في المساكن والمنازل، فتضمهم فيها وتجمعهم، وأمواتَكم في بطونها في القبور، فيُدفَنون فيها.