الله الذي لا يستحق الألوهية والعبودية إلا هو، الحيُّ الذي له جميع معاني الحياة الكاملة كما يليق بجلاله، القائم على كل شيء، لا تأخذه سِنَة أي: نعاس، ولا نوم، كل ما في السماوات وما في الأرض ملك له، ولا يتجاسر أحد أن يشفع عنده إلا بإذنه، محيط علمه بجميع الكائنات ماضيها وحاضرها ومستقبلها، يعلم ما بين أيدي الخلائق من الأمور المستقبلة، وما خلفهم من الأمور الماضية، ولا يَطَّلعُ أحد من الخلق على شيء من علمه إلا بما أعلمه الله وأطلعه عليه. وسع كرسيه السماوات والأرض، والكرسي: هو موضع قدمي الرب -جل جلاله- ولا يعلم كيفيته إلا الله سبحانه، ولا يثقله سبحانه حفظهما، وهو العلي بذاته وصفاته على جميع مخلوقاته، الجامع لجميع صفات العظمة والكبرياء. وهذه الآية أعظم آية في القرآن، وتسمى: (آية الكرسي).
﴿ تفسير الجلالين ﴾
«الله لا إله» أي لا معبود بحق في الوجود «إلا هو الحيُّ» الدائم بالبقاء «القيوم» المبالغ في القيام بتدبير خلقه «لاتأخذه سنة» نعاس «ولا نوم له ما في السماوات وما في الأرض» ملكا وخلقا وعبيدا «من ذا الذي» أي لا أحد «يشفع عنده إلا بإذنه» له فيها «يعلم ما بين أيديهم» أي الخلق «وما خلفهم» أي من أمر الدنيا والآخرة «ولا يحيطون بشيء من علمه» أي لا يعلمون شيئا من معلوماته «إلا بما شاء» أن يعلمهم به منها بأخبار الرسل «وسع كرسيه السماوات والأرض» قيل أحاط علمه بهما وقيل ملكه وقيل الكرسي نفسه مشتمل عليهما لعظمته، لحديث: ما السماوات السبع في الكرسى إلا كدارهم سبعة ألقيت في ترس «ولا يئوده» يثقله «حفظهما» أي السماوات والأرض «وهو العلي» فوق خلقه بالقهر «العظيم» الكبير.
﴿ تفسير السعدي ﴾
هذه الآية الكريمة أعظم آيات القرآن وأفضلها وأجلها، وذلك لما اشتملت عليه من الأمور العظيمة والصفات الكريمة، فلهذا كثرت الأحاديث في الترغيب في قراءتها وجعلها وردا للإنسان في أوقاته صباحا ومساء وعند نومه وأدبار الصلوات المكتوبات، فأخبر تعالى عن نفسه الكريمة بأن لا إله إلا هو أي: لا معبود بحق سواه، فهو الإله الحق الذي تتعين أن تكون جميع أنواع العبادة والطاعة والتأله له تعالى، لكماله وكمال صفاته وعظيم نعمه، ولكون العبد مستحقا أن يكون عبدا لربه، ممتثلا أوامره مجتنبا نواهيه، وكل ما سوى الله تعالى باطل، فعبادة ما سواه باطلة، لكون ما سوى الله مخلوقا ناقصا مدبرا فقيرا من جميع الوجوه، فلم يستحق شيئا من أنواع العبادة، وقوله: الحي القيوم هذان الاسمان الكريمان يدلان على سائر الأسماء الحسنى دلالة مطابقة وتضمنا ولزوما، فالحي من له الحياة الكاملة المستلزمة لجميع صفات الذات، كالسمع والبصر والعلم والقدرة، ونحو ذلك، والقيوم: هو الذي قام بنفسه وقام بغيره، وذلك مستلزم لجميع الأفعال التي اتصف بها رب العالمين من فعله ما يشاء من الاستواء والنزول والكلام والقول والخلق والرزق والإماتة والإحياء، وسائر أنواع التدبير، كل ذلك داخل في قيومية الباري، ولهذا قال بعض المحققين: إنهما الاسم الأعظم الذي إذا دعي الله به أجاب، وإذا سئل به أعطى، ومن تمام حياته وقيوميته أن لا تأخذه سنة ولا نوم والسنة النعاس له ما في السماوات وما في الأرض أي: هو المالك وما سواه مملوك وهو الخالق الرازق المدبر وغيره مخلوق مرزوق مدبر لا يملك لنفسه ولا لغيره مثقال ذرة في السماوات ولا في الأرض فلهذا قال: من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه أي: لا أحد يشفع عنده بدون إذنه، فالشفاعة كلها لله تعالى، ولكنه تعالى إذا أراد أن يرحم من يشاء من عباده أذن لمن أراد أن يكرمه من عباده أن يشفع فيه، لا يبتدئ الشافع قبل الإذن، ثم قال يعلم ما بين أيديهم أي: ما مضى من جميع الأمور وما خلفهم أي: ما يستقبل منها، فعلمه تعالى محيط بتفاصيل الأمور، متقدمها ومتأخرها، بالظواهر والبواطن، بالغيب والشهادة، والعباد ليس لهم من الأمر شيء ولا من العلم مثقال ذرة إلا ما علمهم تعالى، ولهذا قال: ولا يحيطون بشيء من علمه إلا بما شاء وسع كرسيه السماوات والأرض وهذا يدل على كمال عظمته وسعة سلطانه، إذا كان هذه حالة الكرسي أنه يسع السماوات والأرض على عظمتهما وعظمة من فيهما، والكرسي ليس أكبر مخلوقات الله تعالى، بل هنا ما هو أعظم منه وهو العرش، وما لا يعلمه إلا هو، وفي عظمة هذه المخلوقات تحير الأفكار وتكل الأبصار، وتقلقل الجبال وتكع عنها فحول الرجال، فكيف بعظمة خالقها ومبدعها، والذي أودع فيها من الحكم والأسرار ما أودع، والذي قد أمسك السماوات والأرض أن تزولا من غير تعب ولا نصب، فلهذا قال: ولا يؤوده أي: يثقله حفظهما وهو العلي بذاته فوق عرشه، العلي بقهره لجميع المخلوقات، العلي بقدره لكمال صفاته العظيم الذي تتضائل عند عظمته جبروت الجبابرة، وتصغر في جانب جلاله أنوف الملوك القاهرة، فسبحان من له العظمة العظيمة والكبرياء الجسيمة والقهر والغلبة لكل شيء، فقد اشتملت هذه الآية على توحيد الإلهية وتوحيد الربوبية وتوحيد الأسماء والصفات، وعلى إحاطة ملكه وإحاطة علمه وسعة سلطانه وجلاله ومجده، وعظمته وكبريائه وعلوه على جميع مخلوقاته، فهذه الآية بمفردها عقيدة في أسماء الله وصفاته، متضمنة لجميع الأسماء الحسنى والصفات العلا، ثم قال تعالى:
﴿ تفسير البغوي ﴾
قوله عز وجل : ( الله لا إله إلا هو الحي القيوم ) أخبرنا عبد الواحد بن أحمد المليحي أخبرنا أبو منصور محمد بن سمعان أخبرنا أبو جعفر محمد بن أحمد بن عبد الجبار الرياني أنا حميد بن زنجويه أنا ابن أبي شيبة أنا عبد الأعلى عن الجريري عن أبي السليل عن عبد الله بن رباح الأنصاري عن أبي بن كعب رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " أبا المنذر أي آية من كتاب الله أعظم؟ " قلت ( الله لا إله إلا هو الحي القيوم ) قال فضرب في صدري ثم قال : " ليهنك العلم " ثم قال : " والذي نفس محمد بيده إن لهذه الآية لسانا وشفتين تقدس الملك عند ساق العرش " .أخبرنا عبد الواحد بن أحمد المليحي ، أخبرنا أحمد بن عبد الله النعيمي ، أنا محمد بن يوسف عن محمد بن إسماعيل قال عثمان بن الهيثم أبو عمرو : أخبرنا عوف عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : وكلني رسول الله صلى الله عليه وسلم بحفظ زكاة رمضان فأتاني آت فجعل يحثو من الطعام فأخذته وقلت : لأرفعنك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : إني محتاج وعلي عيال ولي حاجة شديدة قال : فخليت سبيله فأصبحت فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " يا أبا هريرة ما فعل أسيرك البارحة؟ " قلت : يا رسول الله شكا حاجة شديدة وعيالا فرحمته فخليت سبيله قال : " أما إنه قد كذبك وسيعود " فعرفت أنه سيعود لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم إنه سيعود فرصدته فجاء يحثو من الطعام فأخذته فقلت : لأرفعنك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : دعني فإني محتاج وعلي عيال ولا أعود ، فرحمته فخليت سبيله فأصبحت فقال : لي رسول الله صلى الله عليه وسلم : " يا أبا هريرة ما فعل أسيرك " قلت : يا رسول الله شكا حاجة شديدة وعيالا فرحمته وخليت سبيله قال : " أما إنه قد كذبك وسيعود " فرصدته الثالثة فجاء يحثو من الطعام ، فأخذته فقلت : لأرفعنك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهذا آخر ثلاث مرات إنك تزعم لا تعود ثم تعود قال : دعني أعلمك كلمات ينفعك الله بها قلت : ما هي؟ قال : إذا أويت إلى فراشك فاقرأ آية الكرسي ( الله لا إله إلا هو الحي القيوم ) حتى تختم الآية فإنك لن يزال عليك من الله حافظ ولا يقربك شيطان حتى تصبح فخليت سبيله فأصبحت فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ما فعل أسيرك البارحة؟ قلت يا رسول الله زعم أنه يعلمني كلمات ينفعني الله بها فخليت سبيله قال ما هي؟ قلت : قال لي : إذا أويت إلى فراشك فاقرأ آية الكرسي من أولها حتى تختم الآية ( الله لا إله إلا هو الحي القيوم ) وقال : لن يزال عليك من الله حافظ ولا يقربك شيطان حتى تصبح وكانوا أحرص الناس على الخير فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " أما إنه قد صدقك وهو كذوب تعلم من تخاطب من ثلاث ليال يا أبا هريرة " قلت : لا قال " ذاك شيطان " .أخبرنا عبد الواحد المليحي أخبرنا أبو منصور السمعاني أخبرنا أبو جعفر الرياني أخبرنا حميد بن زنجويه أخبرنا يحيى بن يحيى أخبرنا أبو معاوية ، عن عبد الرحمن بن أبي بكر هو المليكي عن زرارة بن مصعب عن أبي سلمة بن عبد الرحمن ، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من قرأ حين يصبح آية الكرسي وآيتين من أول " حم تنزيل الكتاب من الله العزيز العليم " ( 2 - غافر ) حفظ في يومه ذلك حتى يمسي ومن قرأهما حين يمسي حفظ في ليلته تلك حتى يصبح " .قوله تعالى : ( الله ) رفع بالابتداء وخبره في ( لا إله إلا هو الحي ) الباقي الدائم على الأبد وهو من له الحياة والحياة صفة الله تعالى ( القيوم ) قرأ عمر وابن مسعود " القيام " وقرأ علقمة " القيم " وكلها لغات بمعنى واحد قال مجاهد ( القيوم ) القائم على كل ( شيء ) وقال الكلبي : القائم على كل نفس بما كسبت وقيل هو القائم بالأمور . وقال أبو عبيدة : الذي لا يزول ( لا تأخذه سنة ولا نوم ) السنة : النعاس وهو النوم الخفيف والوسنان بين النائم واليقظان يقال منه وسن يسن وسنا وسنة والنوم هو الثقيل المزيل للقوة والعقل قال المفضل الضبي : السنة في الرأس والنوم في القلب فالسنة أول النوم وهو النعاس وقيل : السنة في الرأس والنعاس في العين والنوم في القلب فهو غشية ثقيلة تقع على القلب تمنع المعرفة بالأشياء نفى الله تعالى عن نفسه النوم لأنه آفة وهو منزه عن الآفات ولأنه تغير ولا يجوز عليه التغير .أخبرنا أحمد بن إبراهيم الشريحي أخبرنا أبو إسحاق أحمد بن محمد بن إبراهيم الثعلبي أخبرنا عبد الله بن حامد أخبرنا محمد بن جعفر أخبرنا علي بن حرب أخبرنا أبو معاوية أخبرنا الأعمش عن عمرو بن مرة عن أبي عبيدة عن أبي موسى قال : قام فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم بخمس كلمات فقال : " إن الله لا ينام ولا ينبغي له أن ينام ولكنه يخفض القسط ويرفع إليه عمل الليل قبل عمل النهار وعمل النهار قبل عمل الليل حجابه النور لو كشفه لأحرقت سبحات وجهه ما انتهى إليه بصره من خلقه " . ورواه المسعودي عن عمرو بن مرة وقال : حجابه النار .( له ما في السماوات وما في الأرض ) ملكا وخلقا ( من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه ) بأمره ( يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم ) قال مجاهد وعطاء والسدي : ( ما بين أيديهم ) أمر الدنيا ( وما خلفهم ) أمر الآخرة وقال الكلبي : ( ما بين أيديهم ) يعني الآخرة لأنهم يقدمون عليها ( وما خلفهم ) الدنيا لأنهم يخلفونها وراء ظهورهم وقال ابن جريج : ما بين أيديهم ما مضى أمامهم وما خلفهم ما يكون بعدهم وقال مقاتل : ما بين أيديهم ، ما كان قبل خلق الملائكة وما خلفهم أي ما كان بعد خلقهم وقيل : ما بين أيديهم أي ما قدموه من خير أو شر وما خلفهم ما هم فاعلوه ( ولا يحيطون بشيء من علمه ) أي من علم الله ( إلا بما شاء ) أن يطلعهم عليه يعني لا يحيطون بشيء من علم الغيب إلا بما شاء مما أخبر به الرسل كما قال الله تعالى : ( فلا يظهر على غيبه أحدا إلا من ارتضى من رسول ) ( 36 - الجن ) قوله تعالى : ( وسع كرسيه السماوات والأرض ) أي ملأ وأحاط به واختلفوا في الكرسي فقال الحسن : هو العرش نفسه وقال أبو هريرة رضي الله عنه : الكرسي موضوع أمام العرش ومعنى قوله : " وسع كرسيه السماوات والأرض " أي سعته مثل سعة السماوات والأرض وفي الأخبار أن السماوات والأرض في جنب الكرسي كحلقة في فلاة والكرسي في جنب العرش كحلقة في فلاة . ويروى عن ابن عباس رضي الله عنهما أن السماوات السبع والأرضين السبع في الكرسي كدراهم سبعة ألقيت في ترس .وقال علي ومقاتل : كل قائمة من الكرسي طولها مثل السماوات السبع والأرضين السبع وهو بين يدي العرش ويحمل الكرسي أربعة أملاك لكل ملك أربعة وجوه وأقدامهم في الصخرة التي تحت الأرض السابعة السفلى مسيرة خمسمائة عام ملك على صورة سيد البشر آدم عليه السلام وهو يسأل للآدميين الرزق والمطر من السنة إلى السنة وملك على صورة سيد الأنعام وهو الثور وهو يسأل للأنعام الرزق من السنة إلى السنة وعلى وجهه غضاضة منذ عبد العجل وملك على صورة سيد السباع وهو الأسد يسأل للسباع الرزق من السنة إلى السنة [ وملك على صورة سيد الطير وهو النسر يسأل الرزق للطير من السنة إلى السنة ] وفي بعض الأخبار أن ما بين حملة العرش وحملة الكرسي سبعين حجابا من ظلمة وسبعين حجابا من نور غلظ كل حجاب مسيرة خمسمائة عام لولا ذلك لاحترق حملة الكرسي من نور حملة العرش .وروى سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : أراد بالكرسي علمه وهو قول مجاهد ومنه قيل لصحيفة العلم كراسة وقيل : كرسيه ملكه وسلطانه والعرب تسمي الملك القديم كرسيا ، ( ولا يئوده ) أي لا يثقله ولا يشق عليه يقال : آدني الشيء أي أثقلني ( حفظهما ) أي حفظ السماوات والأرض ( وهو العلي ) الرفيع فوق خلقه والمتعالي عن الأشياء والأنداد وقيل : العلي بالملك والسلطنة ( العظيم ) الكبير الذي لا شيء أعظم منه .
﴿ تفسير الوسيط ﴾
قال بعضهم: هذه آية الكرسي أفضل آية في القرآن. ومعنى الفضل أن الثواب على قراءتها أكثر منه على غيرها من الآيات. هذا هو التحقيق في تفضيل بعض آيات القرآن على بعض.وإنما كانت أفضل لأنها جمعت من أحكام الألوهية وصفات الإله الثبوتية والسلبية ما لم تجمعه آية أخرى. جاء في الحديث الشريف عن أبى هريرة أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: لكل شيء سنام وإن سنام القرآن البقرة، وفيها آية هي سيدة القرآن- أى أفضله- وهي آية الكرسي» .وقد اشتملت هذه الآية الكريمة على عشر جمل فيها ما فيها من صفات الله الجليلة- ونعوته السامية. أما الجملة الأولى والثانية فتتمثل في قوله- تعالى-: اللَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ.ولفظ الجلالة اللَّهُ يقول العلماء: إن أصله إله دخلت عليه أداة التعريف «أل» وحذفت الهمزة فصارت الكلمة الله.قال القرطبي: قوله: اللَّهُ هذا الاسم أكبر أسمائه- تعالى- وأجمعها، حتى قال بعضهم إنه اسم الله الأعظم ولم يتسم به غيره، ولذلك لم يثن ولم يجمع، فالله اسم الموجود الحق الجامع لصفات الألوهية، المنعوت بنعوت الربوبية المنفرد بالوجود الحقيقي، لا إله إلا هو- سبحانه-».ولفظ إِلهَ قالوا إنه من أله فلان يأله أى عبد. فالإله على هذا المعنى هو المعبود، وقيل هو من أله أى تحير.. وذلك أن العبد إذا تفكر في صفاته- سبحانه- تحير فيها ولذا قيل:«تفكروا في آلاء الله ولا تفكروا في الله» .والْحَيُّ أى الباقي الذي له الحياة الدائمة التي لا فناء لها. لم تحدث له الحياة بعد موت، ولا يعتريه الموت بعد الحياة، وسائر الأحياء سواه يعتريهم الموت والفناء.والْقَيُّومُ أى: الدائم القيام بتدبير أمر الخلق وحفظهم، والمعطى لهم ما به قوامهم. وهو مبالغة في القيام. وأصله قيووم- بوزن فيعول- من قام بالأمر إذا حفظه ودبره.والمعنى: الله- عز وجل- هو الإله الحق المتفرد بالألوهية التي لا يشاركه فيها سواه، وهو المعبود بحق وكل معبود سواه فهو باطل، وهو ذو الحياة الكاملة، وهو الدائم القيام بتدبير شئون الخلق وحياتهم ورعايتهم وإحيائهم وإماتتهم.والجملة الثالثة قوله- تعالى-: لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ وهي جملة سلبية مؤكدة للوصف الإيجابى السابق، فإن قيامه على كل نفس بما كسبت، وعلى تدبير شئون خلقه يقتضى ألا تعرض له غفلة، ولأن السنة والنوم من صفات الحوادث وهو- سبحانه- مخالف لها.والسنة: الفتور الذي يكون في أول النوم مع بقاء الشعور والإدراك. ويقال له غفوة.يقال: وسن الرجل يوسن وسنا وسنة فهو وسن ووسنان إذا نعس والمراد أنه- سبحانه- لا يغفل عن تدبير أمر خلقه أبدا، ولا يحجب علمه شيء حجبا قصيرا أو طويلا، ولا يدركه ما يدرك الأجسام من الفتور أو النعاس، أو النوم.وتقديم السنة على النوم يفيد المبالغة من حيث إن نفى السنة يدل على نفى النوم بالأولى، فنفيه ثانيا صريحا يفيد المبالغة لأن عطف الخاص على العام يفيد المبالغة ولأن عطف الخاص على العام يفيد التوكيد أى لا تأخذه سنة فضلا عن أن يأخذه نوم.وفي قوله: لا تَأْخُذُهُ دلالة على أن للنوم قوة قاهرة تأخذ الحيوان أخذا وتقهر الكثير من أجناس المخلوقات قهرا، ولكنه- سبحانه- وهو القاهر فوق عباده- منزه عن ذلك، ومبرأ من أن يعتريه ما يعترى الحوادث.وقوله- سبحانه- في الجملة الرابعة: لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ تقرير لانفراده بالألوهية إذ جميع الموجودات مخلوقاته، وتعليل لا تصافه بالقيومية، لأن من كانت جميع الموجودات ملكا له فهو حقيق بأن يكون قائما بتدبير أمرها.والمراد بما فيهما ما هو أعم من أجزائهما الداخلة فيهما ومن الأمور الخارجة عنهما المتمكنة فيهما من العقلاء وغيرهم. فالجملة الكريمة تفيد الملكية المطلقة لرب العالمين لكل ما في هذا الوجود من شمس وقمر وحيوان ونبات وجماد وغير ذلك من المخلوقات. وصدرت الجملة بالجار والمجرور «له» لإفادة القصر أى ملك السموات والأرض له وحده ليس لأحد سواه شيء معه.والاستفهام في قوله في الجملة الخامسة مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ للنفي والإنكار أى: لا أحد يستطيع أن يشفع عنده- سبحانه- إلا بإذنه ورضاه قال- تعالى- وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ فِي السَّماواتِ لا تُغْنِي شَفاعَتُهُمْ شَيْئاً إِلَّا مِنْ بَعْدِ أَنْ يَأْذَنَ اللَّهُ لِمَنْ يَشاءُ وَيَرْضى.والمقصود من هذه الجملة- كما يقول الآلوسى- بيان كبرياء شأنه- تعالى- وأنه لا أحد يساويه أو يدانيه بحيث يستقل أن يدفع ما يريده دفعا على وجه الشفاعة والاستكانة والخضوع فضلا عن أن يستقل بدفعه عنادا أو مناصبة وعداوة. وفي ذلك تيئيس للكفار حيث زعموا أن آلهتهم شفعاء لهم عند الله».وقوله- سبحانه- في الجملة السادسة: يَعْلَمُ ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَما خَلْفَهُمْ تأكيد لكمال سلطانه في هذا الوجود، وبيان لشمول علمه على كل شيء.والضمير في (يديهم) و (خلفهم) يعود إلى (ما) في قوله قبل ذلك لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وعبر بضمير الذكور العقلاء، تغليبا لجانبهم على جانب غير العقلاء.والعلم بما بين أيديهم وما خلفهم كناية عن إحاطة علمه- سبحانه- بماضيهم وحاضرهم ومستقبلهم، وما يعرفونه من شئونهم الدنيوية وما لا يعرفونه.وقوله- تعالى- في الجملة السابغة: وَلا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِما شاءَ معطوف على قوله يَعْلَمُ ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَما خَلْفَهُمْ لأنه مكمل لمعناه. والمراد بالعلم المعلوم.والإحاطة بالشيء معناها العلم الكامل به.أى: لا يعلمون شيئا من معلوماته- سبحانه- إلا بالقدر الذي أراد أن يعلمهم إياه على ألسنة رسله. فهو كقوله- تعالى-: عالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلى غَيْبِهِ أَحَداً، إِلَّا مَنِ ارْتَضى مِنْ رَسُولٍ.فالجملة الكريمة بيان لكمال علم الله- تعالى-، ولنقصان علم سواه، إذ أن البشر لم يعطوا من العلم إلا القليل، وهذا القليل ناقص لأنه ليس على إحاطة واستغراق لكل ما تشتمل عليه جزئيات الشيء ووجوده وجنسه وكيفيته وغرضه المقصود به وبإيجاده، إذ العلم الكامل بالشيء لا يكون إلا لله رب العالمين.ثم قال- تعالى- في الجملة الثامنة: وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ.قال الراغب: الكرسي في تعارف العامة: اسم للشيء الذي يقعد عليه، وهو في الأصل منسوب إلى الكرس أى الشيء المجتمع، ومنه الكراسة لأنها تجمع العلم.. وكل مجتمع من الشيء كرس» .وللعلماء اتجاهان مشهوران في تفسير معنى الكرسي في الجملة الكريمة. فالسلف يقولون: إن لله- تعالى- كرسيا علينا أن نؤمن بوجوده وإن كنا لا نعرف حقيقته، لأن ذلك ليس في مقدور البشر.والخلف يقولون: الكرسي في الآية كناية عن عظم السلطان، ونفوذ القدرة، وسعة العلم، وكمال الإحاطة.ولصاحب الكشاف تلخيص حسن لأقوال العلماء في ذلك، فقد قال- رحمه الله- وفي قوله: وَسِعَ كُرْسِيُّهُ أربعة أوجه:أحدها: أن كرسيه لم يضق عن السماوات والأرض لبسطته وسعته وما هو إلا تصوير لعظمته ولا كرسي ثمة ولا قعود ولا قاعد.والثاني: وسع علمه، وسمى العلم كرسيا تسمية بمكانه الذي هو كرسي العالم.والثالث: وسع ملكه تسمية بمكانه الذي هو كرسي الملك.والرابع: ما روى أنه خلق كرسيا هو بين يدي العرش دونه السماوات والأرض وهو إلى العرش كأصغر شيء. وعن الحسن الكرسي هو العرش «2» .هذا وقد روى المفسرون عن ابن عباس أنه قال «كرسيه علمه» ولعل تفسير الكرسي بالعلم كما قال حبر الأمة هو أقرب الأقوال إلى الصواب، لأنه هو المناسب لسياق الآية الكريمة.ثم ختم- سبحانه- الآية الكريمة بالصفتين التاسعة والعاشرة فقال- تعالى-: وَلا يَؤُدُهُ حِفْظُهُما وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ.يَؤُدُهُ معناه يثقله ويشق عليه. يقال آدني الأمر بمعنى أثقلنى وتحملت منه المشقة.والْعَلِيُّ هو المتعالي عن الأشياء، والأنداد، والأمثال، والأضداد وعن أمارات النقص ودلالات الحدوث. وقيل هو من العلو الذي هو بمعنى القدرة وعلو الشأن.والمعنى: ولا يثقله ولا يتعبه حفظ السموات والأرض ورعايتهما، وهو المتعالي عن الأشباه والنظائر، والمسيطر على خلقه، العظيم في ذاته وصفاته، ففي هاتين الجملتين بيان لعظيم قدرته، وعظيم رعايته لخلقه، وتنزيهه- سبحانه- عن مشابهة الحوادث.وبعد، فهذه آية الكرسي التي اشتملت على عشر جمل، كل جملة منها تشتمل على وصف أو أكثر من صفات الله الجليلة، ونعوته المجيدة، وألوهيته الحقه، وقدرته النافذة، وعلمه المحيط بكل شيء، قد أقامت الأدلة الساطعة على وحدانية الله- تعالى- ووجوب إفراده بالعبادة.وقد تكلم العلماء طويلا عن تناسق جملها، وبلاغة تراكيبها ووجوه فضلها ومن ذلك قول صاحب الكشاف: «فإن قلت: لم فضلت هذه الآية على غيرها حتى ورد في فضلها ما ورد؟قلت: لما فضلت له سورة الإخلاص من اشتمالها على توحيد الله وتعظيمه وتمجيده وصفاته العظمى ولا مذكور أعظم من رب العزة. فما كان ذكرا له كان أفضل من سائر الأذكار» .ومن الأحاديث التي ساقها الإمام ابن كثير في فضلها ما جاء عن أبى بن كعب أن النبي صلّى الله عليه وسلّم سأله: «أى آية في كتاب الله أعظم؟ قال الله ورسوله أعلم. فرددها مرارا ثم قال: آية الكرسي. فقال له الرسول صلّى الله عليه وسلّم «ليهنك العلم أبا المنذر» .وأخرج الإمام مسلم في صحيحه عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أنه قال: إن أعظم آية في القرآن هي آية الكرسي» .وروى أن عمر بن الخطاب- رضي الله عنه- خرج ذات يوم على الناس فقال: أيكم يخبرني بأعظم آية؟ فقال ابن مسعود على الخبير سقطت سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: أعظم آية في القرآن اللَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ.. الآية .وبعد أن ساق- سبحانه- في آية الكرسي الأدلة الواضحة على وحدانيته وعظمته وتنزيهه عن صفات الحوادث، عقب ذلك ببيان أن الدين الحق قد ظهر وتجلى لكل ذي عقل سليم، وأنه لا يقسر أحد على الدخول فيه فقال- تعالى-:
﴿ تفسير ابن كثير ﴾
هذه آية الكرسي ولها شأن عظيم قد صح الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بأنها أفضل آية في كتاب الله . قال الإمام أحمد : حدثنا عبد الرزاق حدثنا سفيان عن سعيد الجريري عن أبي السليل عن عبد الله بن رباح ، عن أبي هو ابن كعب أن النبي صلى الله عليه وسلم سأله : " أي آية في كتاب الله أعظم " ؟ قال : الله ورسوله أعلم . فرددها مرارا ثم قال أبي : آية الكرسي . قال : " ليهنك العلم أبا المنذر ، والذي نفسي بيده إن لها لسانا وشفتين تقدس الملك عند ساق العرش " وقد رواه مسلم عن أبي بكر بن أبي شيبة عن عبد الأعلى بن عبد الأعلى عن الجريري به ، وليس عنده زيادة : " والذي نفسي بيده . . . " إلخ .حديث آخر : عن أبي أيضا في فضل آية الكرسي ، قال الحافظ أبو يعلى الموصلي : حدثنا أحمد بن إبراهيم الدورقي حدثنا مبشر عن الأوزاعي عن يحيى بن أبي كثير عن عبدة بن أبي لبابة عن عبد الله بن أبي بن كعب : أن أباه أخبره : أنه كان له جرن فيه تمر قال : فكان أبي يتعاهده فوجده ينقص قال : فحرسه ذات ليلة فإذا هو بدابة شبيه الغلام المحتلم قال : فسلمت عليه فرد السلام . قال : فقلت : ما أنت ، جني أم إنسي ؟ قال : جني . قلت : ناولني يدك . قال : فناولني ، فإذا يد كلب وشعر كلب . فقلت : هكذا خلق الجن ؟ قال : لقد علمت الجن ما فيهم أشد مني ، قلت : فما حملك على ما صنعت ؟ قال : بلغني أنك رجل تحب الصدقة فأحببنا أن نصيب من طعامك . قال : فقال له فما الذي يجيرنا منكم ؟ قال : هذه الآية : آية الكرسي . ثم غدا إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " صدق الخبيث " .وهكذا رواه الحاكم في مستدركه من حديث أبي داود الطيالسي عن حرب بن شداد عن يحيى بن أبي كثير عن الحضرمي بن لاحق ، عن محمد بن عمرو بن أبي بن كعب عن جده به . وقال : صحيح الإسناد ولم يخرجاه .طريق أخرى : قال الإمام أحمد : حدثنا محمد بن جعفر حدثنا عثمان بن غياث قال : سمعت أبا السليل قال : كان رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يحدث الناس حتى يكثروا عليه فيصعد على سطح بيت فيحدث الناس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أي آية في القرآن أعظم ؟ " فقال رجل :( الله لا إله إلا هو ) قال : فوضع يده بين كتفي فوجدت بردها بين ثديي ، أو قال : فوضع يده بين ثديي فوجدت بردها بين كتفي وقال : " ليهنك العلم يا أبا المنذر " .حديث آخر : عن الأسفع البكري . قال الحافظ أبو القاسم الطبراني : حدثنا أبو يزيد القراطيسي حدثنا يعقوب بن أبي عباد المكي حدثنا مسلم بن خالد ، عن ابن جريج أخبرني عمر بن عطاء أن مولى ابن الأسفع رجل صدق أخبره عن الأسفع البكري : أنه سمعه يقول : إن النبي صلى الله عليه وسلم جاءهم في صفة المهاجرين فسأله إنسان : أي آية في القرآن أعظم ؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم : ( الله لا إله إلا هو الحي القيوم لا تأخذه سنة ولا نوم ) حتى انقضت الآية . .حديث آخر : عن أنس قال الإمام أحمد : حدثنا عبد الله بن الحارث حدثني سلمة بن وردان أن أنس بن مالك حدثه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سأل رجلا من صحابته فقال : " أي فلان هل تزوجت " ؟ قال : لا وليس عندي ما أتزوج به . قال : " أوليس معك : ( قل هو الله أحد ) " ؟ قال : بلى . قال : " ربع القرآن . أليس معك : ( قل ياأيها الكافرون ) " ؟ قال : بلى . قال : " ربع القرآن . أليس معك ( إذا زلزلت ) " ؟ قال : بلى . قال : " ربع القرآن . أليس معك : ( إذا جاء نصر الله [ والفتح ] ) " ؟ قال : بلى . قال : " ربع القرآن . أليس معك آية الكرسي : ( الله لا إله إلا هو ) " ؟ قال : بلى . قال : " ربع القرآن " .حديث آخر : عن أبي ذر جندب بن جنادة قال الإمام أحمد : حدثنا وكيع بن الجراح حدثنا المسعودي أنبأني أبو عمر الدمشقي عن عبيد بن الخشخاش عن أبي ذر رضي الله عنه قال : أتيت النبي صلى الله عليه وسلم وهو في المسجد فجلست . فقال : " يا أبا ذر هل صليت ؟ " قلت : لا . قال : " قم فصل " قال : فقمت فصليت ثم جلست فقال : " يا أبا ذر تعوذ بالله من شر شياطين الإنس والجن " قال : قلت : يا رسول الله أوللإنس شياطين ؟ قال : " نعم " قال : قلت : يا رسول الله الصلاة ؟ قال : " خير موضوع ، من شاء أقل ومن شاء أكثر " . قال : قلت : يا رسول الله فالصوم ؟ قال : " فرض مجزئ وعند الله مزيد " قلت : يا رسول الله فالصدقة ؟ قال : " أضعاف مضاعفة " . قلت : يا رسول الله فأيها أفضل ؟ قال : " جهد من مقل أو سر إلى فقير " قلت : يا رسول الله أي الأنبياء كان أول ؟ قال : " آدم " قلت : يا رسول الله ونبي كان ؟ قال : " نعم نبي مكلم " قال : قلت : يا رسول الله كم المرسلون ؟ قال : " ثلاثمائة وبضعة عشر جما غفيرا " وقال مرة : " وخمسة عشر " قال : قلت : يا رسول الله أيما أنزل عليك أعظم ؟ قال : " آية الكرسي : ( الله لا إله إلا هو الحي القيوم ) " ورواه النسائي .حديث آخر : عن أبي أيوب خالد بن زيد الأنصاري ، رضي الله عنه وأرضاه قال الإمام أحمد : حدثنا سفيان عن ابن أبي ليلى عن أخيه عبد الرحمن بن أبي ليلى عن أبي أيوب : أنه كان في سهوة له ، وكانت الغول تجيء فتأخذ فشكاها إلى النبي صلى الله عليه وسلم : فقال : " فإذا رأيتها فقل : باسم الله أجيبي رسول الله " . قال : فجاءت فقال لها : فأخذها فقالت : إني لا أعود . فأرسلها فجاء فقال له النبي صلى الله عليه وسلم : " ما فعل أسيرك ؟ " قال : أخذتها فقالت لي : إني لا أعود ، إني لا أعود . فأرسلتها ، فقال : " إنها عائدة " فأخذتها مرتين أو ثلاثا كل ذلك تقول : لا أعود . وأجيء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فيقول : " ما فعل أسيرك ؟ " فأقول : أخذتها فتقول : لا أعود . فيقول : " إنها عائدة " فأخذتها فقالت : أرسلني وأعلمك شيئا تقوله فلا يقربك شيء : آية الكرسي ، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره فقال : " صدقت وهي كذوب " .ورواه الترمذي في فضائل القرآن عن بندار عن أبي أحمد الزبيري به ، وقال : حسن غريب .وقد ذكر البخاري هذه القصة عن أبي هريرة فقال في كتاب " فضائل القرآن " وفي كتاب " الوكالة " وفي " صفة إبليس " من صحيحه : قال عثمان بن الهيثم أبو عمرو حدثنا عوف عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة قال : وكلني رسول الله صلى الله عليه وسلم بحفظ زكاة رمضان فأتاني آت فجعل يحثو من الطعام فأخذته وقلت : لأرفعنك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم . قال : إني محتاج وعلي عيال ولي حاجة شديدة . قال : فخليت عنه . فأصبحت فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " يا أبا هريرة ما فعل أسيرك البارحة ؟ " قال : قلت : يا رسول الله شكا حاجة شديدة وعيالا فرحمته وخليت سبيله . قال : " أما إنه قد كذبك وسيعود " فعرفت أنه سيعود لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إنه سيعود " فرصدته فجاء يحثو من الطعام فأخذته فقلت : لأرفعنك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : دعني فإني محتاج وعلي عيال لا أعود . فرحمته وخليت سبيله فأصبحت فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم : " يا أبا هريرة ما فعل أسيرك البارحة ؟ " قلت : يا رسول الله شكا حاجة وعيالا فرحمته فخليت سبيله . قال : " أما إنه قد كذبك وسيعود " فرصدته الثالثة فجاء يحثو من الطعام فأخذته فقلت : لأرفعنك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم . وهذا آخر ثلاث مرات أنك تزعم أنك لا تعود ثم تعود . فقال : دعني أعلمك كلمات ينفعك الله بها . قلت : ما هن . قال : إذا أويت إلى فراشك فاقرأ آية الكرسي : ( الله لا إله إلا هو الحي القيوم ) حتى تختم الآية فإنك لن يزال عليك من الله حافظ ولا يقربك شيطان حتى تصبح . فخليت سبيله فأصبحت فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ما فعل أسيرك البارحة ؟ " قلت : يا رسول الله زعم أنه يعلمني كلمات ينفعني الله بها فخليت سبيله . قال : " ما هي ؟ " قال : قال لي : إذا أويت إلى فراشك فاقرأ آية الكرسي من أولها حتى تختم الآية : ( الله لا إله إلا هو الحي القيوم ) وقال لي : لن يزال عليك من الله حافظ ولا يقربك شيطان حتى تصبح . وكانوا أحرص شيء على الخير ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " أما إنه صدقك وهو كذوب . تعلم من تخاطب مذ ثلاث ليال يا أبا هريرة ؟ " قلت : لا قال : " ذاك شيطان " .كذا رواه البخاري معلقا بصيغة الجزم وقد رواه النسائي في " اليوم والليلة " عن إبراهيم بن يعقوب عن عثمان بن الهيثم فذكره وقد روي من وجه آخر عن أبي هريرة بسياق آخر قريب من هذا فقال الحافظ أبو بكر بن مردويه في تفسيره :حدثنا محمد بن عبد الله بن عمرويه الصفار ، حدثنا أحمد بن زهير بن حرب أخبرنا مسلم بن إبراهيم أخبرنا إسماعيل بن مسلم العبدي أخبرنا أبو المتوكل الناجي : أن أبا هريرة كان معه مفتاح بيت الصدقة وكان فيه تمر فذهب يوما ففتح الباب فوجد التمر قد أخذ منه ملء كف ودخل يوما آخر فإذا قد أخذ منه ملء كف ثم دخل يوما آخر ثالثا فإذا قد أخذ منه مثل ذلك . فشكا ذلك أبو هريرة إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال له النبي صلى الله عليه وسلم : " تحب أن تأخذ صاحبك هذا ؟ " قال : نعم . قال : " فإذا فتحت الباب فقل : سبحان من سخرك لمحمد " فذهب ففتح الباب فقال : سبحان من سخرك لمحمد . فإذا هو قائم بين يديه قال : يا عدو الله أنت صاحب هذا ؟ قال : نعم دعني فإني لا أعود ما كنت آخذا إلا لأهل بيت من الجن فقراء ، فخلى عنه ثم عاد الثانية ثم عاد الثالثة . فقلت : أليس قد عاهدتني ألا تعود ؟ لا أدعك اليوم حتى أذهب بك إلى النبي صلى الله عليه وسلم قال : لا تفعل ، فإنك إن تدعني علمتك كلمات إذا أنت قلتها لم يقربك أحد من الجن صغير ولا كبير ذكر ولا أنثى قال له : لتفعلن ؟ قال : نعم . قال : ما هن ؟ قال : ( الله لا إله إلا هو الحي القيوم ) قرأ آية الكرسي حتى ختمها فتركه فذهب فأبعد فذكر ذلك أبو هريرة للنبي صلى الله عليه وسلم فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أما علمت أن ذلك كذلك ؟ " .وقد رواه النسائي عن أحمد بن محمد بن عبيد الله عن شعيب بن حرب عن إسماعيل بن مسلم عن أبي المتوكل عن أبي هريرة به ، وقد تقدم لأبي بن كعب كائنة مثل هذه أيضا فهذه ثلاث وقائع .قصة أخرى : قال أبو عبيد في كتاب " الغريب " : حدثنا أبو معاوية عن أبي عاصم الثقفي عن الشعبي عن عبد الله بن مسعود قال : خرج رجل من الإنس فلقيه رجل من الجن فقال : هل لك أن تصارعني ؟ فإن صرعتني علمتك آية إذا قرأتها حين تدخل بيتك لم يدخل شيطان ؟ فصارعه فصرعه فقال : إني أراك ضئيلا شخيتا كأن ذراعيك ذراعا كلب ، أفهكذا أنتم أيها الجن كلكم أم أنت من بينهم ؟ فقال : إني بينهم لضليع فعاودني ، فصارعه فصرعه الإنسي . فقال : تقرأ آية الكرسي فإنه لا يقرؤها أحد إذا دخل بيته إلا خرج الشيطان وله خبج كخبج الحمار .فقيل لابن مسعود : أهو عمر ؟ فقال : من عسى أن يكون إلا عمر .قال أبو عبيد : الضئيل : النحيف الجسم ، والخبج بالخاء المعجمة ويقال : بالحاء المهملة : الضراط .حديث آخر عن أبي هريرة : قال الحاكم أبو عبد الله في مستدركه : حدثنا علي بن حمشاذ ، حدثنا بشر بن موسى ، حدثنا الحميدي ، حدثنا سفيان ، حدثني حكيم بن جبير الأسدي ، عن أبي صالح ، عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " سورة البقرة فيها آية سيدة آي القرآن لا تقرأ في بيت فيه شيطان إلا خرج منه ! آية الكرسي " .وكذا رواه من طريق أخرى عن زائدة عن حكيم بن جبير ثم قال : صحيح الإسناد ولم يخرجاه . كذا قال ، وقد رواه الترمذي من حديث زائدة [ به ] ولفظه : " لكل شيء سنام ، وسنام القرآن سورة البقرة ، وفيها آية هي سيدة آي القرآن : آية الكرسي " . ثم قال : غريب لا نعرفه إلا من حديث حكيم بن جبير ، وقد تكلم فيه شعبة وضعفه .قلت : وكذا ضعفه أحمد ويحيى بن معين وغير واحد من الأئمة وتركه ابن مهدي وكذبه السعدي .حديث آخر : قال ابن مردويه : حدثنا عبد الباقي بن نافع ، أخبرنا عيسى بن محمد المروزي ، أخبرنا عمر بن محمد البخاري ، أخبرنا أبي ، أخبرنا عيسى بن موسى غنجار ، عن عبد الله بن كيسان ، أخبرنا يحيى بن عقيل ، عن يحيى بن يعمر ، عن ابن عمر ، عن عمر بن الخطاب : أنه خرج ذات يوم إلى الناس وهم سماطات فقال : أيكم يخبرني بأعظم آية في القرآن ؟ فقال ابن مسعود : على الخبير سقطت ، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " أعظم آية في القرآن : ( الله لا إله إلا هو الحي القيوم ) .حديث آخر في اشتماله على اسم الله الأعظم : قال الإمام أحمد : حدثنا محمد بن بكر ، أخبرنا عبيد الله بن أبي زياد ، حدثنا شهر بن حوشب عن أسماء بنت يزيد بن السكن قالت : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في هاتين الآيتين ( الله لا إله إلا هو الحي القيوم ) و ( الم الله لا إله إلا هو الحي القيوم ) [ آل عمران : 1 ، 2 ] " إن فيهما اسم الله الأعظم " .وكذا رواه أبو داود عن مسدد ، والترمذي عن علي بن خشرم ، وابن ماجه عن أبي بكر بن أبي شيبة ، ثلاثتهم عن عيسى بن يونس عن عبيد الله بن أبي زياد به ، وقال الترمذي : حسن صحيح .حديث آخر في معنى هذا عن أبي أمامة رضي الله عنه : قال ابن مردويه : أخبرنا عبد الرحمن بن نمير ، أخبرنا إسحاق بن إبراهيم بن إسماعيل ، أخبرنا هشام بن عمار ، أخبرنا الوليد بن مسلم ، أخبرنا عبد الله بن العلاء بن زيد : أنه سمع القاسم بن عبد الرحمن يحدث عن أبي أمامة يرفعه قال : " اسم الله الأعظم الذي إذا دعي به أجاب في ثلاث : سورة البقرة وآل عمران وطه " وقال هشام وهو ابن عمار خطيب دمشق : أما البقرة ف ( الله لا إله إلا هو الحي القيوم ) وفي آل عمران : ( الم الله لا إله إلا هو الحي القيوم ) وفي طه : ( وعنت الوجوه للحي القيوم ) [ طه : 111 ] .حديث آخر عن أبي أمامة في فضل قراءتها بعد الصلاة المكتوبة : قال أبو بكر بن مردويه : حدثنا محمد بن محرز بن مساور الأدمي ، أخبرنا جعفر بن محمد بن الحسن ، أخبرنا الحسين بن بشر بطرسوس ، أخبرنا محمد بن حمير ، أخبرنا محمد بن زياد ، عن أبي أمامة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من قرأ دبر كل صلاة مكتوبة آية الكرسي لم يمنعه من دخول الجنة إلا أن يموت " .وهكذا رواه النسائي في " اليوم والليلة " عن الحسين بن بشر به ، وأخرجه ابن حبان في صحيحه من حديث محمد بن حمير وهو الحمصي من رجال البخاري أيضا ، فهو إسناد على شرط البخاري ، وقد زعم أبو الفرج بن الجوزي أنه حديث موضوع فالله أعلم . وقد روى ابن مردويه من حديث علي والمغيرة بن شعبة وجابر بن عبد الله نحو هذا الحديث . ولكن في إسناد كل منها ضعف .وقال ابن مردويه أيضا : حدثنا محمد بن الحسن بن زياد المقري ، أخبرنا يحيى بن درستويه المروزي ، أخبرنا زياد بن إبراهيم ، أخبرنا أبو حمزة السكري ، عن المثنى ، عن قتادة ، عن الحسن ، عن أبي موسى الأشعري ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " أوحى الله إلى موسى بن عمران عليه السلام أن اقرأ آية الكرسي في دبر كل صلاة مكتوبة ؛ فإنه من يقرأها في دبر كل صلاة مكتوبة أجعل له قلب الشاكرين ولسان الذاكرين وثواب المنيبين وأعمال الصديقين ، ولا يواظب على ذلك إلا نبي أو صديق أو عبد امتحنت قلبه للإيمان أو أريد قتله في سبيل الله " وهذا حديث منكر جدا .حديث آخر في أنها تحفظ من قرأها أول النهار وأول الليل : قال أبو عيسى الترمذي : حدثنا يحيى بن المغيرة أبو سلمة المخزومي المديني ، أخبرنا ابن أبي فديك ، عن عبد الرحمن المليكي ، عن زرارة بن مصعب ، عن أبي سلمة عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من قرأ : ( حم ) المؤمن إلى : ( إليه المصير ) وآية الكرسي حين يصبح حفظ بهما حتى يمسي ، ومن قرأهما حين يمسي حفظ بهما حتى يصبح " ثم قال : هذا حديث غريب ، وقد تكلم بعض أهل العلم في عبد الرحمن بن أبي بكر بن أبي مليكة المليكي من قبل حفظه .وقد ورد في فضيلتها أحاديث أخر تركناها اختصارا لعدم صحتها وضعف أسانيدها كحديث على قراءتها عند الحجامة : أنها تقوم مقام حجامتين ، وحديث أبي هريرة في كتابتها في اليد اليسرى بالزعفران سبع مرات وتلحس للحفظ وعدم النسيان ، أوردهما ابن مردويه وغير ذلك . وهذه الآية مشتملة على عشر جمل مستقلة .فقوله : ( الله لا إله إلا هو ) إخبار بأنه المتفرد بالإلهية لجميع الخلائق ) الحي القيوم ) أي : الحي في نفسه الذي لا يموت أبدا القيم لغيره ، وكان عمر يقرأ : " القيام " فجميع الموجودات مفتقرة إليه وهو غني عنها ، ولا قوام لها بدون أمره كقوله : ( ومن آياته أن تقوم السماء والأرض بأمره ) [ الروم : 25 ] وقوله : ( لا تأخذه سنة ولا نوم ) أي : لا يعتريه نقص ولا غفلة ولا ذهول عن خلقه بل هو قائم على كل نفس بما كسبت شهيد على كل شيء لا يغيب عنه شيء ولا يخفى عليه خافية ، ومن تمام القيومية أنه لا يعتريه سنة ولا نوم ، فقوله : ( لا تأخذه ) أي : لا تغلبه سنة وهي الوسن والنعاس ولهذا قال : ( ولا نوم ) لأنه أقوى من السنة . وفي الصحيح عن أبي موسى قال : قام فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم بأربع كلمات فقال : " إن الله لا ينام ولا ينبغي له أن ينام ، يخفض القسط ويرفعه ، يرفع إليه عمل النهار قبل عمل الليل ، وعمل الليل قبل عمل النهار ، حجابه النور أو النار لو كشفه لأحرقت سبحات وجهه ما انتهى إليه بصره من خلقه " .وقال عبد الرزاق : أخبرنا معمر ، أخبرني الحكم بن أبان ، عن عكرمة مولى ابن عباس في قوله : ( لا تأخذه سنة ولا نوم ) أن موسى عليه السلام سأل الملائكة هل ينام الله عز وجل ؟ فأوحى الله إلى الملائكة وأمرهم أن يؤرقوه ثلاثا فلا يتركوه ينام ففعلوا ثم أعطوه قارورتين فأمسكهما ثم تركوه وحذروه أن يكسرهما . قال : فجعل ينعس وهما في يده في كل يد واحدة قال : فجعل ينعس وينبه وينعس وينبه حتى نعس نعسة فضرب إحداهما بالأخرى فكسرهما . قال معمر : إنما هو مثل ضربه الله عز وجل يقول : فكذلك السماوات والأرض في يديه .وهكذا رواه ابن جرير عن الحسن بن يحيى عن عبد الرزاق فذكره ، وهو من أخبار بني إسرائيل ، وهو مما يعلم أن موسى عليه السلام لا يخفى عليه مثل هذا من أمر الله عز وجل وأنه منزه عنه .وأغرب من هذا كله الحديث الذي رواه ابن جرير :حدثنا إسحاق بن أبي إسرائيل ، حدثنا هشام بن يوسف ، عن أمية بن شبل ، عن الحكم بن أبان ، عن عكرمة ، عن أبي هريرة قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يحكي عن موسى عليه السلام على المنبر ، قال : " وقع في نفس موسى : هل ينام الله ؟ فأرسل الله إليه ملكا فأرقه ثلاثا ثم أعطاه قارورتين في كل يد قارورة وأمره أن يحتفظ بهما " . قال : " فجعل ينام تكاد يداه تلتقيان فيستيقظ فيحبس إحداهما على الأخرى ، حتى نام نومة فاصطفقت يداه فانكسرت القارورتان " قال : " ضرب الله له مثلا عز وجل : أن الله لو كان ينام لم تستمسك السماء والأرض " .وهذا حديث غريب جدا والأظهر أنه إسرائيلي لا مرفوع ، والله أعلم .وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أحمد بن القاسم بن عطية ، حدثنا أحمد بن عبد الرحمن الدشتكي ، حدثني أبي ، عن أبيه ، حدثنا أشعث بن إسحاق ، عن جعفر بن أبي المغيرة ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس : أن بني إسرائيل قالوا : يا موسى هل ينام ربك ؟ قال : اتقوا الله . فناداه ربه عز وجل : يا موسى سألوك : هل ينام ربك فخذ زجاجتين في يديك فقم الليلة ففعل موسى فلما ذهب من الليل ثلث نعس فوقع لركبتيه ، ثم انتعش فضبطهما حتى إذا كان آخر الليل نعس فسقطت الزجاجتان فانكسرتا . فقال : يا موسى ، لو كنت أنام لسقطت السماوات والأرض فهلكن كما هلكت الزجاجتان في يديك . وأنزل الله على نبيه صلى الله عليه وسلم آية الكرسي .وقوله : ( له ما في السماوات وما في الأرض ) إخبار بأن الجميع عبيده وفي ملكه وتحت قهره وسلطانه كقوله :( إن كل من في السماوات والأرض إلا آتي الرحمن عبدا لقد أحصاهم وعدهم عدا وكلهم آتيه يوم القيامة فردا ) [ مريم : 9395 ] .وقوله : ( من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه ) كقوله : ( وكم من ملك في السماوات لا تغني شفاعتهم شيئا إلا من بعد أن يأذن الله لمن يشاء ويرضى ) [ النجم : 26 ] وكقوله : ( ولا يشفعون إلا لمن ارتضى ) [ الأنبياء : 28 ] وهذا من عظمته وجلاله وكبريائه عز وجل أنه لا يتجاسر أحد على أن يشفع عنده إلا بإذنه له في الشفاعة كما في حديث الشفاعة : " آتي تحت العرش فأخر ساجدا فيدعني ما شاء الله أن يدعني ثم يقال : ارفع رأسك ، وقل تسمع ، واشفع تشفع " قال : " فيحد لي حدا فأدخلهم الجنة " .وقوله : ( يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم ) دليل على إحاطة علمه بجميع الكائنات : ماضيها وحاضرها ومستقبلها كقوله إخبارا عن الملائكة : ( وما نتنزل إلا بأمر ربك له ما بين أيدينا وما خلفنا وما بين ذلك وما كان ربك نسيا ) [ مريم : 64 ] .وقوله : ( ولا يحيطون بشيء من علمه إلا بما شاء ) أي : لا يطلع أحد من علم الله على شيء إلا بما أعلمه الله عز وجل وأطلعه عليه . ويحتمل أن يكون المراد لا يطلعون على شيء من علم ذاته وصفاته إلا بما أطلعهم الله عليه كقوله : ( ولا يحيطون به علما ) [ طه : 110 ] .وقوله : ( وسع كرسيه السماوات والأرض ) قال ابن أبي حاتم : حدثنا أبو سعيد الأشج ، حدثنا ابن إدريس ، عن مطرف بن طريف ، عن جعفر بن أبي المغيرة ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس في قوله : ( وسع كرسيه ) قال : علمه ، وكذا رواه ابن جرير من حديث عبد الله بن إدريس وهشيم كلاهما عن مطرف بن طريف به .قال ابن أبي حاتم : وروي عن سعيد بن جبير مثله . ثم قال ابن جرير : وقال آخرون : الكرسي موضع القدمين . ثم رواه عن أبي موسى والسدي والضحاك ومسلم البطين .وقال شجاع بن مخلد في تفسيره : أخبرنا أبو عاصم عن سفيان عن عمار الدهني عن مسلم البطين عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال : سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن قول الله : ( وسع كرسيه السماوات والأرض ) قال : " كرسيه موضع قدميه ، والعرش لا يقدر قدره إلا الله عز وجل " .كذا أورد هذا الحديث الحافظ أبو بكر بن مردويه من طريق شجاع بن مخلد الفلاس ، فذكره وهو غلط ، وقد رواه وكيع في تفسيره : حدثنا سفيان عن عمار الدهني عن مسلم البطين عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال : الكرسي موضع القدمين ، والعرش لا يقدر أحد قدره . وقد رواه الحاكم في مستدركه عن أبي العباس محمد بن أحمد المحبوبي عن محمد بن معاذ عن أبي عاصم عن سفيان وهو الثوري بإسناده عن ابن عباس موقوفا مثله وقال : صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه ، وقد رواه ابن مردويه من طريق الحاكم بن ظهير الفزاري الكوفي وهو متروك عن السدي عن أبيه عن أبي هريرة مرفوعا ولا يصح أيضا .وقال السدي عن أبي مالك : الكرسي تحت العرش . وقال السدي : السماوات والأرض في جوف الكرسي ، والكرسي بين يدي العرش . وقال الضحاك عن ابن عباس : لو أن السماوات السبع والأرضين السبع بسطن ثم وصلن بعضهن إلى بعض ما كن في سعة الكرسي إلا بمنزلة الحلقة في المفازة .ورواه ابن جرير وابن أبي حاتم .وقال ابن جرير : حدثني يونس أخبرني ابن وهب قال : قال ابن زيد : حدثني أبي قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ما السماوات السبع في الكرسي إلا كدراهم سبعة ألقيت في ترس " . قال : وقال أبو ذر : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " ما الكرسي في العرش إلا كحلقة من حديد ألقيت بين ظهري فلاة من الأرض " .وقال أبو بكر بن مردويه : أخبرنا سليمان بن أحمد أخبرنا عبد الله بن وهيب الغزي أخبرنا محمد بن أبي السري العسقلاني أخبرنا محمد بن عبد الله التميمي عن القاسم بن محمد الثقفي عن أبي إدريس الخولاني عن أبي ذر الغفاري ، أنه سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن الكرسي فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " والذي نفسي بيده ما السماوات السبع والأرضون السبع عند الكرسي إلا كحلقة ملقاة بأرض فلاة ، وإن فضل العرش على الكرسي كفضل الفلاة على تلك الحلقة " .وقال الحافظ أبو يعلى الموصلي في مسنده : حدثنا زهير حدثنا ابن أبي بكير حدثنا إسرائيل عن أبي إسحاق عن عبد الله بن خليفة عن عمر ، رضي الله عنه قال : أتت امرأة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت : ادع الله أن يدخلني الجنة . قال : فعظم الرب تبارك وتعالى وقال : " إن كرسيه وسع السماوات والأرض ، وإن له أطيطا كأطيط الرحل الجديد من ثقله " .وقد رواه الحافظ البزار في مسنده المشهور ، وعبد بن حميد وابن جرير في تفسيريهما ، والطبراني وابن أبي عاصم في كتابي السنة لهما ، والحافظ الضياء في كتاب " المختار " من حديث أبي إسحاق السبيعي عن عبد الله بن خليفة وليس بذاك المشهور وفي سماعه من عمر نظر ، ثم منهم من يرويه عنه عن عمر موقوفا ، ومنهم من يرويه عنه مرسلا ، ومنهم من يزيد في متنه زيادة غريبة ، ومنهم من يحذفها .وأغرب من هذا حديث جبير بن مطعم في صفة العرش كما رواه أبو داود في كتابه السنة من سننه ، والله أعلم .وقد روى ابن مردويه وغيره أحاديث عن بريدة وجابر وغيرهما في وضع الكرسي يوم القيامة لفصل القضاء ، والظاهر أن ذلك غير المذكور في هذه الآية .وقد زعم بعض المتكلمين على علم الهيئة من الإسلاميين : أن الكرسي عندهم هو الفلك الثامن وهو فلك الثوابت الذي فوقه الفلك التاسع وهو الفلك الأثير ويقال له : الأطلس . وقد رد ذلك عليهم آخرون .وروى ابن جرير من طريق جويبر عن الحسن البصري أنه كان يقول : الكرسي هو العرش . والصحيح أن الكرسي غير العرش ، والعرش أكبر منه ، كما دلت على ذلك الآثار والأخبار ، وقد اعتمد ابن جرير على حديث عبد الله بن خليفة ، عن عمر في ذلك ، وعندي في صحته نظر ، والله أعلم .وقوله : ( ولا يئوده حفظهما ) أي : لا يثقله ولا يكرثه حفظ السماوات والأرض ومن فيهما ومن بينهما ، بل ذلك سهل عليه يسير لديه وهو القائم على كل نفس بما كسبت ، الرقيب على جميع الأشياء ، فلا يعزب عنه شيء ولا يغيب عنه شيء والأشياء كلها حقيرة بين يديه متواضعة ذليلة صغيرة بالنسبة إليه ، محتاجة فقيرة وهو الغني الحميد الفعال لما يريد ، الذي لا يسأل عما يفعل وهم يسألون . وهو القاهر لكل شيء الحسيب على كل شيء الرقيب العلي العظيم لا إله غيره ولا رب سواه . فقوله : ( وهو العلي العظيم ) كقوله : ( وهو [ العلي الكبير ) وكقوله ] : ( الكبير المتعال ) [ الرعد : 9 ] .وهذه الآيات وما في معناها من الأحاديث الصحاح الأجود فيها طريقة السلف الصالح إمرارها كما جاءت من غير تكييف ولا تشبيه .
﴿ تفسير القرطبي ﴾
قوله تعالى : الله لا إله إلا هو الحي القيوم لا تأخذه سنة ولا نوم له ما في السماوات وما في الأرض من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم ولا يحيطون بشيء من علمه إلا بما شاء وسع كرسيه السماوات والأرض ولا يؤوده حفظهما وهو العلي العظيمقوله تعالى : الله لا إله إلا هو الحي القيوم هذه آية الكرسي سيدة آي القرآن وأعظم آية ، كما تقدم بيانه في الفاتحة ، ونزلت ليلا ودعا النبي صلى الله عليه وسلم زيدا فكتبها . روي عن محمد ابن الحنفية أنه قال : لما نزلت آية الكرسي خر كل صنم في الدنيا ، وكذلك خر كل ملك في الدنيا وسقطت التيجان عن رءوسهم ، وهربت الشياطين يضرب بعضهم على بعض إلى أن أتوا إبليس فأخبروه بذلك فأمرهم أن يبحثوا عن ذلك ، فجاءوا إلى المدينة فبلغهم أن آية الكرسي قد نزلت . وروى الأئمة عن أبي بن كعب قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : يا أبا المنذر أتدري أي آية من كتاب الله معك أعظم ؟ قال قلت : الله ورسوله أعلم ، قال : يا أبا المنذر أتدري أي آية من كتاب الله معك أعظم ؟ قال قلت : الله لا إله إلا هو الحي القيوم فضرب في صدري وقال : ليهنك العلم يا أبا المنذر . زاد الترمذي الحكيم أبو عبد الله : فوالذي نفسي بيده إن لهذه الآية للسانا وشفتين تقدس الملك عند ساق العرش . قال أبو عبد الله : فهذه آية أنزلها الله جل ذكره ، وجعل ثوابها لقارئها عاجلا وآجلا ، فأما في العاجل فهي حارسة لمن قرأها من الآفات ، وروي لنا عن نوف البكالي أنه قال : آية الكرسي تدعى في التوراة ولية الله . يريد يدعى قارئها في ملكوت السماوات والأرض عزيزا ، قال : فكان عبد الرحمن بن عوف إذا دخل بيته قرأ آية الكرسي في زوايا بيته الأربع ، معناه كأنه يلتمس بذلك أن تكون له حارسا من جوانبه الأربع ، وأن تنفي عنه الشيطان من زوايا بيته . وروي عن عمر أنه صارع جنيا فصرعه عمر رضي الله عنه ، فقال له الجني : خل عني حتى أعلمك ما تمتنعون به منا ، فخلى عنه وسأله فقال : إنكم تمتنعون منا بآية الكرسي .قلت : هذا صحيح ، وفي الخبر : من قرأ الكرسي دبر كل صلاة كان الذي يتولى قبض روحه ذو الجلال والإكرام ، وكان كمن قاتل مع أنبياء الله حتى يستشهد . وعن علي رضي الله عنه قال : سمعت نبيكم صلى الله عليه وسلم يقول وهو على أعواد المنبر : من قرأ آية الكرسي دبر كل صلاة لم يمنعه من دخول الجنة إلا الموت ولا يواظب عليها إلا صديق أو عابد ، ومن قرأها إذا أخذ مضجعه آمنه الله على نفسه وجاره وجار جاره والأبيات حوله . وفي البخاري عن أبي هريرة قال : وكلني رسول الله صلى الله عليه وسلم بحفظ زكاة رمضان ، وذكر قصة وفيها : فقلت يا رسول الله ، زعم أنه يعلمني كلمات ينفعني الله بها فخليت سبيله ، قال : ( ما هي ) ؟ قلت قال لي : إذا آويت إلى فراشك فاقرأ آية الكرسي من أولها حتى تختم الله لا إله إلا هو الحي القيوم . وقال لي : لن يزال عليك من الله حافظ ولا يقربك شيطان حتى تصبح ، وكانوا أحرص شيء على الخير . فقال النبي صلى الله عليه وسلم : ( أما إنه قد صدقك وهو كذوب تعلم من تخاطب منذ ثلاث ليال يا أبا هريرة ) ؟ قال : لا ، قال : ( ذاك شيطان ) . وفي مسند الدارمي أبي محمد قال الشعبي قال عبد الله بن مسعود : لقي رجل من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم رجلا من الجن فصارعه فصرعه الإنسي ، فقال له الإنسي : إني لأراك ضئيلا شخيتا كأن ذريعتيك ذريعتا كلب فكذلك أنتم معشر الجن ، أم أنت من بينهم كذلك ؟ قال : لا والله إني منهم لضليع ولكن عاودني الثانية فإن صرعتني علمتك شيئا ينفعك ، قال نعم ، فصرعه ، قال : تقرأ آية الكرسي : الله لا إله إلا هو الحي القيوم ؟ قال : نعم ، قال : فإنك لا تقرأها في بيت إلا خرج منه الشيطان له خبج كخبج الحمار ثم لا يدخله حتى يصبح . أخرجه أبو نعيم عن أبي عاصم الثقفي عن الشعبي . وذكره أبو عبيدة في غريب حديث عمر حدثناه أبو معاوية عن أبي عاصم الثقفي عن الشعبي عن عبد الله قال : فقيل لعبد الله : أهو عمر ؟ فقال : ما عسى أن يكون إلا عمر . قال أبو محمد الدارمي : الضئيل : الدقيق ، والشخيت : المهزول ، والضليع : جيد الأضلاع ، والخبج : الريح . وقال أبو عبيدة : الخبج : الضراط ، وهو الحبج أيضا بالحاء . وفي الترمذي عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : من قرأ حم - المؤمن - إلى إليه المصير وآية الكرسي حين يصبح حفظ بهما حتى يمسي ، ومن قرأهما حين يمسي حفظ بهما حتى يصبح قال : حديث غريب . وقال أبو عبد الله الترمذي الحكيم : وروي أن المؤمنين ندبوا إلى المحافظة على قراءتها دبر كل صلاة . عن أنس رفع الحديث إلى النبي صلى الله عليه وسلم قال : أوحى الله إلى موسى عليه السلام من داوم على قراءة آية الكرسي دبر كل صلاة أعطيته فوق ما أعطي الشاكرين وأجر النبيين وأعمال الصديقين وبسطت عليه يميني بالرحمة ولم يمنعه أن أدخله الجنة إلا أن يأتيه ملك الموت ) قال موسى عليه السلام : يا رب من سمع بهذا لا يداوم عليه ؟ قال : ( إني لا أعطيه من عبادي إلا لنبي أو صديق أو رجل أحبه أو رجل أريد قتله في سبيلي . وعن أبي بن كعب قال : قال الله تعالى : ( يا موسى من قرأ آية الكرسي في دبر كل صلاة أعطيته ثواب الأنبياء ) قال أبو عبد الله : معناه عندي أعطيته ثواب عمل الأنبياء ، فأما ثواب النبوة فليس لأحد إلا للأنبياء . وهذه الآية تضمنت التوحيد والصفات العلا ، وهي خمسون كلمة ، وفي كل كلمة خمسون بركة ، وهي تعدل ثلث القرآن ، ورد بذلك الحديث ، ذكره ابن عطية . و ( الله ) مبتدأ ، و ( لا إله ) مبتدأ ثان وخبره محذوف تقديره معبود أو موجود . و ( إلا هو ) بدل من موضع لا إله . وقيل : الله لا إله إلا هو ابتداء وخبر ، وهو مرفوع محمول على المعنى ، أي ما إله إلا هو ، ويجوز في غير القرآن لا إله إلا إياه ، نصب على الاستثناء . قال أبو ذر في حديثه الطويل : سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم أي آية أنزل الله عليك من القرآن أعظم ؟ فقال : الله لا إله إلا هو الحي القيوم . وقال ابن عباس : أشرف آية في القرآن آية الكرسي . قال بعض العلماء : لأنه يكرر فيها اسم الله تعالى بين مضمر وظاهر ثماني عشرة مرة .( الحي القيوم ) نعت لله عز وجل ، وإن شئت كان بدلا من هو ، وإن شئت كان خبرا بعد خبر ، وإن شئت على إضمار مبتدإ . ويجوز في غير القرآن النصب على المدح . و ( الحي ) اسم من أسمائه الحسنى يسمى به ، ويقال : إنه اسم الله تعالى الأعظم . ويقال : إن عيسى ابن مريم عليه السلام كان إذا أراد أن يحيي الموتى يدعو بهذا الدعاء : يا حي يا قيوم . ويقال : إن آصف بن برخيا لما أراد أن يأتي بعرش بلقيس إلى سليمان دعا بقوله يا حي يا قيوم . ويقال : إن بني إسرائيل سألوا موسى عن اسم الله الأعظم فقال لهم : أيا هيا شرا هيا ، يعني يا حي يا قيوم . ويقال : هو دعاء أهل البحر إذا خافوا الغرق يدعون به . قال الطبري عن قوم : إنه يقال حي قيوم كما وصف نفسه ، ويسلم ذلك دون أن ينظر فيه . وقيل : سمى نفسه حيا لصرفه الأمور مصاريفها وتقديره الأشياء مقاديرها . وقال قتادة : الحي الذي لا يموت . وقال السدي : المراد بالحي الباقي . قال لبيد :فإما تريني اليوم أصبحت سالما فلست بأحيا من كلاب وجعفروقد قيل : إن هذا الاسم هو اسم الله الأعظم . القيوم من قام ، أي القائم بتدبير ما خلق ، عن قتادة . وقال الحسن : معناه القائم على كل نفس بما كسبت حتى يجازيها بعملها ، من حيث هو عالم بها لا يخفى عليه شيء منها . وقال ابن عباس : معناه الذي لا يحول ولا يزول ، قال أمية بن أبي الصلت :لم تخلق السماء والنجوم والشمس معها قمر يقومقدره مهيمن قيوم والحشر والجنة والنعيمإلا لأمر شأنه عظيمقال البيهقي : ورأيت في " عيون التفسير " لإسماعيل الضرير في تفسير " القيوم " قال : ويقال هو الذي لا ينام ، وكأنه أخذه من قوله عز وجل عقيبه في آية الكرسي : لا تأخذه سنة ولا نوم . وقال الكلبي : القيوم الذي لا بديء له ، ذكره أبو بكر الأنباري . وأصل قيوم قيووم اجتمعت الواو والياء وسبقت إحداهما بالسكون فأدغمت الأولى في الثانية بعد قلب الواو ياء ، ولا يكون قيوم فعولا ؛ لأنه من الواو فكان يكون قووما . وقرأ ابن مسعود وعلقمة والأعمش والنخعي " الحي القيام " بالألف ، وروي ذلك عن عمر . ولا خلاف بين أهل اللغة في أن القيوم أعرف عند العرب وأصح بناء وأثبت علة . و " القيام " منقول عن القوام إلى القيام ، صرف عن الفعال إلى الفيعال ، كما قيل للصواغ الصياغ ، قال الشاعر :إن ذا العرش للذي يرزق النا س وحي عليهم قيومثم نفى عز وجل أن تأخذه سنة ولا نوم . والسنة : النعاس في قول الجميع . والنعاس ما كان من العين فإذا صار في القلب صار نوما ، قال عدي بن الرقاع يصف امرأة بفتور النظر :وسنان أقصده النعاس فرنقت في عينه سنة وليس بنائموفرق المفضل بينهما فقال : السنة من الرأس ، والنعاس في العين ، والنوم في القلب . وقال ابن زيد : الوسنان الذي يقوم من النوم وهو لا يعقل ، حتى ربما جرد السيف على أهله . قال ابن عطية : وهذا الذي قاله ابن زيد فيه نظر ، وليس ذلك بمفهوم من كلام العرب . وقال السدي : السنة : ريح النوم الذي يأخذ في الوجه فينعس الإنسان .قلت : وبالجملة فهو فتور يعتري الإنسان ولا يفقد معه عقله . والمراد بهذه الآية أن الله تعالى لا يدركه خلل ولا يلحقه ملل بحال من الأحوال . والأصل في " سنة " وسنة حذفت الواو كما حذفت من يسن . والنوم هو المستثقل الذي يزول معه الذهن في حق البشر . والواو للعطف و ( لا ) توكيد .قلت : والناس يذكرون في هذا الباب عن أبي هريرة قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يحكي عن موسى على المنبر قال : ( وقع في نفس موسى هل ينام الله جل ثناؤه فأرسل الله إليه ملكا فأرقه ثلاثا ثم أعطاه قارورتين في كل يد قارورة وأمره أن يحتفظ بهما قال فجعل ينام وتكاد يداه تلتقيان ثم يستيقظ فينحي أحديهما عن الأخرى حتى نام نومة فاصطفقت يداه فانكسرت القارورتان - قال - ضرب الله له مثلا أن لو كان ينام لم تتمسك السماء والأرض ) ولا يصح هذا الحديث ، ضعفه غير واحد منهم البيهقي .قوله تعالى : له ما في السماوات وما في الأرض أي بالملك فهو مالك الجميع وربه وجاءت العبارة ب " ما " وإن كان في الجملة من يعقل من حيث المراد الجملة والموجود . قال الطبري : نزلت هذه الآية لما قال الكفار : ما نعبد أوثانا إلا ليقربونا إلى الله زلفى .قوله تعالى : من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه " من " رفع بالابتداء و " ذا " خبره ، و " الذي " نعت ل " ذا " ، وإن شئت بدل ، ولا يجوز أن تكون " ذا " زائدة كما زيدت مع " ما " لأن " ما " مبهمة فزيدت " ذا " معها لشبهها بها . وتقرر في هذه الآية أن الله يأذن لمن يشاء في الشفاعة ، وهم الأنبياء والعلماء والمجاهدون والملائكة وغيرهم ممن أكرمهم وشرفهم الله ، ثم لا يشفعون إلا لمن ارتضى ، كما قال : ولا يشفعون إلا لمن ارتضى قال ابن عطية : والذي يظهر أن العلماء والصالحين يشفعون فيمن لم يصل إلى النار وهو بين المنزلتين ، أو وصل ولكن له أعمال صالحة . وفي البخاري في " باب بقية من أبواب الرؤية " : إن المؤمنين يقولون : ربنا إن إخواننا كانوا يصلون معنا ويصومون معنا . وهذه شفاعة فيمن يقرب أمره ، وكما يشفع الطفل المحبنطئ على باب الجنة . وهذا إنما هو في قراباتهم ومعارفهم . وإن الأنبياء يشفعون فيمن حصل في النار من عصاة أممهم بذنوب دون قربى ولا معرفة إلا بنفس الإيمان ، ثم تبقى شفاعة أرحم الراحمين في المستغرقين في الخطايا والذنوب الذين لم تعمل فيهم شفاعة الأنبياء . وأما شفاعة محمد صلى الله عليه وسلم في تعجيل الحساب فخاصة له .قلت : قد بين مسلم في صحيحه كيفية الشفاعة بيانا شافيا ، وكأنه رحمه الله لم يقرأه وأن الشافعين يدخلون النار ويخرجون منها أناسا استوجبوا العذاب ، فعلى هذا لا يبعد أن يكون للمؤمنين شفاعتان : شفاعة فيمن لم يصل إلى النار ، وشفاعة فيمن وصل إليها ودخلها ، أجارنا الله منها . فذكر من حديث أبي سعيد الخدري : ( ثم يضرب الجسر على جهنم وتحل الشفاعة ويقولون اللهم سلم سلم - قيل : يا رسول الله وما الجسر ؟ قال : دحض مزلة فيها خطاطيف وكلاليب وحسكة تكون بنجد فيها شويكة يقال لها السعدان فيمر المؤمنون كطرف العين وكالبرق وكالريح وكالطير وكأجاويد الخيل والركاب فناج مسلم ومخدوش مرسل ومكدوس في نار جهنم حتى إذا خلص المؤمنون من النار فوالذي نفسي بيده ما من أحد منكم بأشد مناشدة لله في استيفاء الحق من المؤمنين لله يوم القيامة لإخوانهم الذين في النار ، يقولون ربنا كانوا يصومون معنا ويصلون ويحجون ، فيقال لهم أخرجوا من عرفتم ، فتحرم صورهم على النار فيخرجون خلقا كثيرا قد أخذت النار إلى نصف ساقيه وإلى ركبتيه ثم يقولون ربنا ما بقي فيها أحد ممن أمرتنا به ، فيقول عز وجل ارجعوا فمن وجدتم في قلبه مثقال دينار من خير فأخرجوه ، فيخرجون خلقا كثيرا ، ثم يقولون ربنا لم نذر فيها أحدا ممن أمرتنا به ، ثم يقول ارجعوا فمن وجدتم في قلبه مثقال نصف دينار من خير فأخرجوه ، فيخرجون خلقا كثيرا ثم يقولون ربنا لم نذر فيها أحدا ممن أمرتنا به ، ثم يقول ارجعوا فمن وجدتم في قلبه مثقال ذرة من خير فأخرجوه ، فيخرجون خلقا كثيرا ثم يقولون ربنا لم نذر فيها خيرا - وكان أبو سعيد يقول : إن لم تصدقوني بهذا الحديث فاقرءوا إن شئتم إن الله لا يظلم مثقال ذرة وإن تك حسنة يضاعفها ويؤت من لدنه أجرا عظيما ( فيقول الله تعالى : شفعت الملائكة وشفع النبيون وشفع المؤمنون ولم يبق إلا أرحم الراحمين فيقبض قبضة من النار فيخرج منها قوما لم يعملوا خيرا قط قد عادوا حمما ) وذكر الحديث . وذكر من حديث أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم : ( فأقول يا رب ائذن لي فيمن قال لا إله إلا الله قال ليس ذلك لك - أو قال ليس ذلك إليك - وعزتي وكبريائي وعظمتي وجبريائي لأخرجن من قال لا إله إلا الله ) . وذكر من حديث أبي هريرة عنه عليه الصلاة والسلام : ( حتى إذا فرغ الله من القضاء بين العباد وأراد أن يخرج برحمته من أراد من أهل النار أمر الملائكة أن يخرجوا من النار من كان لا يشرك بالله شيئا ممن أراد الله تعالى أن يرحمه ممن يقول لا إله إلا الله فيعرفونهم في النار يعرفونهم بأثر السجود تأكل النار ابن آدم إلا أثر السجود حرم الله على النار أن تأكل أثر السجود ) الحديث بطوله .قلت : فدلت هذه الأحاديث على أن شفاعة المؤمنين وغيرهم إنما هي لمن دخل النار وحصل فيها ، أجارنا الله منها وقول ابن عطية : " ممن لم يصل أو وصل " يحتمل أن يكون أخذه من أحاديث أخر ، والله أعلم . وقد خرج ابن ماجه في سننه عن أنس بن مالك قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : يصف الناس يوم القيامة صفوفا - وقال ابن نمير أهل الجنة - فيمر الرجل من أهل النار على الرجل فيقول يا فلان أما تذكر يوم استسقيت فسقيتك شربة ؟ قال فيشفع له ويمر الرجل على الرجل فيقول أما تذكر يوم ناولتك طهورا ؟ فيشفع له - قال ابن نمير - ويقول يا فلان أما تذكر يوم بعثتني لحاجة كذا وكذا فذهبت لك ؟ فيشفع له .وأما شفاعات نبينا محمد صلى الله عليه وسلم فاختلف فيها ، فقيل ثلاث ، وقيل اثنتان ، وقيل : خمس ، يأتي بيانها في " سبحان " إن شاء الله تعالى . وقد أتينا عليها في كتاب " التذكرة " والحمد لله .قوله تعالى : يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم الضميران عائدان على كل من يعقل ممن تضمنه قوله : له ما في السماوات وما في الأرض . وقال مجاهد ) ما بين أيديهم ) الدنيا ( وما خلفهم ) الآخرة . قال ابن عطية : وكل هذا صحيح في نفسه لا بأس به ؛ لأن ما بين اليد هو كل ما تقدم الإنسان ، وما خلفه هو كل ما يأتي بعده ، وبنحو قول مجاهد قال السدي وغيره .قوله تعالى : ولا يحيطون بشيء من علمه إلا بما شاء العلم هنا بمعنى المعلوم ، أي ولا يحيطون بشيء من معلوماته ، وهذا كقول الخضر لموسى عليه السلام حين نقر العصفور في البحر : ما نقص علمي وعلمك من علم الله إلا كما نقص هذا العصفور من هذا البحر . فهذا وما شاكله راجع إلى المعلومات لأن علم الله سبحانه وتعالى الذي هو صفة ذاته لا يتبعض . ومعنى الآية لا معلوم لأحد إلا ما شاء الله أن يعلمه .قوله تعالى : وسع كرسيه السماوات والأرض ذكر ابن عساكر في تاريخه عن علي رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( الكرسي لؤلؤة والقلم لؤلؤة وطول القلم سبعمائة سنة وطول الكرسي حيث لا يعلمه إلا الله ) . وروى حماد بن سلمة عن عاصم بن بهدلة - وهو عاصم بن أبي النجود - عن زر بن حبيش عن ابن مسعود قال : بين كل سماءين مسيرة خمسمائة عام وبين السماء السابعة وبين الكرسي خمسمائة عام ، وبين الكرسي وبين العرش مسيرة خمسمائة عام ، والعرش فوق الماء والله فوق العرش يعلم ما أنتم فيه وعليه . يقال كرسي وكرسي والجمع الكراسي . وقال ابن عباس : كرسيه علمه . ورجحه الطبري ، قال : ومنه الكراسة التي تضم العلم ، ومنه قيل للعلماء : الكراسي ؛ لأنهم المعتمد عليهم ، كما يقال : أوتاد الأرض قال الشاعر :يحف بهم بيض الوجوه وعصبة كراسي بالأحداث حين تنوبأي علماء بحوادث الأمور . وقيل : كرسيه قدرته التي يمسك بها السماوات والأرض ، كما تقول : اجعل لهذا الحائط كرسيا ، أي ما يعمده . وهذا قريب من قول ابن عباس في قوله وسع كرسيه . قال البيهقي : وروينا عن ابن مسعود وسعيد بن جبير عن ابن عباس في قوله وسع كرسيه قال : علمه . وسائر الروايات عن ابن عباس وغيره تدل على أن المراد به الكرسي المشهور مع العرش . وروى إسرائيل عن السدي عن أبي مالك في قوله وسع كرسيه السماوات والأرض قال : إن الصخرة التي عليها الأرض السابعة ومنتهى الخلق على أرجائها ، عليها أربعة من الملائكة لكل واحد منهم أربعة وجوه : وجه إنسان ووجه أسد ووجه ثور ووجه نسر ، فهم قيام عليها قد أحاطوا بالأرضين والسماوات ، ورءوسهم تحت الكرسي والكرسي تحت العرش والله واضع كرسيه فوق العرش . قال البيهقي : في هذا إشارة إلى كرسيين : أحدهما تحت العرش ، والآخر موضوع على العرش . وفي رواية أسباط عن السدي عن أبي مالك ، وعن أبي صالح عن ابن عباس ، وعن مرة الهمداني عن ابن مسعود عن ناس من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله وسع كرسيه السماوات والأرض فإن السماوات والأرض في جوف الكرسي والكرسي بين يدي العرش . وأرباب الإلحاد يحملونها على عظم الملك وجلالة السلطان ، وينكرون وجود العرش والكرسي وليس بشيء . وأهل الحق يجيزونهما ، إذ في قدرة الله متسع فيجب الإيمان بذلك . قال أبو موسى الأشعري : الكرسي موضع القدمين وله أطيط كأطيط الرحل . قال البيهقي : قد روينا أيضا في هذا عن ابن عباس وذكرنا أن معناه فيما يرى أنه موضوع من العرش موضع القدمين من السرير ، وليس فيه إثبات المكان لله تعالى . وعن ابن بريدة عن أبيه قال : لما قدم جعفر من الحبشة قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( ما أعجب شيء رأيته ) ؟ قال : رأيت امرأة على رأسها مكتل طعام فمر فارس فأذراه فقعدت تجمع طعامها ، ثم التفتت إليه فقالت له : ويل لك يوم يضع الملك كرسيه فيأخذ للمظلوم من الظالم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم تصديقا لقولها : ( لا قدست أمة - أو كيف تقدس أمة - لا يأخذ ضعيفها حقه من شديدها ) . قال ابن عطية : في قول أبي موسى " الكرسي موضع القدمين " يريد هو من عرش الرحمن كموضع القدمين من أسرة الملوك ، فهو مخلوق عظيم بين يدي العرش نسبته إليه كنسبة الكرسي إلى سرير الملك . وقال الحسن بن أبي الحسن : الكرسي هو العرش نفسه ، وهذا ليس بمرضي ، والذي تقتضيه الأحاديث أن الكرسي مخلوق بين يدي العرش والعرش أعظم منه . وروى أبو إدريس الخولاني عن أبي ذر قال : قلت يا رسول الله ، أي ما أنزل عليك أعظم ؟ قال : ( آية الكرسي - ثم قال - يا أبا ذر ما السماوات السبع مع الكرسي إلا كحلقة ملقاة في أرض فلاة وفضل العرش على الكرسي كفضل الفلاة على الحلقة ) . أخرجه الآجري وأبو حاتم البستي في صحيح مسنده والبيهقي وذكر أنه صحيح . وقال مجاهد : ما السماوات والأرض في الكرسي إلا بمنزلة حلقة ملقاة في أرض فلاة . وهذه الآية منبئة عن عظم مخلوقات الله تعالى ، ويستفاد من ذلك عظم قدرة الله عز وجل إذ لا يؤوده حفظ هذا الأمر العظيم .و ( يؤوده ) معناه يثقله ، يقال : آدني الشيء بمعنى أثقلني وتحملت منه المشقة ، وبهذا فسر اللفظة ابن عباس والحسن وقتادة وغيرهم . قال الزجاج : فجائز أن تكون الهاء لله عز وجل ، وجائز أن تكون للكرسي ، وإذا كانت للكرسي ، فهو من أمر الله تعالى . و ( العلي ) يراد به علو القدر والمنزلة لا علو المكان ؛ لأن الله منزه عن التحيز . وحكى الطبري عن قوم أنهم قالوا : هو العلي عن خلقه بارتفاع مكانه عن أماكن خلقه . قال ابن عطية : وهذا قول جهلة مجسمين ، وكان الوجه ألا يحكى . وعن عبد الرحمن بن قرط أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة أسري به سمع تسبيحا في السماوات العلى : سبحان الله العلي الأعلى سبحانه وتعالى . والعلي والعالي : القاهر الغالب للأشياء ، تقول العرب : علا فلان فلانا أي غلبه وقهره ، قال الشاعر :فلما علونا واستوينا عليهم تركناهم صرعى لنسر وكاسرومنه قوله تعالى : إن فرعون علا في الأرض . و ( العظيم ) صفة بمعنى عظيم القدر والخطر والشرف ، لا على معنى عظم الأجرام . وحكى الطبري عن قوم أن العظيم معناه المعظم ، كما يقال : العتيق بمعنى المعتق ، وأنشد بيت الأعشى :فكأن الخمر العتيق من الإس فنط ممزوجة بماء زلالوحكي عن قوم أنهم أنكروا ذلك وقالوا : لو كان بمعنى معظم لوجب ألا يكون عظيما قبل أن يخلق الخلق وبعد فنائهم ، إذ لا معظم له حينئذ .
﴿ تفسير الطبري ﴾
القول في تأويل قوله تعالى : اللَّهُ لا إِلَهَ إِلا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُقال أبو جعفر: قد دللنا فيما مضى على تأويل قوله: " الله " (17) .* * *وأما تأويل قوله: " لا إله إلا هو " فإن معناه: النهي عن أن يعبد شيء غير الله الحي القيوم الذي صفته ما وصف به نفسه تعالى ذكره في هذه الآية. يقول: " الله " الذي له عبادة الخلق=" الحي القيوم "، لا إله سواه، لا معبود سواه، يعني: ولا تعبدوا شيئا سوى الحي القيوم الذي لا يأخذه سِنة ولا نوم، (18) والذي صفته ما وصف في هذه الآية.* * *وهذه الآية إبانة من الله تعالى ذكره للمؤمنين به وبرسوله عما جاءت به أقوال المختلفين في البينات= (19) من بعد الرسل الذين أخبرنا تعالى ذكره أنه فضل بعضهم على بعض= واختلفوا فيه، فاقتتلوا فيه كفرا به من بعض، وإيمانا به من بعض. فالحمد لله الذي هدانا للتصديق به، ووفقنا للإقرار.* * *وأما قوله: " الحي" فإنه يعني: الذي له الحياة الدائمة، والبقاء الذي لا أول له بحد، ولا آخر له بأمد، (20) إذ كان كل ما سواه فإنه وإن كان حيا فلحياته أول محدود، وآخر ممدود، ينقطع بانقطاع أمدها، (21) وينقضي بانقضاء غايتها.* * *وبما قلنا في ذلك قال جماعة من أهل التأويل.* ذكر من قال ذلك:5763 - حدثت عن عمار بن الحسن، قال: حدثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع قوله: " الحي" حي لا يموت.5764 - حدثني المثنى، قال: حدثنا إسحاق، قال: حدثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع، مثله.* * *قال أبو جعفر: وقد اختلف أهل البحث في تأويل ذلك (22) .فقال بعضهم: إنما سمى الله نفسه " حيا "، لصرفه الأمور مصارفها وتقديره الأشياء مقاديرها، فهو حي بالتدبير لا بحياة.وقال آخرون: بل هو حي بحياة هي له صفة.وقال آخرون: بل ذلك اسم من الأسماء تسمى به، فقلناه تسليما لأمره (23) .* * *وأما قوله: " القيوم "، فإنه " الفيعول " من " القيام " وأصله " القيووم "،: سبق عين الفعل، وهي" واو " ،" ياء " ساكنة، فأدغمتا فصارتا " ياء " مشددة.وكذلك تفعل العرب في كل " واو " كانت للفعل عينا، سبقتها " ياء " ساكنة. ومعنى قوله: " القيوم "، القائم برزق ما خلق وحفظه، كما قال أمية: (24) .لم تخلق السماء والنجوموالشمس معها قمر يعوم (25)قدره المهيمن القيوموالجسر والجنة والجحيم (26)إلا لأمر شأنه عظيم* * *وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.* ذكر من قال ذلك:5765 - حدثني محمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قول الله: " القيوم "، قال: القائم على كل شيء.5766 - حدثني المثنى، قال: حدثنا إسحاق، عن ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع: " القيوم "، قيم كل شيء، يكلؤه ويرزقه ويحفظه.5767 - حدثني موسى، قال: حدثنا عمرو، قال، حدثنا أسباط، عن السدي: " القيوم " وهو القائم.5768 - حدثني المثنى، قال: حدثنا إسحاق، قال: حدثنا أبو زهير، عن جويبر، عن الضحاك: " الحي القيوم "، قال: القائم الدائم.* * *القول في تأويل قوله تعالى : لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْمٌقال أبو جعفر: يعني تعالى ذكره بقوله: " لا تأخذه سنة "، لا يأخذه نعاس فينعس، ولا نوم فيستثقل نوما.* * *" والوسن " خثورة النوم، (27) ومنه قول عدي بن الرقاع:وسنان أقصده النعاس فرنقتفي عينه سنة وليس بنائم (28)ومن الدليل على ما قلنا: من أنها خثورة النوم في عين الإنسان، قول الأعشى ميمون بن قيس:تعاطى الضجيع إذا أقبلتبعيد النعاس وقبل الوسن (29)وقال آخر: (30)باكرتها الأغراب في سنة النوم فتجري خلال شوك السيال (31)يعني عند هبوبها من النوم ووسن النوم في عينها، يقال منه: " وسن فلان فهو يوسن وسنا وسنة وهو وسنان "، إذا كان كذلك.* * *وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.* ذكر من قال ذلك:5769 - حدثني المثنى، قال: حدثنا عبد الله بن صالح، قال: حدثني معاوية بن صالح، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس قوله تعالى: " لا تأخذه سنة " قال: السنة: النعاس، والنوم: هو النوم (32) .5770 - حدثني محمد بن سعد، قال: حدثني أبي، قال: حدثني عمي، قال: حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس: " لا تأخذه سنة " السنة: النعاس.5771 - حدثنا الحسن بن يحيي، قال: أخبرنا عبد الرازق، قال: أخبرنا معمر، عن قتادة والحسن في قوله: " لا تأخذه سنة " قالا نعسة.5772 - حدثني المثنى، قال، حدثنا عمرو بن عون، قال: أخبرنا هشيم، عن جويبر، عن الضحاك في قوله: " لا تأخذه سنة ولا نوم " قال: السنة: الوسنة، وهو دون النوم، والنوم: الاستثقال،5773 - حدثني المثنى، قال: حدثنا إسحاق، قال: حدثنا أبو زهير، عن جويبر، عن الضحاك: " لا تأخذه سنة ولا نوم " السنة: النعاس، والنوم: الاستثقال.5774 - حدثني يحيي بن أبي طالب، قال: أخبرنا يزيد، قال: أخبرنا جويبر، عن الضحاك، مثله سواء.5775 - حدثني موسى، قال: حدثنا عمرو، قال: حدثنا أسباط، عن السدي: " لا تأخذه سنة ولا نوم " أما " سنة "، فهو ريح النوم الذي يأخذ في الوجه فينعس الإنسان (33) .5776 - حدثت عن عمار، قال: حدثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع: " لا تأخذه سنة ولا نوم " قال: " السنة "، الوسنان بين النائم واليقظان.5777 - حدثني عباس بن أبي طالب، قال: حدثنا منجاب بن الحرث، قال: حدثنا علي بن مسهر، عن إسماعيل عن يحيى بن رافع: " لا تأخذه سنة " قال: النعاس (34) .5778 - حدثني يونس، قال أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد في قوله: " لا تأخذه سنة ولا نوم " قال: " الوسنان ": الذي يقوم من النوم لا يعقل، حتى ربما أخذ السيف على أهله.* * *قال أبو جعفر: وإنما عنى تعالى ذكره بقوله: " لا تأخذه سنة ولا نوم " لا تحله الآفات، ولا تناله العاهات. وذلك أن " السنة " و " النوم "، معنيان يغمران فهم ذي الفهم، ويزيلان من أصاباه عن الحال التي كان عليها قبل أن يصيباه.* * *فتأويل الكلام، إذ كان الأمر على ما وصفنا: اللَّهُ لا إِلَهَ إِلا هُوَ الْحَيُّ الذي لا يموت= الْقَيُّومُ على كل ما هو دونه بالرزق والكلاءة والتدبير والتصريف من حال إلى حال=" لا تأخذه سنة ولا نوم "، لا يغيره ما يغير غيره، ولا يزيله عما لم يزل عليه تنقل الأحوال وتصريف الليالي والأيام، بل هو الدائم على حال، والقيوم على جميع الأنام، لو نام كان مغلوبا مقهورا، لأن النوم غالب النائم قاهره، ولو وسن لكانت السماوات والأرض وما فيهما دكا، لأن قيام جميع ذلك بتدبيره وقدرته، والنوم شاغل المدبر عن التدبير، والنعاس مانع المقدر عن التقدير بوسنه. (35) كما:5779 - حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر= قال: أخبرني الحكم بن أبان، (36) عن عكرمة مولى ابن عباس في قوله: " لا يأخذه سنة ولا نوم " أن موسى سأل الملائكة: هل ينام الله؟ فأوحى الله إلى الملائكة، وأمرهم أن يؤرقوه ثلاثا فلا يتركوه ينام. ففعلوا، ثم أعطوه قارورتين فأمسكوه، ثم تركوه وحذروه أن يكسرهما. قال: فجعل ينعس وهما في يديه، في كل يد واحدة. قال: فجعل ينعس وينتبه، وينعس وينتبه، حتى نعس نعسة، فضرب بإحداهما الأخرى فكسرهما= قال معمر: إنما هو مثل ضربه الله، يقول: فكذلك السماوات والأرض في يديه.5780 - حدثنا إسحاق بن أبي إسرائيل، قال: حدثنا هشام بن يوسف، عن أمية بن شبل، عن الحكم بن أبان، عن عكرمة، عن أبي هريرة، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يحكي عن موسى صلى الله عليه وسلم على المنبر، قال: وقع في نفس موسى: هل ينام الله تعالى ذكره؟ فأرسل الله إليه ملكا فأرّقه ثلاثا، ثم أعطاه قارورتين في كل يد قارورة، أمره أن يحتفظ بهما. قال: فجعل ينام وتكاد يداه تلتقيان، ثم يستيقظ فيحبس إحداهما عن الأخرى، ثم نام نومة فاصطفقت يداه وانكسرت القارورتان. قال: ضرب الله مثلا له أن الله لو كان ينام لم تستمسك السماء والأرض (37) .* * *القول في تأويل قوله تعالى : لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلا بِإِذْنِهِقال أبو جعفر: يعني تعالى ذكره بقوله: " له ما في السماوات وما في الأرض " أنه مالك جميع ذلك بغير شريك ولا نديد، وخالق جميعه دون كل آلهة ومعبود (38) .وإنما يعنى بذلك أنه لا تنبغي العبادة لشيء سواه، لأن المملوك إنما هو طوع يد مالكه، وليس له خدمة غيره إلا بأمره. يقول: فجميع ما في السموات والأرض ملكي وخلقي، فلا ينبغي أن يعبد أحد من خلقي غيري وأنا مالكه، لأنه لا ينبغي للعبد أن يعبد غير مالكه، ولا يطيع سوى مولاه.* * *وأما قوله: " من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه " يعني بذلك: من ذا الذي يشفع لمماليكه إن أراد عقوبتهم، إلا أن يخليه، ويأذن له بالشفاعة لهم. (39) وإنما قال ذلك تعالى ذكره لأن المشركين قالوا: ما نعبد أوثاننا هذه إلا ليقربونا إلى الله زلفى! (40) فقال الله تعالى ذكره لهم: لي ما في السموات وما في الأرض مع السموات والأرض ملكا، فلا ينبغي العبادة لغيري، فلا تعبدوا الأوثان التي تزعمون أنها تقربكم مني زلفى، فإنها لا تنفعكم عندي ولا تغني عنكم شيئا، ولا يشفع عندي أحد لأحد إلا بتخليتي إياه والشفاعة لمن يشفع له، من رسلي وأوليائي وأهل طاعتي.* * *القول في تأويل قوله تعالى : يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلا بِمَا شَاءَقال أبو جعفر: يعني تعالى ذكره بذلك أنه المحيط بكل ما كان وبكل ما هو كائن علما، لا يخفى عليه شيء منه.* * *وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.* ذكر من قال ذلك:5781 - حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا جرير، عن منصور، عن الحكم: " يعلم ما بين أيديهم "، الدنيا=" وما خلفهم "، الآخرة.5782 - حدثني المثنى، قال: حدثنا أبو حذيفة، قال: حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: " يعلم ما بين أيديهم "، ما مضى من الدنيا=" وما خلفهم " من الآخرة.5783 - حدثنا القاسم، قال: حدثنا الحسين، قال: حدثني حجاج، قال: قال ابن جريج قوله: " يعلم ما بين أيديهم " ما مضى أمامهم من الدنيا=" وما خلفهم " ما يكون بعدهم من الدنيا والآخرة.5784 - حدثني موسى، قال: حدثنا عمرو، قال: حدثنا أسباط، عن السدي: " يعلم ما بين أيديهم "، قال: [ وأما ]" ما بين أيديهم "، فالدنيا=" وما خلفهم "، فالآخرة (41) .* * *وأما قوله: " ولا يحيطون بشيء من علمه إلا بما شاء "، فإنه يعني تعالى ذكره: أنه العالم الذي لا يخفي عليه شيء محيط بذلك كله، (42) محص له دون سائر من دونه= وأنه لا يعلم أحد سواه شيئا إلا بما شاء هو أن يعلمه، فأراد فعلمه، وإنما يعني بذلك: أن العبادة لا تنبغي لمن كان بالأشياء جاهلا فكيف يعبد من لا يعقل شيئا البتة من وثن وصنم ؟! يقول: أخلصوا العبادة لمن هو محيط بالأشياء كلها، (43) يعلمها، لا يخفي عليه صغيرها وكبيرها.* * *وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.* ذكر من قال ذلك:5786 - حدثني موسى بن هارون، قال: حدثنا عمرو، قال: حدثنا أسباط، عن السدي: " ولا يحيطون بشيء من علمه " يقول: لا يعلمون بشيء من علمه =" إلا بما شاء "، هو أن يعلمهم (44) .* * *القول في تأويل قوله تعالى : وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَقال أبو جعفر: اختلف أهل التأويل في معنى " الكرسي" الذي أخبر الله تعالى ذكره في هذه الآية أنه وسع السماوات والأرض.فقال بعضهم: هو علم الله تعالى ذكره.* ذكر من قال ذلك:5787 - حدثنا أبو كريب وسلم بن جنادة، قالا حدثنا ابن إدريس، عن مطرف، عن جعفر بن أبي المغيرة، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس: " وسع كرسيه " قال: كرسيه علمه.5788 - حدثني يعقوب بن إبراهيم، قال: حدثنا هشيم، قال: أخبرنا مطرف، عن جعفر بن أبي المغيرة، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، مثله= وزاد فيه: ألا ترى إلى قوله: وَلا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا ؟* * *وقال آخرون: " الكرسي": موضع القدمين.* ذكر من قال ذلك:5789 - حدثني علي بن مسلم الطوسي، قال: حدثنا عبد الصمد بن عبد الوارث، قال: حدثني أبي، قال: حدثني محمد بن جحادة، عن سلمة بن كهيل، عن عمارة بن عمير، عن أبي موسى، قال: الكرسي: موضع القدمين، وله أطيط كأطيط الرحل (45) .5790 - حدثني موسى بن هاوون، قال: حدثنا عمرو، قال: حدثنا أسباط، عن السدي: " وسع كرسيه السماوات والأرض "، فإن السماوات والأرض في جوف الكرسي، والكرسي بين يدي العرش، وهو موضع قدميه.5791 - حدثني المثنى، قال: حدثنا إسحاق، قال: حدثنا أبو زهير، عن جويبر، عن الضحاك قوله: " وسع كرسيه السماوات والأرض "، قال: كرسيه الذي يوضع تحت العرش، الذي يجعل الملوك عليه أقدامهم،5792 - حدثنا أحمد بن إسحاق، قال: حدثنا أبو أحمد الزبيري، عن سفيان، عن عمار الدهني، عن مسلم البطين، قال: الكرسي: موضع القدمين (46) .5793 - حدثني عن عمار، قال: حدثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع: " وسع كرسيه السماوات والأرض "، قال: لما نزلت: " وسع كرسيه السماوات والأرض " قال أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم: يا رسول الله هذا الكرسي وسع السموات والأرض، فكيف العرش؟ فأنزل الله تعالى: وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إلى قوله: سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ [الزمر: 67] (47) .5794 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد في قوله: " وسع كرسيه السماوات والأرض " قال ابن زيد: فحدثني أبي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ما السماوات السبع في الكرسي إلا كدراهم سبعة ألقيت في ترس "= قال: وقال أبو ذر: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ما الكرسي في العرش إلا كحلقة من حديد ألقيت بين ظهري فلاة من الأرض (48) .* * *وقال آخرون: الكرسي: هو العرش نفسه.* ذكر من قال ذلك:5795 - حدثني المثنى، قال: حدثنا إسحاق، قال: حدثنا أبو زهير، عن جويبر، عن الضحاك، قال: كان الحسن يقول: الكرسي هو العرش.* * *قال أبو جعفر: ولكل قول من هذه الأقوال وجه ومذهب، غير أن الذي هو أولى بتأويل الآية ما جاء به الأثر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو ما:-5796 - حدثني به عبد الله بن أبي زياد القطواني، قال: حدثنا عبيد الله بن موسى، قال: أخبرنا إسرائيل، عن أبى إسحاق، عن عبد الله بن خليفة، قال: أتت امرأة النبي صلى الله عليه وسلم، فقالت: ادع الله أن يدخلني الجنة! فعظم الرب تعالى ذكره، ثم قال: " إن كرسيه وسع السماوات والأرض، وأنه ليقعد عليه فما يفضل منه مقدار أربع أصابع- ثم قال بأصابعه فجمعها - وإن له أطيطا كأطيط الرحل الجديد، إذا ركب، من ثقله " (49) .5797 - حدثني عبد الله بن أبى زياد، قال: حدثنا يحيى بن أبي بكر، عن إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن عبد الله بن خليفة، عن عمر، عن النبي صلى الله عليه وسلم، بنحوه.5798 - حدثنا أحمد بن إسحاق، قال: حدثنا أبو أحمد، قال: حدثنا إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن عبد الله بن خليفة، قال: جاءت امرأة، فذكر نحوه (50) .* * *وأما الذي يدل على صحته ظاهر القرآن فقول ابن عباس الذي رواه جعفر بن أبي المغيرة، عن سعيد بن جبير، عنه أنه قال: " هو علمه " (51) . وذلك لدلالة قوله تعالى ذكره: وَلا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا على أن ذلك كذلك، فأخبر أنه لا يؤوده حفظ ما علم، وأحاط به مما في السماوات والأرض، وكما أخبر عن ملائكته أنهم قالوا في دعائهم: رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْمًا [غافر: 7]، فأخبر تعالى ذكره أن علمه وسع كل شيء، فكذلك قوله: " وسع كرسيه السماوات والأرض ".* * *قال أبو جعفر: وأصل " الكرسي" العلم. (52) ومنه قيل للصحيفة يكون فيها علم مكتوب " كراسة "، ومنه قول الراجز في صفة قانص:* حتى إذا ما احتازها تكرسا * (53).يعني علم. ومنه يقال للعلماء " الكراسي"، لأنهم المعتمد عليهم، كما يقال: " أوتاد الأرض ". يعني بذلك أنهم العلماء الذي تصلح بهم الأرض، (54) ومنه قول الشاعر: (55)يحف بهم بيض الوجوه وعصبةكراسي بالأحداث حين تنوب (56)يعني بذلك علماء بحوادث الأمور ونوازلها. والعرب تسمي أصل كل شيء " الكرس "، يقال منه: " فلان كريم الكرس "، أي كريم الأصل، قال العجاج:قد علم القدوس مولى القدسأن أبا العباس أولى نفس* بمعدن الملك الكريم الكِرْس * (57)يعني بذلك: الكريم الأصل، ويروى:* في معدن العز الكريم الكِرْس ** * *القول في تأويل قوله تعالى : وَلا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ (255)قال أبو جعفر: يعني تعالى ذكره بقوله: " ولا يئوده حفظهما "، ولا يشق عليه ولا يثقله.* * *يقال منه: " قد آدني هذا الأمر فهو يؤودني أودا وإيادا "، (58) ويقال: " ما آدك فهو لي آئد "، يعني بذلك: ما أثقلك فهو لي مثقل.* * *وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.* ذكر من قال ذلك:5799 - حدثنا المثنى بن إبراهيم، قال: حدثنا عبد الله بن صالح، قال: حدثني معاوية بن صالح، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس: " ولا يؤوده حفظهما " يقول: لا يثقل عليه.5800 - حدثني محمد بن سعد، قال: حدثني أبي، قال: حدثني عمي، قال: حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس: " ولا يؤوده حفظهما " قال: لا يثقل عليه حفظهما.5801 - حدثنا بشر بن معاذ، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة قوله: " ولا يؤوده حفظهما " لا يثقل عليه لا يجهده حفظهما.5802 - حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر عن الحسن وقتادة في قوله: " ولا يؤوده حفظهما " قال: لا يثقل عليه شيء.5803 - حدثني محمد بن عبد الله بن بزيع، قال: حدثنا يوسف بن خالد السمتي، قال: حدثنا نافع بن مالك، عن عكرمة، عن ابن عباس في قوله: " ولا يؤود حفظهما " قال: لا يثقل عليه حفظهما.5804 - حدثنا أبو كريب، قال: حدثنا ابن أبي زائدة= وحدثنا يحيى بن أبي طالب، قال: أخبرنا يزيد= قالا جميعا: أخبرنا جويبر، عن الضحاك: " ولا يؤوده حفظهما " قال: لا يثقل عليه.5805 - حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا يحيى بن واضح، عن عبيد، عن الضحاك، مثله.5806 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: سمعته = يعني خلادا = يقول: سمعت أبا عبد الرحمن المديني يقول في هذه الآية: " ولا يؤوده حفظهما "، قال: لا يكبر عليه (59) .5807 - حدثنا محمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، عن عيسى بن ميمون، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قول الله: " ولا يؤوده حفظهما " قال: لا يكرثه (60) .5808 - حدثني موسى، قال: حدثنا عمرو، قال: حدثنا أسباط، عن السدي: " ولا يؤوده حفظهما " قال: لا يثقل عليه.5809 - حدثت عن عمار، قال: حدثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع قوله: " ولا يؤوده حفظهما " يقول: لا يثقل عليه حفظهما.5810 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد في قوله: " ولا يؤوده حفظهما " قال: لا يعز عليه حفظهما.* * *قال أبو جعفر: " والهاء "، و " الميم " و " الألف " في قوله: " حفظهما "، من ذكر السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ . فتأويل الكلام: وسع كرسيه السماوات والأرض، ولا يثقل عليه حفظ السموات والأرض.* * *وأما تأويل قوله: " وهو العلي" فإنه يعني: والله العلي.* * *و " العلي" " الفعيل " من قولك: " علا يعلو علوا "، إذا ارتفع،" فهو عال وعلي"،" والعلي" ذو العلو والارتفاع على خلقه بقدرته.* * *وكذلك قوله: " العظيم "، ذو العظمة، الذي كل شيء دونه، فلا شيء أعظم منه. كما:-5811 - حدثني المثنى، قال: حدثنا عبد الله بن صالح، قال: حدثني معاوية بن صالح، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس: " العظيم "، الذي قد كمل في عظمته.* * *قال أبو جعفر: واختلف أهل البحث في معنى قوله: (61) ." وهو العلي".فقال بعضهم: يعني بذلك; وهو العلي عن النظير والأشباه، (62) وأنكروا أن يكون معنى ذلك: " وهو العلي المكان ". وقالوا: غير جائز أن يخلو منه مكان، ولا معنى لوصفه بعلو المكان، لأن ذلك وصفه بأنه في مكان دون مكان.* * *وقال آخرون: معنى ذلك: وهو العلي على خلقه بارتفاع مكانه عن أماكن خلقه، لأنه تعالى ذكره فوق جميع خلقه وخلقه دونه، كما وصف به نفسه أنه على العرش، فهو عال بذلك عليهم.* * *وكذلك اختلفوا في معنى قوله: " العظيم ".فقال بعضهم: معنى " العظيم " في هذا الموضع: المعظم، صرف " المفعل " إلى " فعيل "، كما قيل للخمر المعتقة،" خمر عتيق "، كما قال الشاعر: (63) .وكأن الخمر العتيق من الإسفنط ممزوجة بماء زلال (64)وإنما هي" معتقة ". قالوا: فقوله " العظيم " معناه: المعظم الذي يعظمه خلقه ويهابونه ويتقونه. قالوا: وإنما يحتمل قول القائل: " هو عظيم "، أحد معنين: أحدهما: ما وصفنا من أنه معظم، والآخر: أنه عظيم في المساحة والوزن. قالوا: وفي بطول القول بأن يكون معنى ذلك: أنه عظيم في المساحة والوزن، صحة القول بما قلنا.* * *وقال آخرون: بل تأويل قوله: " العظيم " هو أن له عظمة هي له صفة.وقالوا: لا نصف عظمته بكيفية، ولكنا نضيف ذلك إليه من جهة الإثبات، (65) .وننفي عنه أن يكون ذلك على معنى مشابهة العظم المعروف من العباد. لأن ذلك تشبيه له بخلقه، وليس كذلك. وأنكر هؤلاء ما قاله أهل المقالة التي قدمنا ذكرها، وقالوا: لو كان معنى ذلك أنه " معظم "، لوجب أن يكون قد كان غير عظيم قبل أن يخلق الخلق، وأن يبطل معنى ذلك عند فناء الخلق، لأنه لا معظم له في هذه الأحوال.* * *وقال آخرون: بل قوله: إنه " العظيم " وصف منه نفسه بالعظم. وقالوا: كل ما دونه من خلقه فبمعنى الصغر لصغرهم عن عظمته.------------------الهوامش :(17) انظر تفسير"الله" فيما سلف 1 : 122- 126 .(18) في المطبوعة : "ولا تعبدوا شيئا سواه الحي القيوم" ، والصواب من المخطوطة .(19) في المطبوعة : "المختلفين في البينات" ، بزيادة"في" ، وهو خطأ مخل بالكلام ، والصواب ما في المخطوطة ، و"البينات"فاعل"جاءت به" ، و"المختلفين"مفعوله . والجملة التي بين الخطين ، معترضة ، وقةله : بعد"واختلفوا فيه فاقتتلوا فيه..." ، عطف على قوله : "عما جاءت به..." .(20) في المطبوعة : "لا أول له يحد" بالياء ، فعلا ، ثم جعل التي تليها"ولا آخر له يؤمد" ، فأتى بفعل عجيب لا وجود له في العربية ، وفي المخطوطة : "بحد" غير منقوطة وصواب قراءتها بباء الجر في أوله . وفيها"بأمد" كما أثبت ، والأمد : الغاية التي ينتهى إليها . بقول : ليس له أول له حد يبدأ منه وليس له آخر له أمد ينتهى إليه .(21) في المطبوعة : "وآخر مأمود" ، أتى أيضًا بالعجب في تغيير المخطوطة ، وباستخراج كلمة لا يجيزها اشتقاق العربية ، ولم تستعمل في كلام قط . وفي المخطوطة"ممدود"كما أثبتها . وهي من قولهم : "مد له في كذا" أي طويل له فيه . بل أولى من ذلك أن يقال إنها من"المد" ، وهي الطائفة من الزمان .وقد استعملو من المدة : "ماددت القوم" . أي جعلت لهم مدة ينهون إليها . وفي الحديث : "يا ويح قريش ، لقد نهكتهم الحرب! ما ضرهم لو ماددناهم مدة" ، أي جعلنا لهم مدة ، وهي زمان الهدنة . وقال ابن حجر في مقدمته الفتح : 182"قوله : (في المدة التي فيها أبا سفيان) : أي جعل بينه وبينه مدة صلح ، ومنه : (إن شاؤوا ماددتهم) . فهو"فاعل" من"المد" . ولا شك أن الثلاثى منه جائز أن يقال : " مد له مدة" أي جعل له مدة ينتهى من عند آخرها . وكأتى قرأتها في بعض كتب السير ، فأرجو أن أظفر بها فأقيدها إن شاء الله ، فمعنى قوله : "وآخر ممدود ينقطع بانقطاع أمدها" أي : آخر قد ضربت له مدة ينقطع بانقطاع غايتها .(22) هذه أول مرة يستعمل فيها الطبري : "أهل البحث" ، ويعنى بذلك أهل النظر من المتكلمين .(23) في المطبوعة : "فقلناه" ، وما في المخطوطة صواب أيضًا جيد .(24) هو : أمية بن أبي الصلت الثقفى .(25) ديوانه : 57 ، والقرطبي 3 : 271 ، وتفسير أبي حيان 25 : 277 . وفي المطبوعة والقرطبي"قمر يقوم" ، وهو لا معنى له ، والصواب في المخطوطة وتفسير أبي حيان . عامت النجوم تعوم عوما : جرب ، مثل قولهم : "سبحت النجوم في الفلك تسبح سبحا"(26) في المراجع كلها"والحشر" ، وهو خطأ وتصحيف لا ريب فيه عندي ، وهو في المخطوطة"والحسر" غير منقوطة ، وصواب قراءتها"الجسر" كما أثبت . وفي حديث البخاري : "ثم يؤتى بالجسر" قال ابن حجر : أي الصراط ، وهو كالقنطرة بين الجنة والنار ، يمر عليها المؤمنون . ولم يذكر في بابه في كتب اللغة ، فليقيد هناك ، فإن هذا هو سبب تصحيف هذه الكلمة . وفي بعض المراجع : "والجنة والنعيم" ، والذي في الطبري هو الصواب . هذا وشعر أمية كثير خلطه .(27) الخثورة : نقيض الرقة ، يقال : "خثر اللبن والعسل ونحوهما" ، إذا ثقل وتجمع ، والمجاز منه قولهم : "فلان خاثر النفس" أي ثقيلها ، غير طيب ولا نشيط ، قد فتر فتورا . واستعمله الطبري استعمالا بارعا ، فجعل للنوم"خثورة" ، وهي شدة الفتور ، كأنه زالت رقته واستغلط فثقل ، وهذا تعبير لم أجده قبله .(28) من أبيات له في الشعر والشعراء : 602 ، والأغانى 9 : 311 ، ومجاز القرآن 1 : 78 ، واللسان (وسن) (رنق) ، وفي جميعها مراجع كثيرة ، وقبل البيت في ذكرها صاحبته"أم القاسم" :وكأنها وسط النساء أعارهاعينيه أحور من جاذر جاسموسنان أقصده النعاس ........... . . . . . . . . . . . . . . . . . .يصطاد يقظان الرجال حديثهاوتطير بهجتها بروح الحالموالجآذر بقر الوحش ، وهي حسان العيون . وجاسم : موضع تكثر فيه الجآذر . و" أقصده النعاس" قتله النعاس وأماته . يقال : "عضته حبة فإقصدته" ، أي قتلته على المكان -أي من فوره . و"رفقت" أي خالطت عينه . وأصله من ترنيق الماء ، وهو تكديره بالطين حتى يغلب على الماء . وحسن أن يقال هو من ترنيق الطائر بجناحيه ، وهو رفرفته إذا خفق بجناحيه في الهواء فثبت ولم يطر ، وهذا المجازأعجب إلى في الشعر .(29) ديوانه : 15 ، وهو يلي البيت الذي سلف 1 : 345 ، 346 ، وفي ذكر نساء استمع بهن :إذا هن نازلن أقرانهنوكان المصاع بما في الجونتعاطى الضجيع............ . . . . . . . . . . . . . . . . . .صريفية طيبا طعمهالها زبد بين كوب ودنوقوله"تعاطى" من قولهم للمرأة : "هى تعاطى خلها" أي صاحبها -أن تناوله قبلها وريقها .وقوله : "أقبلت" ، هو عندي بمعنى : سامحت وطاوعت وانقادت ، من"القبول" وهو الرضا . ولم يذكر ذلك أصحاب اللغة ، ولكنه جيد في العربية ، شبيه بقولهم : "أسمحت" ، من السماح ، إذا أسهلت وانقادت ووافقت ما يطلبه صاحبها . وذلك هو الجيد عندي . ليس من الإقبال على الشيء . بل من القبول . ويروي مكمان ذلك : "إذا سامها" ، ورواية الديوان :"بعيد الرقاد وعند الوسن"والصريفية : الخمر الطيبة ، جعلها صريفية ، لأنها أخذت من الدن ساعتئذ ، كاللبن الصريف وهو اللبن الذي ينصرف من الضرع حارا إذا حلب . وفي الديون : "صليفية" ، باللام ، والصواب بالراء يقول : إذا انقادت لصاحبها بعيد رقادها ، أو قبل وسنها ، عاطته من ريقها خمرا صرفا تفور بالزبد بين الكوب و الدن ، ولم يمض وقت عليها فتفسد . يقول : ريفها هو الخمر ، في يقظتها قبل الوسن -وذلك بدء فتور الفس وتغير الطباع -وبعد لومها ، وقد تغيرت أفواه البشر واستكرهت روائحها ينفي عنها العيب في الحالين . وذلك قل أن يكون في النساء أو غيرهن .(30) هو الاعشى أيضًا(31) ديوانه : 5 ، واللسان (غرب) ، من قصيدة جليلة ، أفضى فيها إلى ذكر صاحبته له يقول قبله :وكأن الخمر العتيق من الإسفنطممزوجة بماء زلالباكرتها الأغراب ......................................................الإسفنط : أجود أنواع الخمر وأغلاها . وباكرتها ، أي في أول النهار مبادرة إليها .والأغراب جمع غرب (بفتح فسكمون) ، وهو القدح . والسيال : شجر سبط الأغصان ، عليه شوك أبيض أصوله أمثال ثنايا اعذارى ، وتشبه به أسنانهن يقول : إذا نامت لم يتغير طيب ثغرها ، بل كأن الخمر تجرى بين ثناياها طيبة الشذا . وقوله : "باكرتها الأغراب" ، وهو كفوله في الشعر السالف أنها"صريفية" أي أخذت من دنها لسعتها . يقول : ملئت الأقداح منها بكرة ، يعنى تبادرت إليها الأقداح من دنها ، وذلك أطيب لها .هذا ، وقد جاء في شرح الديوان : الأغراب : حد الأسنان وبياضها ، وأظال في شرحه ، ولكنى لا أرتضيه ، والذي شرحته موجود في اللسان ، وهو أعرق في الشعر ، وفي فهمه .(32) يعنى أن النوم معروف ، والسنة غير النوم ، وانظر الأثر الآتي : 5772 وما بعده .(33) في المخطوطة"ريح" غير منقوطة . والريح هنا : الغلبة والقوة ، كما جاء في شعر أعشى فهو أو سليك بن السلكة .أتنظران قليلا ريث غفلتهمأوتعدوان فإن الريح للعادىأي الغلبة . وربما قرئت أيضًا : "الرنح" (بفتح الراء وسكون النون) وهو الدوار . ومنه : "ترنح من السكر" إذا تمايل ، و"رنح به" (بالبناء للمجهول مشددة النون) إذا دير به كالمغشى عليه ، أو اعتراه وهن في عظامه من ضرب أو فزع أو سكر .(34) الأثر : 5777 -"عباس بن أبي طالب" ، هو : "عباس جعفر بن الزبرقان" مضت ترجمته في رقم : 880 ، و"المنجاب بن الحارث" ، مضت ترجمته في رقم : 322 -328 ، و"على بن مسهر القرشي" الكوفي الحافظ ، روي عن يحيى بن سعيد الأنصاري ، وهشام بن عروة ، واسماعيل بن أبي خلد . ثقة ، مات سنة 189 . مترجم في التهذيب . و" اسناعيل" هو" اسماعيل بن أبي خالد الأحمس" روي عن أبيه ، وأبيجحيفة ، ن وعبدالله بن أبي أوفى ، وعمرو بن حريث ، وأبي كاهل ، وهؤلاء صحابة . وعن زيد بن وهب والشعبي وغيرهما من كبار التابعين . كان ثقة ثبتا . مات سنه 146 . مترجم في التهذيب . و"يحيى بن رافع" أبو عيسى الثقفى . روي عن عثمان وأبي هريرة ، وروى عنه إسماعيل بن أبي خالد . مترجم في الكبير 4/ 2/ 273 ، وابن أبي حاتم 4/2/ 143 .(35) في المطبوعة : "يمانع" بالياء في أوله ، وهو خطأ لا خير فيه . وإنما أخطأ قراءة المخطوطة للفتحة على الميم ، اتصلت بأولها .(36) في المطبوعة والمخطوطة"وأخبرنى الحكم" ، وكأن الصواب حذف الواو"أخبرنا معمر قال ، أخبرنى الحكم بن أبان" كما أثبته فإن معمرا يروي عن الحكم بن أبان . انظر ترجمته في التهذيب ، وكما جاء في ابن كثير 2 : 11 على الصواب . وقال بمقبه : "وهو من أخبار بني إسرائيل ، وهو مما يعلم أن موسى عليه السلام لا يخفى عليه مثل هذا من أمر الله عز وجل ، وهو منزه عنه" . وأصاب ابن كثير الحق ، فإن أهل الكتاب ينسبون إلى أنبياء الله ، ما لو تركوه لكان خيرا لهم .(37) الأثر : 5780 -"إسحق بن أبى إسرائيل-واسمه إبراهيم- بن كما مجرا ، أبو يعقوب المروزي" نزيل بغداد . روى عنه البخاري في الأدب المفرد ، وأبو داود والنسائى وغيرهم . قال ابن معين : "من ثقات المسلمين ، ما كتب حديثا قط عن أحد من الناس ، إلا ما خطه هو في ألواحه أو كتابه" .وكرهه أحمد لوقفه في أن القرآن كلام الله غير مخلوق ، فتركه الناس حتى كان الناس يمرون بمسجده ، وهو فيه وحيد لا يقربه أحد . وقال أبو زرعة : "عندي أنه لا يكذب ، وحدث بحديث منكر" . مات سنه 240 . مترجم في التهذيب .و"هشام بن يوسف الصنعائي"قاضي صنعاء ، ثقة . روى عنه الأئمة كلهم . روي عن معمر ، وابن جريج ، والقاسم بن فياض ، والثوري ، وغيرهم . قال عبد الرزاق : "إن حدثكم القاضي -يعنى هشام بن يوسف- فلا عليكم أن لا تكتبوا عن غيره" . مترجم في التهذيب .و"أمية بن شبل الصنعائي" ، سمع الحكم بن أبان طاوس . روى عنه هشام بن يوسف وعبدالرزاق ، وثقه ابن معين ، مترجم في الكبير 1/2/ 12 ، ولم يذكر فيه جرحا ، وابن أبي حاتم 1/ 1/ 302 ، ولسان الميزان 1 : 467 . وقال الحافظ في لسان الميزان : "له حديث منكر ، رواه عن الحكم بن أبان عن عكرمة ، عن أبي هريرة ، مرفوعا ، قال"وقع في نفس موسى عليه السلام ، هل ينام الله" ، الحديث ، رواه عنه هشام بن يوسف ، وخالفه معمر ، عن الحكم ، عن عكمرمة ، فوقفة ، وهو أقرب . ولا يسوغ أن يكون هذا وقعا في نفس موسى عليه السلام ، وإنما روي أن بني إسرائيل سألوا موسى عن ذلك" .وساق ابن كثير في تفسير 1 : 11 ، هذه الآثار ، ثم قال : "وأغرب من هذا كله ، الحديث الذي رواه ابن جرير : حدثنا إسحق بن أبي إسرائيل..." ، وساق الخبر ، ثم قال : " وهذا حديث غريب ، والأظهر أنه إسرائيل لا مرفوع ، والله أعلم" . والذي قاله ابن حجر قاطع في أمر هذا الخبر .(38) انظر ما سلف في تفسير : "له ما في السموات..." ، 2 : 537 .(39) انظر معنى"شفع" فيما سلف 2 : 31 - 33 ، وما سلف قريبا : 382 - 384 . ومعنى"الإذن" فيما سلف 2 : 449 ، 450/ ثم4 : 286 ، 370/ ثم هذا 352 ، 355 .(40) هذا تأويل آية"سورة الزمر" : 3 .(41) زيادة ما بين القوسين ، لاغنى عنها .(42) انظر تفسير"الإحاطة" فيما سلف 2 : 284 .(43) في المطبوعة : "أخلصوا" ، وأثبت ما في المخطوطة ، وهو الصواب .(44) سقط من الترقيم : 5785 ، سهوا .(45) الأثر : 5789 -"علي بن مسلم بن سعيد الطوسي" نزيل بغداد . روى عنه البخاري ، وأبو داود ، والنسائي ، ثقة ، مات سنة 253 ، مترجم في التهذيب . و"عمارة بن عمير التيمي" ، رأى عبدالله لابن عمرو ، وروي عن الأسود بن يزيد النخعي ، والحارث بن سويد التيمي ، وإبراهيم بن أبي موسى الأشعري . لم يدرك أبا موسى . والحديث منقطع . وخرجه السيوطي في الدر المنثور 1 : 327 ، ونسبه لابن المنذر ، وأبي الشيخ ، والبيهقى في الأسماء والصفات .الأطيط : صوت الرحل والنسع الجديد ، وصوت الباب ، وهو صوت متمدد خشن ليس كالصرير بل أخشن .(46) الأثر : 5792 -خرجه ابن كثير في تفسيره 2 : 13 من طريق سفيان عن عمار الدهني ، عن مسلم البطين ، عن سعيد بن جبير عن ابن عباس ، ونسبه لوكيع في تفسيره . ورواه الكاكم في المستدرك 2 : 282 مثله ، موقوفا علي ابن عباس ، وقال : "صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه" . ووافقه الذهبى قال ابن كثير : " وقد رواه ابن مردويه ، من طريق الحاكم بن ظهير الفزارى الكوفي ، وهو متروك ، عن السدى عن أبيه عن أبي هريرة مرفوعا ، ولا يصح أيضًا" . وانظر مجمع الزوائد 6 : 323 : والفتح 8 : 149 .(47) الأثر : 5793 - لم يرد في تفسير الآية من"سورة الزمر" .(48) الأثر : 5794 -أثر أبي ذر ، خرجه السيوطي في الدر المنثور 1 : 328 ، ونسبه لأبي الشيخ في العظمة ، وابن مردويه ، والبيهقي في الأسماء والصفات ، وخرجه ابن كثير في تفسيره 2 : 13 وساق لفظ ابن مردويه وإسناده ، من طريق محمد بن عبدالتميمي ، عن القاسم بن محمد الثقفي ، عن أبي إدريس الخولاني ، عن أبي ذر .(49) الأثر : 5796 -"عبدالله بن أبي زياد القطواني" ، هو"عبدالله بن الحكم بن أبي زيادة" سلفت ترجمته برقم : 2247 . و"عبيدالله بن موسي بن أبي المختار ، وأسمه باذام ، العبسى مولاهم" ، روى عنه البخاري ، وروى عنه هو والباقون بواسطة أحمد بن أبي سريج الرازى ، وأحمد بن إسحق البخاري ، وأبي بكر بن أبي شبية ، وعبدالله بن الحكم القطواني وغيرهم . ثقة صدوق حسن الحديث ، كان عالما بالقرآن رأسا فيه ، وأثبت أصحاب إسرائيل . مترجم في التهذيب .و"عبدالله بن خليفة الهمداني الكوفي" روي عن عمر وجابر ، روى عنه أبو إسحق السبيعى ذكره ابن حبان في الثقات . مترجم في التهذيب . وهكذا روى الطبري هذا الأثر موقوفا ، وخرجه ابن كثير وفي تفسيره 2 : 13 من طريق إسرائيل ، عن أبي إسحق ، عن عبدالله بن خليفة ، عن عمر رضي الله عنه .قال ابن كثير : "وقد رواه الحافظ البزار في مسنده المشهور ، وعبد بن بن حميد ، وابن جرير في تفسيريهما ، والطبراني ، وابن أبي عاصم في كتابي السنة ، لها ، والحافظ الضياء في كتابه المختار من حديث أبي إسحق السبيعي ، عن عبدالله بن خليفة ، وليس بذاك المشهور . وفي سماعه من عمر نظطر : ثم منهم من يرويه عنه ، عن عمر موقوفا -قلت : كما رواه الطبري هنا -ومنهم من يرويه عن عمر مرسلا ، ومنهم من يزيد في متنه زيادة غربية -قلت : وهي زيادة الطبري في هذا الحديث -ومنهم من يحذفها . وأغرب من هذا حديث جبير بن مطعم في صفة العرش ، كما رواه أبو داود في كتاب السنة من سنته (رقم : 4726) ، والله أعلم" .قال بيده : أشار بها ، وانظر ما سلف من تفسير الطبري لذلك في 2 : 546 -548 .(50) الأثران : 5797 ، 5798 -يحيى بن أبي بكير ، واسمه نسر ، الأسدي" ، أبو زكريا الكرماني الأصل . سكن بغداد ، روي عن بن عثمان ، وإبراهيم بن طهمان ، وإسرائيل ، وزائدة .روى عنه الستة ، ويعقوب بن إبراهيم الدورقي ، ومحمد بن أحمد بن أحمد بن أبي خلف ، وغيرهم . ذكره ابن حبان في الثقات . مات سنة 208 أو 209 . مترجم في التهذيب . وكان في المطبوعة"يحيى بن أبي بكر" وهو خطأ .وهذا الأثر ، والذي يليه ، إسنادان آخران للأثر السالف رقم : 5796 ، فانظر التعليق عليهما .(51) العجب لأبي جعفر ، كيف تناقض قوله في هذا الموضع ! فإنه بدأ فقال : إن الذي هو أولى بتأويل الآية ما جاء به الأثر عن رسول الله صلي الله عليه وسلم ، من الحديث في صفة الكرسي ، ثم عاد في هذا الموضع يقول : وأما الذي يدل على صحته ظاهر القرآن ، فقول ابن عباس أنه علم الله سبحانه . فإما هذا وإما هذا ، وغير ممكن أن يكون أولى التأويلات في معنى"الكرسي" هو الذي جاء في الحديث الأول ، ويكون معناه أيضًا "العلم" ، كما زعم أنه دل على صحته ظاهر القرآن . وكيف يجمع في تأويل واحد ، معنيان مختلفان في الصفة والجوهر ! ! وإذا كان خبر جعفر بن أبي المغيرة ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ، صحيح الإسناد ، فإن الخبر الآخر الذي رواه مسلم البطين ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ، صحيح الإسناد علىشرط الشيخين ، كما قال الحاكم ، وكما في مجمع الزوائد 6 : 323" رواه الطبراني ، ورجاله رجال الصحيح" ، كما بينته في التعليق على الأثر : 5792 . ومهما قيل فيها ، فلن يكون أحدهما أرجح من الآخر إلا بمرجح يجب التسليم له . وأما أبو منصور الأزهري فقد قال في ذكر الكرسي : "والصحيح عن ابن عباس ما رواه عمار الدهنى ، عن مسلم البطين ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس أنه قال : "الكرسي موضع القدمين ، وأما العرش فإنه لا يقدر قدره . قال : وهذه رواية اتفق أهل العلم على صحتها . قال : ومن روى عنه في الكرسي أنه العلم ، فقد أبطل" ، وهذا هو قول أهل الحق إن شاء الله .وقد أراد الطبري أن يستدل بعد بأن الكرسي هو"العلم" ، بقوله تعالى : "ربنا وسعت كل شيء رحمة وعلما" ، فلم لم يجعل"الكرسي" هو"الرحمة" ، وهما في آية واحدة؟ ولم يجعلها كذلك لقوله تعالى في سورة الأعراف : 156 : "قال عذابي أصيب به من أشاء ورحمتي وسعت كل شيء"؟ واستخراج معنى الكرسي من هذه الآية كما فعل الطبري ، ضعيف جدا ، يجل عنه من كان مثله حذرا ولطفا ودقة .وأما ما ساقه بعد من الشواهد في معنى"الكرسي" ، فإن أكثره لا يقوم على شيء ، وبعضه منكر التأويل ، كما سأبينه بعد إن شاء الله . وكان يحسبه شاهدا ودليلا أنه لم يأت في القرآن في غير هذا الموضع ، بالمعنى الذي قالوه ، وأنه جاء في الآية الأخرى بما ثبت في صحيح اللغة من معنى"الكرسي" ، وذلك قوله تعالى في"سورة ص" : "ولقد فتنا سليمان وألقينا على كرسيه جسدا ثم أناب" . وكتبه محمود محمد شاكر .(52) أخشى أن يكون الصواب : "وأصل الكرس : العلم" (بفتح الكاف وسكون الراء) مما رواه ابن العرابى من قولهم : "كرس الرجل" (بفتح ثم كسر) : إذا ازدحم علمه على قلبه . وجعل أبي جعفر هذا أصلا ، عجب أي عجب! فمادة اللغة تشهد على خلافه ، وتفسير ابن الأعرابى هذا أيضًا شاهد على خلافه . وأنما أصل المادة (كرس) من تراكم الشيء وتلبد بعضه على وتجمعه . وقوله بعد : " ومنه قيل للصحيفة كراسة" ، والأجود أن يقال : إنه من تجمع أوراقه بعضها على بعض ، أو ضم بعضها إلى بعض .(53) لم أجد الرجز ، وقوله : "احتازها" ، أي حازها وضمها إلى نفسه . ولا أدرى إلى أي شيء يعود الضمير : إلى القانص أم إلى كلبه؟ والاستدلال بهذا الرجز على أنه يعنى بقوله : "تكرس" ، علم ، لا دليل عليه ، حتى نجد سائر الشعر ، ولم يذكره أحد من أصحاب اللغة .(54) هذا التفسير مأخوذ من قول قطرب كما سيأتى ، أنهم العلماء ، ولكن أصل مادة اللغة يدل على أن أصل ذلك هو ذلك هو الشيء الثابت الذي يعتمد عليه ، كالكرسي الذي يجلس عليه ، وتسمية العلماء بذلك مجاز محض .(55) لم أعرف قائله .(56) لم أجد البيت ، إلا فيمن نقل عن الطبري ، وفي أساس البلاغة (كرس) أنشده بعد قوله : "ويقال للعلماء الكراسي -عن قطرب" وأنشد البت . ولم أجد من ذكر ذلك من ثقات أهل اللغة .(57) ديوانه : 78 ، واللسان (قدس) (كرس) . و"القدس" هو الله -سبحانه الطاهر المنزه عن العيوب والنقائص . والقدس . ومولاها : ربها . وقد سلف تفسير معنى"القدس" و"القدس" في هذا التفسير 1 : 475 ، 476/ 2 : 322 ، 323 . و"أبو العباس" هو أبو العباس السفاح ، الخليفة العباسي . وروى صاحب اللسان" القديم الكرس" ، و"المعدن" (بفتح الميم وكسر الدال) : مكان كل شيء وأصله الثابت ، ومنه : "معدن الذهب والفضة" ، وهو الموضع الذي ينبت الل فيه الذهب والفضة ، ثم تستخرج منه ، وهو المسمى في زماننا"المنجم" . يقول : أبو العباس أولى نفس بالخلافة ، الثابتة الأصل الكريمته .(58) قوله : "إيادا" مصدر لم أجده في كتب اللغة ، زادناه الطبري .(59) في المخطوطة والمطبوعة : "يكثر عليه" والصواب ما أثبت : "كبر عليه" ، ثقل عليه .(60) كرثه الأمر يكرثه : اشتد عليه وبلغ منه المشقة .(61) انظر ما سلف في ذكره" أهل البحث" فيما سلف قريبا : 387 ، التعليق : 2 .(62) في المخطوطة : "النظر" ، بغير ياء . و"النظر" (بكسر فسكون) ، مثل"النظير" ، مثل : "ند ونديد" . وجائز أن يكون"النظر" (بضمتين) جمع"نظير" ، وهم يكسر"فعيلا" الصفة ، على"فعل" ، بضمتين تشبيها له"بفعيل" الاسم ، كما قالوا في"جديد ، جدد" ، و"نذير ، نذر" . أما النظائر جمع نظير ، فهو شاذ عن بابه .(63) هو الأعشى .(64) ديوانه : 5 ، وقد مضى هذا البيت في تعليقنا آنفًا : 390 ، تعليق : 3 . والزلال : الماء الصافى العذب البارد السائغ في الحلق .(65) الإثبات: إثبات الصفات لله سبحانه كما وصف نفسه ، بلا تأويل ، خلافا للمعتزلة وغيرهم وانظر ما سلف 1 : 189 ، تعليق : 1 .
﴿ الله لا إله إلا هو الحي القيوم لا تأخذه سنة ولا نوم له ما في السموات وما في الأرض من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم ولا يحيطون بشيء من علمه إلا بما شاء وسع كرسيه السموات والأرض ولا يئوده حفظهما وهو العلي العظيم ﴾