هل رأيت -أيها الرسول- أعجب مِن حال هذا الذي جادل إبراهيم عليه السلام في توحيد الله تعالى وربوبيته؛ لأن الله أعطاه المُلْك فتجبَّر وسأل إبراهيمَ: مَن ربُّك؟ فقال عليه السلام: ربي الذي يحيي الخلائق فتحيا، ويسلبها الحياة فتموت، فهو المتفرد بالإحياء والإماتة، قال: أنا أحيي وأميت، أي أقتل مَن أردتُ قَتْلَه، وأستبقي مَن أردت استبقاءه، فقال له إبراهيم: إن الله الذي أعبده يأتي بالشمس من المشرق، فهل تستطيع تغيير هذه السُّنَّة الإلهية بأن تجعلها تأتي من المغرب؛ فتحيَّر هذا الكافر وانقطعت حجته، شأنه شأن الظالمين لا يهديهم الله إلى الحق والصواب.
﴿ تفسير الجلالين ﴾
«ألم ترَ إلى الذي حَاًجَّ» جادل «إبراهيم في ربّه» ل «أن آتاه الله الملك» أي حمله بطره بنعمة الله على ذلك وهو نمرود «إذ» بدل من حاج «قال إبراهيم» لما قال له من ربُّك الذي تدعونا إليه: «ربي الذي يحيي ويميت» أي يخلق الحياة والموت في الأجساد «قال» هو «أنا أحيي وأميت» بالقتل والعفو عنه ودعا برجلين فقتل أحدهما وترك الآخر فلما رآه غبيا «قال إبراهيم» منتقلا إلى حجة أوضح منها «فإن الله يأتي بالشمس من المشرق فأت بها» أنت «من المغرب فَبُهت الذي كفر» تحيَّر ودُهش «والله لا يهدي القوم الظالمين» بالكفر إلى محجَّة الاحتجاج.
﴿ تفسير السعدي ﴾
يقول تعالى: ألم تر إلى الذي حاج إبراهيم في ربه أي: إلى جرائته وتجاهله وعناده ومحاجته فيما لا يقبل التشكيك، وما حمله على ذلك إلا أن آتاه الله الملك فطغى وبغى ورأى نفسه مترئسا على رعيته، فحمله ذلك على أن حاج إبراهيم في ربوبية الله فزعم أنه يفعل كما يفعل الله، فقال إبراهيم ربي الذي يحيي ويميت أي: هو المنفرد بأنواع التصرف، وخص منه الإحياء والإماتة لكونهما أعظم أنواع التدابير، ولأن الإحياء مبدأ الحياة الدنيا والإماتة مبدأ ما يكون في الآخرة، فقال ذلك المحاج: أنا أحيي وأميت ولم يقل أنا الذي أحيي وأميت، لأنه لم يدع الاستقلال بالتصرف، وإنما زعم أنه يفعل كفعل الله ويصنع صنعه، فزعم أنه يقتل شخصا فيكون قد أماته، ويستبقي شخصا فيكون قد أحياه، فلما رآه إبراهيم يغالط في مجادلته ويتكلم بشيء لا يصلح أن يكون شبهة فضلا عن كونه حجة، اطرد معه في الدليل فقال إبراهيم: فإن الله يأتي بالشمس من المشرق أي: عيانا يقر به كل أحد حتى ذلك الكافر فأت بها من المغرب وهذا إلزام له بطرد دليله إن كان صادقا في دعواه، فلما قال له أمرا لا قوة له في شبهة تشوش دليله، ولا قادحا يقدح في سبيله بهت الذي كفر أي: تحير فلم يرجع إليه جوابا وانقطعت حجته وسقطت شبهته، وهذه حالة المبطل المعاند الذي يريد أن يقاوم الحق ويغالبه، فإنه مغلوب مقهور، فلذلك قال تعالى: والله لا يهدي القوم الظالمين بل يبقيهم على كفرهم وضلالهم، وهم الذين اختاروا لأنفسهم ذلك، وإلا فلو كان قصدهم الحق والهداية لهداهم إليه ويسر لهم أسباب الوصول إليه، ففي هذه الآية برهان قاطع على تفرد الرب بالخلق والتدبير، ويلزم من ذلك أن يفرد بالعبادة والإنابة والتوكل عليه في جميع الأحوال، قال ابن القيم رحمه الله: وفي هذه المناظرة نكتة لطيفة جدا، وهي أن شرك العالم إنما هو مستند إلى عبادة الكواكب والقبور، ثم صورت الأصنام على صورها، فتضمن الدليلان اللذان استدل بهما إبراهيم إبطال إلهية تلك جملة بأن الله وحده هو الذي يحيي ويميت، ولا يصلح الحي الذي يموت للإلهية لا في حال حياته ولا بعد موته، فإن له ربا قادرا قاهرا متصرفا فيه إحياء وإماتة، ومن كان كذلك فكيف يكون إلها حتى يتخذ الصنم على صورته، ويعبد من دونه، وكذلك الكواكب أظهرها وأكبرها للحس هذه الشمس وهي مربوبة مدبرة مسخرة، لا تصرف لها بنفسها بوجه ما، بل ربها وخالقها سبحانه يأتي بها من مشرقها فتنقاد لأمره ومشيئته، فهي مربوبة مسخرة مدبرة، لا إله يعبد من دون الله. " من مفتاح دار السعادة
﴿ تفسير البغوي ﴾
قوله تعالى : ( ألم تر إلى الذي حاج إبراهيم في ربه ) معناه هل انتهى إليك يا محمد خبر الذي حاج إبراهيم أي خاصم وجادل وهو نمرود وهو أول من وضع التاج على رأسه وتجبر في الأرض وادعى الربوبية؟ ( أن آتاه الله الملك ) أي لأن آتاه الله الملك فطغى أي كانت تلك المحاجة من بطر الملك وطغيانه قال مجاهد : ملك الأرض أربعة مؤمنان وكافران فأما المؤمنان فسليمان وذو القرنين ، وأما الكافران فنمرود وبختنصر .واختلفوا في وقت هذه المناظرة قال مقاتل : لما كسر إبراهيم الأصنام سجنه نمرود ثم أخرجه ليحرقه بالنار فقال له : من ربك الذي تدعونا إليه؟ فقال ربي الذي يحيي ويميت وقال آخرون : كان هذا بعد إلقائه في النار وذلك أن الناس قحطوا على عهد نمرود وكان الناس يمتارون من عنده الطعام فكان إذا أتاه الرجل في طلب الطعام سأله من ربك؟ فإن قال أنت باع منه الطعام فأتاه إبراهيم فيمن أتاه فقال له نمرود : من ربك؟ قال : ربي الذي يحيي ويميت فاشتغل بالمحاجة ولم يعطه شيئا فرجع إبراهيم فمر على كثيب من رمل أعفر فأخذ منه تطييبا لقلوب أهله إذا دخل عليهم فلما أتى أهله ووضع متاعه نام فقامت امرأته إلى متاعه ففتحته فإذا هو أجود طعام ما رآه أحد فأخذته فصنعت له منه فقربته إليه فقال : من أين هذا؟ قالت من الطعام الذي جئت به فعرف أن الله رزقه فحمد الله .قال الله تعالى : ( إذ قال إبراهيم ربي الذي يحيي ويميت ) [ وهذا جواب سؤال غير مذكور تقديره قال له : من ربك؟ فقال إبراهيم ( ربي الذي يحيي ويميت ) ] قرأ حمزة ( ربي الذي يحيي ويميت ) بإسكان الياء وكذلك " حرم ربي الفواحش " ( 33 - الأعراف ) و " عن آياتي الذين يتكبرون " ( 146 - الأعراف ) و " قل لعبادي الذين " ( 31 - إبراهيم ) و " آتاني الكتاب " ( 30 - مريم ) و " مسني الضر " ( 83 - الأنبياء ) و " عبادي الصالحون " ( 105 - الأنبياء ) و " عبادي الشكور " ( 13 - سبأ ) و " مسني الشيطان " ( 41 - ص ) و " إن أرادني الله " ( 38 - الزمر ) و " إن أهلكني الله " ( 28 - الملك ) أسكن الياء فيهن حمزة ووافق ابن عامر والكسائي في " لعبادي الذين آمنوا " وابن عامر " آياتي الذين " وفتحها الآخرون ، ( قال ) نمرود ( أنا أحيي وأميت )قرأ أهل المدينة ( أنا ) بإثبات الألف والمد في الوصل إذا تلتها ألف مفتوحة أو مضمومة والباقون بحذف الألف ووقفوا جميعا بالألف قال أكثر المفسرين : دعا نمرود برجلين فقتل أحدهما واستحيا الآخر فجعل ترك القتل إحياء له فانتقل إبراهيم إلى حجة أخرى لا عجزا فإن حجته كانت لازمة لأنه أراد بالإحياء إحياء الميت فكان له أن يقول : فأحي من أمت إن كنت صادقا فانتقل إلى حجة أخرى أوضح من الأولى .( قال إبراهيم فإن الله يأتي بالشمس من المشرق فأت بها من المغرب فبهت الذي كفر ) أي تحير ودهش وانقطعت حجته . فإن قيل : كيف بهت وكان يمكنه أن يعارض إبراهيم فيقول له : سل أنت ربك حتى يأتي بها من المغرب قيل : إنما لم يقله لأنه خاف أن لو سأل ذلك دعا إبراهيم ربه فكان زيادة في فضيحته وانقطاعه والصحيح أن الله صرفه عن تلك المعارضة إظهارا للحجة عليه أو معجزة لإبراهيم عليه السلام ( والله لا يهدي القوم الظالمين ) .
﴿ تفسير الوسيط ﴾
حَاجَّ أى جادل وخاصم والمحاجة: المخاصمة والمغالبة بالقول يقال حاججته فحججته أى خاصمته بالقول فتغلبت عليه وتستعمل المحاجة كثيرا في المخاصمة بالباطل ومن ذلك قوله- تعالى-: فَإِنْ حَاجُّوكَ فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ لِلَّهِ وَمَنِ اتَّبَعَنِ.. وقوله- تعالى-:وَحاجَّهُ قَوْمُهُ قالَ أَتُحاجُّونِّي فِي اللَّهِ وَقَدْ هَدانِ.والمعنى: لقد علمت أيها العاقل صفة ذلك الكافر المغرور الذي جادل إبراهيم- عليه السلام- في شأن خالقه عز وجل- ومن لم يعلم قصته فها نحن أولاء نخبره بها عن طريق هذا الكتاب العزيز الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه.والاستفهام للتعجب من شأن هذا الكافر وما صار إليه أمر غروره وبطره والمراد به- كما قال ابن كثير- نمرود بن كنعان بن كوس بن سام ابن نوح ملك بابل، وكان معاصرا لسيدنا إبراهيم- عليه السلام- وأطلق القرآن على ما دار بين هذا الملك المغرور وبين سيدنا إبراهيم أنها محاجة مع أنها مجادلة بالباطل من هذا الملك، أطلق ذلك من باب المماثلة اللفظية أو هي محاجة في نظره السقيم ورأيه الباطل.والضمير في قوله: فِي رَبِّهِ يعود إلى إبراهيم- عليه السلام- وقيل يعود إلى نمرود لأنه هو المتحدث عنه فالضمير يعود إليه والإضافة- على الرأى الأول- للتشريف، وللإيذان من أول الأمر بأن الله- تعالى- مؤيد وناصر لعبده إبراهيم. وقوله: أَنْ آتاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ بيان لسبب إقدام هذا الملك على ما أقدم عليه من ضلال وطغيان. أى سبب هذه المحاجة لأنه أعطاه الله- تعالى- الملك فبطر وتكبر ولم يشكره- سبحانه- على هذه النعمة، بل استعملها في غير ما خلقت له فقوله: أَنْ آتاهُ مفعول لأجله، والكلام على تقدير حذف لام الجر، وهو مطرد الحذف مع أن وأن.وقوله: إِذْ قالَ إِبْراهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ حكاية لما قاله إبراهيم عليه السلام لذلك الملك في مقام التدليل على وحدانية الله وأنه- سبحانه- هو المستحق للعبادة أى قال له: ربي وحده هو الذي ينشئ الحياة ويوجدها، ويميت الأرواح ويفقدها حياتها، ولا يوجد أحد سواه يستطيع أن يفعل ذلك.وقول إبراهيم- كما حكاه القرآن-: رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ مفيد للقصر عن طريق تعريف المبتدأ وهو رَبِّيَ والخبر هو الموصول وصلته.وعبر بالمضارع في قوله: يُحْيِي وَيُمِيتُ لإفادة معنى التجدد والحدوث الذي يرى ويحس بين وقت وآخر.أى ربي هو الذي يحيى الناس ويميتهم كما ترى ذلك مشاهدا في كثير من الأوقات، فمن الواجب عليك أن تخصه بالعبادة والخضوع وأن تقلع عما أنت فيه من كفر وطغيان وضلال.وقوله: إِذْ قالَ إِبْراهِيمُ ظرف لقوله: حَاجَّ أو بدل اشتمال منه، وفي هذا القول الذي حكاه القرآن عن إبراهيم- عليه السلام- أوضح حجة وأقواها على وحدانية الله واستحقاقه للعبادة، لأن كل عاقل يدرك أن الحق هو الذي يملك الإحياء والإماتة ويملك بعث الناس يوم القيامة ليحاسبهم على أعمالهم وهو أمر ينكره ذلك الملك الكافر.قال الإمام الرازي ما ملخصه: والظاهر أن قول إبراهيم رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ جواب لسؤال سابق غير مذكور. وذلك لأنه من المعلوم أن الأنبياء بعثوا للدعوة إلى الله، ومتى ادعى الرسول الرسالة فإن المنكر يطالبه بإثبات أن للعالم إلها. فالظاهر هنا أن إبراهيم ادعى الرسالة فقال له نمرود: من ربك؟ فقال إبراهيم: ربي الذي يحيى ويميت، إلا أن تلك المقدمة حذفت لأن الواقعة تدل عليها، ودليل إبراهيم في غاية الصحة لأن الخلق عاجزون عن الإحياء والإماتة وقدم ذكر الحياة على الموت هنا. لأن من شأن الدليل أن يكون في غاية الوضوح والقوة، ولا شك أن عجائب الخلقة حال الحياة أكثر، واطلاع الإنسان عليها أتم فلا جرم وجب تقديم الحياة هاهنا في الذكر».ثم حكى القرآن جواب نمرود على إبراهيم فقال: قالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ أى قال ذلك الطاغية: إذا كنت يا إبراهيم تدعى أن ربك وحده الذي يحيى ويميت فأنا أعارضك في ذلك لأنى أنا- أيضا أحيى وأميت وما دام الأمر كذلك فأنا مستحق للربوبية. قالوا: ويقصد بقوله هذا أنه يستطيع أن يعفو عمن حكم بقتله، ويقتل من شاء أن يقتله.ولقد كان في استطاعة إبراهيم- عليه السلام- أن يبطل قوله، بأن يبين له بأن ما يدعيه ليس من الأحياء والإماتة المقصودين بالاحتجاج، لأن ما قصده إبراهيم هو إنشاء الحياة وإنشاء الموت، كان في استطاعة الخليل- عليه السلام- أن يفعل ذلك، ولكنه آثر ترك فتح باب الجدال والمحاورة، وأتاه بحجة هي غاية في الإفحام فقال له- كما حكى القرآن: فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِها مِنَ الْمَغْرِبِ.أى قال إبراهيم لخصمه المغرور: لقد زعمت أنك تملك الإحياء والإماتة كما يملك الله- تعالى- ذلك، ومن شأن هذا الزعم أن يجعلك مشاركا لله- تعالى- في قدرته فإن كان ذلك صحيحا فأنت ترى وغيرك يرى أن الله- تعالى- يأتى بالشمس من جهة المشرق عند شروقها فأنت بها أنت من جهة المغرب في هذا الوقت فماذا كانت نتيجة هذه الحجة الدامغة التي قذفها إبراهيم- عليه السلام- في وجه خصمه؟ كانت نتيجتها- كما حكى القرآن- فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ أى: غلب وقهر، وتحير وانقطع عن حجاجه، واضطرب ولم يستطع أن يتكلم، لأنه فوجئ بما لا يملك دفعه. وفَبُهِتَ فعل ماض جاء على صورة الفعل المبنى للمجهول- كزهى وزكم- والمعنى فيه على البناء للفاعل. وقوله: الَّذِي كَفَرَ هو فاعله. والبهت:الانقطاع والحيرة، وقرئ بوزن- علم ونصر وكرم.والفاء في قوله: فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ.. إلخ فصيحة لأنها أفصحت عن جواب لشرط مقدر أى إن كنت كما تزعم أنك تحيى وتميت وأن قدرتك كقدرة الله فإن الله- تعالى- يأتى بالشمس من المشرق فأت بها من المغرب.وعبر عن هذا المبهوت بقوله: الَّذِي كَفَرَ للإشعار بأن سبب حيرته واضطرابه هو كفره وعناده.ثم ختم- سبحانه- الآية بقوله: وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ أى لا يهديهم إلى طريق الحق. ولا يلهمهم حجة ولا برهانا. بسبب ظلمهم وطغيانهم وإيثارهم طريق الشيطان على طريق الرحمن.وبذلك نرى أن الآية الكريمة قد حكت للناس لونا من ألوان رعاية الله لأوليائه وخذلانه لأعدائه لكي يكون في ذلك عبرة وعظة لقوم يعقلون.ثم ساقت السورة الكريمة قصتين تدلان أبلغ دلالة على قدرة الله- تعالى- وعلى صحة البعث والنشور استمع إلى القرآن وهو يحكى هاتين القصتين بأسلوبه البليغ فيقول:
﴿ تفسير ابن كثير ﴾
هذا الذي حاج إبراهيم في ربه وهو ملك بابل : نمروذ بن كنعان بن كوش بن سام بن نوح . ويقال : نمرود بن فالخ بن عابر بن شالخ بن أرفخشذ بن سام بن نوح والأول قول مجاهد وغيره .قال مجاهد : وملك الدنيا مشارقها ومغاربها أربعة : مؤمنان وكافران ، فالمؤمنان : سليمان بن داود وذو القرنين . والكافران : نمرود [ بن كنعان ] وبختنصر . فالله أعلم .ومعنى قوله : ( ألم تر ) أي : بقلبك يا محمد ( إلى الذي حاج إبراهيم في ربه ) أي : [ في ] وجود ربه . وذلك أنه أنكر أن يكون ثم إله غيره كما قال بعده فرعون لملئه : ( ما علمت لكم من إله غيري ) [ القصص : 38 ] وما حمله على هذا الطغيان والكفر الغليظ والمعاندة الشديدة إلا تجبره ، وطول مدته في الملك ; وذلك أنه يقال : إنه مكث أربعمائة سنة في ملكه ; ولهذا قال : ( أن آتاه الله الملك ) وكأنه طلب من إبراهيم دليلا على وجود الرب الذي يدعو إليه فقال إبراهيم : ( ربي الذي يحيي ويميت ) أي : الدليل على وجوده حدوث هذه الأشياء المشاهدة بعد عدمها ، وعدمها بعد وجودها . وهذا دليل على وجود الفاعل المختار ضرورة ; لأنها لم تحدث بنفسها فلا بد لها من موجد أوجدها وهو الرب الذي أدعو إلى عبادته وحده لا شريك له . فعند ذلك قال المحاج وهو النمروذ : ( أنا أحيي وأميت )قال قتادة ومحمد بن إسحاق والسدي وغير واحد : وذلك أني أوتى بالرجلين قد استحقا القتل فآمر بقتل أحدهما فيقتل ، وبالعفو عن الآخر فلا يقتل . فذلك معنى الإحياء والإماتة .والظاهر والله أعلم أنه ما أراد هذا ; لأنه ليس جوابا لما قال إبراهيم ولا في معناه ; لأنه غير مانع لوجود الصانع . وإنما أراد أن يدعي لنفسه هذا المقام عنادا ومكابرة ويوهم أنه الفاعل لذلك وأنه هو الذي يحيي ويميت ، كما اقتدى به فرعون في قوله : ( ما علمت لكم من إله غيري ) ولهذا قال له إبراهيم لما ادعى هذه المكابرة : ( فإن الله يأتي بالشمس من المشرق فأت بها من المغرب ) أي : إذا كنت كما تدعي من أنك [ أنت الذي ] تحيي وتميت فالذي يحيي ويميت هو الذي يتصرف في الوجود في خلق ذواته وتسخير كواكبه وحركاته ، فهذه الشمس تبدو كل يوم من المشرق ، فإن كنت إلها كما ادعيت تحيي وتميت فأت بها من المغرب . فلما علم عجزه وانقطاعه ، وأنه لا يقدر على المكابرة في هذا المقام بهت أي : أخرس فلا يتكلم ، وقامت عليه الحجة . قال الله تعالى ( والله لا يهدي القوم الظالمين ) أي : لا يلهمهم حجة ولا برهانا بل حجتهم داحضة عند ربهم ، وعليهم غضب ولهم عذاب شديد .وهذا التنزيل على هذا المعنى أحسن مما ذكره كثير من المنطقيين : أن عدول إبراهيم عن المقام الأول إلى المقام الثاني انتقال من دليل إلى أوضح منه ، ومنهم من قد يطلق عبارة ردية . وليس كما قالوه بل المقام الأول يكون كالمقدمة للثاني ويبين بطلان ما ادعاه نمروذ في الأول والثاني ، ولله الحمد والمنة .وقد ذكر السدي أن هذه المناظرة كانت بين إبراهيم ونمروذ بعد خروج إبراهيم من النار ولم يكن اجتمع بالملك إلا في ذلك اليوم فجرت بينهما هذه المناظرة .وروى عبد الرزاق عن معمر عن زيد بن أسلم : أن النمروذ كان عنده طعام وكان الناس يغدون إليه للميرة فوفد إبراهيم في جملة من وفد للميرة فكان بينهما هذه المناظرة ولم يعط إبراهيم من الطعام كما أعطى الناس بل خرج وليس معه شيء من الطعام ، فلما قرب من أهله عمد إلى كثيب من التراب فملأ منه عدليه وقال : أشغل أهلي عني إذا قدمت عليهم ، فلما قدم وضع رحاله وجاء فاتكأ فنام . فقامت امرأته سارة إلى العدلين فوجدتهما ملآنين طعاما طيبا فعملت منه طعاما . فلما استيقظ إبراهيم وجد الذي قد أصلحوه فقال : أنى لكم هذا ؟ قالت : من الذي جئت به . فعرف أنه رزق رزقهموه الله عز وجل . قال زيد بن أسلم : وبعث الله إلى ذلك الملك الجبار ملكا يأمره بالإيمان بالله فأبى عليه ثم دعاه الثانية فأبى ثم الثالثة فأبى وقال : اجمع جموعك وأجمع جموعي . فجمع النمروذ جيشه وجنوده وقت طلوع الشمس ، وأرسل الله عليهم بابا من البعوض بحيث لم يروا عين الشمس وسلطها الله عليهم فأكلت لحومهم ودماءهم وتركتهم عظاما بادية ، ودخلت واحدة منها في منخري الملك فمكثت في منخريه أربعمائة سنة ، عذبه الله بها فكان يضرب رأسه بالمرازب في هذه المدة كلها حتى أهلكه الله بها .
﴿ تفسير القرطبي ﴾
ألم تر إلى الذي حاج إبراهيم في ربه أن آتاه الله الملك إذ قال إبراهيم ربي الذي يحيي ويميت قال أنا أحيي وأميت قال إبراهيم فإن الله يأتي بالشمس من المشرق فأت بها من المغرب فبهت الذي كفر والله لا يهدي القوم الظالمين فيه مسألتان : الأولى : قوله تعالى : ( ألم تر ) هذه ألف التوقيف ، وفي الكلام معنى التعجب ، أي اعجبوا له . وقال الفراء : ألم تر بمعنى هل رأيت ، أي هل رأيت الذي حاج إبراهيم ، وهل رأيت الذي مر على قرية ، وهو النمروذ بن كوش بن كنعان بن سام بن نوح ملك زمانه وصاحب النار والبعوضة هذا قول ابن عباس ومجاهد وقتادة والربيع والسدي وابن إسحاق وزيد بن أسلم وغيرهم . وكان إهلاكه لما قصد المحاربة مع الله تعالى بأن فتح الله تعالى عليه بابا من البعوض فستروا عين الشمس وأكلوا عسكره ولم يتركوا إلا العظام ، ودخلت واحدة منها في دماغه فأكلته حتى صارت مثل الفأرة ، فكان أعز الناس عنده بعد ذلك من يضرب دماغه بمطرقة عتيدة لذلك ، فبقي في البلاء أربعين يوما . قال ابن جريج : هو أول ملك في الأرض . قال ابن عطية : وهذا مردود . وقال قتادة : هو أول من تجبر وهو صاحب الصرح ببابل . وقيل : إنه ملك الدنيا بأجمعها ، وهو أحد الكافرين ، والآخر بختنصر . وقيل : إن الذي حاج إبراهيم نمروذ بن فالخ بن عابر بن شالخ بن أرفخشد بن سام ، حكى جميعه ابن عطية . وحكى السهيلي أنه النمروذ بن كوش بن كنعان بن حام بن نوح وكان ملكا على السواد وكان ملكه الضحاك الذي يعرف بالازدهاق واسمه بيوراسب بن أندراست وكان ملك الأقاليم كلها ، وهو الذي قتله أفريدون بن أثفيان ، وفيه يقول حبيب بن ( أوس ، أبو تمام ) :وكأنه الضحاك من فتكاته في العالمين وأنت أفريدونوكان الضحاك طاغيا جبارا ودام ملكه ألف عام فيما ذكروا . وهو أول من صلب وأول من قطع الأيدي والأرجل ، وللنمروذ ابن لصلبه يسمى ( كوشا ) أو نحو هذا الاسم ، وله ابن يسمى نمروذ الأصغر . وكان ملك نمروذ الأصغر عاما واحدا ، وكان ملك نمروذ الأكبر أربعمائة عام فيما ذكروا . وفي قصص هذه المحاجة روايتان : إحداهما أنهم خرجوا إلى عيد لهم فدخل إبراهيم على أصنامهم فكسرها ، فلما رجعوا قال لهم : أتعبدون ما تنحتون ؟ فقالوا : فمن تعبد ؟ قال : أعبد ربي الذي يحيي ويميت . وقال بعضهم : إن نمروذ كان يحتكر الطعام فكانوا إذا احتاجوا إلى الطعام يشترونه منه ، فإذا دخلوا عليه سجدوا له ، فدخل إبراهيم فلم يسجد له ، فقال : ما لك لا تسجد لي! قال : أنا لا أسجد إلا لربي . فقال له نمروذ : من ربك ؟ قال إبراهيم : ربي الذي يحيي ويميت . وذكر زيد بن أسلم أن النمروذ هذا قعد يأمر الناس بالميرة ، فكلما جاء قوم يقول : من ربكم وإلهكم ؟ فيقولون أنت ، فيقول : ميروهم . وجاء إبراهيم عليه السلام يمتار فقال له : من ربك وإلهك ؟ قال إبراهيم : ربي الذي يحيي ويميت ، فلما سمعها نمروذ قال : أنا أحيي وأميت ، فعارضه إبراهيم بأمر الشمس فبهت الذي كفر ، وقال لا تميروه ، فرجع إبراهيم إلى أهله دون شيء فمر على كثيب رمل كالدقيق فقال في نفسه : لو ملأت غرارتي من هذا فإذا دخلت به فرح الصبيان حتى أنظر لهم ، فذهب بذلك فلما بلغ منزله فرح الصبيان وجعلوا يلعبون فوق الغرارتين ونام هو من الإعياء ، فقالت امرأته : لو صنعت له طعاما يجده حاضرا إذا انتبه ، ففتحت إحدى الغرارتين فوجدت أحسن ما يكون من الحوارى فخبزته ، فلما قام وضعته بين يديه فقال : من أين هذا ؟ فقالت : من الدقيق الذي سقت . فعلم إبراهيم أن الله تعالى يسر لهم ذلك .قلت : وذكر أبو بكر بن أبي شيبة عن أبي صالح قال : انطلق إبراهيم النبي عليه السلام يمتار فلم يقدر على الطعام ، فمر بسهلة حمراء فأخذ منها ثم رجع إلى أهله فقالوا : ما هذا ؟ فقال : حنطة حمراء ، ففتحوها فوجدوها حنطة حمراء ، قال : وكان إذا زرع منها شيئا جاء سنبله من أصلها إلى فرعها حبا متراكبا . وقال الربيع وغيره في هذا القصص : إن النمروذ لما قال أنا أحيي وأميت أحضر رجلين فقتل أحدهما وأرسل الآخر فقال : قد أحييت هذا وأمت هذا ، فلما رد عليه بأمر الشمس بهت . وروي في الخبر : أن الله تعالى قال وعزتي وجلالي لا تقوم الساعة حتى آتي بالشمس من المغرب ليعلم أني أنا القادر على ذلك . ثم أمر نمروذ بإبراهيم فألقي في النار ، وهكذا عادة الجبابرة فإنهم إذا عورضوا بشيء وعجزوا عن الحجة اشتغلوا بالعقوبة ، فأنجاه الله من النار ، على ما يأتي . وقال السدي : إنه لما خرج إبراهيم من النار أدخلوه على الملك - ولم يكن قبل ذلك دخل عليه - فكلمه وقال له : من ربك ؟ فقال : ربي الذي يحيي ويميت . قال النمروذ : أنا أحيي وأميت ، وأنا آخذ أربعة نفر فأدخلهم بيتا ولا يطعمون شيئا ولا يسقون حتى إذا جاعوا أخرجتهم فأطعمت اثنين فحييا وتركت اثنين فماتا . فعارضه إبراهيم بالشمس فبهت . وذكر الأصوليون في هذه الآية أن إبراهيم عليه السلام لما وصف ربه تعالى بما هو صفة له من الإحياء والإماتة لكنه أمر له حقيقة ومجاز ، قصد إبراهيم عليه السلام إلى الحقيقة ، وفزع نمروذ إلى المجاز وموه على قومه ، فسلم له إبراهيم تسليم الجدل وانتقل معه من المثال وجاءه بأمر لا مجاز فيه ( فبهت الذي كفر ) أي انقطعت حجته ولم يمكنه أن يقول أنا الآتي بها من المشرق ؛ لأن ذوي الألباب يكذبونه .الثانية : هذه الآية تدل على جواز تسمية الكافر ملكا إذا آتاه الله الملك والعز والرفعة في الدنيا ، وتدل على إثبات المناظرة والمجادلة وإقامة الحجة . وفي القرآن والسنة من هذا كثير لمن تأمله ، قال الله تعالى : قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين . إن عندكم من سلطان ؛ أي من حجة . وقد وصف خصومة إبراهيم عليه السلام قومه ورده عليهم في عبادة الأوثان كما في سورة ( الأنبياء ) وغيرها . وقال في قصة نوح عليه السلام : قالوا يا نوح قد جادلتنا فأكثرت جدالنا الآيات إلى قوله : وأنا بريء مما تجرمون . وكذلك مجادلة موسى مع فرعون إلى غير ذلك من الآي . فهو كله تعليم من الله عز وجل السؤال والجواب والمجادلة في الدين ؛ لأنه لا يظهر الفرق بين الحق والباطل إلا بظهور حجة الحق ودحض حجة الباطل . وجادل رسول الله صلى الله عليه وسلم أهل الكتاب وباهلهم بعد الحجة ، على ما يأتي بيانه في ( آل عمران ) . وتحاج آدم وموسى فغلبه آدم بالحجة . وتجادل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم السقيفة وتدافعوا وتقرروا وتناظروا حتى صدر الحق في أهله ، وتناظروا بعد مبايعة أبي بكر في أهل الردة ، إلى غير ذلك مما يكثر إيراده . وفي قول الله عز وجل : فلم تحاجون فيما ليس لكم به علم ؛ دليل على أن الاحتجاج بالعلم مباح شائع لمن تدبر . قال المزني صاحب الشافعي : ومن حق المناظرة أن يراد بها الله عز وجل وأن يقبل منها ما تبين . وقالوا : لا تصح المناظرة ويظهر الحق بين المتناظرين حتى يكونوا متقاربين أو مستويين في مرتبة واحدة من الدين والعقل والفهم والإنصاف ، وإلا فهو مراء ومكابرة .قراءات - قرأ علي بن أبي طالب " ألم تر " بجزم الراء ، والجمهور بتحريكها ، وحذفت الياء للجزم . أن آتاه الله الملك في موضع نصب ، أي لأن آتاه الله ، أو من أجل أن آتاه الله . وقرأ جمهور القراء " أن أحيي " بطرح الألف التي بعد النون من " أنا " في الوصل ، وأثبتها نافع وابن أبي أويس ، إذا لقيتها همزة في كل القرآن إلا في قوله تعالى : إن أنا إلا نذير فإنه يطرحها في هذا الموضع مثل سائر القراء لقلة ذلك ، فإنه لم يقع منه في القرآن إلا ثلاثة مواضع أجراها مجرى ما ليس بعده همزة لقلته فحذف الألف في الوصل . قال النحويون : ضمير المتكلم الاسم فيه الهمزة والنون ، فإذا قلت : أنا أو أنه فالألف والهاء لبيان الحركة في الوقف ، فإذا اتصلت الكلمة بشيء سقطتا ؛ لأن الشيء الذي تتصل به الكلمة يقوم مقام الألف ، فلا يقال : أنا فعلت بإثبات الألف إلا شاذا في الشعر كما قال الشاعر :أنا سيف العشيرة فاعرفوني حميدا قد تذريت السناماقال النحاس : على أن نافعا قد أثبت الألف فقرأ " أنا أحيي وأميت " ولا وجه له . قال مكي : والألف زائدة عند البصريين ، والاسم المضمر عندهم الهمزة والنون وزيدت الألف للتقوية . وقيل : زيدت للوقف لتظهر حركة النون . والاسم عند الكوفيين " أنا " بكماله ، فنافع في إثبات الألف على قولهم على الأصل ، وإنما حذف الألف من حذفها تخفيفا ؛ ولأن الفتحة تدل عليها . قال الجوهري : وأما قولهم " أنا " فهو اسم مكني وهو للمتكلم وحده ، وإنما بني على الفتح فرقا بينه وبين " أن " التي هي حرف ناصب للفعل ، والألف الأخيرة إنما هي لبيان الحركة في الوقف ، فإن توسطت الكلام سقطت إلا في لغة رديئة ، كما قال :أنا سيف العشيرة فاعرفوني حميدا قد تذريت السناماوبهت الرجل وبهت وبهت إذا انقطع وسكت متحيرا ، عن النحاس وغيره . وقال الطبري : وحكي عن بعض العرب في هذا المعنى " بهت " بفتح الباء والهاء . قال ابن جني قرأ أبو حيوة : " فبهت الذي كفر " بفتح الباء وضم الهاء ، وهي لغة في " بهت " بكسر الهاء . قال : وقرأ ابن السميقع " فبهت " بفتح الباء والهاء على معنى فبهت إبراهيم الذي كفر ، فالذي في موضع نصب . قال : وقد يجوز أن يكون بهت بفتحها لغة في بهت . قال : وحكى أبو الحسن الأخفش قراءة " فبهت " بكسر الهاء كغرق ودهش . قال : والأكثرون بالضم في الهاء . قال ابن عطية : وقد تأول قوم في قراءة من قرأ " فبهت " بفتحها أنه بمعنى سب وقذف ، وأن نمروذ هو الذي سب حين انقطع ولم تكن له حيلة .
﴿ تفسير الطبري ﴾
القول في تأويل قوله : أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ أَنْ آتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَقال أبو جعفر: يعني تعالى ذكره بقوله: " ألم تر إلى الذي حاج إبراهيم في ربه " ألم تر، يا محمد، بقلبك (17) .=" الذي حاج إبراهيم "، يعني الذي خاصم (18) " إبراهيم "، يعني: إبراهيم نبي الله صلى الله عليه وسلم =" في ربه أن آتاه الله الملك "، يعني بذلك: حاجه فخاصمه في ربه، لأن الله آتاه الملك.* * *وهذا تعجيب من الله تعالى ذكره نبيه محمدا صلى الله عليه وسلم، من الذي حاج إبراهيم في ربه. ولذلك أدخلت " إلى " في قوله: " ألم تر إلى الذي حاج "، وكذلك تفعل العرب إذا أرادت التعجيب من رجل في بعض ما أنكرت من فعله، قالوا: " ما ترى إلى هذا "؟! والمعنى: هل رأيت مثل هذا، أو كهذا؟! (19) .* * *وقيل: إن " الذي حاج إبراهيم في ربه " جبار كان ببابل يقال له: نمرود بن كنعان بن كوش بن سام بن نوح = وقيل: إنه نمرود بن فالخ بن عابر بن شالخ بن أرفخشذ بن سام بن نوح.* ذكر من قال ذلك:5861 - حدثني محمد بن عمرو، حدثنا أبو عاصم، عن عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قول الله: " ألم تر إلى الذي حاج إبراهيم في ربه أن آتاه الله الملك "، قال: هو نمرود بن كنعان.5862 - حدثني المثنى، قال: حدثنا أبو حذيفة، قال: حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله.5863 - حدثني المثنى، قال: حدثنا أبو نعيم، عن سفيان، عن ليث، عن مجاهد، مثله.5864 - حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا أبي، عن النضر بن عربي، عن مجاهد، مثله. (20) .5865 - حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة: " ألم تر إلى الذي حاج إبراهيم في ربه "، قال: كنا نحدث أنه ملك يقال له نمروذ، (21) وهو أول ملك تجبر في الأرض، وهو صاحب الصرح ببابل.5866 - حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قتادة، قال: هو اسمه نمروذ، وهو أول ملك تجبر في الأرض، حاج إبراهيم في ربه.5867 - حدثني المثنى، قال: حدثنا إسحاق، قال: حدثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع في قوله: " ألم تر إلى الذي حاج إبراهيم في ربه أن آتاه الله الملك "، قال: ذكر لنا أن الذي حاج إبراهيم في ربه كان ملكا يقال له نمروذ، وهو أول جبار تجبر في الأرض، وهو صاحب الصرح ببابل.5868 - حدثنا موسى، قال: حدثنا عمرو، قال: حدثنا أسباط، عن السدي، قال: هو نمروذ بن كنعان.5869 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد: هو نمروذ.5870 - حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق، مثله.5871 - حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، قال: أخبرني زيد بن أسلم، بمثله.5872 - حدثنا القاسم، قال: حدثنا الحسين، قال: حدثني حجاج، عن ابن جريج، قال: أخبرني عبد الله بن كثير أنه سمع مجاهدا يقول: هو نمرود= قال ابن جريج: هو نمرود، ويقال إنه أول ملك في الأرض.* * *القول في تأويل قوله : إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (258)قال أبو جعفر: يعني تعالى ذكره بذلك: ألم تر، يا محمد، إلى الذي حاج إبراهيم في ربه حين قال له إبراهيم: " ربي الذي يحيي ويميت "، يعني بذلك: ربي الذي بيده الحياة والموت، يحيي من يشاء ويميت من أراد بعد الإحياء. قال: أنا أفعل ذلك، فأحيي وأميت، أستحيي من أردت قتله فلا أقتله، فيكون ذلك مني إحياء له= وذلك عند العرب يسمى " إحياء "، كما قال تعالى ذكره: وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا [سورة المائدة: 32]= وأقتل آخر، فيكون ذلك مني إماتة له. قال إبراهيم صلى الله عليه وسلم: فإن الله الذي هو ربي يأتي بالشمس من مشرقها، فأت بها- إن كنت صادقا أنك إله- من مغربها! قال الله تعالى ذكره: " فبهت الذي كفر "، يعني انقطع وبطلت حجته.* * *يقال منه: " بهت يبهت بهتا ". وقد حكي عن بعض العرب أنها تقول بهذا المعنى: " بهت ". ويقال: " بهت الرجل "= إذا افتريت عليه كذبا=" بهتا وبهتانا وبهاتة ". (22) .* * *وقد روي عن بعض القرأة أنه قرأ: " فبهت الذي كفر "، بمعنى: فبهت إبراهيم الذي كفر.* * *وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.* ذكر من قال ذلك:5873 - حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة في قوله: " إذ قال إبراهيم ربي الذي يحيي ويميت، قال أنا أحيي وأميت "، وذكر لنا أنه دعا برجلين ففتل أحدهما واستحي الآخر، فقال: أنا أحيي هذا! أنا أستحيي من شئت، وأقتل من شئت! قال إبراهيم عند ذلك: " فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ"،" فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ".5874 - حدثني المثنى، قال: حدثنا أبو حذيفة، قال: حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قال: " أنا أحيي وأميت "، أقتل من شئت، وأستحيي من شئت، أدعه حيا فلا أقتله. وقال: ملك الأرض مشرقها ومغربها أربعة نفر: مؤمنان وكافران، فالمؤمنان: سليمان بن داود وذو القرنين، والكافران: بختنصر ونمرود بن كنعان، لم يملكها غيرهم.5875 - حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن زيد بن أسلم: أول جبار كان في الأرض نمروذ، (23) . فكان الناس يخرجون فيمتارون من عنده الطعام، فخرج إبراهيم يمتار مع من يمتار، فإذا مر به ناس قال: من ربكم؟ قالوا: أنت! حتى مر إبراهيم، قال: من ربك؟ قال: الذي يحيي ويميت؟ قال: أنا أحيي وأميت! قال إبراهيم: فإن الله يأتي بالشمس من المشرق فأت بها من المغرب! فبهت الذي كفر. قال: فرده بغير طعام. قال: فرجع إبراهيم على أهله، (24) .فمر على كثيب أعفر، (25) فقال: ألا آخذ من هذا، فآتي به أهلي، (26) فتطيب أنفسهم حين أدل عليهم! فأخذ منه فأتى أهله. قال: فوضع متاعه ثم نام، فقامت امرأته إلى متاعه، ففتحته، فإذا هي بأجود طعام رآه أحد (27) ، فصنعت له منه، فقربته إليه، وكان عَهِد أهلَه ليس عندهم طعام، (28) فقال: من أين هذا؟ قالت: من الطعام الذي جئت به! فعلم أن الله رزقه، فحمد الله. ثم بعث الله إلى الجبار ملكا أن آمن بي وأتركك على ملكك! قال: وهل رب غيري؟! فجاءه الثانية، فقال له ذلك، فأبى عليه. ثم أتاه الثالثة فأبى عليه، فقال له الملك: اجمع جموعك إلى ثلاثة أيام! فجمع الجبار جموعه، فأمر الله الملك، ففتح عليه بابا من البعوض، فطلعت الشمس، فلم يروها من كثرتها، فبعثها الله عليهم فأكلت لحومهم، وشربت دماءهم، فلم يبق إلا العظام، والملك كما هو لم يصبه من ذلك شيء. فبعث الله عليه بعوضة، فدخلت في منخره، فمكث أربعمئة سنة يضرب رأسه بالمطارق، وأرحم الناس به من جمع يديه وضرب بهما رأسه. وكان جبارا أربعمئة عام، فعذبه الله أربعمائة سنة كملكه، وأماته الله. (29) وهو الذي بنى صرحا إلى السماء فأتى الله بنيانه من القواعد، وهو الذي قال الله: فَأَتَى اللَّهُ بُنْيَانَهُمْ مِنَ الْقَوَاعِدِ (30) [النحل: 26].5876 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: أخبرني عبد الرحمن بن زيد بن أسلم في قول الله: أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ ، قال: هو نمروذ كان بالموصل والناس يأتونه، فإذا دخلوا عليه، قال: من ربكم؟ فيقولون: أنت! فيقول: أميروهم. (31) فلما دخل إبراهيم، ومعه بعير خرج يمتار به لولده، قال: فعرضهم كلهم، فيقول: من ربكم؟ فيقولون: أنت! فيقول: أميروهم! (32) حتى عرض إبراهيم مرتين، فقال: من ربك!؟ قال: ربي الذي يحيي ويميت! قال: أنا أحيي وأميت، إن شئت قتلتك فأمتك، وإن شئت استحييتك. قال إبراهيم: فإن الله يأتي بالشمس من المشرق فأت بها من المغرب!!" فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ". قال: أخرجوا هذا عني فلا تميروه شيئا! فخرج القوم كلهم قد امتاروا، وجوالقا إبراهيم يصطفقان، (33) حتى إذا نظر إلى سواد جبال أهله، قال: ليحزني صبيتي إسماعيل وإسحاق! (34) لو أني ملأت هذين الجوالقين من هذه البطحاء، فذهبت بهما، قرت عينا صبيي، حتى إذا كان الليل أهرقته! قال: فملأهما، ثم خيطهما، ثم جاء بهما. فترامى عليهما الصبيان فرحا، وألقى رأسه في حجر سارة ساعة، ثم قالت: ما يجلسني! قد جاء إبراهيم تعبا لغبا، (35) لو قمت فصنعت له طعاما إلى أن يقوم! قال: فأخذت وسادة فأدخلتها مكانها، وانسلت قليلا قليلا لئلا توقظه. قال: فجاءت إلى إحدى الغرارتين ففتقتها، فإذا حواري من النقي لم يروا مثله عند أحد قط، (36) فأخذت منه فعجنته وخبزته، (37) فلما أتت توقظ إبراهيم جاءته حتى وضعته بين يديه، فقال: أي شيء هذا يا سارة؟ قالت: من جوالقك، لقد جئت وما عندنا قليل ولا كثير قال: فذهب ينظر إلى الجوالق الآخر فإذا هو مثله، فعرف من أين ذاك.5877 - حدثني المثنى، قال: حدثنا إسحاق، قال: حدثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع، قال: لما قال له إبراهيم: ربي الذي يحيي ويميت قال هو -يعني نمروذ: فأنا أحيي وأميت فدعا برجلين، فاستحي أحدهما، وقتل الآخر، قال: أنا أحيي وأميت ،= قال: أي أستحيي من شئت= فقال إبراهيم: فإن الله يأتي بالشمس من المشرق فأت بها من المغرب" فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ".5878 - حدثني موسى، قال: حدثنا عمرو، قال: حدثنا أسباط، عن السدي، قال: لما خرج إبراهيم من النار، أدخلوه على الملك، ولم يكن قبل ذلك دخل عليه فكلمه، وقال له: من ربك؟ قال: ربي الذي يحيي ويميت قال نمروذ: أنا أحيي وأميت! أنا أدخل أربعة نفر بيتا، فلا يطعمون ولا يسقون، حتى إذا هلكوا من الجوع أطعمت اثنين وسقيتهما فعاشا، وتركت اثنين فماتا. فعرف إبراهيم أن له قدرة بسلطانه وملكه على أن يفعل ذلك، قال له إبراهيم: فإن ربي الذي يأتي بالشمس من المشرق، فأت بها من المغرب! فبهت الذي كفر، وقال: إن هذا إنسان مجنون! فأخرجوه، ألا ترون أنه من جنونه اجترأ على آلهتكم فكسرها، وأن النار لم تأكله! وخشي أن يفتضح في قومه = أعني نمروذ = وهو قول الله تعالى ذكره: وَتِلْكَ حُجَّتُنَا آتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ عَلَى قَوْمِهِ [سورة الأنعام: 83]، فكان يزعم أنه رب= وأمر بإبراهيم فأخرج.5879 - حدثنا القاسم، قال: حدثنا الحسين، قال: حدثني حجاج، عن ابن جريج، قال: أخبرني عبد الله بن كثير أنه سمع مجاهدا يقول: قال: أنا أحيي وأميت، أحيي فلا أقتل، وأميت من قتلت= قال ابن جريج، كان أتى برجلين، فقتل أحدهما، وترك الآخر، فقال: أنا أحيي وأميت، قال: أقتل فأميت من قتلت، وأحيي= قال: استحيي= فلا أقتل.5880 - حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، قال: حدثني محمد بن إسحاق، قال: ذكر لنا والله أعلم: أن نمروذ قال لإبراهيم فيما يقول: أرأيت إلهك هذا الذي تعبد وتدعو إلى عبادته، (38) وتذكر من قدرته التي تعظمه بها على غيره، ما هو؟ قال له إبراهيم: ربي الذي يحيي ويميت. قال نمرود: فأنا أحيي وأميت! فقال له إبراهيم: كيف تحيي وتميت؟ قال: آخذ رجلين قد استوجبا القتل في حكمي، فأقتل أحدهما فأكون قد أمته، وأعفو عن الآخر فأتركه وأكون قد أحييته! فقال له إبراهيم عند ذلك: فإن الله يأتي بالشمس من المشرق، فأت بها من المغرب، أعرف أنه كما تقول! فبهت عند ذلك نمروذ، ولم يرجع إليه شيئا، وعرف أنه لا يطيق ذلك. يقول تعالى ذكره: " فبهت الذي كفر "، يعني وقعت عليه الحجة= يعني نمروذ.* * *قال أبو جعفر: وقوله: " وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ"، يقول: والله لا يهدي أهل الكفر إلى حجة يدحضون بها حجة أهل الحق عند المحاجة والمخاصمة، لأن أهل الباطل حججهم داحضة.* * *وقد بينا أن معنى " الظلم " وضع الشيء في غير موضعه، (39) والكافر وضع جحوده ما جحد في غير موضعه، فهو بذلك من فعله ظالم لنفسه.* * *وبنحو الذي قلنا في ذلك قال ابن إسحاق.5881 - حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، قال: حدثني محمد بن إسحاق: " وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ"، أي: لا يهديهم في الحجة عند الخصومة، لما هم عليه من الضلالة.-----------------الهوامش :(17) انظر تفسير"الرؤية"فيما سلف 3 : 75 -79 /3 : 160 / وهذا الجزء : 266 ، 291 .(18) انظر معنى"حاج" فيما سلف 3 : 121 -200 .(19) انظر معاني القرآن للفراء 1 : 170 .(20) الأثر : 5864 -"النضر بن عربي الباهلي" مضت ترجمته في : 1307 ، وكان في المطبوعة والمخطوطة : "بن عدي" ، وهو خطأ .(21) في المطبوعة والمخطوطة : "كنا نتحدث" ، وما أثبت هو الصواب .(22) "بهاتة" ، مصدر لم أجده في كتب اللغة ، وهو صحيح في القياس .(23) في التاريخ : "نمرود" بالدال المهملة ، وفي المخطوطة كذلك ، إلا أنها لا تعجم المعجم .وكلاهما جائز ، بالدال المهملة والذال المعجمة .(24) في المخطوطة والمطبوعة : "على أهله" ، والجيد ما في تاريخ الطبري ، وهو ما أثبت .(25) في المطبوعة : "على كثيب من رمل أعفر" بهذه الزيادة ، وليست في المخطوطة ولا في التاريخ والأعفر : الرمل الأحمر ، أو تخالطه الحمرة .(26) في التاريخ : "هلاّ" (بفتح الهاء وتشديد اللام) وهما سواء ، "ألاّ" أيضًا مشددة اللام .(27) في المطبوعة : "فإذا هى بأجود طعام رأته" ، والذي أثبت نص المخطوطة والتاريخ ، فليت شعرى لم غيره المغيرون في الطبع ! ! .(28) الأثر : 5875 -في المطبوعة : "وكان عهده بأهله أنه ليس عندهم طعام" ، وأثبت ما في المخطوطة . والتاريخ ، وعجب لهؤلاء المبدلين ، استدلوا الركيك الموضوع ، بالجزء المرفوع! ! والأثر في التاريخ الطبري 1 : 148 .(29) في المطبوعة : "ثم أماته الله" ، وأثبت ما في المخطوطة والتاريخ .(30) في المخطوطة : "فأتي الله بنيانه من القواعد" ، ثم أراد أن يصححها ، فكررها كما هى ، ولم يضرب على الأولى .(31) في المطبوعة : "ميروهم" ، وأثبت ما في المخطوطة ، وهما صواب . ماره يميره ، وأماره : إذا أتاهم بالميرة (وهى الطعام المجلوب) ، ومار القوم وأمارهم أيضًا : إذا أعطاهم الميرة .(32) في المطبوعة : "ميروهم" ، وأثبت ما في المخطوطة ، وهما صواب . ماره يميره ، وأماره : إذا أتاهم بالميرة (وهى الطعام المجلوب) ، ومار القوم وأمارهم أيضًا : إذا أعطاهم الميرة .(33) الجُوالق (يضم الجيم ، وكسر اللام أو فتحها) ، وجمعه جوالق وجوالقات ، وهو وعاء من الأوعية ، نسميه ونحرفه اليوم"شوال" . واصطفق الشيء : اضطرب ، يعنى من فراغهما .(34) في المطبوعة : "ليحزنني" ، والصواب ما في المخطوطة .(35) لغب : قد أعيى أشد الإعياء . من اللغوب . وأكثر ما يقولون : لاغب ، أما"لغب" ، فهو قليل في كلامهم ، وهو هنا اتباع .(36) الحواري (بضم الخاء وتشديد الواو ، والراء مفتوحة) : وهو لباب الدقيق الأبيض وأخلصه وأجوده . والنقى : وهو البر إذا جرى فيه الدقيق .(37) في المطبوعة : "فطحنته وعجنته" ، وفي المخطوطة"فعجنته وعجنته" . واستظهرت أن تكون كما أثبتها .(38) في المطبوعة : "الذي تعبده وتدعو إلى عبادته" ، وفي المخطوطة"الذي تعبدونه وتدعو ..." صواب قراءتها ما أثبت .(39) انظر تفسير"الظلم" فيما سلف 1 : 523 ، 524 / 2 : 369 ، 519 ، ثم أخيرا ما سلف قريبا : 384 .
﴿ ألم تر إلى الذي حاج إبراهيم في ربه أن آتاه الله الملك إذ قال إبراهيم ربي الذي يحيي ويميت قال أنا أحيي وأميت قال إبراهيم فإن الله يأتي بالشمس من المشرق فأت بها من المغرب فبهت الذي كفر والله لا يهدي القوم الظالمين ﴾