قل -أيها النبي متوجها إلى ربك بالدعاء-: يا مَن لك الملك كلُّه، أنت الذي تمنح الملك والمال والتمكين في الأرض مَن تشاء مِن خلقك، وتسلب الملك ممن تشاء، وتهب العزة في الدنيا والآخرة مَن تشاء، وتجعل الذلَّة على من تشاء، بيدك الخير، إنك -وحدك- على كل شيء قدير. وفي الآية إثبات لصفة اليد لله تعالى على ما يليق به سبحانه.
﴿ تفسير الجلالين ﴾
ونزلت لما وعد صلى الله عليه وسلم أمته مُلك فارس والروم فقال المنافقون هيهات: «قل اللهم» يا الله «مالك الملك تؤتي» تعطي «الملك من تشاء» من خلقك «وتنزع الملك ممن تشاء وتعز من تشاء» بإيتائه «وتذل من تشاء» بنزعه منه «بيدك» بقدرتك «الخير» أي والشر «إنك على كل شيء قدير».
﴿ تفسير السعدي ﴾
يقول الله لنبيه صلى الله عليه وسلم قل اللهم مالك الملك أي: أنت الملك المالك لجميع الممالك، فصفة الملك المطلق لك، والمملكة كلها علويها وسفليها لك والتصريف والتدبير كله لك، ثم فصل بعض التصاريف التي انفرد الباري تعالى بها، فقال: تؤتي الملك من تشاء وتنزع الملك ممن تشاء وفيه الإشارة إلى أن الله تعالى سينزع الملك من الأكاسرة والقياصرة ومن تبعهم ويؤتيه أمة محمد، وقد فعل ولله الحمد، فحصول الملك ونزعه تبع لمشيئة الله تعالى، ولا ينافي ذلك ما أجرى الله به سنته من الأسباب الكونية والدينية التي هي سبب بقاء الملك وحصوله وسبب زواله، فإنها كلها بمشيئة الله لا يوجد سبب يستقل بشيء، بل الأسباب كلها تابعة للقضاء والقدر، ومن الأسباب التي جعلها الله سببا لحصول الملك الإيمان والعمل الصالح، التي منها اجتماع المسلمين واتفاقهم، وإعدادهم الآلات التي يقدروا عليها والصبر وعدم التنازع، قال الله تعالى: وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم الآية فأخبر أن الإيمان والعمل الصالح سبب للاستخلاف المذكور، وقال تعالى: هو الذي أيدك بنصره وبالمؤمنين وألف بين قلوبهم الآية وقال تعالى: يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتم فئة فاثبتوا واذكروا الله كثيرا لعلكم تفلحون وأطيعوا الله ورسوله ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم واصبروا إن الله مع الصابرين فأخبر أن ائتلاف قلوب المؤمنين وثباتهم وعدم تنازعهم سبب للنصر على الأعداء، وأنت إذا استقرأت الدول الإسلامية وجدت السبب الأعظم في زوال ملكها ترك الدين والتفرق الذي أطمع فيهم الأعداء وجعل بأسهم بينهم، ثم قال تعالى: وتعز من تشاء بطاعتك وتذل من تشاء بمعصيتك إنك على كل شيء قدير لا يمتنع عليك أمر من الأمور بل الأشياء كلها طوع مشيئتك وقدرتك
﴿ تفسير البغوي ﴾
قوله تعالى ( قل اللهم مالك الملك ) قال قتادة ذكر أن النبي صلى الله عليه وسلم سأل ربه أن يجعل ملك فارس والروم في أمته فأنزل الله تعالى هذه الآية . وقال ابن عباس رضي الله عنهما وأنس بن مالك رضي الله عنه لما افتتح رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة وعد أمته ملك فارس والروم قال المنافقون واليهود : هيهات هيهات من أين لمحمد صلى الله عليه وسلم ملك فارس والروم؟ وهم أعز وأمنع من ذلك ألم يكف محمدا مكة والمدينة حتى طمع في ملك فارس والروم؟ فأنزل الله هذه الآية ( قل اللهم ) قيل : معناه يا الله فلما حذف حرف النداء زيد الميم في آخره ، وقال قوم : للميم فيه معنى ، ومعناها يا ألله أمنا بخير أي : اقصدنا ، حذف منه حرف النداء كقولهم : هلم إلينا ، كان أصله هل أم إلينا ، ثم كثرت في الكلام فحذفت الهمزة استخفافا وربما خففوا أيضا فقالوا : لاهم ، قوله ( مالك الملك ) [ يعني يا مالك الملك ] أي مالك العباد وما ملكوا ، وقيل يا مالك السماوات والأرض ، وقال الله تعالى في بعض الكتب : " أنا الله ملك الملوك ، ومالك الملوك ، وقلوب الملوك ونواصيهم بيدي فإن العباد أطاعوني جعلتهم عليهم رحمة وإن عصوني جعلتهم عليهم عقوبة فلا تشتغلوا بسب الملوك ولكن توبوا إلي أعطفهم عليكم " .قوله تعالى : ( تؤتي الملك من تشاء ) قال مجاهد وسعيد بن جبير : يعني ملك النبوة وقال الكلبي : تؤتي الملك من تشاء محمدا وأصحابه ( وتنزع الملك ممن تشاء ) أبي جهل وصناديد قريش وقيل : تؤتي الملك من تشاء : العرب وتنزع الملك ممن تشاء : فارس والروم ، وقال السدي تؤتي الملك من تشاء ، آتى الله الأنبياء عليهم السلام وأمر العباد بطاعتهم ( وتنزع الملك ممن تشاء ) نزعه من الجبارين وأمر العباد بخلافهم ، وقيل تؤتي من تشاء : آدم وولده وتنزع الملك ممن تشاء إبليس وجنودهوقوله تعالى : ( وتعز من تشاء وتذل من تشاء ) قال عطاء تعز من تشاء : المهاجرين والأنصار وتذل من تشاء : فارس والروم ، وقيل تعز من تشاء محمدا صلى الله عليه وسلم وأصحابه حتى دخلوا مكة في عشرة آلاف ظاهرين عليها ، وتذل من تشاء : أبا جهل وأصحابه حتى حزت رءوسهم وألقوا في القليب ، وقيل تعز من تشاء بالإيمان والهداية ، وتذل من تشاء بالكفر والضلالة ، وقيل تعز من تشاء بالطاعة وتذل من تشاء بالمعصية ، وقيل تعز من تشاء بالنصر وتذل من تشاء بالقهر ، وقيل تعز من تشاء بالغنى وتذل من تشاء بالفقر ، وقيل تعز من تشاء بالقناعة والرضى وتذل من تشاء بالحرص والطمع ( بيدك الخير ) أي بيدك الخير والشر فاكتفى بذكر أحدهما قال تعالى : " سرابيل تقيكم الحر " ( 81 - النحل ) أي الحر والبرد فاكتفى بذكر أحدهما ( إنك على كل شيء قدير ) .
﴿ تفسير الوسيط ﴾
قال القرطبي: قال ابن عباس وأنس بن مالك: «لما فتح رسول الله صلّى الله عليه وسلّم مكة، ووعد أمته ملك فارس والروم، قال المنافقون واليهود: هيهات هيهات! من أين لمحمد ملك فارس والروم وهم أعز وأمنع من ذلك، ألم يكف محمدا مكة والمدينة حتى طمع في ملك فارس والروم. فأنزل الله هذه الآية..والأمر بقوله قُلِ للنبي صلّى الله عليه وسلّم ولكل من يتأتى له الخطاب من المؤمنين.وكلمة اللَّهُمَّ يرى الخليل وسيبويه أن أصلها يا الله فلما استعملت دون حرف النداء الذي هو «يا» جعلوا هذه الميم المشددة التي في آخرها عوضا عن حرف النداء، وهذا التعويض من خصائص الاسم الجليل، كما اختص بجواز الجمع فيه بين «يا» و «أل» وبقطع همزته، ودخول تاء القسم عليه.والمعنى. قل أيها المخاطب على سبيل التعظيم لربك، والشكر له، والتوكل عليه والضراعة إليه، قل: يا الله يا مالك الملك أنت وحدك صاحب السلطان المطلق في هذا الوجود، بحيث تتصرف فيه كيف تشاء، إيجادا وإعداما، وإحياء وإماتة، وتعذيبا وإثابة، من غير أن ينازعك في ذلك أى منازع.فكأن في هذه الجملة الكريمة قُلِ اللَّهُمَّ مالِكَ الْمُلْكِ دعاءين خاشعين:أما الدعاء الأول فهو بلفظ الجلالة المعبر عنه بقوله اللَّهُمَّ أى يا الله، وفي هذا النداء كل معاني العبودية والتنزيه والتقديس والخضوع.وأما الدعاء الثاني فهو المعبر عنه بقوله مالِكَ الْمُلْكِ أى يا مالك الملك، وفي هذا النداء كل معاني الإحساس بالربوبية، والضعف أمام قدرة الله وسلطانه.فقوله مالِكَ منصوب بحرف النداء المحذوف. كما في قوله قُلِ اللَّهُمَّ فاطِرَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ أى يا فاطر السموات والأرض.ثم فصل- سبحانه- بعض مظاهر خلقه التي تدل على أنه هو مالك الملك على الحقيقة فقال- تعالى- تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشاءُ.أى أنت وحدك الذي تعطى الملك من تشاء إعطاءه من عبادك، وتنزعه ممن تشاء، نزعه منهم، فأنت المتصرف في شئون خلقك لا راد لقضائك ولا معقب لحكمك.وعبر بالإيتاء الذي هو مجرد الإعطاء دون التمليك المؤذن بثبوت المالكية، للتنبيه على أن المالكية على الحقيقة إنما هي مختصة بالله رب العالمين، أما ما يعطيه لغيره من ملك فهو عارية مستردة، وهو شيء زائل لا يدوم.والتعبير عن إزالة الملك بقوله وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشاءُ يشعر بأنه- سبحانه- في قدرته أن يسلب هذا العطاء من أى مخلوق مهما بلغت سعة ملكه، ومهما اشتدت قوته، وذلك لأن لفظ النزع يدل على أن المنزوع منه الشيء كان متمسكا به، فسلبه الله منه بمقتضى قدرته وحكمته.والمراد بالملك هنا السلطان، وقيل النبوة، وقيل غير ذلك.قال الفخر الرازي: وقوله تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشاءُ محمول على جميع أنواع الملك فيدخل فيه ملك النبوة، وملك العقل، والصحة، والأخلاق الحسنة. وملك النفاذ والقدرة، وملك المحبة، وملك الأموال، وذلك لأن اللفظ عام فالتخصيص من غير دليل لا يجوز» .ومفعول المشيئة في الجملتين محذوف أى: تؤتى الملك من تشاء إيتاءه وتنزعه ممن تشاء نزعه منه.أما الأمر الثاني الذي يدل على أنه- سبحانه- هو مالك الملك على الحقيقة فهو قوله وَتُعِزُّ مَنْ تَشاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشاءُ.العزة- كما يقول الراغب- حالة مانعة للإنسان من أن يغلب، من قولهم: أرض عزاز:أى صلبة، وتعزز اللحم: اشتد وعز، كأنه حصل في عزاز يصعب الوصول إليه.. والعزيز الذي يقهر ولا يغلب.وتذل، من الذل، وهو ما كان عن قهر، يقال: ذل يذل ذلا إذا قهر وغلب والعزة صفة نفسية يحس بها المؤمن الصادق في إيمانه، لأنه يشعر دائما بأنه عبد الله وحده وليس عبدا لأحد سواه، قال- تعالى- وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ فالمؤمنون الصادقون أعزاء ولو كانوا في المال والجاه فقراء. أما الكافرون فهم أذلاء، لأنهم خضعوا لغير الله الواحد القهار.والمعنى: أنت يا الله يا ملك الملك، أنت وحدك الذي تؤتى الملك لمن تشاء أن تؤتيه له، وتنزعه ممن تريد نزعه منه، وأنت وحدك الذي تعز من تشاء إعزازه بالنصر والتوفيق، وتذل من تشاء إذلاله بالهزيمة والخذلان، ثم ختم- سبحانه- الآية بهذا التسليم المطلق من المؤمنين لذاته فقال- تعالى-: بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ.أى أنت وحدك الذي تملك الخير كله، وتتصرف فيه حسب إرادتك ومشيئتك، لأنك على كل شيء قدير.وأل في الخير للاستغراق الشامل، إذ كل خير فهو بيده- سبحانه- وقدرته، وتقديم الجار والمجرور بِيَدِكَ لإفادة الاختصاص، أى بيدك وحدك على الحقيقة لا بيد غيرك، وجملة «إنك على كل شيء قدير» تعليلية.قال صاحب الكشاف: فإن قلت: «كيف قال بِيَدِكَ الْخَيْرُ فذكر الخير دون الشر قلت: لأن الكلام إنما وقع في الخير الذي يسوقه إلى المؤمنين وهو الذي أنكرته الكفرة فقال بيدك الخير، تؤتيه أولياءك على رغم من أعدائك، ولأن أفعال الله- تعالى- من نافع وضار صادر عن الحكمة والمصلحة فهو خير كله كإيتاء الملك ونزعه» .
﴿ تفسير ابن كثير ﴾
يقول تعالى : ( قل ) يا محمد ، معظما لربك ومتوكلا عليه ، وشاكرا له ومفوضا إليه : ( اللهم مالك الملك ) أي : لك الملك كله ( تؤتي الملك من تشاء وتنزع الملك ممن تشاء وتعز من تشاء وتذل من تشاء ) أي : أنت المعطي ، وأنت المانع ، وأنت الذي ما شئت كان وما لم تشأ لم يكن .وفي هذه الآية تنبيه وإرشاد إلى شكر نعمة الله تعالى على رسوله صلى الله عليه وسلم وهذه الأمة ، لأن الله حول النبوة من بني إسرائيل إلى النبي العربي القرشي المكي الأمي خاتم الأنبياء على الإطلاق ، ورسول الله إلى جميع الثقلين الإنس والجن ، الذي جمع الله فيه محاسن من كان قبله ، وخصه بخصائص لم يعطها نبيا من الأنبياء ولا رسولا من الرسل ، في العلم بالله وشريعته وإطلاعه على الغيوب الماضية والآتية ، وكشفه عن حقائق الآخرة ونشر أمته في الآفاق ، في مشارق الأرض ومغاربها ، وإظهار دينه وشرعه على سائر الأديان والشرائع ، فصلوات الله وسلامه عليه دائما إلى يوم الدين ، ما تعاقب الليل والنهار . ولهذا قال تعالى : ( قل اللهم مالك الملك [ تؤتي الملك من تشاء وتنزع الملك ممن تشاء وتعز من تشاء وتذل من تشاء بيدك الخير إنك على كل شيء قدير ] ) أي : أنت المتصرف في خلقك ، الفعال لما تريد ، كما رد تبارك وتعالى على من يتحكم عليه في أمره ، حيث قال : ( وقالوا لولا نزل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم ) [ الزخرف : 31 ] .قال الله تعالى ردا عليهم : ( أهم يقسمون رحمة ربك [ نحن قسمنا بينهم معيشتهم في الحياة الدنيا ورفعنا بعضهم فوق بعض درجات ] ) الآية [ الزخرف : 32 ] أي : نحن نتصرف في خلقنا كما نريد ، بلا ممانع ولا مدافع ، ولنا الحكمة والحجة في ذلك ، وهكذا نعطي النبوة لمن نريد ، كما قال تعالى : ( الله أعلم حيث يجعل رسالته ) [ الأنعام : 124 ] وقال تعالى : ( انظر كيف فضلنا بعضهم على بعض [ وللآخرة أكبر درجات وأكبر تفضيلا ] ) [ الإسراء : 21 ] وقد روى الحافظ ابن عساكر في ترجمة " إسحاق بن أحمد " من تاريخه عن المأمون الخليفة : أنه رأى في قصر ببلاد الروم مكتوبا بالحميرية ، فعرب له ، فإذا هو :باسم الله ما اختلف الليل والنهار ، ولا دارت نجوم السماء في الفلك إلا بنقل النعيم عن ملكقد زال سلطانه إلى ملك وملك ذي العرش دائم أبداليس بفان ولا بمشترك.
﴿ تفسير القرطبي ﴾
قوله تعالى : قل اللهم مالك الملك تؤتي الملك من تشاء وتنزع الملك ممن تشاء وتعز من تشاء وتذل من تشاء بيدك الخير إنك على كل شيء قديرقال علي - رضي الله عنه - قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : لما أراد الله تعالى أن ينزل فاتحة الكتاب وآية الكرسي وشهد الله وقل اللهم مالك الملك إلى قوله بغير حساب تعلقن بالعرش وليس بينهن وبين الله حجاب وقلن يا رب تهبط بنا دار الذنوب وإلى من يعصيك فقال الله تعالى وعزتي وجلالي لا يقرؤكن عقب كل صلاة مكتوبة إلا أسكنته حظيرة القدس على ما كان منه ، وإلا نظرت إليه بعيني المكنونة في كل يوم سبعين نظرة ، وإلا قضيت له في كل يوم سبعين حاجة أدناها المغفرة ، وإلا أعذته من كل عدو ونصرته عليه ولا يمنعه من دخول الجنة إلا أن يموت . وقال معاذ بن جبل : احتبست عن النبي - صلى الله عليه وسلم - يوما فلم أصل معه الجمعة فقال : ( يا معاذ ما منعك من صلاة الجمعة ؟ ) قلت : يا رسول الله ، كان ليوحنا بن باريا اليهودي علي أوقية من تبر وكان على بابي يرصدني فأشفقت أن يحبسني دونك . قال : ( أتحب يا معاذ أن يقضي الله دينك ؟ ) قلت : نعم . قال : ( قل كل يوم قل اللهم مالك الملك - إلى قوله - بغير حساب رحمن الدنيا والآخرة ورحيمهما تعطي منهما من تشاء وتمنع منهما من تشاء اقض عني ديني فلو كان عليك ملء الأرض ذهبا لأداه الله عنك ) . خرجه أبو نعيم الحافظ ، أيضا عن عطاء الخراساني أن معاذ بن جبل قال : علمني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - آيات من القرآن - أو كلمات - ما في الأرض مسلم يدعو بهن وهو مكروب أو غارم أو ذو دين إلا قضى الله عنه وفرج همه ، احتبست عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ; فذكره . غريب من حديث عطاء أرسله عن معاذ . وقال ابن عباس وأنس بن مالك : لما افتتح رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مكة ووعد أمته ملك فارس والروم قال المنافقون واليهود : هيهات هيهات ! من أين لمحمد ملك فارس والروم هم أعز وأمنع من ذلك ، ألم يكف محمدا مكة والمدينة حتى طمع في ملك فارس والروم ; فأنزل الله تعالى هذه الآية . وقيل : نزلت دامغة لباطل نصارى أهل نجران في قولهم : إن عيسى هو الله ; وذلك أن هذه الأوصاف تبين لكل صحيح الفطرة أن عيسى ليس في شيء منها . قال ابن إسحاق : أعلم الله عز وجل في هذه الآية بعنادهم وكفرهم ، وأن عيسى - صلى الله عليه وسلم - وإن كان الله تعالى أعطاه آيات تدل على نبوته من إحياء الموتى وغير ذلك فإن الله عز وجل هو المنفرد بهذه الأشياء ; من قوله : تؤتي الملك من تشاء وتنزع الملك ممن تشاء وتعز من تشاء وتذل من تشاء . وقوله : تولج الليل في النهار وتولج النهار في الليل وتخرج الحي من الميت وتخرج الميت من الحي وترزق من تشاء بغير حساب فلو كان عيسى إلها كان هذا إليه ; فكان في ذلك اعتبار وآية بينة .قوله تعالى : قل اللهم اختلف النحويون في تركيب لفظة " اللهم " بعد إجماعهم أنها مضمومة الهاء مشددة الميم المفتوحة ، وأنها منادى ; وقد جاءت مخففة الميم في قول الأعشى :كدعوة من أبي رباح يسمعها إليهم الكبارقال الخليل وسيبويه وجميع البصريين : إن أصل اللهم يا ألله ، فلما استعملت الكلمة دون حرف النداء الذي هو " يا " جعلوا بدله هذه الميم المشددة ، فجاءوا بحرفين وهما الميمان عوضا من حرفين وهما الياء والألف ، والضمة في الهاء هي ضمة الاسم المنادى المفرد . وذهب الفراء والكوفيون إلى أن الأصل في اللهم يا ألله أمنا بخير ; فحذف وخلط الكلمتين ، وإن الضمة التي في الهاء هي الضمة التي كانت في أمنا لما حذفت الهمزة انتقلت الحركة . قال النحاس : هذا عند البصريين من الخطأ العظيم ، والقول في هذا ما قال الخليل وسيبويه . قال الزجاج : محال أن يترك الضم الذي هو دليل على النداء المفرد ، وأن يجعل في اسم الله ضمة أم ، هذا إلحاد في اسم الله تعالى . قال ابن عطية : وهذا غلو من الزجاج ، وزعم أنه ما سمع قط " يا ألله أم " ، ولا تقول العرب يا اللهم . وقال الكوفيون : إنه قد يدخل حرف النداء على " اللهم " وأنشدوا على ذلك قول الراجز :غفرت أو عذبت يا اللهماآخر :وما عليك أن تقولي كلما سبحت أو هللت يا اللهمااردد علينا شيخنا مسلما فإننا من خيره لن نعدماآخر :إني إذا ما حدث ألما أقول يا اللهم يا اللهماقالوا : فلو كان الميم عوضا من حرف النداء لما اجتمعا . قال الزجاج : وهذا شاذ ولا يعرف قائله ، ولا يترك له ما كان في كتاب الله وفي جميع ديوان العرب ; وقد ورد مثله في قوله :هما نفثا في في من فمويهما على النابح العاوي أشد رجامقال الكوفيون : وإنما تزاد الميم مخففة في " فم وابنم " ، وأما ميم مشددة فلا تزاد . وقال بعض النحويين : ما قاله الكوفيون خطأ ; لأنه لو كان كما قالوا كان يجب أن يقال : " اللهم " ويقتصر عليه لأنه معه دعاء . وأيضا فقد تقول : أنت اللهم الرزاق . فلو كان كما ادعوا لكنت قد فصلت بجملتين بين الابتداء والخبر . قال النضر بن شميل : من قال اللهم فقد دعا الله تعالى بجميع أسمائه كلها وقال الحسن : اللهم تجمع الدعاء .قوله تعالى : مالك الملك قال قتادة : بلغني أن النبي - صلى الله عليه وسلم - سأل الله - عز وجل - أن يعطي أمته ملك فارس فأنزل الله هذه الآية . وقال مقاتل : سأل النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يجعل الله له ملك فارس والروم في أمته ; فعلمه الله تعالى بأن يدعو بهذا الدعاء . وقد تقدم معناه . و " مالك " منصوب عند سيبويه على أنه نداء ثان ; ومثله قوله تعالى : قل اللهم فاطر السماوات والأرض ولا يجوز عنده أن يوصف اللهم لأنه قد ضمت إليه الميم . وخالفه محمد بن يزيد وإبراهيم بن السري الزجاج فقالا : " مالك " في الإعراب صفة لاسم الله تعالى ، وكذلك فاطر السماوات والأرض . قال أبو علي ; هو مذهب أبي العباس المبرد ; وما قاله سيبويه أصوب وأبين ; وذلك أنه ليس في الأسماء الموصوفة شيء على حد " اللهم " لأنه اسم مفرد ضم إليه صوت ، والأصوات لا توصف ; نحو غاق وما أشبهه . وكان حكم الاسم المفرد ألا يوصف وإن كانوا قد وصفوه في مواضع . فلما ضم هنا ما لا يوصف إلى ما كان قياسه ألا يوصف صار بمنزلة صوت ضم إلى صوت ; نحو حيهل فلم يوصف . و " الملك " هنا النبوة ; عن مجاهد . وقيل ، الغلبة . وقيل : المال والعبيد . الزجاج : المعنى مالك العباد وما ملكوا . وقيل : المعنى مالك الدنيا والآخرة .ومعنى تؤتي الملك أي الإيمان والإسلام . من تشاء أي من تشاء أن تؤتيه إياه ، وكذلك ما بعده ، ولا بد فيه من تقدير الحذف ، أي وتنزع الملك ممن تشاء أن تنزعه منه ، ثم حذف هذا ، وأنشد سيبويه :ألا هل لهذا الدهر من متعلل على الناس مهما شاء بالناس يفعلقال الزجاج : مهما شاء أن يفعل بالناس يفعل . وتعز من تشاء يقال : عز إذا علا وقهر وغلب ; ومنه ، وعزني في الخطاب . وتذل من تشاء ذل يذل إذا غلب وعلا وقهر . قال طرفة :بطيء عن الجلى سريع إلى الخنا ذليل بأجماع الرجال ملهدبيدك الخير أي بيدك الخير والشر فحذف ; كما قال : سرابيل تقيكم الحر . وقيل : خص الخير لأنه موضع دعاء ورغبة في فضله . قال النقاش : بيدك الخير ، أي النصر والغنيمة . وقال أهل الإشارات . كان أبو جهل يملك المال الكثير ، ووقع في الرس يوم بدر ، والفقراء صهيب وبلال وخباب لم يكن لهم مال ، وكان ملكهم الإيمان ، قل اللهم مالك الملك تؤتي الملك من تشاء تقيم الرسول يتيم أبي طالب على رأس الرس حتى ينادي أبدانا قد انقلبت إلى القليب : يا عتبة ، يا شيبة تعز من تشاء وتذل من تشاء . أي صهيب ، أي بلال ، لا تعتقدوا أنا منعناكم من الدنيا ببغضكم . بيدك الخير ما منعكم من عجز إنك على كل شيء قدير إنعام الحق عام يتولى من يشاء .
﴿ تفسير الطبري ﴾
القول في تأويل قوله : قُلِ اللَّهُمَّقال أبو جعفر: أما تأويل: " قل اللهم "، فإنه: قل يا محمد: يا اللهُ.* * *واختلف أهل العربية في نصب " ميم "" اللهم "، وهو منادًى، وحكم المنادى المفرد غير المضافِ الرفعُ = وفي دخول " الميم " فيه، وهو في الأصل " الله " بغير " ميم ". فقال بعضهم: إنما زيدت فيه " الميمان "، لأنه لا ينادى ب" يا " كما ينادى الأسماء التي لا " ألف " فيها ولا " لام ". وذلك أن الأسماء التي لا " ألف " ولا " لام " فيها تنادى ب" يا " كقول القائل: " يا زيد، ويا عمرو ". قال: فجعلت " الميم " فيه خلفًا من " يا "، كما قالوا: " فم، وابنم، وهم، وزُرْقُم، (20) وُسْتهُم " ، (21) وما أشبه ذلك من الأسماء والنعوت التي يحذف منها الحرف، ثم يبدل مكانه " ميم ". قال: فكذلك حذفت من " اللهم "" يا " التي ينادى بها الأسماء التي على ما وصفنا، وجعلت " الميم " خلفًا منها في آخر الاسم.* * *وأنكر ذلك من قولهم آخرون، وقالوا: قد سمعنا العرب تنادي: " اللهم " ب" يا " كما تناديه ولا " ميم "، فيه. قالوا: فلو كان الذي قال هذا القولَ مصيبًا في دعواه، لم تدخل العربُ" يا "، وقد جاءوا بالخلف منها. (22) وأنشدوا في ذلك سماعًا من العرب:وَمَا عَلَيْكِ أَنْ تَقُولِي كُلَّمَاصَلَّيْتِ أَوْ كَبَّرتِ يَا أَللَّهُمَاارْدُدْ عَلَيْنَا شَيْخَنَا مُسَلَّمَا (23)ويُرْوَى: " سبَّحت أو كبَّرت ". قالوا: ولم نر العرب زَادت مثل هذه " الميم " إلا مخففة في نواقص الأسماء مثل: " الفم، وابنم، وهم "، (24) قالوا: ونحن نرى أنها كلمة ضُمّ إليها " أمَّ"، بمعنى: " يا ألله أمَّنا بخير "، فكثرت في الكلام فاختلطت به. قالوا: فالضمة التي في" الهاء " من همزة " أم "، لما تركت انتقلت إلى ما قبلها. قالوا: ونرى أن قول العرب: " هلم إلينا "، مثلها. إنما كان " هلم "،" هل " ضم إليها " أمّ"، فتركت على نصبها. قالوا: من العرب من يقول إذا طرح " الميم ": " يا اللهُ اغفر لي" و " يا أللهُ اغفر لي"، بهمز " الألف " من " الله " مرة، ووصلها أخرى، فمن حذفها أجراها على أصلها، لأنها " ألف ولام "، مثل " الألف واللام " اللتين يدخلان في الأسماء المعارف زائدتين. ومن همزها توهم أنها من الحرف، إذ كانت لا تسقط منه، وأنشدوا في همز الألف منها:مُبَارَكٌ هُوَّ وَمَنْ سَمَّاهُعَلَى اسْمِكَ اللُّهُمَّ يَا أَللهُ (25)قالوا: وقد كثرت " اللهم " في الكلام، حتى خففت ميمها في بعض اللغات، وأنشدوا: (26)كَحَلْفَةٍ مِنْ أَبى رِيَاٍحيَسْمَعُهَا اللَّهُمُ الكُبَار (27)والرواة تنشد ذلك:يَسْمَعُها لاهُهُ الكُبَارُوقد أنشده بعضهم: (28) يَسْمَعُهَا اللهُ واللهُ كُبَارُ (29)* * *القول في تأويل قوله : مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُقال أبو جعفر: يعني بذلك: يا مالك الملك، يا منْ له مُلك الدنيا والآخرة خالصًا دون وغيره، كما:-6789 - حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة، عن محمد بن إسحاق، عن محمد بن جعفر بن الزبير قوله: " قل اللهم مالك الملك "، أي رَبَّ العباد الملكَ، لا يقضى فيهم غيرك. (30)* * *وأما قوله: " تؤتي الملك ممن تشاء "، فإنه يعني: تُعطى الملك من تَشاء، فتملكه وتسلِّطه على من تشاء.وقوله: " وتنزع الملك من تشاء "، يعني: وتنزع الملك ممن تشاء أن تنزعه منه، (31) فترك ذكر " أن تنزعه منه "، اكتفاءً بدلالة قوله: " وتنزع الملك ممن تشاء "، عليه، كما يقال: " خذ ما شئتَ = وكنْ فيما شئت "، يراد: خذ ما شئت أن تأخذه، وكن فيما شئت أن تكون فيه؛ وكما قال جل ثناؤه: فِي أَيِّ صُورَةٍ مَا شَاءَ رَكَّبَكَ [سورة الانفطار: 8] يعني: في أيّ صورة شاءَ أن يركبك فيها ركبك. (32)* * *وقيل: إنّ هذه الآية نزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم جوابًا لمسألته ربَّه أن يجعل مُلك فارسَ والروم لأمته. (33)ذكر من قال ذلك:6790 - حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة: وذكر لنا: أن نبيّ الله صلى الله عليه وسلم سأل ربه جل ثناؤه أن يجعل له ملك فارسَ والروم في أمته، فأنزل الله عز وجل: " قل اللهم مالك الملك تؤتي الملك من تشاء " إلى إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ .6791 - حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن قتادة قال: ذُكر لنا والله أعلم: أنّ نبيّ الله صلى الله عليه وسلم سأل ربه عز وجل أن يجعل ملك فارس والروم في أمته، ثم ذكر مثله.* * *وروي عن مجاهد أنه كان يقول: معنى " الملك " في هذا الموضع: النبوة.ذكر الرواية عنه بذلك:6792 - حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم، عن عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قوله: " تؤتي الملك من تشاء وتنزع الملك ممن تشاء "، قال: النبوّة.6793- حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد مثله.* * *القول في تأويل قوله : وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (26)قال أبو جعفر: يعني جل ثناؤه: " وتعز من تشاء "، بإعطائه الملك والسلطان، وَبسط القدرة له =" وتذلّ من تشاء " بسلبك ملكه، وتسليط عدوه عليه =" بيدك الخير "، أي: كل ذلك بيدك وإليك، لا يقدر على ذلك أحد، لأنك على كل شيء قديرٌ، دون سائر خلقك، ودون من اتخذه المشركون من أهل الكتاب والأمِّيين من العرب إلهًا وربًّا يعبدونه من دونك، كالمسيح والأنداد التي اتخذها الأميون ربًّا، كما:-6794 - حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق، عن محمد بن جعفر بن الزبير قوله: " تؤتي الملك من تشاء "، الآية، أي: إنّ ذلك بيدك لا إلى غيرك (34) =" إنك على كل شيء قدير "، أي: لا يقدر على هذا غيرك بسلطانك وُقدْرَتك. (35)* * *-------------------الهوامش :(20) في المطبوعة والمخطوطة"ودم ، وهم" ، والأولى"ودم" خطأ لا شك فيه ، وسيأتي صوابه بعد أسطر ، حين عاد فذكر الثلاثة جميعًا: "فم ، وابنم ، وهم" ، على تصرف المطبوعة هناك في نص المخطوطة ، ليوافق الذي كتبه هنا.أما قوله: "وهم" ، فلم أعرف لها وجهًا أرتضيه ، وهذه الكلمة جاءت في كلام الفراء في معاني القرآن 1: 203 ، وستأتي أيضًا كذلك بعد أسطر. وقد راجعتها في نسختي مخطوطة معاني القرآن ، فإذا هي كذلك"وهم" ، وعلى الميم شبيه بالشدة في النسختين المخطوطتين ، وأغفلت ذلك المطبوعة. وقد وقف ناشر معاني القرآن عليها ، فعلقوا بما نصه: (كأنه يريد"هم" الضمير ، وأصلها"هوم" ، إذ هي جمع"هو" ، فحذفت الواو وزيدت ميم الجمع ، وإن كان هذا الرأي يعزي إلى البصريين. وانظر شرح الرضى للكافية في مبحث الضمائر) ، وعلق بعض طابعي تفسير الطبري بما يأتي: (قوله: "ودم" كذا في النسخ ، والكلمتان دم ، وهم ، لعلهما محرفتان عن: ابنم ، ودلهم ، أو دلقم ، من الكلمات التي زيدت في آخرها الميم ، وذكرها السيوطي في المزهر 2: 135).والذي قاله ناشرو معاني القرآن ، لا يقوم ، لأن الميم في هم ، وإن كانت زائدة من وجه ، إلا أنها أتى بها لمعنى هو غير ما جاءت به الزيادة في"فم" و"ابنم" ، ولعلة اختلف عليها النحويون اختلافًا كثيرًا. وأما ما قاله ناشر الطبري من أنها محرفة عن"دلهم أو دلقم" ، فليس بشيء ، لأن مطبوعات الطبري ومخطوطاته قد اتفقت عليه ، وعجيب أن يتفق تصحيفها ، وتصحيف نسختين من معاني القرآن ، الذي ينقل الطبري نص كلامه. وبعد هذا كله أجدني عاجزًا كل العجز عن معرفة أصل هذه الكلمة ، وعن وجه يرتضى في تصحيفها أو تحريفها أو قراءتها ، وقد استقصيت أمرها ما استطعت ، ولكني لم أنل إلا النصب في البحث ، فعسى أن أجد عند غيري من علمها ما حرمني الله علمه ، وفوق كل ذي علم عليم.(21) "زرقم ، وستهم" (كلتاهما بضم الأول وسكون الثاني وضم الثالث): رجل زرقم وامرأة زرقم ، أزرق شديد الزرق. فلما طرحت الألف من أوله ، زيدت الميم في آخره. وكذلك"رجل ستهم وامرأة ستهم": أسته ، وهو العظيم الاست ، الكبير العجز ، فعل به ما فعل بصاحبه. وقال الراجز في امرأة:لَيْسَتْ بِكَحْلاَءَ وَلَكِنْ زُرْقُمُوَلا بِرَسْحَاءَ وَلَكِنْ سُتْهُمُ(22) في المطبوعة: "لم تدخله العرب يا" ، وفي المخطوطة: "لم تدخله العرسه يا" ، وهذا من عجلة الناسخ ، فرددتها جميعًا إلى أصلهما.(23) لم يعرف قائله ، والأبيات في معاني القرآن للفراء 1: 203 ، والجمل للزجاجي: 177 والإنصاف: 151 ، والخزانة 1: 359 ، واللسان (أله) وغيرها من كتب العربية والنحو ، ومختلف من روايته ، وجاءوا به شاهدًا على زيادة"ما" بعد"ياللهم" فروايته عند بعضهم"يا اللهم ما" ، وبعد الأبيات زيادة زادها الكوفيون:مِنْ حَيْثُمَا وَكَيْفَمَا وَأَيْنَمَافإنَّنَا مِنْ خَيْرِهِ لَنْ نَعْدَمَا(24) في المطبوعة: "مثل فم ودم وهم" ، وأثبت نص المخطوطة ، وهو موافق لنص الفراء في معاني القرآن 1: 203 ، وهو نص كلامه.(25) لم يعرف قائله ، والبيتان في معاني القرآن 1: 203؛ والإنصاف: 150 ، واللسان (أله).(26) هو الأعشى.(27) ديوانه: 193 ، ومعاني القرآن 1: 203 ، والخزانة 1: 345 ، واللسان (أله) ، وغيرها. من قصيدة يعاتب بها بني جحدر ، وكانت بينه وبينهم نائرة ، ذكرها في قصائد من شعره. وقبل البيت وهو أول القصيدة:أَلَمْ تَرَوْا إِرَمًا وَعَادًاأَوْدَى بِها اللَّيْلُ وَالنَّهَارُبَادُوا, فلمَّا أنْ تآدَوْاقَفَّى عَلَى إِثْرِهِمْ قُدَارُكَحَلْفةٍ. . . . . . . . . .. . . . . . . . . . . . . . . . . . .أودى بها: أهلكها وذهب بها. وقوله: "فلما أن تآدوا" من قولهم: "تآدى القوم تآديًا وتعادوا تعاديًا": تتابعوا موتًا. وأصله من آدى الرجل: إذا كان شاك السلاح قد لبس أداة الحرب ، يعني أخذوا أسلحتهم فتقاتلوا حتى تفانوا. ومن شرح البيت"تآدوا" بمعنى تعاونوا وكثروا ، فقد أخطأ ، وذهب مذهبًا باطلا. يقول: لما هلكت إرم ودعاد ، أتت على آثارهم ثمود ، و"قدار" هو عاقر الناقة من ثمود فسموا القبيلة باسمه ، إذ كان سببًا في هلاكهم إذ دمدم عليهم ربهم فسواها. وأبو رياح (بياء تحتية) رجل من بني ضبيعة ، كان قتل رجلا من بني سعد بن ثعلبة جارًا لهم ، فسألوه أن يحلف ، أو يعطي الدية؛ فحلف لهم ، ثم قتل بعد حلفته. فضربته العرب مثلا لما لا يغني من الحلف. وفي المطبوعة"رباح" بالباء الموحدة ، وهو خطأ ، وهذا البيت الأخير ، جاء في هذا الموضع من الشعر في ديوانه ، ولكن الأرجح ما رواه أبو عبيدة في قول الأعشى لبني جحدر:أَقْسَمتُمُ لا نُعْطِيَّنكُمْإِلاّ عِرَارًا, فَذَا عِرَارُوالعرار: القتال. يقول: أقسمتم أن لا تعطونا إلا بعد قتال ، فهذا هو القتال ، قضى عليكم كما قضيت على أبي رياح حلفته الكاذبة إذ سمعها ربه الأكبر. والكبار (بضم الكاف) صيغة المبالغة من"كبير".(28) قال الفراء: "وأنشدني الكسائي".(29) في المطبوعة والمخطوطة: "يسمعها الله والكبار" ، وهو خطأ من الناسخ ، والصواب ما في معاني القرآن للفراء 1: 203 ، والذي مضى جميعه هو من نص كلامه مع قليل من التصرف. وكذلك رواها شارح ديوانه ، وكذلك سائر الكتب. وروى أبو عبيدة: "يسمعها الواحد الكبار".(30) الأثر: 6789- سيرة ابن هشام 2: 227 ، ونصه: "أي رب العباد ، والملك الذي لا يقضي فيهم غيره" ، وهو بقية الآثار السالفة التي آخرها رقم: 6776.(31) سقط من المطبوعة: "يعني: وتنزع الملك ممن تشاء" ، فأثبتها من المخطوطة.(32) ما سلف مختصر ما في معاني القرآن للفراء 1: 204-205 ، وقد وفاه حقه.(33) انظر تفسير"الملك" فيما سلف 1: 148 ، 149 / 2: 488 / 5: 312 ، 315 ، 371.(34) نص روايته ابن هشام: "أي: لا إله غيرك".(35) الأثر: 6794- سيرة ابن هشام 2: 227 وهو بقية الآثار التي آخرها رقم: 6789.
﴿ قل اللهم مالك الملك تؤتي الملك من تشاء وتنـزع الملك ممن تشاء وتعز من تشاء وتذل من تشاء بيدك الخير إنك على كل شيء قدير ﴾