ولله وحده كل مَن في السموات والأرض من الملائكة والإنس والجن والحيوان والنبات والجماد، كل هؤلاء منقادون لأمره خاضعون لكماله.
﴿ تفسير الجلالين ﴾
«وله من في السماوات والأرض» ملكا وخلقا وعبيدا «كل له قانتون» مطيعون.
﴿ تفسير السعدي ﴾
وَلَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الكل خلقه ومماليكه المتصرف فيهم من غير منازع ولا معاون ولا معارض وكلهم قانتون لجلاله خاضعون لكماله.
﴿ تفسير البغوي ﴾
( وله من في السماوات والأرض كل له قانتون ) مطيعون ، قال الكلبي : هذا خاص لمن كان منهم مطيعا . وعن ابن عباس : كل له مطيعون في الحياة والبقاء والموت والبعث وإن عصوا في العبادة .
﴿ تفسير الوسيط ﴾
ثم ختم- سبحانه- هذه الآيات، بآية جامعة لكل معاني القدرة والإيجاد والهيمنة على هذا الكون فقال: وَلَهُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ أى من الملائكة والجن والإنس، خلقا، وملكا، وتصرفا، كل ذلك له وحده- سبحانه- لا لأحد غيره.وقوله: كُلٌّ لَهُ قانِتُونَ مؤكد لما قبله ومقرر له، أى: كل الخلائق له لا لغيره طائعون خاضعون، خاشعون، طوعا وكرها، إذ لا يمتنع عليه- سبحانه- شيء يريد فعله بهم، من حياة أو موت، ومن صحة أو مرض، ومن غنى أو فقر.هذا، والمتأمل في هذه الآيات الكريمة، يرى أكثر من عشرة أدلة، على وحدانية الله- تعالى- وعلى انفراده بالخلق، وعلى إمكانية البعث، ومن هذه الأدلة خلق الإنسان من تراب، وصيرورته بعد تقلبه في أطوار التكوين بشرا سويا، وإيجاده- سبحانه- للذكور والإناث، حتى يبقى النوع الإنسانى إلى الوقت المقدر في علمه- تعالى-: وإيجاده للناس على هذه الصورة التي اختلفت معها ألسنتهم وألوانهم، مع أن أصلهم واحد، وجعله- تعالى- الليل مناما لراحة الناس، والنهار معاشا لابتغاء الرزق، وإنزاله المطر من السماء لإحياء الأرض بالنبات، وبقاء السموات والأرض على هذه الصورة العجيبة بأمره وتدبيره..إلى غير ذلك من الأدلة المبثوثة في الأنفس والآفاق.
﴿ تفسير ابن كثير ﴾
يقول تعالى : ( وله من في السماوات والأرض ) أي : ملكه وعبيده ، ( كل له قانتون ) أي : خاضعون خاشعون طوعا وكرها .وفي حديث دراج ، عن أبي الهيثم ، عن أبي سعيد ، مرفوعا : " كل حرف في القرآن يذكر فيه القنوت فهو الطاعة " .
﴿ تفسير القرطبي ﴾
وله من في السماوات والأرض خلقا وملكا وعبدا . كل له قانتون روي عن أبي سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : كل قنوت في القرآن فهو طاعة . قال النحاس : مطيعون طاعة انقياد . وقيل : قانتون مقرون بالعبودية ، إما قالة وإما دلالة ; قاله عكرمة وأبو مالك والسدي . وقال ابن عباس : قانتون مصلون . الربيع بن أنس : كل له قانتون أي قائم يوم القيامة ; كما قال : يوم يقوم الناس لرب العالمين أي للحساب . الحسن : كل له قائم بالشهادة أنه عبد له . سعيد بن جبير قانتون مخلصون .
﴿ تفسير الطبري ﴾
القول في تأويل قوله تعالى : وَلَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ كُلٌّ لَهُ قَانِتُونَ (26)يقول تعالى ذكره: من في السموات والأرض من ملك وجنّ وإنس عبيد وملك (كُلٌّ لَهُ قَانِتُونَ) يقول: كلّ له مطيعون، فيقول قائل: وكيف قيل (كُلٌّ لَهُ قَانِتُونَ) وقد علم أن أكثر الإنس والجنّ له عاصون؟ فنقول: اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك، فنذكر اختلافهم، ثم نبين الصواب عندنا في ذلك من القول، فقال بعضهم: ذلك كلام مخرجه مخرج العموم، والمراد به الخصوص، ومعناه: (كُلٌّ لَهُ قَانِتُونَ) في الحياة والبقاء والموت، والفناء والبعث والنشور، لا يمتنع عليه شيء من ذلك، وإن عصاه بعضهم في غير ذلك.* ذكر من قال ذلك:حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس قوله: وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ تَقُومَ السَّمَاءُ وَالأَرْضُ بِأَمْرِهِ ... إلى (كُلٌّ لَهُ قَانِتُونَ) يقول: مطيعون، يعني الحياة والنشور والموت، وهم عاصون له فيما سوى ذلك من العبادة.وقال آخرون: بل معنى ذلك: (كُلٌّ لَهُ قَانِتُونَ) بإقرارهم بأنه ربهم وخالقهم.* ذكر من قال ذلك:حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قَتادة (كُلٌّ لَهُ قَانِتُونَ) : أي مطيع مقرٌّ بأن الله ربه وخالقه.وقال آخرون: هو على الخصوص، والمعنى: (وَلَهُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ) من ملك وعبد مؤمن لله مطيع دون غيرهم.* ذكر من قال ذلك:حدثني يونس. قال: أخبرنا ابن وهب. قال: قال ابن زيد في قوله: (كُلٌّ لَهُ قَانِتُونَ) قال: كلّ له مطيعون، المطيع: القانت. قال: وليس شيء إلا وهو مطيع، إلا ابن آدم، وكان أحقهم أن يكون أطوعهم لله. وفي قوله: وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ .قال: هذا في الصلاة. لا تتكلموا في الصلاة، كما يتكلم أهل الكتاب في الصلاة. قال: وأهل الكتاب يمشي بعضهم إلى بعض في الصلاة. قال: ويتقابلون في الصلاة، فإذا قيل لهم في ذلك، قالوا: لكي تذهب الشحناء من قلوبنا، تسلم قلوب بعضنا لبعض، فقال الله: وقوموا لله قانتين لا تزولوا كما يزولون. قانتين: لا تتكلموا كما يتكلمون. قال: فأما ما سوى هذا كله في القرآن من القنوت فهو الطاعة، إلا هذه الواحدة.وأولى الأقوال في ذلك بالصواب، القول الذي ذكرناه عن ابن عباس، وهو أن كلّ من في السماوات والأرض من خلق لله مطيع في تصرّفه فيما أراد تعالى ذكره، من حياة وموت، وما أشبه ذلك، وإن عصاه فيما يكسبه بقوله، وفيما له السبيل إلى اختياره وإيثاره على خلافه.وإنما قلت: ذلك أولى بالصواب في تأويل ذلك؛ لأن العصاة من خلقه فيما لهم السبيل إلى اكتسابه كثير عددهم، وقد أخبر تعالى ذكره عن جميعهم أنهم له قانتون، فغير جائز أن يخبر عمن هو عاص أنه له قانت فيما هو له عاص. وإذا كان ذلك كذلك، فالذي فيه عاص هو ما وصفت، والذي هو له قانت ما بينت.