يريد الله تعالى بما شرعه لكم التيسير، وعدم التشديد عليكم؛ لأنكم خلقتم ضعفاء.
﴿ تفسير الجلالين ﴾
«يريد الله أن يخفف عنكم» يسهل عليكم أحكام الشرع «وخلق الإنسان ضعيفا» لا يصبر عن النساء والشهوات.
﴿ تفسير السعدي ﴾
يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ أي: بسهولة ما أمركم به و [ما] نهاكم عنه، ثم مع حصول المشقة في بعض الشرائع أباح لكم ما تقتضيه حاجتكم، كالميتة والدم ونحوهما للمضطر، وكتزوج الأمة للحر بتلك الشروط السابقة. وذلك لرحمته التامة وإحسانه الشامل، وعلمه وحكمته بضعف الإنسان من جميع الوجوه، ضعف البنية، وضعف الإرادة، وضعف العزيمة، وضعف الإيمان، وضعف الصبر، فناسب ذلك أن يخفف الله عنه، ما يضعف عنه وما لا يطيقه إيمانه وصبره وقوته.
﴿ تفسير البغوي ﴾
( يريد الله أن يخفف عنكم ) يسهل عليكم في أحكام الشرع ، وقد سهل كما قال جل ذكره : " ويضع عنهم إصرهم " ( الأعراف - 157 ) وقال النبي صلى الله عليه وسلم : " بعثت بالحنيفية السمحة السهلة " ، ( وخلق الإنسان ضعيفا ) قال طاوس والكلبي وغيرهما في أمر النساء : لا يصبر عنهن ، وقال ابن كيسان : ( وخلق الإنسان ضعيفا ) يستميله هواه وشهوته ، وقال الحسن : هو أنه خلق من ماء مهين ، بيانه قوله تعالى : " الله الذي خلقكم من ضعف " ( الروم - 54 ) .
﴿ تفسير الوسيط ﴾
ثم بين- سبحانه- لونا آخر من ألوان رحمته ورأفته بعباده فقال: يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ وَخُلِقَ الْإِنْسانُ ضَعِيفاً.أى: يريد الله بما شرعه لكم من أحكام، وبما كلفكم به من تكاليف هي في قدرتكم واستطاعتكم أن يخفف عنكم في شرائعه وأوامره ونواهيه، لكي تزدادوا له في الطاعة والاستجابة والشكر.وَخُلِقَ الْإِنْسانُ ضَعِيفاً أى لا يصبر على مشاق الطاعات، فكان من رحمة الله- تعالى- به أن خفف عنه في التكاليف.وهذا اليسر والتخفيف في التكاليف من أبرز مميزات الشريعة الإسلامية، وقد بين القرآن الكريم ذلك في كثير من آياته، ومن ذلك قوله- تعالى-: يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ. وقوله- تعالى- ما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ. وقوله- تعالى- وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُها لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآياتِنا يُؤْمِنُونَ. الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِنْدَهُمْ فِي التَّوْراةِ وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّباتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلالَ الَّتِي كانَتْ عَلَيْهِمْ.ولقد كان من هدى النبي صلى الله عليه وسلم التخفيف والتيسير، ففي الحديث الشريف: «إن هذا الدين يسر ولن يشاد الدين أحد إلا غلبه» .وكان من وصاياه لمعاذ بن جبل وأبى موسى الأشعرى عند ما أرسلهما إلى اليمن «يسرا ولا تعسرا وبشرا ولا تنفرا» .وبذلك نرى أن هذه الآيات الكريمة قد بينت لنا ألوانا من مظاهر فضل الله على عباده ورحمته بهم، لكي يزدادوا له شكرا وطاعة وخضوعا.ثم وجه القرآن نداء إلى المؤمنين بين لهم فيه بعض المحرمات المتعلقة بالأنفس والأموال، بعد أن بين لهم قبل ذلك المحرمات من النساء والمحللات منهن ومظاهر فضله- سبحانه- بعباده ورحمته بهم فقال- تعالى-:
﴿ تفسير ابن كثير ﴾
أي : في شرائعه وأوامره ونواهيه وما يقدره لكم ، ولهذا أباح [ نكاح ] الإماء بشروطه ، كما قال مجاهد وغيره : ( خلق الإنسان ضعيفا ) فناسبه التخفيف; لضعفه في نفسه وضعف عزمه وهمته .وقال ابن أبي حاتم : حدثنا محمد بن إسماعيل [ الأحمسي ] حدثنا وكيع ، عن سفيان ، عن ابن طاوس ، عن أبيه : ( خلق الإنسان ضعيفا ) أي : في أمر النساء ، وقال وكيع : يذهب عقله عندهن .وقال موسى الكليم عليه الصلاة والسلام لنبينا صلوات الله وسلامه عليه ليلة الإسراء حين مر عليه راجعا من عند سدرة المنتهى ، فقال له : ماذا فرض عليكم ؟ فقال : " أمرني بخمسين صلاة في كل يوم وليلة " فقال له : ارجع إلى ربك فاسأله التخفيف; فإن أمتك لا تطيق ذلك ، فإني قد بلوت الناس قبلك على ما هو أقل من ذلك فعجزوا ، وإن أمتك أضعف أسماعا وأبصارا وقلوبا ، فرجع فوضع عشرا ، ثم رجع إلى موسى فلم يزل كذلك حتى بقيت خمسا [ قال الله عز وجل : " هن خمس وهن خمسون ، الحسنة بعشر أمثالها " ] الحديث .
﴿ تفسير القرطبي ﴾
قوله تعالى : وخلق الإنسان ضعيفا نصب على الحال ؛ والمعنى أن هواه يستميله وشهوته وغضبه يستخفانه ، وهذا أشد الضعف فاحتاج إلى التخفيف . وقال طاوس : ذلك في أمر النساء خاصة . وروي عن ابن عباس أنه قرأ " وخلق الإنسان ضعيفا " أي وخلق الله الإنسان ضعيفا ، أي لا يصبر عن النساء . قال ابن المسيب : لقد أتى علي ثمانون سنة وذهبت إحدى عيني وأنا أعشو بالأخرى وصاحبي أعمى أصم - يعني ذكره - وإني أخاف من فتنة النساء . ونحوه عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه ، قال عبادة : ألا تروني لا أقوم إلا رفدا ولا آكل إلا ما لوق لي - قال يحيى : يعني لين وسخن - وقد مات صاحبي منذ زمان - قال يحيى : يعني ذكره - وما يسرني أني خلوت بامرأة لا تحل لي ، وأن لي ما تطلع عليه الشمس مخافة أن يأتيني الشيطان فيحركه علي ، إنه لا سمع له ولا بصر .
﴿ تفسير الطبري ﴾
القول في تأويل قوله : يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ وَخُلِقَ الإِنْسَانُ ضَعِيفًا (28)قال أبو جعفر: يعني جل ثناؤه بقوله: " يريد الله أن يخفف عنكم "، يريد الله أن يُيسر عليكم، (2) بإذنه لكم في نكاح الفتيات المؤمنات إذا لم تستطيعوا طولا لحرة =" وخلق الإنسان ضعيفًا "، يقول: يسَّر ذلك عليكم إذا كنتم غيرَ مستطيعي الطوْل للحرائر، لأنكم خُلِقتم ضعفاء عجزةً عن ترك جماع النساء، قليلي الصبر عنه، فأذن لكم في نكاح فتياتكم المؤمنات عند خوفكم العَنَت على أنفسكم، ولم تجدُوا طولا لحرة، لئلا تزنوا، لقلّة صبركم على ترك جماع النساء.* * *وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.*ذكر من قال ذلك:9135 - حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم، عن عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: " يريد الله أن يخفف عنكم " في نكاح الأمة، وفي كل شيء فيه يُسر.9136 - حدثنا محمد بن بشار قال، حدثنا أبو أحمد الزبيري قال، حدثنا سفيان، عن ابن طاوس، عن أبيه: " وخلق الإنسان ضعيفًا "، قال: في أمر الجماع.9137 - حدثنا ابن بشار قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا سفيان، عن ابن طاوس، عن أبيه: " وخلق الإنسان ضعيفًا "، قال: في أمر النساء.9138 - حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر، عن ابن طاوس، عن أبيه: " وخلق الإنسان ضعيفًا "، قال: في أمور النساء. ليس يكون الإنسان في شيء أضعفَ منه في النساء.9139 - حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله: " يريد الله أن يخفف عنكم "، قال: رخّص لكم في نكاح هؤلاء الإماء، حين اضطُرّوا إليهن =" وخلق الإنسان ضعيفًا "، قال: لو لم يرخِّص له فيها، لم يكن إلا الأمرُ الأول، إذا لم يجد حرّة.---------------------الهوامش:(2) انظر تفسير"التخفيف" فيما سلف 6: 577.