وجعل إبراهيم عليه السلام كلمة التوحيد (لا إله إلا الله) باقية في مَن بعده؛ لعلهم يرجعون إلى طاعة ربهم وتوحيده، ويتوبون من كفرهم وذنوبهم.
﴿ تفسير الجلالين ﴾
(وجعلها) أي كلمة التوحيد المفهومة من قوله "" إني ذاهب إلى ربي سيهدين "" (كلمة باقية في عقبه) ذريته فلا يزال فيهم من يوحد الله (لعلهم) أي أهل مكة (يرجعون) عما هم عليه إلى دين إبراهيم أبيهم.
﴿ تفسير السعدي ﴾
وَجَعَلَهَا أي: هذه الخصلة الحميدة، التي هي أم الخصال وأساسها، وهي إخلاص العبادة للّه وحده، والتبرِّي من عبادة ما سواه. كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ أي: ذريته لَعَلَّهُمْ إليها يَرْجِعُونَ لشهرتها عنه، وتوصيته لذريته، وتوصية بعض بنيه -كإسحاق ويعقوب- لبعض، كما قال تعالى: وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلَّا مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ إلى آخر الآيات.فلم تزل هذه الكلمة موجودة في ذريته عليه السلام حتى دخلهم الترف والطغيان.
﴿ تفسير البغوي ﴾
( وجعلها ) يعني هذه الكلمة ، ( كلمة باقية في عقبه ) قال مجاهد وقتادة : يعني كلمة التوحيد وهي : " لا إله إلا الله " كلمة باقية في عقبه : في ذريته . قال قتادة : لا يزال في ذريته من يعبد الله ويوحده . وقال القرظي : يعني : وجعل وصية إبراهيم التي أوصى بها بنيه باقية في نسله وذريته ، وهو قوله - عز وجل - : " ووصى بها إبراهيم بنيه " ( البقرة 132 ) .وقال ابن زيد : يعني قوله : " أسلمت لرب العالمين " ( البقرة 131 ) وقرأ : " هو سماكم المسلمين " ( الحج 78 ) .( لعلهم يرجعون ) لعل أهل مكة يتبعون هذا الدين ويرجعون عما هم عليه إلى دين إبراهيم . وقال السدي : لعلهم يتوبون ويرجعون إلى طاعة الله - عز وجل - .
﴿ تفسير الوسيط ﴾
والضمير المنصوب في قوله- تعالى- بعد ذلك: وَجَعَلَها كَلِمَةً باقِيَةً فِي عَقِبِهِ ...يعود إلى كلمة التوحيد، المشتملة على البراءة من كل عبادة لغير الله- تعالى-، والمعبر عنها قبل ذلك بقوله- تعالى-: إِنَّنِي بَراءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ.وضمير الفاعل المستتر في قوله- سبحانه-: وَجَعَلَها ... يعود إلى الله- تعالى-.أى: وجعل الله- تعالى- بفضله وكرمه، كلمة التوحيد، باقية في عقب ابراهيم، وفي ذريته من بعده، بأن جعل من ذريته الأنبياء والصالحين الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا.ويؤيد هذا المعنى قوله- تعالى- في سورة الصافات: سَلامٌ عَلى إِبْراهِيمَ، كَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ. إِنَّهُ مِنْ عِبادِنَا الْمُؤْمِنِينَ. وَبَشَّرْناهُ بِإِسْحاقَ نَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ. وَبارَكْنا عَلَيْهِ وَعَلى إِسْحاقَ، وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِما مُحْسِنٌ وَظالِمٌ لِنَفْسِهِ مُبِينٌ ...ويصح أن يكون ضمير الفاعل يعود إلى إبراهيم- عليه السلام-، على معنى أنه أوصى ذريته من بعده بعبادة الله- تعالى- وحده، وأنه دعا ربه أن يجعل في ذريته من يعبده وحده.فيكون المعنى: وجعل ابراهيم هذه الكلمة وهي كلمة التوحيد باقية في ذريته حيث أوصاهم بعبادة الله وحده.ويشهد لذلك قوله- تعالى-: وَوَصَّى بِها- أى بكلمة التوحيد- إِبْراهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يا بَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفى لَكُمُ الدِّينَ فَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ... .ثم بين- سبحانه- الحكمة في ذلك الجعل فقال: لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ أى: جعلها كذلك رجاء أن يرجع إلى كلمة التوحيد من أشرك من ذرية ابراهيم، ببركة دعائه لهم بالإيمان ودعاء من آمن منهم.فلقد حكى القرآن عن إبراهيم أن دعا الله- تعالى- بقوله: رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلاةِ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي ... وبقوله: وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنامَ.
﴿ تفسير ابن كثير ﴾
فقال : ( وجعلها كلمة باقية في عقبه ) أي : هذه الكلمة ، وهي عبادة الله تعالى وحده لا شريك له ، وخلع ما سواه من الأوثان ، وهي " لا إله إلا الله " أي : جعلها دائمة في ذريته يقتدي به فيها من هداه الله من ذرية إبراهيم ، عليه السلام ، ( لعلهم يرجعون ) أي : إليها .وقال عكرمة ، ومجاهد ، والضحاك ، وقتادة ، والسدي ، وغيرهم في قوله تعالى : ( وجعلها كلمة باقية في عقبه ) يعني : لا إله إلا الله ، لا يزال في ذريته من يقولها . وروي نحوه عن ابن عباس .وقال ابن زيد : كلمة الإسلام . وهو يرجع إلى ما قاله الجماعة .
﴿ تفسير القرطبي ﴾
قوله تعالى : وجعلها كلمة باقية في عقبه لعلهم يرجعون .فيه ثلاث مسائل :الأولى : قوله تعالى : وجعلها كلمة باقية الضمير في جعلها عائد على قوله : إلا الذي فطرني وضمير الفاعل في جعلها لله - عز وجل - ، أي : وجعل الله هذه الكلمة والمقالة باقية في عقبه ، وهم ولده وولد ولده ، أي : إنهم توارثوا البراءة عن عبادة غير الله ، وأوصى بعضهم بعضا في ذلك . والعقب من يأتي بعده . وقال السدي : هم آل محمد صلى الله عليه وسلم . وقال ابن عباس : قوله : في عقبه أي : في خلقه . وفي الكلام تقديم وتأخير ، المعنى : فإنه سيهدين لعلهم يرجعون وجعلها كلمة باقية في عقبه . أي : قال لهم ذلك لعلهم يتوبون عن عبادة غير الله . قال مجاهد وقتادة : الكلمة لا إله إلا الله . قال قتادة : لا يزال من عقبه من يعبد الله إلى يوم القيامة . وقال الضحاك : الكلمة أن لا تعبدوا إلا الله . عكرمة : الإسلام ، لقوله تعالى : هو سماكم المسلمين من قبل . القرظي : وجعل وصية إبراهيم التي وصى بها بنيه وهو قوله : يا بني إن الله اصطفى ، لكم الدين - الآية المذكورة في البقرة - كلمة باقية في ذريته وبنيه . وقال ابن زيد : الكلمة قوله : أسلمت لرب العالمين وقرأ هو سماكم المسلمين من قبل وقيل : الكلمة النبوة . قال ابن العربي : ولم تزل النبوة باقية في ذرية إبراهيم . والتوحيد هم أصله وغيرهم فيه تبع لهم .الثانية : قال ابن العربي : إنما كانت لإبراهيم في الأعقاب موصولة بالأحقاب بدعوتيه المجابتين ، إحداهما في قوله : إني جاعلك للناس إماما قال ومن ذريتي قال لا ينال عهدي الظالمين فقد قال نعم إلا من ظلم منهم فلا عهد . ثانيهما قوله : واجنبني وبني أن نعبد الأصنام وقيل : بل الأولى قوله : واجعل لي لسان صدق في الآخرين فكل أمة تعظمه ، بنوه وغيرهم ممن يجتمع معه في سام أو نوح .الثالثة : قال ابن العربي : جرى ذكر العقب هاهنا موصولا في المعنى ، وذلك مما يدخل في الأحكام وترتب عليه عقود العمرى والتحبيس . قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : أيما رجل أعمر عمرى له ولعقبه فإنها للذي أعطيها لا ترجع إلى الذي أعطاها لأنه أعطى عطاء وقعت فيه المواريث . وهي ترد على أحد عشر لفظا :اللفظ الأول : الولد ، وهو عند الإطلاق عبارة عمن وجد من الرجل وامرأته في الإناث والذكور . وعن ولد الذكور دون الإناث لغة وشرعا ، ولذلك وقع الميراث على الولد المعين وأولاد الذكور من المعين دون ولد الإناث لأنه من قوم آخرين ، ولذلك لم يدخلوا في الحبس بهذا اللفظ ، قاله مالك في المجموعة وغيرها .قلت : هذا مذهب مالك وجميع أصحابه المتقدمين ، ومن حجتهم على ذلك الإجماع على أن ولد البنات لا ميراث لهم مع قوله تعالى : يوصيكم الله في أولادكم وقد ذهب جماعة من العلماء إلى أن ولد البنات من الأولاد والأعقاب يدخلون في الأحباس ، يقول المحبس : حبست على ولدي أو على عقبي . وهذا اختيار أبي عمر بن عبد البر وغيره ، واحتجوا بقول الله - جل وعز - : حرمت عليكم أمهاتكم وبناتكم . قالوا : فلما حرم الله البنات فحرمت بذلك بنت البنت بإجماع علم أنها بنت ووجب أن تدخل في حبس أبيها إذا حبس على ولده أو عقبه . وقد مضى هذا المعنى في ( الأنعام ) مستوفى .اللفظ الثاني : البنون ، فإن قال : هذا حبس على ابني ، فلا يتعدى الولد المعين ولا يتعدد . ولو قال ولدي ، لتعدى وتعدد في كل من ولد . وإن قال على بني ، دخل فيه الذكور والإناث . قال مالك : من تصدق على بنيه وبني بنيه فإن بناته وبنات بناته يدخلن في ذلك . روى عيسى عن ابن القاسم فيمن حبس على بناته فإن بنات بنته يدخلن في ذلك مع بنات صلبه . والذي عليه جماعة أصحابه أن ولد البنات لا يدخلون في البنين . فإن قيل : فقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم - في الحسن ابن ابنته إن ابني هذا سيد ولعل الله أن يصلح به بين فئتين عظيمتين من المسلمين . قلنا : هذا مجاز ، وإنما أشار به إلى تشريفه وتقديمه ، ألا ترى أنه يجوز نفيه عنه فيقول الرجل في ولد بنته ليس بابني ، ولو كان حقيقة ما جاز نفيه عنه ; لأن الحقائق لا تنفى عن منتسباتها . ألا ترى أنه ينتسب إلى أبيه دون أمه ، ولذلك قيل في عبد الله بن عباس : إنه هاشمي وليس بهلالي وإن كانت أمه هلالية .قلت : هذا الاستدلال غير صحيح ، بل هو ولد على الحقيقة في اللغة لوجود معنى الولادة فيه ، ولأن أهل العلم قد أجمعوا على تحريم بنت البنت من قول الله تعالى : حرمت عليكم أمهاتكم وبناتكم . وقال تعالى : ومن ذريته داود وسليمان إلى قوله من الصالحين فجعل عيسى من ذريته وهو ابن بنته على ما تقدم بيانه هناك . فإن قيل فقد قال الشاعر :بنونا بنو أبنائنا ، وبناتنا بنوهن أبناء الرجال الأباعدقيل لهم : هذا لا دليل فيه ; لأن معنى قوله : إنما هو ولد بنيه الذكران هم الذين لهم حكم بنيه في الموارثة والنسب ، وإن ولد بناته ليس لهم حكم بناته في ذلك ، إذ ينتسبون إلى غيره فأخبر بافتراقهم بالحكم مع اجتماعهم في التسمية ولم ينف عن ولد البنات اسم الولد لأنه ابن ، وقد يقول الرجل في ولده ليس هو بابني إذ لا يطيعني ولا يرى لي حقا ، ولا يريد بذلك نفي اسم الولد عنه ، وإنما يريد أن ينفي عنه حكمه . ومن استدل بهذا البيت على أن ولد البنت لا يسمى ولدا فقد أفسد معناه وأبطل فائدته ، وتأول على قائله ما لا يصح ، إذ لا يمكن أن يسمى ولد الابن في اللسان العربي ابنا ، ولا يسمى ولد الابنة ابنا ، من أجل أن معنى الولادة التي اشتق منها اسم الولد فيه أبين وأقوى لأن ولد الابنة هو ولدها بحقيقة الولادة ، وولد الابن إنما هو ولده بماله مما كان سببا للولادة . ولم يخرج مالك رحمه الله أولاد البنات من حبس على ولده من أجل أن اسم الولد غير واقع عليه عنده في اللسان ، وإنما أخرجهم منه قياسا على الموارثة . وقد مضى هذا في ( الأنعام ) والحمد لله .اللفظ الثالث : الذرية ، وهي مأخوذة من ذرأ الله الخلق ، فيدخل فيه ولد البنات لقوله : ومن ذريته داود وسليمان إلى أن قال وزكريا ويحيى وعيسى . وإنما كان من ذريته من قبل أمه . وقد مضى في ( البقرة ) اشتقاق الذرية وفي ( الأنعام ) الكلام على ( ومن ذريته ) الآية ، فلا معنى للإعادة .اللفظ الرابع : العقب ، وهو في اللغة عبارة عن شيء بعد شيء كان من جنسه أو من غير جنسه ، يقال : أعقب الله بخير ، أي : جاء بعد الشدة بالرخاء . وأعقب الشيب السواد . وعقب يعقب عقوبا وعقبا إذا جاء شيئا بعد شيء ، ولهذا قيل لولد الرجل : عقبه . والمعقاب من النساء : التي تلد ذكرا بعد أنثى ، هكذا أبدا . وعقب الرجل : ولده وولد ولده الباقون بعده . والعاقبة الولد ، قال يعقوب : في القرآن وجعلها كلمة باقية في عقبه وقيل : بل الورثة كلهم عقب . والعاقبة الولد ، ولذلك فسره مجاهد هنا . وقال ابن زيد : هاهنا هم الذرية . وقال ابن شهاب : هم الولد وولد الولد . وقيل : غيره على ما تقدم عن السدي . وفي الصحاح والعقب ( بكسر القاف ) مؤخر القدم وهي مؤنثة . وعقب الرجل أيضا ولده وولد ولده . وفيه لغتان : عقب وعقب ( بالتسكين ) وهي أيضا مؤنثة ، عن الأخفش . وعقب الرجل أيضا ولده وولد ولده . وعقب فلان مكان أبيه عاقبة أي : خلفه ، وهو اسم جاء بمعنى المصدر كقوله تعالى : ليس لوقعتها كاذبة . ولا فرق عند أحد من العلماء بين لفظ العقب والولد في المعنى . واختلف في الذرية والنسل فقيل إنهما بمنزلة الولد والعقب ، لا يدخل ولد البنات فيهما على مذهب مالك . وقيل : إنهم يدخلون فيهما . وقد مضى الكلام في الذرية هنا وفي ( الأنعام )اللفظ الخامس : نسلي ، وهو عند علمائنا كقوله : ولدي وولد ولدي ، فإنه يدخل فيه ولد البنات . ويجب أن يدخلوا ; لأن نسل به بمعنى خرج ، وولد البنات قد خرجوا منه بوجه ، ولم يقترن به ما يخصه كما اقترن بقوله عقبي ما تناسلوا . وقال بعض علمائنا : إن النسل بمنزلة الولد والعقب لا يدخل فيه ولد البنات ، إلا أن يقول المحبس نسلي ونسل نسلي ، كما إذا قال : عقبي وعقب عقبي ، وأما إذا قال ولدي أو عقبي مفردا فلا يدخل فيه البنات .اللفظ السادس : الآل ، وهم الأهل ، وهو اللفظ السابع . قال ابن القاسم : هما سواء ، وهم العصبة والإخوة والبنات والعمات ، ولا يدخل فيه الخالات . وأصل أهل الاجتماع يقال : مكان أهل إذا كان فيه جماعة ، وذلك بالعصبة ومن دخل في القعدد من النساء ، والعصبة مشتقة منه وهي أخص به . وفي حديث الإفك : يا رسول الله ، أهلك! ولا نعلم إلا خيرا ، يعني عائشة . ولكن لا تدخل فيه الزوجة بإجماع وإن كانت أصل التأهل ; لأن ثبوتها ليس بيقين إذ قد يتبدل ربطها وينحل بالطلاق . وقد . قال مالك : آل محمد كل تقي ، وليس من هذا الباب . وإنما أراد أن الإيمان أخص من القرابة فاشتملت عليه الدعوة وقصد بالرحمة . وقد قال أبو إسحاق التونسي : يدخل في الأهل كل من كان من جهة الأبوين ، فوفى الاشتقاق حقه وغفل عن العرف ومطلق الاستعمال . وهذه المعاني إنما تبنى على الحقيقة أو على العرف المستعمل عند الإطلاق ، فهذان لفظان .اللفظ الثامن : قرابة ، فيه أربعة أقوال : الأول : قال مالك في كتاب محمد بن عبدوس : إنهم الأقرب فالأقرب بالاجتهاد ، ولا يدخل فيه ولد البنات ولا ولد الخالات . الثاني : يدخل فيه أقاربه من قبل أبيه وأمه ، قال علي بن زياد . الثالث : قال أشهب : يدخل فيه كل رحم من الرجال والنساء . الرابع : قال ابن كنانة : يدخل فيه الأعمام والعمات والأخوال والخالات وبنات الأخت . وقد قال ابن عباس في تفسير قوله تعالى : قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى قال : إلا أن تصلوا قرابة ما بيني وبينكم . وقال : لم يكن بطن من قريش إلا كان بينه وبين النبي - صلى الله عليه وسلم - قرابة ، فهذا يضبطه والله أعلم .اللفظ التاسع : العشيرة ، ويضبطه الحديث الصحيح : إن الله تعالى لما أنزل : وأنذر عشيرتك الأقربين دعا النبي - صلى الله عليه وسلم - بطون قريش وسماهم - كما تقدم ذكره - وهم العشيرة الأقربون ، وسواهم عشيرة في الإطلاق . واللفظ يحمل على الأخص الأقرب بالاجتهاد ، كما تقدم من قول علمائنا .اللفظ العاشر : القوم ، يحمل ذلك على الرجال خاصة من العصبة دون النساء . والقول يشمل الرجال والنساء ، وإن كان الشاعر قد قال :وما أدري وسوف إخال أدري أقوم آل حصن أم نساءولكنه أراد أن الرجل إذا دعا قومه للنصرة عنى الرجال ، وإذا دعاهم للحرمة دخل فيهم الرجال والنساء ، فتعممه الصفة وتخصصه القرينة .اللفظ الحادي عشر : الموالي ، قال مالك : يدخل فيه موالي أبيه وابنه مع مواليه . وقال ابن وهب : يدخل فيه أولاد مواليه . قال ابن العربي : والذي يتحصل منه أنه يدخل فيه من يرثه بالولاء ، قال : وهذه فصول الكلام وأصوله المرتبطة بظاهر القرآن والسنة المبينة له ، والتفريع والتتميم في كتاب المسائل ، والله أعلم .
﴿ تفسير الطبري ﴾
وقوله: ( وَجَعَلَهَا كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ ) يقول تعالى ذكره: وجعل قوله: ( إِنَّنِي بَرَاءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ إِلا الَّذِي فَطَرَنِي ) وهو قول: لا إله إلا الله, كلمة باقية في عقبه, وهم ذريّته, فلم يزل فى ذريّته من يقول ذلك من بعده.واختلف أهل التأويل في معنى الكلمة التي جعلها خليل الرحمن باقية في عقبه, فقال بعضهم: بنحو الذي قلنا في ذلك.* ذكر من قال ذلك:حدثنا ابن بشار, قال: ثنا عبد الرحمن, قال: ثنا سفيان, عن ليث, عن مجاهد ( وَجَعَلَهَا كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ ) قال: لا إله إلا الله.حدثنا بشر, قال: ثنا يزيد, قال: ثنا سعيد, عن قتادة ( وَجَعَلَهَا كَلِمَةً بَاقِيَةً ) قال: شهادة أن لا إله إلا الله, والتوحيد لم يزل في ذريته من يقولها من بعده.حدثنا ابن عبد الأعلى, قال: ثنا ابن ثور, عن معمر, عن قتادة ( وَجَعَلَهَا كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ ) قال: التوحيد والإخلاص, ولا يزال في ذريّته من يوحد الله ويعبده.حدثنا محمد, قال: ثنا أحمد, قال: ثنا أسباط, عن السديّ( وَجَعَلَهَا كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ ) قال: لا إله إلا الله.وقال آخرون: الكلمة التي جعلها الله في عقبه اسم الإسلام.* ذكر من قال ذلك:حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, فى قوله: ( وَجَعَلَهَا كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ ) فقرأ إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ قال: جعل هذه باقية في عقبه, قال: الإسلام, وقرأ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ فقرأ وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَوبنحو ما قلنا في معنى العقب قال أهل التأويل.* ذكر من قال ذلك:حدثني محمد بن عمرو, قال: ثنا أبو عاصم, قال: ثنا عيسى; وحدثني الحارث, قال: ثنا الحسن, قال: ثنا ورقاء جميعا, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, قوله: ( فِي عَقِبِهِ ) قال: ولده.حدثني محمد بن سعد, قال: ثني أبي, قال: ثني عمي, قال: ثني أبي, عن أبيه, عن ابن عباس, قوله: ( وَجَعَلَهَا كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ ) قال: يعني من خلَفه.حدثني محمد, قال: ثنا أحمد, قال: ثنا أسباط, عن السديّ( فِي عَقِبِهِ ) قال: في عقب إبراهيم آل محمد صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم.حدثني محمد بن عبد الله بن عبد الحكم, قال: ثنا ابن أبي فديك, قال: ثنا ابن أبي ذئب, عن ابن شهاب أنه كان يقول: العقب: الولد, وولد الولد.حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد ( فِي عَقِبِهِ ) قال: عقبه: ذرّيته.وقوله: ( لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ ) يقول: ليرجعوا إلى طاعة ربهم, ويثوبوا إلى عبادته, ويتوبوا من كفرهم وذنوبهم.وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.* ذكر من قال ذلك:حدثنا بشر, قال: ثنا يزيد, قال: ثنا سعيد, عن قتادة ( لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ ) : أي يتوبون, أو يذَّكرون.