اذكر -أيها الرسول- لقومك يوم نقول لجهنم يوم القيامة: هل امتلأت؟ وتقول جهنم: هل من زيادة من الجن والإنس؟ فيضع الرب -جل جلاله- قدمه فيها، فينزوي بعضها على بعض، وتقول: قط، قط.
﴿ تفسير الجلالين ﴾
«يوم» ناصبه ظلام «نقول» بالنون والياء «لجهنم هل امتلأت» استفهام لوعده بمثلها «وتقول» بصورة الاستفهام كالسؤال «هل من مزيد» أي لا أسع غير ما امتلأت به، أي قد امتلأت.
﴿ تفسير السعدي ﴾
يقول تعالى، مخوفًا لعباده: يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَلِ امْتَلَأْتِ وذلك من كثرة ما ألقي فيها، وَتَقُولُ هَلْ مِنْ مَزِيدٍ أي: لا تزال تطلب الزيادة، من المجرمين العاصين، غضبًا لربها، وغيظًا على الكافرين.وقد وعدها الله ملأها، كما قال تعالى لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ حتى يضع رب العزة عليها قدمه الكريمة المنزهة عن التشبيه، فينزوي بعضها على بعض، وتقول: قط قط، قد اكتفيت وامتلأت.
﴿ تفسير البغوي ﴾
( يوم نقول لجهنم ) قرأ نافع وأبو بكر " يقول " بالياء ، أي : يقول الله ، لقوله : " قال لا تختصموا " ، وقرأ الآخرون بالنون ( هل امتلأت ) وذلك لما سبق لها من وعده إياها أنه يملؤها من الجنة والناس ، وهذا السؤال من الله - عز وجل - لتصديق خبره وتحقيق وعده ( وتقول ) جهنم ( هل من مزيد ) قيل : معناه قد امتلأت ولم يبق في موضع لم يمتلئ ، فهو استفهام إنكار ، هذا قول عطاء ومجاهد ومقاتل بن سليمان . وقيل : هذا استفهام بمعنى الاستزادة ، وهو قول ابن عباس في رواية أبي صالح ، وعلى هذا يكون السؤال بقوله : " هل امتلأت " ، قبل دخول جميع أهلها فيها ، وروي عن ابن عباس : أن الله تعالى سبقت كلمته " لأملأن جهنم من الجنة والناس أجمعين " ( السجدة - 13 ) ، فلما سيق أعداء الله إليها لا يلقى فيها فوج إلا ذهب فيها ولا يملؤها شيء ، فتقول : ألست قد أقسمت لتملأني ؟ فيضع قدمه عليها ، ثم يقول : هل امتلأت ؟ فتقول : قط قط قد امتلأت فليس في مزيد .أخبرنا أبو سعيد أحمد بن محمد بن العباس الحميدي ، أخبرنا [ أبو عبد الله محمد بن عبد الله الحافظ ] حدثنا أبو عبد الله الحسين بن الحسن بن أيوب الطوسي ، أخبرنا أبو حاتم محمد بن إدريس الرازي ، حدثنا آدم بن أبي إياس العسقلاني ، حدثنا شيبان بن عبد الرحمن ، عن قتادة ، عن أنس بن مالك قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " لا تزال جهنم تقول هل من مزيد ، حتى يضع رب العزة فيها قدمه ، فتقول قط قط وعزتك ، ويزوي بعضها إلى بعض ، ولا يزال في الجنة فضل حتى ينشئ الله خلقا فيسكنه فضول الجنة " .
﴿ تفسير الوسيط ﴾
يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَلِ امْتَلَأْتِ وَتَقُولُ هَلْ مِنْ مَزِيدٍ أى: اذكر- أيها العاقل- لتتعظ وتعتبر- يوم نقول لجهنم هل امتلأت من كل كفار عنيد مناع للخير معتد مريب، واكتفيت من كل من جعل معى إلها آخر..؟فترد جهنم وتقول: يا إلهى هَلْ مِنْ مَزِيدٍ أى: يا إلهى هل بقي شيء منى لم يمتلئ من هؤلاء الكافرين؟ أنت تعلم يا خالقي أنى قد امتلأت، ولم يبق منى موضع لقدم.قال ابن كثير عند تفسيره لهذه الآية: يخبر الله- تعالى- أنه يقول لجهنم يوم القيامة:هل امتلأت؟ وذلك أنه وعدها أنه سيملؤها من الجنّة والناس أجمعين، فهو- سبحانه- يأمر بمن يأمر به إليها، ويلقى فيها وهي تقول: هَلْ مِنْ مَزِيدٍ أى: هل بقي شيء تزيدونى؟ ..هذا هو الظاهر من سياق الآية، وعليه تدل الأحاديث، فقد أخرج البخاري عن أنس بن مالك. عن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: «يلقى في النار- الكفرة- وتقول: هل من مزيد، حتى يضع- سبحانه- فيها قدمه فتقول: قط قط- أى: حسبي حسبي-..»وعن ابن عباس قوله: وَتَقُولُ هَلْ مِنْ مَزِيدٍ أى: وهل فيّ من مكان يزاد فيّ.وعن عكرمة قوله: وتقول: هَلْ مِنْ مَزِيدٍ وهل فيّ مدخل واحد؟ قد امتلأت .وقال الشوكانى: وهذا الكلام على طريقة التخييل والتمثيل ولا سؤال ولا جواب. كذا قيل. والأولى أنه على طريقة التحقيق، ولا يمنع من ذلك عقل ولا شرع.قال الواحدي: أراها الله تصديق قوله: لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ، فلما امتلأت قال لها: هَلِ امْتَلَأْتِ وَتَقُولُ هَلْ مِنْ مَزِيدٍ أى: قد امتلأت ولم يبق في موضع لم يمتلئ. وقيل: إن هذا الاستفهام بمعنى الاستزادة. أى: إنها تطلب الزيادة على من قد صار فيها.. والمزيد: إما مصدر كالمحيد. أو اسم مفعول كالمنيع، فالأول بمعنى: هل من زيادة.والثاني بمعنى هل من شيء تزيدونيه.. .
﴿ تفسير ابن كثير ﴾
يخبر تعالى أنه يقول لجهنم يوم القيامة : هل امتلأت ؟ وذلك أنه وعدها أن سيملؤها من الجنة والناس أجمعين ، فهو سبحانه يأمر بمن يأمر به إليها ، ويلقى وهي تقول : ( هل من مزيد ) أي : هل بقي شيء تزيدوني ؟ هذا هو الظاهر من سياق الآية ، وعليه تدل الأحاديث :قال البخاري عند تفسير هذه الآية : حدثنا عبد الله بن أبي الأسود ، حدثنا حرمي بن عمارة حدثنا شعبة ، عن قتادة ، عن أنس بن مالك ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : " يلقى في النار ، وتقول : هل من مزيد ، حتى يضع قدمه فيها ، فتقول قط قط " .وقال الإمام أحمد : حدثنا عبد الوهاب ، عن سعيد ، عن قتادة ، عن أنس قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " لا تزال جهنم يلقى فيها وتقول : هل من مزيد ؟ حتى يضع رب العزة فيها قدمه ، فينزوي بعضها إلى بعض ، وتقول : قط قط ، وعزتك وكرمك ولا يزال في الجنة فضل حتى ينشئ الله لها خلقا آخر فيسكنهم في فضول الجنة " .ثم رواه مسلم من حديث قتادة ، بنحوه . ورواه أبان العطار وسليمان التيمي ، عن قتادة ، بنحوه .حديث آخر : قال البخاري : حدثنا محمد بن موسى القطان ، حدثنا أبو سفيان الحميري سعيد بن يحيى بن مهدي ، حدثنا عوف ، عن محمد عن أبي هريرة - رفعه ، وأكثر ما كان يوقفه أبو سفيان - : " يقال لجهنم : هل امتلأت ، وتقول : هل من مزيد ، فيضع الرب عز وجل قدمه عليها ، فتقول : قط قط " .رواه أيوب وهشام بن حسان عن محمد بن سيرين ، به .طريق أخرى : قال البخاري : وحدثنا عبد الله بن محمد ، حدثنا عبد الرزاق ، أخبرنا معمر عن همام عن أبي هريرة قال : قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : " تحاجت الجنة والنار ، فقالت النار : أوثرت بالمتكبرين والمتجبرين . وقالت الجنة : ما لي لا يدخلني إلا ضعفاء الناس وسقطهم . قال الله عز وجل للجنة : أنت رحمتي أرحم بك من أشاء من عبادي . وقال للنار : إنما أنت عذابي ، أعذب بك من أشاء من عبادي ، ولكل واحدة منكما ملؤها ، فأما النار فلا تمتلئ حتى يضع رجله ، فتقول : قط قط ، فهنالك تمتلئ ويزوى بعضها إلى بعض ولا يظلم الله من خلقه أحدا ، وأما الجنة فإن الله ينشئ لها خلقا آخر " .حديث آخر : قال مسلم في صحيحه : حدثنا عثمان بن أبي شيبة ، حدثنا جرير ، عن الأعمش ، عن أبي صالح ، عن أبي سعيد قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " احتجت الجنة والنار ، فقالت النار : في الجبارون والمتكبرون . وقالت الجنة : في ضعفاء الناس ومساكينهم . فقضى بينهما ، فقال للجنة : إنما أنت رحمتي ، أرحم بك من أشاء من عبادي . وقال للنار : إنما أنت عذابي ، أعذب بك من أشاء من عبادي ، ولكل واحدة منكما ملؤها " انفرد به مسلم دون البخاري من هذا الوجه . والله سبحانه وتعالى أعلم .وقد رواه الإمام أحمد من طريق أخرى ، عن أبي سعيد بأبسط من هذا السياق فقال :حدثنا حسن وروح قالا : حدثنا حماد بن سلمة ، عن عطاء بن السائب ، عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة ، عن أبي سعيد الخدري ; أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : " افتخرت الجنة والنار ، فقالت النار : يا رب يدخلني الجبابرة والمتكبرون والملوك والأشراف . وقالت الجنة : أي رب يدخلني الضعفاء والفقراء والمساكين . فيقول الله عز وجل ، للنار : أنت عذابي أصيب بك من أشاء . وقال للجنة : أنت رحمتي وسعت كل شيء ، ولكل واحدة منكما ملؤها ، فيلقى في النار أهلها فتقول : هل من مزيد ؟ قال : ويلقى فيها وتقول : هل من مزيد ؟ ويلقى فيها وتقول : هل من مزيد ؟ حتى يأتيها عز وجل ، فيضع قدمه عليها ، فتزوى وتقول : قدني ، قدني . وأما الجنة فيبقى فيها ما شاء الله أن يبقى ، فينشئ الله لها خلقا ما يشاء " .حديث آخر : وقال الحافظ أبو يعلى في مسنده : حدثنا عقبة بن مكرم ، حدثنا يونس ، حدثنا عبد الغفار بن القاسم ، عن عدي بن ثابت ، عن زر بن حبيش ، عن أبي بن كعب ; أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : " يعرفني الله عز وجل ، نفسه يوم القيامة ، فأسجد سجدة يرضى بها عني ، ثم أمدحه مدحة يرضى بها عني ، ثم يؤذن لي في الكلام ، ثم تمر أمتي على الصراط - مضروب بين ظهراني جهنم - فيمرون أسرع من الطرف والسهم ، وأسرع من أجود الخيل ، حتى يخرج الرجل منها يحبو ، وهي الأعمال . وجهنم تسأل المزيد ، حتى يضع فيها قدمه ، فينزوي بعضها إلى بعض وتقول : قط قط ! وأنا على الحوض " . قيل : وما الحوض يا رسول الله ؟ قال : " والذي نفسي بيده ، إن شرابه أبيض من اللبن ، وأحلى من العسل ، وأبرد من الثلج ، وأطيب ريحا من المسك . وآنيته أكثر من عدد النجوم ، لا يشرب منه إنسان فيظمأ أبدا ، ولا يصرف فيروى أبدا " . وهذا القول هو اختيار ابن جرير .وقد قال ابن أبي حاتم : حدثنا أبو سعيد الأشج ، حدثنا أبو يحيى الحماني عن نضر الخزاز ، عن عكرمة ، عن ابن عباس ، ( يوم نقول لجهنم هل امتلأت وتقول هل من مزيد ) قال : ما امتلأت ، قال : تقول : وهل في من مكان يزاد في .وكذا روى الحكم بن أبان عن عكرمة : ( وتقول هل من مزيد ) : وهل في مدخل واحد ، قد امتلأت .[ و ] قال الوليد بن مسلم ، عن يزيد بن أبي مريم أنه سمع مجاهدا يقول : لا يزال يقذف فيها حتى تقول : قد امتلأت فتقول : هل [ في ] من مزيد ؟ وعن عبد الرحمن بن زيد بن أسلم نحو هذا .فعند هؤلاء أن قوله تعالى : ( هل امتلأت ) ، إنما هو بعد ما يضع عليها قدمه ، فتنزوي وتقول حينئذ : هل بقي في [ من ] مزيد ؟ يسع شيئا .قال العوفي ، عن ابن عباس : وذلك حين لا يبقى فيها موضع [ يسع ] إبرة . فالله أعلم .
﴿ تفسير القرطبي ﴾
قوله تعالى : يوم نقول لجهنم هل امتلأت وتقول هل من مزيد قرأ نافع وأبو بكر " يوم يقول " بالياء اعتبارا بقوله : لا تختصموا لدي . الباقون بالنون على الخطاب من الله تعالى وهي نون العظمة . وقرأ الحسن " يوم أقول " . وعن ابن مسعود وغيره " يوم يقال " . وانتصب يوم على معنى ما يبدل القول لدي يوم . وقيل : بفعل مقدر معناه : وأنذرهم يوم نقول لجهنم هل امتلأت لما سبق من وعده إياها أنه يملؤها . وهذا الاستفهام على سبيل التصديق لخبره ، والتحقيق لوعده ، والتقريع لأعدائه ، والتنبيه لجميع عباده . وتقول جهنم هل من مزيد أي : ما بقي في موضع للزيادة ; كقوله عليه السلام : ( هل ترك لنا عقيل من ربع أو منزل ) أي : ما ترك ; فمعنى الكلام الجحد . ويحتمل أن يكون استفهاما بمعنى الاستزادة ; أي : هل من مزيد فأزداد ؟ . وإنما صلح هذا للوجهين ; لأن في الاستفهام ضربا من الجحد . وقيل : ليس ثم قول وإنما هو على طريق المثل ; أي : إنها فيما يظهر من حالها بمنزلة الناطقة بذلك ; كما قال الشاعر : امتلأ الحوض وقال قطني مهلا رويدا قد ملأت بطني وهذا تفسير مجاهد وغيره . أي : هل في من مسلك قد امتلأت . وقيل : ينطق الله النار حتى تقول هذا كما تنطق الجوارح . وهذا أصح على ما بيناه في سورة " الفرقان " ، وفي صحيح مسلم والبخاري والترمذي عن أنس بن مالك عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " لا تزال جهنم يلقى فيها وتقول هل من مزيد حتى يضع رب العزة فيها قدمه فينزوي بعضها إلى بعض وتقول قط قط بعزتك وكرمك ولا يزال في الجنة فضل حتى ينشئ الله لها خلقا فيسكنهم فضل الجنة " لفظ مسلم . وفي رواية أخرى من حديث أبي هريرة : وأما النار فلا تمتلئ حتى يضع الله عليها رجله يقول لها قط قط فهنالك تمتلئ وينزوي بعضها إلى بعض فلا يظلم الله من خلقه أحدا وأما الجنة فإن الله ينشئ لها خلقا . قال علماؤنا رحمهم الله : أما معنى القدم هنا فهم قوم يقدمهم الله إلى النار ، وقد سبق في علمه أنهم من أهل النار . وكذلك الرجل وهو العدد الكثير من الناس وغيرهم ; يقال : رأيت رجلا من الناس ورجلا من جراد ، قال الشاعر : فمر بنا رجل من الناس وانزوى إليهم من الحي اليمانين أرجل قبائل من لخم وعكل وحمير على ابني نزار بالعداوة أحفل ويبين هذا المعنى ما روي عن ابن مسعود أنه قال : ما في النار بيت ولا سلسلة ولا مقمع ولا تابوت إلا وعليه اسم صاحبه ، فكل واحد من الخزنة ينتظر صاحبه الذي قد عرف اسمه وصفته ، فإذا استوفى كل واحد منهم ما أمر به وما ينتظره ولم يبق منهم أحد قال الخزنة : قط قط حسبنا حسبنا ! أي : اكتفينا اكتفينا ، وحينئذ تنزوي جهنم على من فيها وتنطبق إذ لم يبق أحد ينتظر . فعبر عن ذلك الجمع المنتظر بالرجل والقدم ; ويشهد لهذا التأويل قوله في نفس الحديث : ولا يزال في الجنة فضل حتى ينشئ الله لها خلقا فيسكنهم فضل الجنة وقد زدنا هذا المعنى بيانا ومهدناه في كتاب الأسماء والصفات من الكتاب الأسنى والحمد لله . وقال النضر بن شميل في معنى قوله عليه السلام : حتى يضع الجبار فيها قدمه أي : من سبق في علمه أنه من أهل النار .
﴿ تفسير الطبري ﴾
وقوله ( يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ ) يقول: وما أنا بظلام للعبيد في ( يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَلِ امْتَلأْتِ ) وذلك يوم القيامة, ويوم نقول من صلة ظلام. وقال تعالى ذكره لجهنم يوم القيامة : ( هَلِ امْتَلأْتِ ) ؟ لما سبق من وعده إياها بأنه يملأها من الجِنَّة والناس أجمعين.أما قوله ( هَلْ مِنْ مَزِيدٍ ) فإن أهل التأويل اختلفوا في تأويله, فقال بعضهم: معناه: ما من مزيد. قالوا: وإنما يقول الله لها: هل امتلأت بعد أن يضع قدمه فيها, فينزوي بعضها إلى بعض, وتقول: قطِ قطِ, من تضايقها; فإذا قال لها وقد صارت كذلك: هل امتلأت؟ قالت حينئذ: هل من مزيد: أي ما من مزيد, لشدّة امتلائها, وتضايق بعضها إلى بعض.* ذكر من قال ذلك:حدثني محمد بن سعد, قال: ثني أبي, قال: ثني عمي, قال: ثني أبي, عن أبيه, عن ابن عباس, قوله ( يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَلِ امْتَلأْتِ وَتَقُولُ هَلْ مِنْ مَزِيدٍ ) قال ابن عباس: " إن الله الملك تبارك وتعالى قد سبقت كلمته: لأَمْلأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ فلما بعث الناس وأحضروا, وسيق أعداء الله إلى النار زمرا, جعلوا يقتحمون في جهنم فوجا فوجا, لا يلقى في جهنم شيء إلا ذهب فيها, ولا يملأها شيء, قالت: ألستَ قد أقسمت لتملأني من الجِنَّة والناس أجمعين؟ فوضع قدمه, فقالت حين وضع قدمه فيها: قدِ قدِ, فإني قد امتلأت, فليس لي مزيد, ولم يكن يملأها شيء, حتى وَجَدَتْ مسّ ما وُضع عليها, فتضايقت حين جعل عليها ما جعل, فامتلأت فما فيها موضع إبرة ".حدثني محمد بن عمرو, قال: ثنا أبو عاصم, قال: ثنا عيسى; وحدثني الحارث, قال: ثنا الحسن, قال: ثنا ورقاء جميعا, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, قوله ( وَتَقُولُ هَلْ مِنْ مَزِيدٍ ) قال: وعدها الله ليملأنها, فقال: هلا وفيتك؟ قالت: وهل من مَسلك.حُدثت عن الحسين, قال: سمعت أبا معاذ, يقول: أخبرنا عبيد, قال: سمعت الضحاك يقول فى قوله ( يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَلِ امْتَلأْتِ وَتَقُولُ هَلْ مِنْ مَزِيدٍ ) كان ابن عباس يقول: " إن الله الملك, قد سبقت منه كلمة لأَمْلأَنَّ جَهَنَّمَ لا يلقى فيها شيء إلا ذهب فيها, لا يملأها شيء, حتى إذا لم يبق من أهلها أحد إلا دخلها, وهي لا يملأها شيء, أتاها الربّ فوضع قدمه عليها, ثم قال لها: هل امتلأت يا جهنم؟ فتقول: قطِ قطِ; قد امتلأت, ملأتني من الجنّ والإنس فليس في مزيد; قال ابن عباس: ولم يكن يملأها شيء حتى وجدت مسّ قدم الله تعالى ذكره, فتضايقت, فما فيها موضع إبرة ".وقال آخرون: بل معنى ذلك: زدني, إنما هو هل من مزيد, بمعنى الاستزادة.* ذكر من قال ذلك:حدثنا ابن حُمَيد, قال: ثنا يحيى بن واضح, قال: ثنا الحسين بن ثابت, عن أنس, قال: " يلقى في جهنم وتقول: هل من مزيد ثلاثا, حتى يضع قدمه فيها, فينزوي بعضها إلى بعض, فتقول: قطِ قطِ, ثلاثا ".حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, في قوله ( يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَلِ امْتَلأْتِ وَتَقُولُ هَلْ مِنْ مَزِيدٍ ) لأنها قد امتلأت, وهل من مزيد: هل بقي أحد؟ قال: هذان الوجهان في هذا, والله أعلم, قال: قالوا هذا وهذا.وأولى القولين في ذلك عندي بالصواب قول من قال: هو بمعنى الاستزادة, هل من شيء أزداده؟وإنما قلنا ذلك أولى القولين بالصواب لصحة الخبر عن رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم بما حدثني أحمد بن المقدام العجلي, قال: ثنا محمد بن عبد الرحمن الطفاويّ, قال: ثنا أيوب, عن محمد, عن أبي هُريرة, أن رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم قال: " إِذَا كانَ يَوْمُ القِيامَةِ, لَمْ يَظْلِمِ اللّهُ أحَدًا مِنْ خَلْقِهِ شَيْئا, وَيُلْقِي فِي النَّارِ, تَقُولُ هَلْ مِنْ مَزِيدٍ, حتى يَضَعَ عَلَيْها قَدَمَهُ, فَهنالكَ يَمْلأها, وَيُزْوَى بَعْضُها إلى بَعْضٍ وَتَقُولُ: قَطْ قَطْ".حدثنا أحمد بن المقدام, قال: ثنا المعتمر بن سليمان, قال: سمعت أبي يحدّث عن قتادة, عن أنس, قال: " ما تزال جهنم تقول: هل من مزيد؟ حتى يضع الله عليها قدمه, فتقول: قدِ قدِ, وما يزال في الجنة فضل حتى ينشئ الله خلقا, فيُسكنه فضول الجنة ".حدثني يعقوب بن إبراهيم, قال: ثنا ابن علية, قال: أخبرنا أيوب وهشام بن حسان, عن محمد بن سيرين, عن أبي هُريرة, قال: " اختصمت الجنة والنار , فقالت الجنة: ما لي إنما يدخلني فقراء الناس وسقطهم; وقالت النار: ما لي إنما يدخلني الجبارون والمتكبرون, فقال: أنت رحمتي أصيب بك من أشاء, وأنت عذابي أصيب بك من أشاء, ولكل واحدة منكما ملؤها. فأما الجنة فإن الله ينشئ لها من خلقه ما شاء. وأما النار فيُلقون فيها وتقول: هل من مزيد؟ ويلقون فيها وتقول هل من مزيد, حتى يضع فيها قدمه, فهناك تملأ ويزوى بعضها إلى بعض, وتقول: قط, قط" (11) .حدثنا ابن عبد الأعلى, قال: ثنا ابن ثور, عن معمر, عن ثور, عن محمد بن سيرين, عن أبي هريرة أن النبيّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم قال: " احْتَجَّت الجَنَّةُ والنَّارُ, فَقالَتِ الجَنَّةُ: مالي لا يَدخُلُنِي إلا فُقَرَاءُ النَّاسِ؟ وَقالَتِ النَّارُ: مالي لا يَدْخُلُنِي إلا الجَبَّارُون والمُتَكَبِّرُونَ؟ فَقالَ للنَّار: أنْت عَذَابِي أُصِيبُ بِكِ مَنْ أشاءُ; وَقالَ للْجَنَّةِ: أنْتِ رَحْمَتِي أُصِيبُ بِكِ مَنْ أشاءُ, وَلِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْكُما مِلْؤُها; فأمَّا الجَنَّةُ فإنَّ الله عَزَّ وَجَلَّ يُنْشِئُ لَهَا ما شاء; وأمَّا النَّارَ فَيُلْقَوْنَ فِيها وَتَقُولُ: هَلْ مِنْ مَزِيدٍ, حتى يَضَعَ قَدمَهُ فيها, هُنالكَ تَمْتَلِئ , وَيَنزوي بَعْضُها إلى بَعْضٍ, وَتَقُولُ: قَطْ, قَطْ".حدثنا بشر, قال: ثنا يزيد, قال: ثنا سعيد, عن قتادة, عن أنس, قال: قال رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم : " لا تَزَالُ جَهَنَّمُ يُلْقَى فِيها وَتَقُولُ: هَلْ مِنْ مَزِيدٍ حتى يَضَعَ رَبُّ العَالمِينَ قَدَمَهُ, فَيَنزوِي بَعْضُها إلى بَعْضٍ وَتَقُولُ: قَدْ, قَدْ, بِعِزَّتِك وكَرَمِكَ, وَلا يَزَالُ فِي الجَنَّة فَضْلٌ حتى يُنْشئ اللّهُ لَهَا خَلْقا فَيُسْكِنَهُمْ فَضْلَ الجَنَّةِ ".حدثنا ابن المثنى, قال: ثنا عبد الصمد, قال: ثنا أبان العطار, قال: ثنا قتادة, عن أنس, أن رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم , قال: " لا تَزَالُ جَهَنَّمُ تَقُول هَلْ مِنْ مَزِيدٍ حتى يَضَعَ رَبُّ العَالمِينَ فيها قَدَمَه, فَيَنزوِي بَعْضُها إلى بَعْض, فَتَقُولُ: بِعِزَّتِكَ قَطْ, قَطْ; وَما يَزَالُ فِي الجَنَّةِ فَضْلٌ حتى يُنْشِئَ اللّهُ خَلْقا فَيُسْكِنَه في فَضْلِ الجَنَّةِ ".قال: ثنا عمرو بن عاصم الكلابي, قال: ثنا المعتمر, عن أبيه, قال: ثنا قتادة, عن أنس, قال: ما تزال جهنم تقول: هل من مزيد فذكر نحوه " غير أنه قال: أو كما قال.حدثنا زياد بن أيوب, قال: ثنا عبد الوهاب بن عطاء الخفاف, عن سعيد, عن قتادة, عن أنس, عن النبيّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم , قال: " احْتَجَّتِ الجَنَّةُ والنَّارُ, فَقالَتِ النَّارُ: يَدْخُلُنِي الجَبَّارُونَ والمُتَكَبِّرُونَ; وَقالَتِ الجنَّةُ: يَدخُلُنِي الفُقَرَاءُ وَالمَساكِينُ; فأَوْحَى اللّهُ عَزَّ وَجَلَّ إلى الجَنَّة: أنْتِ رَحْمَتِي أُصِيبُ بِكِ مَنْ أشاءُ; وأَوْحَى إلى النَّار: أنْتِ عَذَابِي أُصِيبُ بِكِ مَنْ أشاءُ, وَلِكُلّ وَاحِدَةٍ مِنْكُما مِلْؤُها; فأمَّا النَّارُ فَتَقُولُ: هَلْ مِنْ مَزِيدٍ؟ حتى يَضَعَ قَدَمَهُ فِيها, فَتَقُولُ: قَطْ قَطْ". ففي قول النبي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم : " لا تَزَالُ جَهَنَّمُ تَقُولُ هَلْ مِنْ مَزِيدٍ " دليل واضح على أن ذلك بمعنى الاستزادة لا بمعنى النفي, لأن قوله: " لا تزال " دليل على اتصال قول بعد قول.------------------الهوامش :(11) قط قط ، وتقدم قبله : قد قد . وهما بمعنى : كفى كفى .