أنه لا تؤخذ نفس بمأثم غيرها، ووزرها لا يحمله عنها أحد، وأنه لا يحصل للإنسان من الأجر إلا ما كسب هو لنفسه بسعيه.
﴿ تفسير الجلالين ﴾
«وأن» بأنه «ليس للإنسان إلا ما سعى» من خير فليس له من سعي غيره الخير شيء.
﴿ تفسير السعدي ﴾
وفي تلك الصحف أحكام كثيرة من أهمها ما ذكره الله بقوله: أَلَّا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى أي: كل عامل له عمله الحسن والسيئ، فليس له من عمل غيره وسعيهم شيء، ولا يتحمل أحد عن أحد ذنبا
﴿ تفسير البغوي ﴾
( وأن ليس للإنسان إلا ما سعى ) أي : عمل ، كقوله : " إن سعيكم لشتى " ، ( الليل - 4 ) وهذا أيضا في صحف إبراهيم وموسى .وقال ابن عباس : هذا منسوخ الحكم في هذه الشريعة ، بقوله : " ألحقنا بهم ذريتهم " ، ( الطور - 21 ) فأدخل الأبناء الجنة بصلاح الآباء .وقال عكرمة : كان ذلك لقوم إبراهيم وموسى ، فأما هذه الأمة فلهم ما سعوا وما سعى لهم غيرهم ، لما روي أن امرأة رفعت صبيا لها فقالت : يا رسول الله ألهذا حج ؟ قال : " نعم ، ولك أجر " .وقال رجل للنبي - صلى الله عليه وسلم - : إن أمي افتلتت نفسها ، فهل لها أجر إن تصدقت عنها ؟ قال : " نعم " .وقال الربيع بن أنس : " وأن ليس للإنسان إلا ما سعى " يعني الكافر ، فأما المؤمن فله ما سعى وما سعي له .وقيل : ليس للكافر من الخير إلا ما عمل هو ، فيثاب عليه في الدنيا حتى لا يبقى له في الآخرة خيرويروى أن عبد الله بن أبي كان أعطى العباس قميصا ألبسه إياه ، فلما مات أرسل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قميصه ليكفنه فيه ، فلم يبق له حسنة في الآخرة يثاب عليها .
﴿ تفسير الوسيط ﴾
وقوله- تعالى-: وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسانِ إِلَّا ما سَعى ... معطوف على ما قبله، لبيان عدم إثابة الإنسان بعمل غيره، إثر بيان عدم مؤاخذته بذنب سواه.أى: كما أنه لا تحمل نفس آثمة حمل نفس أخرى، فكذلك لا يحصل الإنسان إلا على نتيجة عمله الصالح، لا على نتيجة عمل غيره.فالمراد بالسعي في الآية. السعى الصالح، والعمل الطيب، لأنه قد جاء في مقابلة الحديث عن الأوزار والذنوب.
﴿ تفسير ابن كثير ﴾
( وأن ليس للإنسان إلا ما سعى ) أي : كما لا يحمل عليه وزر غيره ، كذلك لا يحصل من الأجر إلا ما كسب هو لنفسه . ومن هذه الآية الكريمة استنبط الشافعي رحمه الله ، ومن اتبعه أن القراءة لا يصل إهداء ثوابها إلى الموتى ; لأنه ليس من عملهم ولا كسبهم ; ولهذا لم يندب إليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أمته ولا حثهم عليه ، ولا أرشدهم إليه بنص ولا إيماء ، ولم ينقل ذلك عن أحد من الصحابة رضي الله عنهم ، ولو كان خيرا لسبقونا إليه ، وباب القربات يقتصر فيه على النصوص ، ولا يتصرف فيه بأنواع الأقيسة والآراء ، فأما الدعاء والصدقة فذاك مجمع على وصولهما ، ومنصوص من الشارع عليهما .وأما الحديث الذي رواه مسلم في صحيحه ، عن أبي هريرة قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاث : من ولد صالح يدعو له ، أو صدقة جارية من بعده ، أو علم ينتفع به " ، فهذه الثلاثة في الحقيقة هي من سعيه وكده وعمله ، كما جاء في الحديث : " إن أطيب ما أكل الرجل من كسبه ، وإن ولده من كسبه " . والصدقة الجارية كالوقف ونحوه هي من آثار عمله ووقفه ، وقد قال تعالى : ( إنا نحن نحيي الموتى ونكتب ما قدموا وآثارهم ) الآية [ يس : 12 ] . والعلم الذي نشره في الناس فاقتدى به الناس بعده هو أيضا من سعيه وعمله ، وثبت في الصحيح : " من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من اتبعه ، من غير أن ينقص من أجورهم شيئا " .
﴿ تفسير القرطبي ﴾
قوله تعالى : وأن ليس للإنسان إلا ما سعى روي عن ابن عباس أنها منسوخة بقوله تعالى : والذين آمنوا واتبعتهم ذريتهم بإيمان ألحقنا بهم ذريتهم فيحصل الولد الطفل يوم القيامة في ميزان أبيه ، ويشفع الله تعالى الآباء في الأبناء والأبناء في الآباء ; يدل على ذلك قوله تعالى : آباؤكم وأبناؤكم لا تدرون أيهم أقرب لكم نفعا . . وقال أكثر أهل التأويل : هي محكمة ولا ينفع أحدا عمل أحد ، وأجمعوا أن لا يصلي أحد عن أحد . ولم يجز مالك الصيام والحج والصدقة عن الميت ، إلا أنه قال : إن أوصى بالحج ومات جاز أن يحج عنه . وأجاز الشافعي وغيره الحج التطوع عن الميت . وروي عن عائشة رضي الله عنها أنها اعتكفت عن أخيها عبد الرحمن وأعتقت عنه . وروي أن سعد بن عبادة قال للنبي صلى الله عليه وسلم : إن أمي توفيت أفأتصدق عنها ؟ قال : نعم ، قال : فأي الصدقة أفضل ؟ قال : سقي الماء .وقد مضى جميع هذا مستوفى في ( البقرة ) و ( آل عمران ) و ( الأعراف ) . وقد قيل : إن الله عز وجل إنما قال : وأن ليس للإنسان إلا ما سعى ولام الخفض معناها في العربية الملك والإيجاب فلم يجب للإنسان إلا ما سعى ، فإذا تصدق عنه غيره فليس يجب له شيء إلا أن الله عز وجل يتفضل عليه بما لا يجب له ، كما يتفضل على الأطفال بإدخالهم الجنة بغير عمل . وقال الربيع بن أنس : وأن ليس للإنسان إلا ما سعى يعني الكافر وأما المؤمن فله ما سعى وما سعى له غيره .قلت : وكثير من الأحاديث يدل على هذا القول ، وأن المؤمن يصل إلى ثواب العمل الصالح من غيره ، وقد تقدم كثير منها لمن تأملها ، وليس في الصدقة اختلاف ، كما في صدر كتاب مسلم عن عبد الله بن المبارك . وفي الصحيح : إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاث وفيه : أو ولد صالح يدعو له وهذا كله تفضل من الله عز وجل ، كما أن زيادة الأضعاف فضل منه ، كتب لهم بالحسنة الواحدة عشرا إلى سبعمائة ضعف إلى ألف ألف حسنة ; كما قيل لأبي هريرة : أسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : إن الله ليجزي على الحسنة الواحدة ألف ألف حسنة فقال سمعته يقول : إن الله ليجزي على الحسنة الواحدة ألفي ألف حسنة فهذا تفضل . وطريق العدل أن ليس للإنسان إلا ما سعى .قلت : ويحتمل أن يكون قوله : وأن ليس للإنسان إلا ما سعى خاص في السيئة ; بدليل ما في صحيح مسلم عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : قال الله عز وجل إذا هم عبدي بحسنة ولم يعملها كتبتها له حسنة فإن عملها كتبتها له عشر حسنات إلى سبعمائة ضعف وإذا هم بسيئة ولم يعملها لم أكتبها عليه فإن عملها كتبتها سيئة واحدة . وقال أبو بكر الوراق : إلا ما سعى إلا ما نوى ; بيانه قوله صلى الله عليه وسلم : يبعث الناس يوم القيامة على نياتهم .
﴿ تفسير الطبري ﴾
( وَأَنْ لَيْسَ لِلإنْسَانِ إِلا مَا سَعَى ) يقول جلّ ثناؤه: أوَ لم يُنَبأ أنه لا يُجَازي عامل إلا بعمله, خيرا كان ذلك أو شرّا.كما حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد في قوله ( وَأَنْ لَيْسَ لِلإنْسَانِ إِلا مَا سَعَى ) , وقرأ إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى قال: أعمالكم.وذُكر عن ابن عباس أنه قال: هذه الآية منسوخة.حدثني عليّ, قال: ثنا أبو صالح, قال: ثني معاوية, عن عليّ, عن &; 22-547 &; ابن عباس, قوله ( وَأَنْ لَيْسَ لِلإنْسَانِ إِلا مَا سَعَى ) قال: فأنزل الله بعد هذا وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ فأدخل الأبناء بصلاح الآباء الجنة.