هذا يوم يفصل الله فيه بين الخلائق، ويتميز فيه الحق من الباطل، جمعناكم فيه -يا معشر كفار هذه الأمة- مع الكفار الأولين من الأمم الماضية، فإن كان لكم حيلة في الخلاص من العذاب فاحتالوا، وأنقذوا أنفسكم مِن بطش الله وانتقامه.
﴿ تفسير الجلالين ﴾
«فإن كان لكم كيد» حيلة في دفع العذاب عنكم «فكيدون» فافعلوها.
﴿ تفسير السعدي ﴾
فَإِنْ كَانَ لَكُمْ كَيْدٌ تقدرون على الخروج من ملكي وتنجون به من عذابي، فَكِيدُونِ أي: ليس لكم قدرة ولا سلطان، كما قال تعالى: يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَنْفُذُوا مِنْ أَقْطَارِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ فَانْفُذُوا لَا تَنْفُذُونَ إِلَّا بِسُلْطَانٍ
﴿ تفسير البغوي ﴾
"فإن كان لكم كيد فكيدون"، قال مقاتل: إن كانت لكم حيلة فاحتالوا لأنفسكم.
﴿ تفسير الوسيط ﴾
فَإِنْ كانَ لَكُمْ- أيها الكافرون- كَيْدٌ أى: مخرج وحيلة ومنفذ من العذاب الذي حل بكم فَكِيدُونِ أى: فافعلوه وقوموا به فأنتم الآن في أشد حالات الاحتياج إلى من يخفف العذاب عنكم.أو المعنى: فَإِنْ كانَ لَكُمْ كَيْدٌ أى: قدرة على كيد ديني ورسلي والمؤمنين، كما كنتم تفعلون في الدنيا فَكِيدُونِ أى: فأظهروه اليوم. والأمر للتعجيز، لأنه من المعروف أنهم في يوم القيامة لا قدرة لهم ولا حيلة.وهكذا نجد أن هذه الآيات الكريمة، قد ساقت ألوانا من الأدلة على وحدانية الله- تعالى-، وعلى أن يوم البعث حق، وعلى العاقبة السيئة التي سيكون عليها الكافرون يوم القيامة.ثم ختم- سبحانه- السورة الكريمة بالموازنة بين حال المتقين، وحال المجرمين، فقال:
﴿ تفسير ابن كثير ﴾
وقوله : ( فإن كان لكم كيد فكيدون ) تهديد شديد ووعيد أكيد ، أي : إن قدرتم على أن تتخلصوا من قبضتي ، وتنجوا من حكمي فافعلوا ، فإنكم لا تقدرون على ذلك ، كما قال تعالى ( يا معشر الجن والإنس إن استطعتم أن تنفذوا من أقطار السماوات والأرض فانفذوا لا تنفذون إلا بسلطان ) [ الرحمن : 33 ] ، وقال تعالى : ( ولا تضرونه شيئا ) [ هود : 57 ] وفي الحديث : " يا عبادي ، إنكم لن تبلغوا نفعي فتنفعوني ، ولن تبلغوا ضري فتضروني " .وقد قال ابن أبي حاتم : حدثنا علي بن المنذر الطريقي الأودي ، حدثنا محمد بن فضيل ، حدثنا حصين بن عبد الرحمن ، عن حسان بن أبي المخارق ، عن أبي عبد الله الجدلي قال : أتيت بيت المقدس ، فإذا عبادة بن الصامت وعبد الله بن عمرو وكعب الأحبار يتحدثون في بيت المقدس ، فقال عبادة : إذا كان يوم القيامة جمع الله الأولين والآخرين بصعيد واحد ، ينفذهم البصر ويسمعهم الداعي ، ويقول الله : ( هذا يوم الفصل جمعناكم والأولين فإن كان لكم كيد فكيدون ) اليوم لا ينجو مني جبار عنيد ، ولا شيطان مريد ، فقال عبد الله بن عمرو : فإنا نحدث يومئذ أنه يخرج عنق من النار فتنطلق حتى إذا كانت بين ظهراني الناس نادت : أيها الناس ، إني بعثت إلى ثلاثة أنا أعرف بهم من الأب بولده ومن الأخ بأخيه ، لا يغيبهم عني وزر ، ولا تخفيهم عني خافية : الذي جعل مع الله إلها آخر ، وكل جبار عنيد ، وكل شيطان مريد ، فتنطوي عليهم فتقذف بهم في النار قبل الحساب بأربعين سنة .
﴿ تفسير القرطبي ﴾
فإن كان لكم كيد فكيدون أي حيلة في الخلاص من الهلاك فكيدوني أي فاحتالوا لأنفسكم وقاووني ولن تجدوا ذلك . وقيل : أي فإن كان لكم كيد أي قدرتم على حرب فكيدوني أي حاربوني . كذا روى الضحاك عن ابن عباس . قال : يريد كنتم في الدنيا تحاربون محمدا - صلى الله عليه وسلم - وتحاربونني فاليوم حاربوني . وقيل : أي إنكم كنتم في الدنيا تعملون بالمعاصي وقد عجزتم الآن عنها وعن الدفع عن أنفسكم . وقيل : إنه من قول النبي - صلى الله عليه وسلم - ، فيكون كقول هود : فكيدوني جميعا ثم لا تنظرون .
﴿ تفسير الطبري ﴾
( فَإِنْ كَانَ لَكُمْ كَيْدٌ فَكِيدُونِ ) يقول: والله منجز لكم ما وعدكم في الدنيا من العقاب على تكذيبكم إياه بأنكم مبعوثون لهذا اليوم إن كانت لكم حيلة تحتالونها في التخلص من عقابه اليوم فاحتالوا.