وهلا حين دخَلْتَ حديقتك فأعجبتك حَمِدت الله، وقلت: هذا ما شاء الله لي، لا قوة لي على تحصيله إلا بالله. إن كنت تراني أقل منك مالا وأولادًا، فعسى ربي أن يعطيني أفضل من حديقتك، ويسلبك النعمة بكفرك، ويرسل على حديقتك عذابا من السماء، فتصبح أرضًا ملساء جرداء لا تثبت عليها قدم، ولا ينبت فيها نبات، أو يصير ماؤها الذي تُسقى منه غائرًا في الأرض، فلا تقدر على إخراجه.
﴿ تفسير الجلالين ﴾
«أو يصبح ماؤها غورا» بمعنى غائرا عطف على يرسل دون تصبح لأن غور الماء لا يتسبب عن الصواعق «فلن تستطيع له طلبا» حيلة تدركه بها.
﴿ تفسير السعدي ﴾
أَوْ يُصْبِحَ مَاؤُهَا الذي مادتها منه غَوْرًا أي: غائرا في الأرض فَلَنْ تَسْتَطِيعَ لَهُ طَلَبًا أي: غائرا لا يستطاع الوصول إليه بالمعاول ولا بغيرها، وإنما دعا على جنته المؤمن، غضبا لربه، لكونها غرته وأطغته، واطمأن إليها، لعله ينيب، ويراجع رشده، ويبصر في أمره.
﴿ تفسير البغوي ﴾
( أو يصبح ماؤها غورا ) أي : غائرا منقطعا ذاهبا لا تناله الأيدي ولا الدلاء و " الغور " : مصدر وضع موضع الاسم مثل : زور وعدل ( فلن تستطيع له طلبا ) يعني : إن طلبته لم تجده .
﴿ تفسير الوسيط ﴾
أَوْ يُصْبِحَ ماؤُها غَوْراً أى: غائرا ذاهبا في الأرض. فالغور مصدر وصف به على سبيل المبالغة وهو بمعنى الفاعل. يقال: غار الماء يغور غورا: أى: سفل في الأرض وذهب فيها.ومنه قوله- تعالى-: قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ ماؤُكُمْ غَوْراً، فَمَنْ يَأْتِيكُمْ بِماءٍ مَعِينٍ.فَلَنْ تَسْتَطِيعَ لَهُ طَلَباً أى: فلن تستطيع أن تحصل عليه أو تطلبه بأية حيلة من الحيل، لأنه لا يقدر على الإتيان بهذا الماء الغائر إلا الله- عز وجل-.وإلى هنا نجد أن الرجل المؤمن قد رد على صاحبه الكافر، بما يذكره بمنشئه، وبما يوجهه إلى الأدب الذي يجب أن يتحلى به مع خالقه ورازقه، وبما يحذره من سوء عاقبة بطره.وهكذا الإيمان الحق، يجعل المؤمن يعتز بعقيدته، ويتجه إلى الله وحده الذي تعنو له الجباه، ويرجو منه وحده ما هو خير من بساتين الدنيا وزينتها.ثم يختتم- سبحانه- هذه القصة ببيان العاقبة السيئة التي حلت بذلك الرجل الجاحد المغرور صاحب الجنتين فيقول.
﴿ تفسير ابن كثير ﴾
وقوله : ( أو يصبح ماؤها غورا ) أي : غائرا في الأرض ، وهو ضد النابع الذي يطلب وجه الأرض ، فالغائر يطلب أسفلها كما قال تعالى : ( قل أرأيتم إن أصبح ماؤكم غورا فمن يأتيكم بماء معين ) [ الملك : 30 ] أي : جار وسائج . وقال هاهنا : ( أو يصبح ماؤها غورا فلن تستطيع له طلبا ) والغور : مصدر بمعنى غائر ، وهو أبلغ منه ، كما قال الشاعرتظل جياده نوحا عليه تقلده أعنتها صفوفابمعنى نائحات عليه .
﴿ تفسير القرطبي ﴾
أو يصبح ماؤها غورا أي غائرا ذاهبا ، فتكون أعدم أرض للماء بعد أن كانت أوجد أرض للماء . والغور مصدر وضع موضع الاسم ; كما يقال : رجل صوم وفطر وعدل ورضا وفضل وزور ، ونساء نوح ; ويستوي فيه المذكر والمؤنث والتثنية والجمع . قال عمرو بن كلثوم :تظل جياده نوحا عليه مقلدة أعنتها صفوناآخر :هريقي من دموعهما سجاما ضباع وجاوبي نوحا قياماأي نائحات . وقيل : أو يصبح ماؤها ذا غور ; فحذف المضاف ; مثل واسأل القرية ذكره النحاس . وقال الكسائي : ماء غور . وقد غار الماء يغور غورا وغؤورا ، أي سفل في الأرض ، ويجوز الهمزة لانضمام الواو . وغارت عينه تغور غورا وغؤورا ; دخلت في الرأس . وغارت تغار لغة فيه . وقال :أغارت عينه أم لم تغاراوغارت الشمس تغور غيارا ، أي غربت . قال أبو ذؤيب :هل الدهر إلا ليلة ونهارها وإلا طلوع الشمس ثم غيارهافلن تستطيع له طلبا أي لن تستطيع رد الماء الغائر ، ولا تقدر عليه بحيلة . وقيل : فلن تستطيع طلب غيره بدلا منه . وإلى هذا الحديث انتهت مناظرة أخيه وإنذاره .
﴿ تفسير الطبري ﴾
القول في تأويل قوله : ( أَوْ يُصْبِحَ مَاؤُهَا غَوْرًا ) يقول: أو يصبح ماؤها غائرا ، فوضع الغور وهو مصدر مكان الغائر، كما قال الشاعر:تَظَلُّ جِيَادُهُ نَوْحا عَلَيْهِمُقَلَّدَةً أعِنَّتَها صُفُونا (2)بمعنى نائحة ، وكما قال الآخر:هَرِيقي مِنْ دُمُوعِهِما سَجَاماضُباعَ وجَاوِبي نَوْحا قِيامَا (3)والعرب توحد الغَور مع الجمع والاثنين، وتذكر مع المذكر والمؤنث، تقول: ماء غور، وماءان غَوْر ومياه غَور.ويعني بقوله: (غَوْرًا) ذاهبا قد غار في الأرض، فذهب فلا تلحقه الرِّشاء.كما حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة ( أَوْ يُصْبِحَ مَاؤُهَا غَوْرًا ) أي ذاهبا قد غار في الأرض.وقوله: ( فَلَنْ تَسْتَطِيعَ لَهُ طَلَبًا ) يقول: فلن تطيق أن تدرك الماء الذي كان في جنتك بعد غَوْره، بطلبك إياه.