ظهر الفساد في البر والبحر، كالجدب وقلة الأمطار وكثرة الأمراض والأوبئة؛ وذلك بسبب المعاصي التي يقترفها البشر؛ ليصيبهم بعقوبة بعض أعمالهم التي عملوها في الدنيا؛ كي يتوبوا إلى الله -سبحانه- ويرجعوا عن المعاصي، فتصلح أحوالهم، وتستقيم أمورهم.
﴿ تفسير الجلالين ﴾
«ظهر الفساد في البر» أي القفار بقحط المطر وقلة النبات «والبحر» أي البلاد التي على الأنهار بقلة مائها «بما كسبت أيدي الناس» من المعاصي «ليذيقهم» بالياء والنون «بعض الذي عملوا» أي عقوبته «لعلهم يرجعون» يتوبون.
﴿ تفسير السعدي ﴾
أي: استعلن الفساد في البر والبحر أي: فساد معايشهم ونقصها وحلول الآفات بها، وفي أنفسهم من الأمراض والوباء وغير ذلك، وذلك بسبب ما قدمت أيديهم من الأعمال الفاسدة المفسدة بطبعها.هذه المذكورة لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا أي: ليعلموا أنه المجازي على الأعمال فعجل لهم نموذجا من جزاء أعمالهم في الدنيا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ عن أعمالهم التي أثرت لهم من الفساد ما أثرت، فتصلح أحوالهم ويستقيم أمرهم. فسبحان من أنعم ببلائه وتفضل بعقوبته وإلا فلو أذاقهم جميع ما كسبوا ما ترك على ظهرها من دابة.
﴿ تفسير البغوي ﴾
قوله - عز وجل - : ( ظهر الفساد في البر والبحر ) يعني : قحط المطر وقلة النبات ، وأراد بالبر البوادي والمفاوز ، وبالبحر المدائن والقرى التي هي على المياه الجارية . قال عكرمة : العرب تسمي المصر بحرا ، تقول : أجدب البر وانقطعت مادة البحر ( بما كسبت أيدي الناس ) أي : بشؤم ذنوبهم ، وقال عطية وغيره : " البر " ظهر الأرض من الأمصار وغيرها ، و " البحر " هو البحر المعروف ، وقلة المطر كما تؤثر في البر تؤثر في البحر فتخلوا أجواف الأصداف لأن الصدف إذا جاء المطر يرتفع إلى وجه البحر ويفتح فاه فما يقع في فيه من المطر صار لؤلؤا . وقال ابن عباس ، وعكرمة ، ومجاهد : الفساد في البر : قتل أحد ابني آدم أخاه ، وفي البحر : غصب الملك الجائر السفينة .قال الضحاك : كانت الأرض خضرة مونقة لا يأتي ابن ، آدم شجرة إلا وجد عليها ثمرة ، وكان ماء البحر عذبا وكان لا يقصد الأسد البقر والغنم ، فلما قتل قابيل هابيل اقشعرت الأرض وشاكت الأشجار وصار ماء البحر ملحا زعافا وقصد الحيوان بعضها بعضا قال قتادة : هذا قبل مبعث النبي - صلى الله عليه وسلم - امتلأت الأرض ظلما وضلالة ، فلما بعث الله محمدا - صلى الله عليه وسلم - رجع راجعون من الناس بما كسبت أيدي الناس من المعاصي ، يعني كفار مكة .( ليذيقهم بعض الذي عملوا ) أي : عقوبة بعض الذي عملوا من الذنوب ) ( لعلهم يرجعون ) عن الكفر وأعمالهم الخبيثة .
﴿ تفسير الوسيط ﴾
قال ابن كثير ما ملخصه: قال ابن عباس وغيره: المراد بالبر هاهنا، الفيافي. وبالبحر:الأمصار والقرى، ما كان منها على جانب نهر.وقال آخرون: بل المراد بالبر هو البر المعروف. وبالبحر: البحر المعروف.والقول الأول أظهر، وعليه الأكثر، ويؤيده ما ذكره ابن إسحاق في السيرة: أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم صالح ملك أيلة، وكتب له ببحره- يعنى ببلده- .والمعنى: ظهر الفساد في البر والبحر، ومن مظاهر ذلك انتشار الشرك والظلم، والقتل وسفك الدماء، والأحقاد والعدوان، ونقص البركة في الزروع والثمار والمطاعم والمشارب، وغير ذلك مما هو مفسدة وليس بمنفعة..قال ابن كثير- رحمه الله-: وقال أبو العالية: من عصى الله في الأرض فقد أفسد فيها، لأن صلاح الأرض والسماء بالطاعة، ولهذا جاء في الحديث الذي رواه أبو داود: «الحد يقام في الأرض، أحب إلى أهلها من أن يمطروا أربعين صباحا» .والسبب في هذا أن الحدود إذا أقيمت، انكف الناس، أو أكثرهم، أو كثير منهم، عن تعاطى المحرمات. وإذا ارتكبت المعاصي كان سببا في محق البركات.. وكلما أقيم العدل كثرت البركات والخيرات. وقد ثبت في الحديث الصحيح: «إن الفاجر إذا مات تستريح منه العباد والبلاد والشجر والدواب» .وقوله- تعالى-: بِما كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ.. بيان لسبب ظهور الفساد. أى: عم الفساد وطم في البر والبحر، بسبب اقتراف الناس للمعاصي. وانهماكهم في الشهوات، وتفلتهم من كل ما أمرهم الله- تعالى- به، أو نهاهم عنه. كما قال- تعالى-:وَما أَصابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِما كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُوا عَنْ كَثِيرٍ.فظهور الفساد وانتشاره، لا يتم عبثا أو اعتباطا، وإنما يتم بسبب إعراض الناس عن طاعة الله- تعالى-، وارتكابهم للمعاصي ...
﴿ تفسير ابن كثير ﴾
قال ابن عباس ، وعكرمة ، والضحاك ، والسدي ، وغيرهم : المراد بالبر هاهنا : الفيافي ، وبالبحر : الأمصار والقرى ، وفي رواية عن ابن عباس وعكرمة : البحر : الأمصار والقرى ، ما كان منها على جانب نهر .وقال آخرون : بل المراد بالبر هو البر المعروف ، وبالبحر : البحر المعروف .وقال زيد بن رفيع : ( ظهر الفساد ) يعني انقطاع المطر عن البر يعقبه القحط ، وعن البحر تعمى دوابه . رواه ابن أبي حاتم .وقال : حدثنا محمد بن عبد الله بن يزيد المقري ، عن سفيان ، عن حميد بن قيس الأعرج ، عن مجاهد : ( ظهر الفساد في البر والبحر ) ، قال : فساد البر : قتل ابن آدم ، وفساد البحر : أخذ السفينة غصبا .وقال عطاء الخراساني : المراد بالبر : ما فيه من المدائن والقرى ، وبالبحر : جزائره .والقول الأول أظهر ، وعليه الأكثر ، ويؤيده ما ذكره محمد بن إسحاق في السيرة : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وسلم صالح ملك أيلة ، وكتب إليه ببحره ، يعني : ببلده .ومعنى قوله تعالى : ( ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس ) أي : بان النقص في الثمار والزروع بسبب المعاصي .وقال أبو العالية : من عصى الله في الأرض فقد أفسد في الأرض; لأن صلاح الأرض والسماء بالطاعة; ولهذا جاء في الحديث الذي رواه أبو داود : " لحد يقام في الأرض أحب إلى أهلها من أن يمطروا أربعين صباحا " . والسبب في هذا أن الحدود إذا أقيمت ، انكف الناس - أو أكثرهم ، أو كثير منهم - عن تعاطي المحرمات ، وإذا ارتكبت المعاصي كان سببا في محاق البركات من السماء والأرض; ولهذا إذا نزل عيسى [ ابن مريم ] عليه السلام ، في آخر الزمان فحكم بهذه الشريعة المطهرة في ذلك الوقت ، من قتل الخنزير وكسر الصليب ووضع الجزية ، وهو تركها - فلا يقبل إلا الإسلام أو السيف ، فإذا أهلك الله في زمانه الدجال وأتباعه ويأجوج ومأجوج ، قيل للأرض : أخرجي بركاتك . فيأكل من الرمانة الفئام من الناس ، ويستظلون بقحفها ، ويكفي لبن اللقحة الجماعة من الناس . وما ذاك إلا ببركة تنفيذ شريعة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فكلما أقيم العدل كثرت البركات والخير; [ ولهذا ] ثبت في الصحيح : " إن الفاجر إذا مات تستريح منه العباد والبلاد ، والشجر والدواب " .ولهذا قال الإمام أحمد بن حنبل : حدثنا محمد والحسين قالا حدثنا عوف ، عن أبي قحذم قال : وجد رجل في زمان زياد - أو ابن زياد - صرة فيها حب ، يعني من بر أمثال النوى ، عليه مكتوب : هذا نبت في زمان كان يعمل فيه بالعدل .وروى مالك ، عن زيد بن أسلم : أن المراد بالفساد هاهنا الشرك . وفيه نظر .وقوله : ( ليذيقهم بعض الذي عملوا لعلهم يرجعون ) أي : يبتليهم بنقص الأموال والأنفس والثمرات ، اختبارا منه ، ومجازاة على صنيعهم ، ( لعلهم يرجعون ) أي : عن المعاصي ، كما قال تعالى : ( وبلوناهم بالحسنات والسيئات لعلهم يرجعون ) [ الأعراف : 168 ] .
﴿ تفسير القرطبي ﴾
قوله تعالى : ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس ليذيقهم بعض الذي عملوا لعلهم يرجعون .قوله تعالى : ظهر الفساد في البر والبحر اختلف العلماء في معنى الفساد والبر والبحر ; فقال قتادة والسدي : الفساد الشرك ، وهو أعظم الفساد . وقال ابن عباس وعكرمة ومجاهد : فساد البر قتل ابن آدم أخاه ; قابيل قتل هابيل . وفي البحر بالملك الذي كان يأخذ كل سفينة غصبا . وقيل : الفساد القحط وقلة النبات وذهاب البركة . ونحوه قال ابن عباس قال : هو نقصان البركة بأعمال العباد كي يتوبوا . قال النحاس : وهو أحسن ما قيل في الآية . وعنه أيضا : أن الفساد في البحر انقطاع صيده بذنوب بني آدم . وقال عطية : فإذا قل المطر قل الغوص عنده ، وأخفق الصيادون ، وعميت دواب البحر .وقال ابن عباس : إذا مطرت السماء تفتحت الأصداف في البحر ، فما وقع فيها من السماء فهو لؤلؤ . وقيل : الفساد كساد الأسعار وقلة المعاش . وقيل : الفساد المعاصي وقطع السبيل والظلم ; أي صار هذا العمل مانعا من الزرع والعمارات والتجارات ; والمعنى كله متقارب . والبر والبحر هما المعروفان المشهوران في اللغة وعند الناس ; لا ما قاله بعض العباد : أن البر اللسان ، والبحر القلب ; لظهور ما على اللسان وخفاء ما في القلب . وقيل : البر : الفيافي ، والبحر : القرى ; قاله عكرمة . والعرب تسمي الأمصار البحار . وقال قتادة : البر أهل العمود ، والبحر أهل القرى والريف . وقال ابن عباس : إن البر ما كان من المدن والقرى على غير نهر ، والبحر ما كان على شط نهر ; وقاله مجاهد ، قال : أما والله ما هو بحركم هذا ، ولكن كل قرية على ماء جار فهي بحر . وقال معناه النحاس ، قال : في معناه قولان : أحدهما : ظهر الجدب في البر ; أي في البوادي وقراها ، وفي البحر أي في مدن البحر ; مثل : واسأل القرية . أي ظهر قلة الغيث وغلاء السعر . بما كسبت أيدي الناس ليذيقهم بعض أي عقاب بعض ( الذي عملوا ) ثم حذف . والقول الآخر : أنه ظهرت المعاصي من قطع السبيل والظلم ، فهذا هو الفساد على الحقيقة ، والأول مجاز إلا أنه على الجواب الثاني ، فيكون في الكلام حذف واختصار دل عليه ما بعده ، ويكون المعنى : ظهرت المعاصي في البر والبحر فحبس الله عنهما الغيث وأغلى سعرهم ليذيقهم عقاب بعض الذي عملوا . لعلهم يرجعون لعلهم يتوبون . وقال : بعض الذي عملوا لأن معظم الجزاء في الآخرة . والقراءة ليذيقهم بالياء . وقرأ ابن عباس بالنون ، وهي قراءة السلمي وابن محيصن وقنبل ويعقوب على التعظيم ; أي نذيقهم عقوبة بعض ما عملوا .
﴿ تفسير الطبري ﴾
القول في تأويل قوله تعالى : ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (41)يقول تعالى ذكره: ظهرت المعاصي في برّ الأرض وبحرها بكسب أيدي الناس ما نهاهم الله عنه.واختلف أهل التأويل في المراد من قوله: (ظَهَرَ الفَسادُ فِي البَرّ والبَحْرِ) فقال بعضهم: عنى بالبرّ، الفلوات، وبالبحر: الأمصار والقُرى التي على المياه والأنهار.* ذكر من قال ذلك:حدثنا أبو كُرَيب قال: ثنا عثام، قال: ثنا النضر بن عربي، عن مجاهد وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا ... الآية، قال: إذا وَلي سعى بالتعدّي والظلم، فيحبس الله القطر، فَ(يُهْلِكَ الحَرْثَ والنَّسْلَ وَاللهُ لا يُحِبُّ الفَسادَ) قال: ثم قرأ مجاهد: (ظَهَرَ الفَسادُ فِي البَرّ والبَحْرِ ...) الآية، قال: ثم قال: أما والله ما هو بحركم هذا، ولكن كل قرية على ماء جار فهو بحر.حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا أبي، عن النضر بن عربي، عن عكرمة (ظَهَرَ الفَسادُ فِي البَرّ والبَحْرِ) قال: أما إني لا أقول بحركم هذا، ولكن كلّ قرية على ماء جار.قال: ثنا يزيد بن هارون، عن عمرو بن فروخ، عن حبيب بن الزبير، عن عكرِمة (ظَهَرَ الفَسادُ فِي البَرّ والبَحْرِ) قال: إن العرب تسمي الأمصار بحرا.حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قَتادة قوله: (ظَهَرَ الفَسادُ فِي البَرّ والبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أيْدِي النَّاسِ) قال: هذا قبل أن يَبعث الله نبيه محمدا صلى الله عليه وسلم، امتلأت ضلالة وظلما، فلما بعث الله نبيه رجع راجعون من الناس.قوله: (ظَهَرَ الفَسادُ فِي البَرّ والبَحْرِ) أما البرّ فأهل العمود، وأما البحر فأهل القرى والريف.حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد في قوله: (ظَهَرَ الفَسادُ فِي البَرّ والبَحْرِ) قال: الذنوب، وقرأ (لِيُذيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعلَّهُمْ يَرْجِعُونَ).حدثنا ابن بشار، قال: ثنا أبو عامر، قال: ثنا قرة، عن الحسن في قوله: (ظَهَرَ الفَسادُ فِي البَرّ والبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أيْدِي النَّاسِ) قال: أفسدهم الله بذنوبهم، في بحر الأرض وبرها بأعمالهم الخبيثة.وقال آخرون: بل عنى بالبرّ: ظهر الأرض، الأمصار وغيرها، والبحر: البحر المعروف.* ذكر من قال ذلك:حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا أبي، عن سفيان، عن ليث، عن مجاهد (ظَهَرَ الفَسادُ فِي البَرّ والبَحْرِ) قال: في البرّ: ابن آدم الذي قتل أخاه، وفي البحر: الذي كان يأخذ كلّ سفينة غصبا.حدثني يعقوب، قال: قال أبو بشر -يعني: ابن علية-: قال: سمعت ابن أبي نجيح، يقول في قوله: (ظَهَرَ الفَسادُ فِي البَرّ والبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أيْدِي النَّاسِ) قال: بقتل ابن آدم، والذي كان يأخذ كل سفينة غصبا.حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا يزيد بن هارون، عن فضيل بن مرزوق، عن عطية (ظَهَرَ الفَسادُ فِي البَرّ والبَحْرِ) قال: قلت: هذا البرّ، والبحر أيّ فساد فيه؟ قال: فقال: إذا قلّ المطر، قل الغوص.حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قوله: (ظَهَرَ الفَسادُ فِي البرّ) قال: قتل ابن آدم أخاه، (وَالْبَحْر) قال: أخذ الملك السفن غصبا.وأولى الأقوال في ذلك بالصواب أن الله تعالى ذكره، أخبر أن الفساد قد ظهر في البرّ والبحر عند العرب في الأرض القفار، والبحر بحران: بحر ملح، وبحر عذب، فهما جميعا عندهم بحر، ولم يخصص جلّ ثناؤه الخبر عن ظهور ذلك في بحر دون بحر، فذلك على ما وقع عليه اسم بحر عذبا كان أو ملحا. إذا كان ذلك كذلك، دخل القرى التي على الأنهار والبحار.فتأويل الكلام إذن إذ كان الأمر كما وصفت، ظهرت معاصي الله في كل مكان من برّ وبحر (بِمَا كَسَبَتْ أيْدِي النَّاسِ) : أي بذنوب الناس، وانتشر الظلم فيهما.وقوله: (لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا) يقول جل ثناؤه: ليصيبهم بعقوبة بعض أعمالهم التي عملوا، ومعصيتهم التي عصوا(لَعَلَّهُمْ يَرجِعُونَ) يقول: كي ينيبوا إلى الحقّ، ويرجعوا إلى التوبة، ويتركوا معاصي الله.وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.* ذكر من قال ذلك:حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا ابن فضيل، عن أشعث، عن الحسن (لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ) قال: يتوبون.قال: ثنا ابن مهدي، عن سفيان، عن السدي، عن أبي الضحى، عن مسروق، عن عبد الله (لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ) يوم بدر لعلهم يتوبون.قال: ثنا أبو أُسامة، عن زائدة، عن منصور، عن إبراهيم (لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ) قال: إلى الحقّ.حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قَتادة قوله: (لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ) : لعلّ راجعا أن يرجع، لعل تائبا أن يتوب، لعلّ مستعتبا أن يستعتب.حدثنا ابن بشار، قال: ثنا أبو عامر، قال: ثنا قرة، عن الحسن (لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ) قال: يرجع من بعدهم.واختلفت القرّاء في قراءة قوله: (لِيُذِيقَهُمْ) فقرأ ذلك عامة قرّاء الأمصار (لِيُذِيقَهُمْ) بالياء، بمعنى: ليذيقهم الله بعض الذي عملوا، وذُكر أن أبا عبد الرحمن السلمي قرأ ذلك بالنون على وجه الخبر من الله عن نفسه بذلك.
﴿ ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس ليذيقهم بعض الذي عملوا لعلهم يرجعون ﴾