فكيف يكون حال الناس يوم القيامة، إذا جاء الله من كل أمة برسولها ليشهد عليها بما عملت، وجاء بك -أيها الرسول- لتكون شهيدًا على أمتك أنك بلغتهم رسالة ربِّك.
﴿ تفسير الجلالين ﴾
«فكيف» حال الكفـار «إذا جئنا من كل أمة بشهيد» يشهد عليها بعملها وهو نبيها «وجئنا بك» يا محمد «على هؤلاء شهيدا».
﴿ تفسير السعدي ﴾
ثم قال تعالى: فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلَاءِ شَهِيدًا أي: كيف تكون تلك الأحوال، وكيف يكون ذلك الحكم العظيم، الذي جمع أن من حكم به كاملُ العلم، كاملُ العدل، كامل الحكمة، بشهادة أزكى الخلق وهم الرسل على أممهم مع إقرار المحكوم عليه؟" فهذا -والله- الحكم الذي هو أعم الأحكام وأعدلها وأعظمها. وهناك يبقى المحكوم عليهم مقرين له لكمال الفضل والعدل، والحمد والثناء. وهناك يسعد أقوام بالفوز والفلاح والعز والنجاح. ويشقى أقوام بالخزي والفضيحة والعذاب المهين.
﴿ تفسير البغوي ﴾
قوله تعالى : ( فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد ) [ أي : فكيف الحال وكيف يصنعون إذا جئنا من كل أمة بشهيد ] يعني : بنبيها يشهد عليهم بما عملوا ، ( وجئنا بك ) يا محمد ، ( على هؤلاء شهيدا ) شاهدا يشهد على جميع الأمم على من رآه وعلى من لم يره .أخبرنا عبد الواحد المليحي ، أنا أحمد بن عبد الله النعيمي ، أنا محمد بن يوسف ، أنا محمد بن إسماعيل ، أنا محمد بن يوسف ، أنا سفيان ، عن الأعمش ، عن إبراهيم ، عن عبيدة ، عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " اقرأ علي " ، قلت : يا رسول الله أأقرأ عليك وعليك أنزل؟ قال : نعم فقرأت سورة النساء حتى إذا أتيت هذه الآية ( فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيدا ) قال : " حسبك الآن " فالتفت إليه فإذا عيناه تذرفان .
﴿ تفسير الوسيط ﴾
ثم نبه- سبحانه- هؤلاء الكافرين إلى ما يكونون عليه من حال سيئة يوم القيامة إذا استمروا في كفرهم فقال: فَكَيْفَ إِذا جِئْنا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنا بِكَ عَلى هؤُلاءِ شَهِيداً. يَوْمَئِذٍ يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَعَصَوُا الرَّسُولَ لَوْ تُسَوَّى بِهِمُ الْأَرْضُ وَلا يَكْتُمُونَ اللَّهَ حَدِيثاً.قال الفخر الرازي: وجه النظم هو أنه- تعالى- بين أن في الآخرة لا يجرى على أحد ظلم، وأنه- تعالى- يجازى المحسن على إحسانه ويزيده على قدر حقه. فبين في هذه الآية- وهو قوله- تعالى- فَكَيْفَ إِذا جِئْنا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ أن ذلك يجرى بشهادة الرسل الذين جعلهم الله الحجة على الخلق لتكون الحجة على المسيء أبلغ. والتبكيت له أعظم. وحسرته أشد. ويكون سرور من قبل من الرسول وأظهر الطاعة أعظم. ويكون هذا وعيدا للكفار الذين قال الله فيهم إِنَّ اللَّهَ لا يَظْلِمُ مِثْقالَ ذَرَّةٍ ووعدا للمطيعين الذين قال فيهم «وإن تك حسنة يضاعفها» والفاء في قوله «فكيف» للإفصاح عن شرط مقدر نشأ من الكلام السابق وكيف في محل رفع خبر لمبتدأ محذوف.والتقدير: إذا أيقنت بما أخبرناك به أيها الرسول الكريم أو أيها السامع من أن الله لا يظلم مثقال ذرة وإن تك حسنة يضاعفها ويؤت من لدنه أجرا عظيما فكيف يكون حال هؤلاء الكفرة إذا ما جئنا من كل أمة من الأمم السابقة بشهيد يشهد عليهم بما ارتكبوه من سوء الصنيع وقبح الأعمال، وهذا الشهيد هو نبيهم الذي أرسله الله لهدايتهم، وجئنا بك يا محمد شهيدا على هؤلاء الذين بعثك الله لإخراجهم من الظلمات إلى النور فكذبوك واستحبوا العمى على الهدى.لا شك أن حالهم سيكون أسوأ حال، ومصيرهم سيكون أقبح مصير، بسبب كفرهم وبخلهم وريائهم واتباعهم للهوى والشيطان.ومن العلماء من يرى أن المراد بقوله- تعالى- وَجِئْنا بِكَ عَلى هؤُلاءِ شَهِيداً أى جئنا بك يا محمد شهيدا على هؤلاء الأنبياء بأنهم قد بلغوا رسالة الله ولم يقصروا في نصيحة أقوامهم.والذي نراه أولى هو أن شهادة النبي صلى الله عليه وسلم تشمل كل ذلك أى تشمل شهادته على قومه بأنه قد بلغهم رسالة الله، وشهادته للأنبياء السابقين بأنهم نصحوا لأقوامهم وبلغوا رسالة ربهم، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قد أعطاه الله تعالى- من المنزلة العالية ما لم يعط أحدا سواه.روى الشيخان وغيرهما عن عبد الله بن مسعود قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: اقرأ على شيئا من القرآن. فقلت يا رسول الله أأقرأ عليك وعليك أنزل قال: نعم. إنى أحب أن أسمعه من غيرى. فقرأت عليه سورة النساء: حتى أتيت إلى هذه الآية: فَكَيْفَ إِذا جِئْنا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ.. الآية» فقال: حسبك الآن، فإذا عيناه تذرفان» .
﴿ تفسير ابن كثير ﴾
وقوله : ( فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيدا ) يقول تعالى - مخبرا عن هول يوم القيامة وشدة أمره وشأنه : فكيف يكون الأمر والحال يوم القيامة وحين يجيء من كل أمة بشهيد - يعني الأنبياء عليهم السلام ؟ كما قال تعالى : ( وأشرقت الأرض بنور ربها ووضع الكتاب وجيء بالنبيين والشهداء [ وقضي بينهم بالحق وهم لا يظلمون ] ) [ الزمر : 69 ] وقال تعالى : ( ويوم نبعث في كل أمة شهيدا عليهم من أنفسهم [ وجئنا بك شهيدا على هؤلاء ونزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شيء وهدى ورحمة وبشرى للمسلمين ] ) [ النحل : 89 ] .قال البخاري : حدثنا محمد بن يوسف ، حدثنا سفيان ، عن الأعمش ، عن إبراهيم ، عن عبيدة ، عن عبد الله بن مسعود قال : قال لي النبي صلى الله عليه وسلم " اقرأ علي " قلت : يا رسول الله ، أقرأ عليك وعليك أنزل ؟ قال : " نعم ، إني أحب أن أسمعه من غيري " فقرأت سورة النساء ، حتى أتيت إلى هذه الآية : ( فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيدا ) قال : " حسبك الآن " فإذا عيناه تذرفان .ورواه هو ومسلم أيضا من حديث الأعمش ، به وقد روي من طرق متعددة عن ابن مسعود ، فهو مقطوع به عنه . ورواه أحمد من طريق أبي حيان ، وأبي رزين ، عنه .وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبو بكر بن أبي الدنيا ، حدثنا الصلت بن مسعود الجحدري ، حدثنا فضيل بن سليمان ، حدثنا يونس بن محمد بن فضالة الأنصاري ، عن أبيه قال - وكان أبي ممن صحب النبي صلى الله عليه وسلم : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتاهم في بني ظفر ، فجلس على الصخرة التي في بني ظفر اليوم ، ومعه ابن مسعود ومعاذ بن جبل وناس من أصحابه ، فأمر النبي صلى الله عليه وسلم قارئا فقرأ ، فأتى على هذه الآية : ( فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيدا ) فبكى رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى اضطرب لحياه وجنباه ، فقال : " يا رب هذا شهدت على من أنا بين ظهريه ، فكيف بمن لم أره ؟ " .وقال ابن جرير : حدثني عبد الله بن محمد الزهري ، حدثنا سفيان ، عن المسعودي ، عن جعفر بن عمرو بن حريث عن أبيه عن عبد الله - هو ابن مسعود - ( فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد ) قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " شهيد عليهم ما دمت فيهم ، فإذا توفيتني كنت أنت الرقيب عليهم " .وأما ما ذكره أبو عبد الله القرطبي في " التذكرة " حيث قال : باب ما جاء في شهادة النبي صلى الله عليه وسلم على أمته : قال : أخبرنا ابن المبارك ، أخبرنا رجل من الأنصار ، عن المنهال بن عمرو ، حدثه أنه سمع سعيد بن المسيب يقول : ليس من يوم إلا تعرض على النبي صلى الله عليه وسلم أمته غدوة وعشية ، فيعرفهم بأسمائهم وأعمالهم ، فلذلك يشهد عليهم ، يقول الله تعالى : ( فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيدا ) فإنه أثر ، وفيه انقطاع ، فإن فيه رجلا مبهما لم يسم ، وهو من كلام سعيد بن المسيب لم يرفعه . وقد قبله القرطبي فقال بعد إيراده : [ قد تقدم ] أن الأعمال تعرض على الله كل يوم اثنين وخميس ، وعلى الأنبياء والآباء والأمهات يوم الجمعة . قال : ولا تعارض ، فإنه يحتمل أن يخص نبينا بما يعرض عليه كل يوم ، ويوم الجمعة مع الأنبياء ، عليهم السلام .وقوله ( يومئذ يود الذين كفروا وعصوا الرسول لو تسوى بهم الأرض ) أي : لو انشقت وبلعتهم ، مما يرون من أهوال الموقف ، وما يحل بهم من الخزي والفضيحة والتوبيخ ، كقوله : ( يوم ينظر المرء ما قدمت يداه [ ويقول الكافر يا ليتني كنت ترابا ] ) وقوله ( ولا يكتمون الله حديثا ) أخبر عنهم بأنهم يعترفون بجميع ما فعلوه ، ولا يكتمون منه شيئا .قال ابن جرير : حدثنا ابن حميد ، حدثنا حكام ، حدثنا عمرو ، عن مطرف ، عن بن عمرو ، عن سعيد بن جبير قال : أتى رجل ابن عباس فقال : سمعت الله ، عز وجل ، يقول - يعني إخبارا عن المشركين يوم القيامة أنهم قالوا - : ( والله ربنا ما كنا مشركين ) [ الأنعام : 23 ] وقال في الآية الأخرى : ( ولا يكتمون الله حديثا ) فقال ابن العباس : أما قوله : ( والله ربنا ما كنا مشركين ) فإنهم لما رأوا أنه لا يدخل الجنة إلا أهل الإسلام قالوا : تعالوا فلنجحد ، فقالوا : ( والله ربنا ما كنا مشركين ) فختم الله على أفواههم ، وتكلمت أيديهم وأرجلهم ( ولا يكتمون الله حديثا )وقال عبد الرزاق : أخبرنا معمر ، عن رجل عن المنهال بن عمرو ، عن سعيد بن جبير قال : جاء رجل إلى ابن عباس فقال : أشياء تختلف علي في القرآن . قال : ما هو ؟ أشك في القرآن ؟ قال : ليس هو بالشك . ولكن اختلاف . قال : فهات ما اختلف عليك من ذلك . قال : أسمع الله يقول : ( ثم لم تكن فتنتهم إلا أن قالوا والله ربنا ما كنا مشركين ) [ الأنعام : 23 ] وقال ( ولا يكتمون الله حديثا ) ; فقد كتموا ! فقال ابن عباس : أما قوله : ( ثم لم تكن فتنتهم إلا أن قالوا والله ربنا ما كنا مشركين ) فإنهم لما رأوا يوم القيامة أن الله لا يغفر إلا لأهل الإسلام ويغفر الذنوب ولا يغفر شركا ، ولا يتعاظمه ذنب أن يغفره ، جحد المشركون ، فقالوا : ( والله ربنا ما كنا مشركين ) ; رجاء أن يغفر لهم . فختم الله على أفواههم ، وتكلمت أيديهم وأرجلهم بما كانوا يعملون ، فعند ذلك : ( يود الذين كفروا وعصوا الرسول لو تسوى بهم الأرض ولا يكتمون الله حديثا )
﴿ تفسير القرطبي ﴾
قوله تعالى : فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيدافتحت الفاء لالتقاء الساكنين وإذا ظرف زمان والعامل فيه جئنا ذكر أبو الليث السمرقندي : حدثنا الخليل بن أحمد قال : حدثنا ابن منيع قال : حدثنا أبو كامل قال : حدثنا فضيل ، عن يونس بن محمد بن فضالة ، عن أبيه ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتاهم في بني ظفر فجلس على الصخرة التي في بني ظفر ومعه ابن مسعود ومعاذ وناس من أصحابه فأمر قارئا يقرأ حتى إذا أتى على هذه الآية فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيدا بكى رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى اخضلت وجنتاه ؛ فقال : يا رب هذا على من أنا بين ظهرانيهم فكيف من لم أرهم . وروى البخاري ، عن عبد الله قال . قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم : اقرأ علي قلت : أقرأ عليك وعليك أنزل ؟ قال : إني أحب أن أسمعه من غيري فقرأت عليه سورة " النساء " حتى بلغت فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيدا قال : أمسك فإذا عيناه تذرفان . وأخرجه مسلم وقال بدل قوله ( أمسك ) : فرفعت رأسي - أو غمزني رجل إلى جنبي - فرفعت رأسي فرأيت دموعه تسيل . قال علماؤنا : بكاء النبي صلى الله عليه وسلم إنما كان لعظيم ما تضمنته هذه الآية من هول المطلع وشدة الأمر ؛ إذ يؤتى بالأنبياء شهداء على أممهم بالتصديق والتكذيب ، ويؤتى به صلى الله عليه وسلم يوم القيامة شهيدا . والإشارة بقوله على هؤلاء إلى كفار قريش وغيرهم من الكفار ؛ وإنما خص كفار قريش بالذكر لأن وظيفة العذاب أشد عليهم منها على غيرهم ؛ لعنادهم عند رؤية المعجزات ، وما أظهره الله على يديه من خوارق العادات . والمعنى فكيف يكون حال هؤلاء الكفار يوم القيامة إذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيدا أمعذبين أم منعمين ؟ وهذا استفهام معناه التوبيخ . وقيل : الإشارة إلى جميع أمته .ذكر ابن المبارك أخبرنا رجل من الأنصار ، عن المنهال بن عمر ، وحدثه أنه سمع سعيد بن المسيب يقول : ليس من يوم إلا تعرض على النبي صلى الله عليه وسلم أمته غدوة وعشية فيعرفهم بسيماهم وأعمالهم فلذلك يشهد عليهم ؛ يقول الله تبارك وتعالى فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد يعني بنبيها وجئنا بك على هؤلاء شهيدا . وموضع كيف نصب بفعل مضمر ، التقدير فكيف يكون حالهم ؛ كما ذكرنا . والفعل المضمر قد يسد مسد إذا ، والعامل في إذا جئنا . وشهيدا حال . وفي الحديث من الفقه جواز قراءة الطالب على الشيخ والعرض عليه ، ويجوز عكسه . وسيأتي بيانه في حديث أبي في سورة لم يكن ، إن شاء الله تعالى . وشهيدا نصب على الحال .
﴿ تفسير الطبري ﴾
القول في تأويل قوله : فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلاءِ شَهِيدًا (41)قال أبو جعفر: يعني بذلك جل ثناؤه: إنّ الله لا يظلم عباده مثقال ذرّة، فكيف بهم =" إذا جئنا من كل أمة بشهيد "، يعني: بمن يشهد عليها بأعمالها، وتصديقها رسلَها أو تكذيبها =" وجئنا بك على هؤلاء شهيدًا "، (36) يقول: وجئنا بك، يا محمد، =" على هؤلاء "، أي: على أمتك =" شهيدًا ". يقول شاهدًا، كما:-9515 - حدثنا محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن مفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي: " فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيدًا "، قال: إن النبيين يأتون يوم القيامة، منهم من أسلم معه من قومه الواحدُ والاثنان والعَشَرة، وأقلُّ وأكثر من ذلك، حتى يُؤتى بقوم لوط صلى الله عليه وسلم، لم يؤمن معه إلا ابنتاه، فيقال لهم: هل بلَّغتم ما أرسلتُمْ به؟ فيقولون: نعم. فيقال: من يشهد، فيقولون: أمة محمد صلى الله عليه وسلم! فيقال لهم: اشهدوا، إنّ الرسل أودعوا عندكم شهادة، (37) فبم تشهدون؟ فيقولون: ربنا نَشهد أنهم قد بلغوا = كما شهدوا في الدنيا بالتبليغ. فيقال: من يشهد على ذلك؟ فيقولون: محمد صلى الله عليه وسلم. فيدعى محمد عليه السلام، فيشهدُ أن أمته قد صدَّقوا، وأنّ الرسل قد بلَّغوا، فذلك قوله: وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا [سورة البقرة: 143].9516 - حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج قال، قال ابن جريج قوله: " فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد "، قال: رسولها، فيشهد عليها أن قد أبلغهم ما أرسله الله به إليهم =" وجئنا بك على هؤلاء شهيدًا "، قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا أتَى عليها فاضت عيناه.9517 - حدثنا ابن حميد قال، حدثنا يحيى بن واضح قال، حدثنا الحسن، عن يزيد النحوي، عن عكرمة في قوله: وَشَاهِدٍ وَمَشْهُودٍ [سورة البروج: 3]، قال: الشاهد محمد، والمشهود يوم الجمعة. فذلك قوله: " فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيدًا ".9518 - حدثني عبد الله بن محمد الزهري قال، حدثنا سفيان، عن المسعودي، عن جعفر بن عمرو بن حريث، عن أبيه، عن عبد الله: " فكيف إذا جئنا منْ كل أمة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيدًا "، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ . (38)9519 - حدثنا محمد بن المثنى قال، حدثنا إبراهيم بن أبي الوزير قال، حدثنا سفيان بن عيينة، عن المسعودي، عن القاسم: أنّ النبي صلى الله عليه وسلم قال لابن مسعود: اقرأ علي. قال، أقرأ عليك، وعليك أنزل؟ قال: إني أحب أن أسمعه من غيري. قال: فقرأ ابن مسعود " النساء " حتى بلغ: " فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيدًا "، قال: استعبر النبي صلى الله عليه وسلم، وكفّ ابن مسعود = = قال المسعودي، فحدثني جعفر بن عمرو بن حريث، عن أبيه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " شهيدًا عليهم ما دمت فيهم، فإذا توفيتني كنت أنت الرقيبَ عليهم، وأنتَ على كل شيء شهيد ". (39)------------------الهوامش :(36) انظر تفسير"الشهيد" فيما سلف 1: 376-378 / 3: 97 ، 145 / 6: 60 ، 75 / ...(37) في المطبوعة: "أتشهدون أن الرسل" ، وأثبت ما في المخطوطة.(38) الحديث: 9518 - سفيان: هو ابن عيينة.المسعودي -هنا-: هو معن بن عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود. وهو ثقة. أخرج له الشيخان. وترجمه البخاري في الكبير 4 / 1 / 390 ، وابن أبي حاتم 4 / 1 / 277."جعفر بن عمرو بن حريث المخزومي": ثقة. ترجمه البخاري 1 / 2 / 193 ، وابن أبي حاتم 1 / 1 / 484.أبوه"عمرو بن حريث": صحابي.وهذا الحديث -على صحة إسناده - لم أجده من غير رواية الطبري. وابن كثير لم ينسبه لغيره 2: 453 ، وكذلك السيوطي 2: 164.وانظر الحديث الذي بعده.والآية ، تضمين لآية سورة المائدة 117.(39) الحديث: 9519 - إبراهيم بن أبي الوزير - واسم أبي الوزير: عمر - بن مطرف المكي ، مولى بني هاشم: ثقة ، وثقه محمد بن بشار وغيره. مترجم في التهذيب ، والكبير 1 / 1 / 333 ، وابن أبي حاتم 1 / 1 / 114-115.وهذا الحديث في الحقيقة حديثان:أولهما: رواية المسعودي - معن بن عبد الرحمن - عن القاسم. والظاهر أن القاسم هذا: هو أخوه"القاسم بن عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود". وهو تابعي ثقة. ولكنه لم يدرك أن يروي عن جده"عبد الله بن مسعود" ، ولم يذكر هنا أنه"عن ابن مسعود" - حتى يكون إسنادًا منقطعًا. فهو حديث مرسل.ولكن هذا الحديث الأول منهما ثابت صحيح بالأسانيد المتصلة. فقد رواه البخاري 9: 81 (فتح) ، من طريق الأعمش ، عن إبراهيم ، عن عبيدة ، عن عبد الله. وكذلك رواه أحمد في المسند: 3606 ، 4118 ، من طريق الأعمش ، به. ورواه أحمد أيضًا: 3550 ، من رواية أبي حيان الأشجعي ، عن ابن مسعود ، و : 3551 ، من طريق أبي رزين ، عن ابن مسعود.ونقله ابن كثير في فضائل القرآن ، ص: 77 ، عن البخاري. ثم قال: "وقد رواه الجماعة إلا ابن ماجه ، من طرق ، عن الأعمش. وله طرق يطول بسطها".ونقله في التفسير 2: 452-453 ، عن البخاري أيضًا. ثم قال: "وقد روى من طرق متعددة عن ابن مسعود. فهو مقطوع به. ورواه أحمد من طريق أبي حيان ، وأبي رزين ، عنه".ونقله السيوطي 2: 163 ، وزاد نسبته لابن أبي شيبة ، وعبد بن حميد ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، والبيهقي في الدلائل.وثانيهما: رواية المسعودي ، عن جعفر بن عمرو بن حريث ، عن أبيه. وهذا مكرر للحديث السابق: 9518 ، ولكنه جعله هنا من حديث عمرو بن حريث ، لم يذكر فيه روايته عن ابن مسعود. فيكون مرسل صحابي. فهو صحيح بكل حال.وقد رواه الحاكم في المستدرك 3: 319 ، من طريق جعفر بن عون ، عن المسعودي ، عن جعفر بن عمرو بن حريث ، عن أبيه - مطولا - بقصة قراءة ابن مسعود هذه الآيات على النبي صلى الله عليه وسلم. ولكن فيه النص الذي هنا"شهيدًا عليهم ما دمت فيهم...". فأصل الحديث صحيح ثابت. ولذلك قال الحاكم: "هذا حديث صحيح الإسناد ، ولم يخرجاه". ووافقه الذهبي.ونقل السيوطي 2: 163 رواية الحاكم ، مختصرة قليلا ، ولم ينسبها لغيره.
﴿ فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيدا ﴾