وإذا ذُكِر الله وحده نفرت قلوب الذين لا يؤمنون بالمعاد والبعث بعد الممات، وإذا ذُكِر الذين مِن دونه من الأصنام والأوثان والأولياء إذا هم يفرحون؛ لكون الشرك موافقًا لأهوائهم.
﴿ تفسير الجلالين ﴾
«وإذا ذكر الله وحده» أي دون آلهتهم «اشمأزَّت» نفرت وانقبضت «قلوب الذين لا يؤمنون بالآخرة وإذا ذكر الذين من دونه» أي الأصنام «إذا هم يستبشرون».
﴿ تفسير السعدي ﴾
يذكر تعالى حالة المشركين، وما الذي اقتضاه شركهم أنهم إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ توحيدا له، وأمر بإخلاص الدين له، وترك ما يعبد من دونه، أنهم يشمئزون وينفرون، ويكرهون ذلك أشد الكراهة. وَإِذَا ذُكِرَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ من الأصنام والأنداد، ودعا الداعي إلى عبادتها ومدحها، إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ بذلك، فرحا بذكر معبوداتهم، ولكون الشرك موافقا لأهوائهم، وهذه الحال أشر الحالات وأشنعها، ولكن موعدهم يوم الجزاء. فهناك يؤخذ الحق منهم، وينظر: هل تنفعهم آلهتهم التي كانوا يدعون من دون اللّه شيئا؟.
﴿ تفسير البغوي ﴾
( وإذا ذكر الله وحده اشمأزت ) نفرت ، وقال ابن عباس ومجاهد ومقاتل : انقبضت عن التوحيد . وقال قتادة : استكبرت . وأصل الاشمئزاز النفور والاستكبار ، ( قلوب الذين لا يؤمنون بالآخرة ) .( وإذا ذكر الذين من دونه ) يعني : الأصنام ( إذا هم يستبشرون ) يفرحون . قال مجاهد ومقاتل : وذلك حين قرأ النبي - صلى الله عليه وسلم - سورة : " والنجم " فألقى الشيطان في أمنيته : تلك الغرانيق العلى ، ففرح به الكفار .
﴿ تفسير الوسيط ﴾
وقوله- تعالى-: اشْمَأَزَّتْ.. أى: نفرت وانقبضت وذعرت، مأخوذ من الشّمز، وهو نفور النفس مما تكرهه.قال الإمام الرازي: اعلم أن هذا نوع آخر من الأعمال القبيحة للمشركين وهو أنك إذا ذكرت الله وحده.. ظهرت آثار النفرة في وجوههم وقلوبهم، وإذا ذكرت الأصنام والأوثان ظهرت آثار الفرح.. وذلك يدل على الجهل والحماقة، لأن ذكر الله رأس السعادة، وعنوان الخيرات، وأما ذكر الأصنام فهو رأس الحماقات..» .أى: إنك- أيها الرسول الكريم- إذا ذكرت الله- تعالى- وحده، ونسبت إليه ما يليق به- سبحانه- من وحدانيته وقدرته.. دون أن تذكر معه الأصنام اشمأزت وانقبضت وذعرت نفوس هؤلاء المشركين الجهلاء، أما إذا ذكرت آلهتهم سواء أذكرت الله- تعالى- معها أم لم تذكره، إذا هم يستبشرون ويبتهجون..والتعبير بالاشمئزاز والاستبشار، يشعر بأنهم قد بلغوا الغاية في الأمرين، فهم عند ذكر الله- تعالى- تمتلئ قلوبهم إلى نهايتها غما وهما وانقباضا وذعرا. وعند ذكر أصنامهم تمتلئ قلوبهم إلى نهايتها- أيضا- بهجة وسرورا حتى لتظهر آثار ذلك على بشرتهم ...وحالهم هذا يدل على أنهم قد بلغوا الغاية- أيضا- في الجهالة والسفاهة والغفلة..وهذا الذي ذكرته الآية الكريمة من اشمئزاز الكافرين عند ذكر الله- تعالى- واستبشارهم عند ذكر غيره، نرى ما يشبهه عند كثير من الناس..فكم من أناس إذا حدثتهم عن ذات الله- تعالى- وصفاته، وعن سلامة دينه وتشريعاته، وعن آداب قرآنه وهداياته، وعن كل ما يتعلق بوجوب تنفيذ أوامره ونواهيه.. انقبضت نفوسهم، واكفهرت وجوههم، وتمنوا لو أنك تركت الحديث عن ذلك.أما إذا سمعوا ما يتعلق بالتشريعات والنظم التي هي من صنع البشر- استبشرت نفوسهم، وابتهجت أساريرهم..وشبيه بهذه الآية قوله- تعالى-: وَجَعَلْنا عَلى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آذانِهِمْ وَقْراً، وَإِذا ذَكَرْتَ رَبَّكَ فِي الْقُرْآنِ وَحْدَهُ، وَلَّوْا عَلى أَدْبارِهِمْ نُفُوراًقال الآلوسى: وقد رأينا كثيرا من الناس على نحو هذه الصفة التي وصف الله- تعالى- بها المشركين، يهشون لذكر أموات يستغيثون بهم ويطلبون منهم، ويطربون من سماع حكايات كاذبة عنهم.. وينقبضون من ذكر الله- تعالى- وحده- ونسبة الاستقلال بالتصرف إليه- عز وجل- وسرد ما يدل على مزيد عظمته وجلاله. وينفرون ممن يفعل ذلك كل النفرة، وينسبونه إلى ما يكره..» .
﴿ تفسير ابن كثير ﴾
ثم قال تعالى ذاما للمشركين أيضا : ( وإذا ذكر الله وحده ) أي : إذا قيل : لا إله إلا الله ( اشمأزت قلوب الذين لا يؤمنون بالآخرة ) قال مجاهد : ( اشمأزت ) انقبضت .وقال السدي : نفرت . وقال قتادة : كفرت واستكبرت . وقال مالك ، عن زيد بن أسلم : استكبرت . كما قال تعالى : ( إنهم كانوا إذا قيل لهم لا إله إلا الله يستكبرون ) [ الصافات : 35 ] ، أي : عن المتابعة والانقياد لها . فقلوبهم لا تقبل الخير ، ومن لم يقبل الخير يقبل الشر ; ولهذا قال : ( وإذا ذكر الذين من دونه ) أي : من الأصنام والأنداد ، قاله مجاهد ، ( إذا هم يستبشرون ) أي : يفرحون ويسرون .
﴿ تفسير القرطبي ﴾
قوله تعالى وإذا ذكر الله وحده نصب على المصدر عند الخليل وسيبويه ، وعلى الحال عند يونس . " اشمأزت " قال المبرد : انقبضت . وهو قول ابن عباس ومجاهد . وقال قتادة : نفرت واستكبرت وكفرت وتعصت . وقال المؤرج : أنكرت . وأصل الاشمئزاز النفور والازورار . قال عمرو بن كلثوم :إذا عض الثقاف بها اشمأزت وولتهم عشوزنة زبوناوقال أبو زيد : اشمأز الرجل ذعر من الفزع وهو المذعور . وكان المشركون إذا قيل لهم " لا إله إلا الله " نفروا وكفروا . وإذا ذكر الذين من دونه يعني الأوثان حين ألقى الشيطان في أمنية النبي - صلى الله عليه وسلم - عند قراءته سورة [ النجم ] تلك الغرانيق العلى وإن شفاعتهم ترتجى . قاله جماعة المفسرين . إذا هم يستبشرون أي يظهر في وجوههم البشر والسرور .
﴿ تفسير الطبري ﴾
القول في تأويل قوله تعالى : وَإِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَحْدَهُ اشْمَأَزَّتْ قُلُوبُ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ وَإِذَا ذُكِرَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ (45)يقول تعالى ذكره: وإذا أفرد الله جل ثناؤه بالذكر, فدعي وحده, وقيل لا إله إلا الله, اشمأزّت قلوب الذين لا يؤمنون بالمعاد والبعث بعد الممات. وعنى بقوله: ( اشْمَأَزَّتْ ) : نفرت من توحيد الله.( وَإِذَا ذُكِرَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ ) يقول: وإذا ذُكر الآلهة التي يدعونها من دون الله مع الله, فقيل: تلك الغرانيق العلى, وإن شفاعتها لترتجى, إذ الذين لا يؤمنون بالآخرة يستبشرون بذلك ويفرحون.كما حدثنا بشر, قال: ثنا يزيد, قال: ثنا سعيد, عن قتادة, قوله: ( وَإِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَحْدَهُ اشْمَأَزَّتْ قُلُوبُ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ ) : أي نفرت قلوبهم واستكبرت ( وَإِذَا ذُكِرَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ ) الآلهة ( إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ ).حدثني محمد بن عمرو, قال: ثنا أبو عاصم, قال: ثنا عيسى، وحدثني الحارث, قال: ثنا الحسن, قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, قوله: ( اشْمَأَزَّتْ ) قال: انقبضت, قال: وذلك يوم قرأ عليهم " النجم " عند باب الكعبة.حدثنا محمد, قال: ثنا أحمد, قال: ثنا أسباط, عن السديّ قوله: ( اشْمَأَزَّتْ ) قال: نفرت ( وَإِذَا ذُكِرَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ ) أوثانهم.
﴿ وإذا ذكر الله وحده اشمأزت قلوب الذين لا يؤمنون بالآخرة وإذا ذكر الذين من دونه إذا هم يستبشرون ﴾