وإمَّا نرينَّك -أيها الرسول- في حياتك بعض الذي نَعِدُهم من العقاب في الدنيا، أو نتوفينك قبل أن نريك ذلك فيهم، فإلينا وحدنا يرجع أمرهم في الحالتين، ثم الله شهيد على أفعالهم التي كانوا يفعلونها في الدنيا، لا يخفى عليه شيء منها، فيجازيهم بها جزاءهم الذي يستحقونه.
﴿ تفسير الجلالين ﴾
«وإما» فيه إدغام نون إن الشرطية في ما المزيدة «نرينَّك بعض الذي نعدهم» به من العذاب في حياتك وجواب الشرط محذوف، أي فذاك «أو نتوفينَّك» قبل تعذيبهم «فإلينا مرجعهم ثم الله شهيد» مطلع «على ما يفعلون» من تكذيبهم وكفرهم فيعذبهم أشد العذاب.
﴿ تفسير السعدي ﴾
أي: لا تحزن أيها الرسول على هؤلاء المكذبين، ولا تستعجل لهم، فإنهم لا بد أن يصيبهم الذي نعدهم من العذاب.إما في الدنيا فتراه بعينك، وتقر به نفسك.وإما في الآخرة بعد الوفاة، فإن مرجعهم إلى الله، وسينبئهم بما كانوا يعملون، أحصاه ونسوه، والله على كل شيء شهيد، ففيه الوعيد الشديد لهم، والتسلية للرسول الذي كذبه قومه وعاندوه.
﴿ تفسير البغوي ﴾
قوله تعالى : ( وإما نرينك ) يا محمد ، ( بعض الذي نعدهم ) في حياتك من العذاب ، ( أو نتوفينك ) قبل تعذيبهم ، ( فإلينا مرجعهم ) في الآخرة ، ( ثم الله شهيد على ما يفعلون ) فيجزيهم به ، " ثم " بمعنى الواو ، تقديره : والله شهيد . قال مجاهد : فكان البعض الذي أراه قتلهم ببدر ، وسائر أنواع العذاب بعد موتهم .
﴿ تفسير الوسيط ﴾
وقوله: وَإِمَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِلَيْنا مَرْجِعُهُمْ تأكيد لخسرانهم، ولوقوع العذاب بهم، وتسلية للرسول صلى الله عليه وسلم عما أصابه منهم و «إن» شرطية. و «ما» مزيدة لتأكيد معنى الشرط، وجملة فَإِلَيْنا مَرْجِعُهُمْ جواب للشرط وما عطف عليه.والمعنى: إن هؤلاء المشركين الذين ناصبوك العداوة أيها الرسول الكريم لا يخفى علينا أمرهم ونحن إما نرينك ببصرك بعض الذي نعدهم به من العذاب الدنيوي، وإما نتوفينك، قبل ذلك، وفي كلتا الحالتين فإن مرجعهم إلينا وحدنا في الآخرة، فنعاقبهم العقوبة التي يستحقونها.وقال- سبحانه- بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ للإشارة إلى أن ما ينزل بهم من عذاب دنيوى، هو جزء من العذاب المدخر لهم في الآخرة.وقد أنجز الله- تعالى- وعده لنبيه صلى الله عليه وسلم فسلط عليهم القحط والمجاعة، حتى كانوا لشدة جوعهم يرون كأن بينهم وبين السماء دخانا. ونصر المسلمين عليهم في غزوتى بدر والفتح، وكل ذلك حدث في حياة النبي صلى الله عليه وسلم.وقال- سبحانه- بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ ولم يقل بعض الذي وعدناهم، لاستحضار صورة العذاب، والدلالة على تجدده واستمراره.أى: نعدهم وعدا متجددا على حسب ما تقتضيه حكمتنا ومشيئتنا، من إنذار عقب إنذار، ومن وعيد بعد وعيد.والمراد من الشهادة في قول ثُمَّ اللَّهُ شَهِيدٌ عَلى ما يَفْعَلُونَ لازمها وهو المعاقبة والمجازاة، فكأنه- سبحانه- يقول: ثم الله- تعالى- بعد ذلك معاقب لهم على ما فعلوه من سيئات، وما يرتكبونه من منكرات.قال صاحب الكشاف: «فإن قلت: الله شهيد على ما يفعلون في الدارين فما معنى ثم؟قلت: ذكرت الشهادة والمراد مقتضاها ونتيجتها وهو العقاب، فكأنه قال: ثم الله معاقبهم على ما يفعلون. ويجوز أن يراد أن الله مؤد شهادته على أفعالهم يوم القيامة حين ينطق جلودهم وألسنتهم وأيديهم فتكون شاهدة عليهم».هذا، وفي معنى هذه الآية وردت آيات أخرى منها قوله- تعالى-: وَإِنْ ما نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ، فَإِنَّما عَلَيْكَ الْبَلاغُ وَعَلَيْنَا الْحِسابُ وقوله- تعالى- فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ، فَإِمَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِلَيْنا يُرْجَعُونَ
﴿ تفسير ابن كثير ﴾
يقول تعالى مخاطبا لرسوله صلى الله عليه وسلم : ( وإما نرينك بعض الذي نعدهم ) أي : ننتقم منهم في حياتك لتقر عينك منهم ، ( أو نتوفينك فإلينا مرجعهم ) أي : مصيرهم ومتقلبهم ، والله شهيد على أفعالهم بعدك .وقد قال الطبراني : حدثنا عبد الله بن أحمد ، حدثنا عقبة بن مكرم ، حدثنا أبو بكر الحنفي ، حدثنا داود بن الجارود ، عن أبي الطفيل عن حذيفة بن أسيد ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " عرضت علي أمتي البارحة لدى هذه الحجرة ، أولها وآخرها . فقال رجل : يا رسول الله ، عرض عليك من خلق ، فكيف من لم يخلق ؟ فقال : " صوروا لي في الطين ، حتى إني لأعرف بالإنسان منهم من أحدكم بصاحبه " .ورواه عن محمد بن عثمان بن أبي شيبة ، عن عقبة بن مكرم ، عن يونس بن بكير ، عن زياد بن المنذر ، عن أبي الطفيل ، عن حذيفة بن أسيد ، به نحوه .
﴿ تفسير القرطبي ﴾
قوله تعالى وإما نرينك بعض الذي نعدهم أو نتوفينك فإلينا مرجعهم ثم الله شهيد على ما يفعلونقوله تعالى وإما نرينك شرط .بعض الذي نعدهم أي من إظهار دينك في حياتك . وقال المفسرون : كان البعض الذي وعدهم قتل من قتل وأسر من أسر ببدر .أو نتوفينك عطف على نرينك أي نتوفينك قبل ذلك . فإلينا مرجعهم جواب إما . والمقصود إن لم ننتقم منهم عاجلا انتقمنا منهم آجلا .ثم الله شهيد أي شاهد لا يحتاج إلى شاهد . على ما يفعلون من محاربتك وتكذيبك . ولو قيل : ثم الله شهيد بمعنى هناك ، جاز .
﴿ تفسير الطبري ﴾
القول في تأويل قوله تعالى : وَإِمَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِلَيْنَا مَرْجِعُهُمْ ثُمَّ اللَّهُ شَهِيدٌ عَلَى مَا يَفْعَلُونَ (46)قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: وإما نرينّك ، يا محمد ، في حياتك بعضَ الذي نعد هؤلاء المشركين من قومك من العذاب ، (أو نتوفينك ) قبل أن نريك ذلك فيهم (4) ، (فإلينا مرجعهم)، يقول: فمصيرهم بكل حال إلينا، ومنقلبهم (5) ، ( ثم الله شهيد على ما يفعلون )، يقول جل ثناؤه : ثم أنا شاهد على أفعالهم التي كانوا يفعلونها في الدنيا، وأنا عالم بها لا يخفى عليّ شيء منها، (6) وأنا مجازيهم بها عند مصيرهم إليّ ومرجعهم ، جزاءهم الذي يستحقُّونه، كما:-17663- حدثني المثنى قال ، حدثنا أبو حذيفة قال ، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: (وإما نرينك بعض الذي نعدهم) ، من العذاب في حياتك ، (أو نتوفينك) ، قبل ، (فإلينا مرجعهم).17664- حدثني المثنى قال ، حدثنا إسحاق قال ، حدثنا ابن أبي جعفر، عن ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، نحوه.17665- حدثنا القاسم قال ، حدثنا الحسين قال ، حدثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد، مثله.-----------------------الهوامش :(4) انظر تفسير " التوفي " فيما سلف 14 : 15 ، تعليق : 4 ، والمراجع هناك .(5) انظر تفسير " المرجع " فيما سلف ص 54 ، تعليق : 3 ، والمراجع هناك .(6) انظر تفسير " الشهيد " فيما سلف من فهارس اللغة ( شهد ) .
﴿ وإما نرينك بعض الذي نعدهم أو نتوفينك فإلينا مرجعهم ثم الله شهيد على ما يفعلون ﴾