وإذا قيل للكافرين: أنفقوا من الرزق الذي مَنَّ به الله عليكم، قالوا للمؤمنين مُحْتجِّين: أنطعم من لو شاء الله أطعمه؟ ما أنتم -أيها المؤمنون- إلا في بُعْدٍ واضح عن الحق، إذ تأمروننا بذلك.
﴿ تفسير الجلالين ﴾
«وإذا قيل» أي قال فقراء الصحابة «لهم أنفقوا» علينا «مما رزقكم الله» من الأموال «قال الذين كفروا للذين آمنوا» استهزاءً بهم «أنطعم من لو يشاء الله أطعمه» في معتقدكم هذا «إن» ما «أنتم» في قولكم لنا ذلك مع معتقدكم هذا «إلا في ضلال مبين» بيَّن وللتصريح بكفرهم موقع عظيم.
﴿ تفسير السعدي ﴾
وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ أَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ أي: من الرزق الذي منَّ به اللّه عليكم، ولو شاء لسلبكم إياه، قَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا معارضين للحق، محتجين بالمشيئة: أَنُطْعِمُ مَنْ لَوْ يَشَاءُ اللَّهُ أَطْعَمَهُ إِنْ أَنْتُمْ أيها المؤمنون إِلَّا فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ حيث تأمروننا بذلك.وهذا مما يدل على جهلهم العظيم، أو تجاهلهم الوخيم، فإن المشيئة، ليست حجة لعاص أبدا، فإنه وإن كان ما شاء اللّه كان، وما لم يشأ لم يكن، فإنه تعالى مكَّن العباد، وأعطاهم من القوة ما يقدرون على فعل الأمر واجتناب النهي، فإذا تركوا ما أمروا به، كان ذلك اختيارا منهم، لا جبرا لهم ولا قهرا.
﴿ تفسير البغوي ﴾
( وإذا قيل لهم أنفقوا مما رزقكم الله ) أعطاكم الله ( قال الذين كفروا للذين آمنوا أنطعم ) أنرزق ( من لو يشاء الله أطعمه ) وذلك أن المؤمنين قالوا لكفار مكة : أنفقوا على المساكين مما زعمتم من أموالكم أنه لله ، وهو ما جعلوا لله من حروثهم وأنعامهم ، قالوا : أنطعم : أنرزق من لو يشاء الله رزقه ، ثم لم يرزقه مع قدرته عليه ، فنحن نوافق مشيئة الله فلا نطعم من لم يطعمه الله ، وهذا مما يتمسك به البخلاء ، يقولون : لا نعطي من حرمه الله . وهذا الذي يزعمون باطل ; لأن الله أغنى بعض الخلق وأفقر بعضهم ابتلاء ، فمنع الدنيا من الفقير لا بخلا ، وأمر الغني بالإنفاق لا حاجة إلى ماله ، ولكن ليبلو الغني بالفقير فيما فرض له في مال الغني ، ولا اعتراض لأحد على مشيئة الله وحكمه في خلقه ( إن أنتم إلا في ضلال مبين ) يقول الكفار للمؤمنين : ما أنتم إلا في خطأ بين في اتباعكم محمدا - صلى الله عليه وسلم - وترك ما نحن عليه .
﴿ تفسير الوسيط ﴾
ثم حكى- سبحانه- موقفا آخر، من مواقفهم القبيحة ممن نصحهم وأرشدهم إلى الصواب، فقال- تعالى-: وَإِذا قِيلَ لَهُمْ أَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ، قالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنُطْعِمُ مَنْ لَوْ يَشاءُ اللَّهُ أَطْعَمَهُ....وقد ذكروا في سبب نزول هذه الآية روايات منها: أن أبا بكر الصديق- رضى الله عنه- كان يطعم مساكين المسلمين، فلقيه أبو جهل فقال له: يا أبا بكر: أتزعم أن الله قادر على إطعام هؤلاء؟.قال نعم. قال: فما باله لم يطعمهم؟ قال أبو بكر: ابتلى- سبحانه- قوما بالفقر، وقوما بالغنى، وأمر الفقراء بالصبر، وأمر الأغنياء بالإعطاء.فقال أبو جهل: والله يا أبا بكر: إن أنت إلا في ضلال، أتزعم أن الله قادر على إطعام هؤلاء وهو لا يطعمهم، ثم تطعمهم أنت.. فنزلت هذه الآية.وقيل: كان العاصي بن وائل السهمي، إذا سأله المسكين قال له: اذهب إلى ربك فهو أولى منى بك. ثم يقول: قد منعه الله فأطعمه أنا.. .والمعنى. وإذا قال قائل من المؤمنين لهؤلاء الكافرين: أنفقوا على المحتاجين شيئا من الخير الكثير الذي رزقكم الله- تعالى- إياه.قال الكافرون- على سبيل الاستهزاء والسخرية- للمؤمنين: هؤلاء الفقراء الذين طلبتم منا أن ننفق عليهم، لو شاء الله لأطعمهم ولأغناهم كما أغنانا.إِنْ أَنْتُمْ أيها المؤمنون إِلَّا فِي ضَلالٍ مُبِينٍ في أمركم لنا بالإنفاق عليهم أو على غيرهم.قال الشوكانى ما ملخصه: وقوله: أَنُطْعِمُ مَنْ لَوْ يَشاءُ اللَّهُ أَطْعَمَهُ حكاية لتهكم الكافرين، وقد كانوا سمعوا المؤمنين يقولون: إن الرزاق هو الله، وإنه يغنى من يشاء، ويفقر من يشاء، فكأنهم حاولوا بهذا القول الإلزام للمؤمنين، وقالوا: نحن نوافق مشيئة الله فلا نطعم من لم يطعمه الله. وهذا غلط منهم ومكابرة ومجادلة بالباطل، فإن الله- سبحانه- أغنى بعض خلقه وأفقر بعضا، وأمر الغنى أن يطعم الفقير، وابتلاه به فيما فرض له من ماله من الصدقة، وقولهم: مَنْ لَوْ يَشاءُ اللَّهُ أَطْعَمَهُ هو وإن كان كلاما صحيحا في نفسه، ولكنهم لما قصدوا به الإنكار لقدرة الله، وإنكار جواز الأمر بالإنفاق مع قدرة الله، كان احتجاجهم من هذه الحيثية باطلا.وقوله: إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا فِي ضَلالٍ مُبِينٍ من تتمة كلام الكفار. وقيل: هو رد من الله عليهم.. .
﴿ تفسير ابن كثير ﴾
وقوله : ( وإذا قيل لهم أنفقوا مما رزقكم الله ) أي : وإذا أمروا بالإنفاق مما رزقهم الله على الفقراء والمحاويج من المسلمين ( قال الذين كفروا للذين آمنوا ) أي : عن الذين آمنوا من الفقراء ، أي : قالوا لمن أمرهم من المؤمنين بالإنفاق محاجين لهم فيما أمروهم به : ( أنطعم من لو يشاء الله أطعمه ) أي : وهؤلاء الذين أمرتمونا بالإنفاق عليهم ، لو شاء الله لأغناهم ولأطعمهم من رزقه ، فنحن نوافق مشيئة الله فيهم ، ( إن أنتم إلا في ضلال مبين ) أي : في أمركم لنا بذلك .قال ابن جرير : ويحتمل أن يكون من قول الله للكفار حين ناظروا المسلمين وردوا عليهم ، فقال لهم : ( إن أنتم إلا في ضلال مبين ) ، وفي هذا نظر .
﴿ تفسير القرطبي ﴾
قوله تعالى : وإذا قيل لهم أنفقوا مما رزقكم الله أي : تصدقوا على الفقراء . قال الحسن : يعني اليهود أمروا بإطعام الفقراء . وقيل : هم المشركون ، قال لهم فقراء أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم : أعطونا ما زعمتم من أموالكم أنها لله ; وذلك قوله : وجعلوا لله مما ذرأ من الحرث والأنعام نصيبا فحرموهم وقالوا : لو شاء الله أطعمكم - استهزاء - فلا نطعمكم حتى ترجعوا إلى ديننا .قوله تعالى : " أنطعم " أي أنرزق من لو يشاء الله أطعمه كان بلغهم من قول المسلمين : أن الرازق هو الله . فقالوا هزءا : أنرزق من لو يشاء الله أغناه . وعن ابن عباس : كان بمكة زنادقة ، فإذا أمروا بالصدقة على المساكين قالوا : لا والله! أيفقره الله ونطعمه نحن . وكانوا يسمعون المؤمنين يعلقون أفعال الله تعالى بمشيئته فيقولون : لو شاء الله لأغنى فلانا ; ولو شاء الله لأعز ، ولو شاء الله لكان كذا . فأخرجوا هذا الجواب مخرج الاستهزاء بالمؤمنين ، وبما كانوا يقولونه من تعليق الأمور بمشيئة الله تعالى . وقيل : قالوا هذا تعلقا بقول المؤمنين لهم : أنفقوا مما رزقكم الله أي : فإذا كان الله رزقنا فهو قادر على أن يرزقكم ، فلم تلتمسون الرزق منا ؟ وكان هذا الاحتجاج باطلا ; لأن الله تعالى إذا ملك عبدا مالا ثم أوجب عليه فيه حقا فكأنه انتزع ذلك القدر منه ، فلا معنى للاعتراض . وقد صدقوا في قولهم : لو شاء الله أطعمهم ، ولكن كذبوا في الاحتجاج . ومثله قوله : سيقول الذين أشركوا لو شاء الله ما أشركنا وقوله : قالوا نشهد إنك لرسول الله والله يعلم إنك لرسوله والله يشهد إن المنافقين لكاذبونإن أنتم إلا في ضلال مبين قيل : هو من قول الكفار للمؤمنين ; أي : في سؤال المال وفي اتباعكم محمدا . قال معناه مقاتل وغيره . وقيل : هو من قول أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - لهم . وقيل : من قول الله تعالى للكفار حين ردوا بهذا الجواب . وقيل : إن أبا بكر الصديق رضي الله عنه - كان يطعم مساكين المسلمين فلقيه أبو جهل فقال : يا أبا بكر أتزعم أن الله قادر على إطعام هؤلاء ؟ قال : نعم . قال : فما باله لم يطعمهم ؟ قال : ابتلى قوما بالفقر ، وقوما بالغنى ، وأمر الفقراء بالصبر ، وأمر الأغنياء بالإعطاء . فقال : والله يا أبا بكر ما أنت إلا في ضلال ، أتزعم أن الله قادر على إطعام هؤلاء وهو لا يطعمهم ثم تطعمهم أنت ؟ فنزلت هذه الآية ، ونزل قوله تعالى : فأما من أعطى واتقى وصدق بالحسنى الآيات . وقيل : نزلت الآية في قوم من الزنادقة ، وقد كان فيهم أقوام يتزندقون فلا يؤمنون بالصانع ، واستهزءوا بالمسلمين بهذا القول ; ذكره القشيري والماوردي .
﴿ تفسير الطبري ﴾
القول في تأويل قوله تعالى : وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ أَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ قَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنُطْعِمُ مَنْ لَوْ يَشَاءُ اللَّهُ أَطْعَمَهُ إِنْ أَنْتُمْ إِلا فِي ضَلالٍ مُبِينٍ (47)يقول تعالى ذكره: وإذا قيل لهؤلاء المشركين بالله: أنفقوا من رزق الله الذي رزقكم، فأدوا منه ما فرض الله عليكم فيه لأهل حاجتكم ومسكنتكم، قال الذين أنكروا وحدانية الله، وعبدوا من دونه للذين آمنوا بالله ورسوله: أنطعم أموالنا وطعامنا مَنْ لو يشاء الله أطعمه.وفي قوله ( إِنْ أَنْتُمْ إِلا فِي ضَلالٍ مُبِينٍ ) وجهان: أحدهما أن يكون من قيل الكفار للمؤمنين، فيكون تأويل الكلام حينئذ: ما أنتم أيها القومُ في قيلكم لنا: أنفقوا مما رزقكم الله على مساكينكم، إلا في ذهاب عن الحق، وجور عن الرشد مُبين لمن تأمله وتدبره، أنه في ضلال ، وهذا أولى وجهيه بتأويله. والوجه الآخر: أن يكون ذلك من قيل الله للمشركين، فيكون تأويله حينئذ: ما أنتم أيها الكافرون في قيلكم للمؤمنين: أنطعم من لو يشاء الله أطعمه، إلا في ضلال مبين، عن أن قيلكم ذلك لهم ضلال.
﴿ وإذا قيل لهم أنفقوا مما رزقكم الله قال الذين كفروا للذين آمنوا أنطعم من لو يشاء الله أطعمه إن أنتم إلا في ضلال مبين ﴾