وإذا قيل لهؤلاء المنافقين: أقبلوا تائبين معتذرين عمَّا بدر منكم من سيِّئ القول وسفه الحديث، يستغفر لكم رسول الله ويسأل الله لكم المغفرة والعفو عن ذنوبكم، أمالوا رؤوسهم وحركوها استهزاءً واستكبارًا، وأبصرتهم -أيها الرسول- يعرضون عنك، وهم مستكبرون عن الامتثال لما طُلِب منهم.
﴿ تفسير الجلالين ﴾
«وإذا قيل لهم تعالوا» معتذرين «يستغفر لكم رسول الله لوّوا» بالتشديد والتخفيف عطفوا «رؤوسهم ورأيتهم يصدون» يعرضون عن ذلك «وهم مستكبرون».
﴿ تفسير السعدي ﴾
وَإِذَا قِيلَ لهؤلاء المنافقين تَعَالَوْا يَسْتَغْفِرْ لَكُمْ رَسُولُ اللَّهِ عما صدر منكم، لتحسن أحوالكم، وتقبل أعمالكم، امتنعوا من ذلك أشد الامتناع، و لَوَّوْا رُءُوسَهُمْ امتناعًا من طلب الدعاء من الرسول، وَرَأَيْتَهُمْ يَصُدُّونَ عن الحق بغضًا له وَهُمْ مُسْتَكْبِرُونَ عن اتباعه بغيًا وعنادًا، فهذه حالهم عندما يدعون إلى طلب الدعاء من الرسول، وهذا من لطف الله وكرامته لرسوله، حيث لم يأتوا إليه، فيستغفر لهم،
﴿ تفسير البغوي ﴾
( وإذا قيل لهم تعالوا يستغفر لكم رسول الله لووا رءوسهم ) أي عطفوا وأعرضوا بوجوههم رغبة عن الاستغفار . قرأ نافع ويعقوب " لووا " بالتخفيف ، وقرأ الآخرون بالتشديد ، لأنهم فعلوه مرة بعد مرة .( ورأيتهم يصدون ) يعرضون عما دعوا إليه ، ( وهم مستكبرون ) متكبرون عن استغفار رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لهم .
﴿ تفسير الوسيط ﴾
وقد ذكر المفسرون في سبب نزول هذه الآيات روايات متعددة، فصلها الإمام ابن كثير- رحمه الله- فقال ما ملخصه:وقد ذكر غير واحد من السلف أن هذا السياق كله نزل في عبد الله بن أبى بن سلول وأتباعه، فقد ذكر محمد بن إسحاق، أنه لما قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة بعد غزوة أحد، قام عبد الله بن أبى، والرسول صلى الله عليه وسلم يخطب للجمعة، فقال: أيها الناس، هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم أكرمكم الله به.. فأخذ بعض المسلمين بثيابه من نواحيه وقالوا له: اجلس يا عدو الله، لست لهذا المقام بأهل، وقد صنعت ما صنعت- يعنون مرجعه بثلث الناس دون أن يشتركوا في غزوة أحد-.فخرج يتخطى رقاب الناس وهو يقول: والله لكأنما قلت بجرا- أى: أمرا منكرا- أن قمت أشدد أمره.فلقيه رجال من الأنصار بباب المسجد، فقالوا له: ويلك، مالك؟ .. ارجع للنبي يستغفر لك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: والله ما أبتغى أن يستغفر لي.وفي رواية أنه قيل له: لو أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فسألته أن يستغفر لك، فجعل يلوى رأسه ويحركه استهزاء ...ثم قال الإمام ابن كثير- رحمه الله- ما ملخصه: وذكر ابن إسحاق في حديثه عن غزوة بنى المصطلق- وكانت في شعبان من السنة الخامسة من الهجرة- أن غلاما لعمر بن الخطاب- رضى الله عنه- اسمه الجهجاه بن سعيد الغفاري تزاحم على ماء مع رجل من الأنصار اسمه سنان بن وبر..فقال سنان: يا معشر الأنصار، وقال الجهجاه: يا معشر المهاجرين. فغضب عبد الله بن أبى- وعنده رهط من قومه فيهم زيد بن أرقم- وقال: أو قد فعلوها؟!! قد نافرونا وكاثرونا في بلادنا. والله ما مثلنا وجلابيب قريش- يعنى المهاجرين- إلا كما قال القائل: «سمن كلبك يأكلك» والله لئن رجعنا إلى المدينة، ليخرجن الأعز منها الأذل.فذهب زيد إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره الخبر ...فقال عمر بن الخطاب يا رسول الله، مر عباد بن بشر فليضرب عنق عبد الله بن أبى بن سلول.فقال صلى الله عليه وسلم: فكيف إذا الناس تحدث يا عمر، أن محمدا يقتل أصحابه؟ لا، ولكن ناد يا عمر في الناس بالرحيل.فلما بلغ عبد الله بن أبى أن ذلك قد بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم أتاه فاعتذر إليه، وحلف بالله ما قال الذي قاله عنه زيد بن أرقم..وراح رسول الله صلى الله عليه وسلم مهجرا في ساعة كان لا يروح فيها، فلقيه أسيد بن الحضير، فقال له: يا رسول الله، لقد رحت في ساعة ما كنت تروح فيها.فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أما بلغك ما قال صاحبك ابن أبى؟ زعم أنه إذا قدم المدينة أنه سيخرج الأعزّ منها الأذلّ.فقال أسيد: فأنت يا رسول الله العزيز وهو الذليل..وإنما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذا الوقت الذي لم يتعود السفر فيه، ليشغل الناس عن الحديث، الذي كان من عبد الله بن أبى.قال ابن إسحاق: ونزلت سورة المنافقين في ابن أبىّ وأتباعه، فلما نزلت أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بأذن زيد بن أرقم ثم قال: هذا الذي أوفى الله بأذنه.وفي رواية أنه صلى الله عليه وسلم بعث إلى زيد فقرأها عليه ثم قال: «إن الله قد صدقك» ثم قال ابن إسحاق: وبلغني أن عبد الله بن عبد الله بن أبى بلغه ما كان من أمر أبيه، فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له: يا رسول الله بلغني أنك تريد قتل أبى.. فإن كنت فاعلا، فمرني به، فأنا أحمل إليك رأسه، فو الله لقد علمت الخزرج ما كان لها من رجل أبر بوالده منى، وإنى أخشى أن تأمر غيرى بقتله، فلا تدعني نفسي أن أرى قاتل أبى يمشى على الأرض فأقتله، فأكون قد قتلت مؤمنا بكافر، فأدخل النار.فقال صلى الله عليه وسلم: «بل نترفق به ونحسن صحبته، ما بقي معنا» .وذكر عكرمة وابن زيد وغيرهما: أن الناس لما قفلوا راجعين إلى المدينة، وقف عبد الله بن عبد الله بن أبى على باب المدينة، واستل سيفه، فجعل الناس يمرون عليه، فلما جاء أبوه قال له: وراءك فقال له أبوه: ويلك مالك؟ فقال: والله لا تجوز من هاهنا حتى يأذن لك رسول الله صلى الله عليه وسلم فإنه العزيز وأنت الذليل.فلما جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان يسير في مؤخرة الجيش شكا إليه عبد الله بن أبى ما فعله ابنه عبد الله معه.فقال ابنه: والله يا رسول الله لا يدخلها حتى تأذن له. فأذن له رسول الله صلى الله عليه وسلم.فقال عبد الله لأبيه: أما إذ أذن لك رسول الله صلى الله عليه وسلم فجز الآن .والآن وبعد ذكر جانب من هذه الآثار التي وردت في سبب نزول هذه الآيات، نعود إلى تفسيرها فنقول وبالله التوفيق.قوله- تعالى-: وَإِذا قِيلَ لَهُمْ تَعالَوْا يَسْتَغْفِرْ لَكُمْ رَسُولُ اللَّهِ، لَوَّوْا رُؤُسَهُمْ.. بيان لصفة أخرى من صفات المنافقين، تدل على عنادهم وإصرارهم على كفرهم ونفاقهم.والقائل لهم: تَعالَوْا يَسْتَغْفِرْ لَكُمْ رَسُولُ اللَّهِ جماعة من المؤمنين، على سبيل النصح لهؤلاء المنافقين لعلهم يقلعون عن كفرهم وفجورهم.والمراد باستغفار رسول الله صلى الله عليه وسلم لهم: توبتهم من ذنوبهم، وتركهم لنفاقهم، وإعلان ذلك أمامه صلى الله عليه وسلم لكي يدعو الله- تعالى- لهم بقبول توبتهم.وقوله: لَوَّوْا رُؤُسَهُمْ من اللى بمعنى الإمالة من جانب إلى آخر، يقال: لوى فلان رأسه، إذا أمالها وحركها، وهو كناية عن التكبر والإعراض عن النصيحة.أى: وإذ قال قائل لهؤلاء المنافقين: لقد نزل في شأنكم ما نزل من الآيات القرآنية التي تفضحكم.. فتوبوا إلى الله توبة نصوحا، وأقلعوا عن نفاقكم، وأقبلوا نحو رسول الله صلى الله عليه وسلم بقلب سليم، لكي يستغفر الله- تعالى- لكم، بأن يلتمس منه قبول توبتكم..ما كان من هؤلاء المنافقين، إلا أن تكبروا ولجوا في طغيانهم، وأمالوا رءوسهم استهزاء وسخرية ممن نصحهم.وَرَأَيْتَهُمْ أيها المخاطب يَصُدُّونَ أى: يعرضون عن النصيحة وَهُمْ مُسْتَكْبِرُونَ عن قبولها، لانطماس بصائرهم، وإصرارهم على ما هم فيه من باطل وجحود للحق.قال الآلوسى ما ملخصه: روى أنه لما صدق الله- تعالى- زيد بن أرقم فيما أخبر به عن ابن أبى، مقت الناس ابن أبى، وقال له بعضهم: امض إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم واعترف بذنبك، يستغفر لك، فلوى رأسه إنكارا لهذا الرأى، وقال لهم: لقد أشرتم على بالإيمان فآمنت، وأشرتم على بأن أعطى زكاة مالي فأعطيت.. ولم يبق لكم إلا أن تأمرونى بالسجود لمحمد صلى الله عليه وسلم.وفي حديث أخرجه أحمد والشيخان.. أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دعاهم ليستغفر لهم، فلووا رءوسهم.. .وقوله: يَسْتَغْفِرْ لَكُمْ ... مجزوم في جواب الأمر، وهو قوله: تَعالَوْا وقوله:لَوَّوْا رُؤُسَهُمْ جواب إِذا.والتعبير بقوله: تَعالَوْا تتضمن إرادة تخليص هؤلاء المنافقين مما هم فيه من ضلال، وإرادة ارتفاعهم من انحطاط هم فيه إلى علو يدعون إليه، لأن الأصل في كله «تعال» أن يقولها من كان في مكان عال، لمن هو أسفل منه.والتعبير بقوله- تعالى-، وَرَأَيْتَهُمْ يَصُدُّونَ وَهُمْ مُسْتَكْبِرُونَ يرسم صورة بغيضة لهم وهم يتركون دعوة الناصح لهم، بعناد وتكبر وغرور، وبراهم الرائي بعينه وهم على تلك الصورة المنكرة، التي تدل على جهالاتهم وإعراضهم عن كل خير.
﴿ تفسير ابن كثير ﴾
يقول تعالى مخبرا عن المنافقين - عليهم لعائن الله - أنهم ( وإذا قيل لهم تعالوا يستغفر لكم رسول الله لووا رءوسهم ) أي : صدوا وأعرضوا عما قيل لهم استكبارا عن ذلك ، واحتقارا لما قيل لهم ولهذا قال : ( ورأيتهم يصدون وهم مستكبرون )
﴿ تفسير القرطبي ﴾
قوله تعالى : وإذا قيل لهم تعالوا يستغفر لكم رسول الله لووا رءوسهم ورأيتهم يصدون وهم مستكبرونقوله تعالى : وإذا قيل لهم تعالوا يستغفر لكم رسول الله لما نزل القرآن بصفتهم مشى إليهم عشائرهم وقالوا : افتضحتم بالنفاق فتوبوا إلى رسول الله من النفاق ، واطلبوا أن يستغفر لكم . فلووا رءوسهم ; أي حركوها استهزاء وإباء ; قاله ابن عباس . وعنه أنه كان لعبد الله بن أبي موقف في كل سبب يحض على طاعة الله وطاعة رسوله ; فقيل له : وما ينفعك ذلك ورسول الله صلى الله عليه وسلم غضبان فأته يستغفر لك ; فأبى وقال : لا أذهب إليه . وسبب نزول هذه الآيات أن النبي صلى الله عليه وسلم غزا بني المصطلق على ماء يقال له " المريسيع " من ناحية " قديد " إلى الساحل ، فازدحم أجير لعمر يقال له : " جهجاه " مع حليف لعبد الله بن أبي يقال له : " سنان " على ماء " بالمشلل " ; فصرخ جهجاه بالمهاجرين ، وصرخ سنان بالأنصار ; فلطم جهجاه سنانا فقال عبد الله بن أبي : أوقد فعلوها ! والله ما مثلنا ومثلهم إلا كما قال الأول : سمن كلبك يأكلك ، أما والله لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز - يعني أبيا - الأذل ; يعني محمدا صلى الله عليه وسلم . ثم قال لقومه : كفوا طعامكم عن هذا الرجل ، ولا تنفقوا على من عنده حتى ينفضوا ويتركوه . فقال زيد بن أرقم - وهو من رهط عبد الله - أنت والله الذليل المنتقص في قومك ; ومحمد صلى الله عليه وسلم في عز من الرحمن ومودة من المسلمين ، والله لا أحبك بعد كلامك هذا أبدا . فقال عبد الله : اسكت إنما كنت ألعب . فأخبر زيد النبي صلى الله عليه وسلم بقوله ، فأقسم بالله ما فعل ولا قال ; فعذره النبي صلى الله عليه وسلم . قال زيد : فوجدت في نفسي ولامني الناس ; فنزلت سورة المنافقين في تصديق زيد وتكذيب عبد الله . فقيل لعبد الله : قد نزلت فيك آيات شديدة فاذهب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ليستغفر لك ; فألوى برأسه ، فنزلت الآيات . خرجه البخاري ومسلم والترمذي بمعناه . وقد تقدم أول السورة . وقيل : " يستغفر لكم " يستتبكم من النفاق ; لأن التوبة استغفار .ورأيتهم يصدون وهم مستكبرون أي يعرضون عن الرسول متكبرين عن الإيمان . وقرأ نافع " لووا " بالتخفيف . وشدد الباقون ; واختاره أبو عبيد وقال : هو فعل لجماعة . النحاس : وغلط في هذا ; لأنه نزل في عبد الله بن أبي لما قيل له : تعال يستغفر لك رسول الله صلى الله عليه وسلم - حرك رأسه استهزاء . فإن قيل : كيف أخبر عنه بفعل الجماعة ؟ قيل له : العرب تفعل هذا إذا كنت عن الإنسان . أنشد سيبويه لحسان :ظننتم بأن يخفى الذي قد صنعتم وفينا رسول عنده الوحي واضعهوإنما خاطب حسان ابن الأبيرق في شيء سرقه بمكة . وقصته مشهورة . وقد يجوز أن يخبر عنه وعمن فعل فعله . وقيل : قال ابن أبي لما لوى رأسه : أمرتموني أن أومن فقد آمنت ، وأن أعطي زكاة مالي فقد أعطيت ; فما بقي إلا أن أسجد لمحمد .
﴿ تفسير الطبري ﴾
يقول تعالى ذكره: وإذا قيل لهؤلاء المنافقين تعالوا إلى رسول الله يستغفر لكم لووا رءوسهم، يقول حرّكوها وهزّوها استهزاء برسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم وباستغفاره وبتشديد الواو من ( لَوَّوْاْ ) قرأت القرّاء على وجه الخبر عنهم أنهم كرّروا هز رءوسهم وتحريكها، وأكثروا، إلا نافعًا فإنه قرأ ذلك بتخفيف الواو ( لَوَوْا ) على وجه أنهم فعلوا ذلك مرّة واحدة.والصواب من القول في ذلك قراءة من شدّد الواو لإجماع الحجة من القرّاء عليه.وقوله: ( وَرَأَيْتَهُمْ يَصُدُّونَ وَهُمْ مُسْتَكْبِرُونَ ) يقول تعالى ذكره: ورأيتهم يُعْرضون عما دُعوا إليه بوجوههم ( وَهُمْ مُسْتَكْبِرُونَ ) يقول وهم مستكبرون عن المصير إلى رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم ليستغفر لهم، وإنما عُنِي بهذه الآيات كلها فيما ذُكر، عبدُ الله بن أُبيّ ابن سَلُول، وذلك أنه قال لأصحابه: لا تُنْفِقُوا عَلَى مَنْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ حَتَّى يَنْفَضُّوا ، وقال: لَئِنْ رَجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الأَعَزُّ مِنْهَا الأَذَلَّ فسمع بذلك زيد بن أرقم، فأخبر به رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم، فدعاه رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم ، فسأله عما أخبر به عنه، فحلف أنه ما قاله، وقيل له: لو أتيت رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم، فسألته أن يستغفر لك، فجعل يلوي رأسه ويحرّكه استهزاء، ويعني ذلك أنه غير فاعل ما أشاروا به عليه، فأنزل الله عزّ وجلّ فيه هذه السورة من أوّلها إلى آخرها.وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل وجاءت الأخبار.* ذكر الرواية التي جاءت بذلك:حدثنا أبو كُرَيب، قال: ثنا يحيى بن آدم، قال: ثنا إسرائيل، عن أَبي إسحاق، عن زيد بن أرقم، قال: " خرجت مع عمي في غزاة، فسمعت عبد الله بن أُبيّ ابن سلول يقول لأصحابه: لا تنفقوا على من عند رسول الله حتى ينفضوا، لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجنّ الأعز منها الأذلّ؛ قال: فذكرت ذلك لعمي، فذكره عمي لرسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم، فأرسل إليّ، فحدثته، فأرسل إلى عبد الله عليًّا رضي الله عنه وأصحابه، فحلفوا ما قالوا، قال: فكذّبني رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم وصدّقه، فأصابني همّ لم يصبني مثله قطّ؛ فدخلت البيت، فقال لي عمي: ما أردت إلى أن كذّبك رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم ومقتك، قال: حتى أنزل الله عزّ وجلّ إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ قال: فبعث إليّ رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم، فقرأها، ثم قال: " إن الله عزَّ وَجَلَّ قَدْ صَدَّقَكَ يا زيد ".حدثنا أبو كُرَيْب والقاسم بن بشر بن معروف، قال: ثنا يحيى بن بكير ، قال: ثنا شعبة، قال الحكم: أخبرني، قال: سمعت محمد بن كعب القرظيّ قال: سمعت زيد بن أرقم قال: لما قال عبد الله بن أُبيّ ابن سلول ما قال: لا تنفقوا على من عند رسول الله حتى ينفضوا، وقال: لَئِنْ رَجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ قال: سمعته فأتيت رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم، فذكرت ذلك، فلاقى ناس من الأنصار، قال: وجاء هو فحلف ما قال ذلك، فرجعت إلى المنزل فنمت قال: فأتاني رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم أو بلغني ، فأتيت النبي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم، فقال: " إنَّ الله تَبَارَكَ وَتَعَالَى قَدْ صَدَّقَكَ وَعَذَرَكَ" قال: فنزلت الآية هُمُ الَّذِينَ يَقُولُونَ لا تُنْفِقُوا عَلَى مَنْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ ... الآية.حدثنا أبو كُرَيب، قال: ثنا هاشم أبو النضر، عن شعبة، عن الحكم، قال: سمعت محمد بن كعب القرظي، قال : سمعت زيد بن أرقم يحدّث بهذا الحديث.حدثنا محمد بن المثنى، قال: ثنا محمد بن جعفر، قال: ثنا شعبة، عن الحكم، عن محمد بن كعب القرظي، عن زيد بن أرقم، قال: " كنا مع رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم في غزوة، فقال عبد الله بن أُبيّ ابن سلول لَئِنْ رَجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الأَعَزُّ مِنْهَا الأَذَلَّ قال: فأتيت النبيّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم فأخبرته، فحلف عبد الله بن أُبيّ إنه لم يكن شيء من ذلك، قال: فلامني قومي وقالوا : ما أردتّ إلى هذا، قال: فانطلقت فنمت كئيبًا أو حزينًا، قال: فأرسل إليّ نبيّ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم، أو أتيت رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم، فقال: " إنَّ الله قَدْ أنزلَ عُذْرَكَ وَصَدَّقَكَ"، قال: ونزلت هذه الآية: هُمُ الَّذِينَ يَقُولُونَ لا تُنْفِقُوا عَلَى مَنْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ حَتَّى يَنْفَضُّوا ... حتى بلغ لَئِنْ رَجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الأَعَزُّ مِنْهَا الأَذَلَّ .حدثنا ابن المثنى، قال: ثنا ابن أَبي عديّ، قال: أخبرني ابن عون، عن محمد، قال: " سمعها زيد بن أرقم فرفعها إلى وليه، قال: فرفعها وَليه إلى النبي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم، قال: فقيل لزيد: وَفَتْ أذنك ".حدثنا أحمد بن منصور الرّمَادي، قال: ثنا إبراهيم بن الحكم بن أبان، قال: ثني أبي، قال: ثني بشير بن مسلم " أنه قيل لعبد الله بن أُبيّ ابن سلول: يا أبا حباب إنه قد أنزل فيك آي شداد، فأذهب إلى رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم يستغفر لك، فلوى رأسه وقال: أمرتموني أن أومن فآمنت، وأمرتموني أن أعطي زكاة مالي فأعطيت، فما بقي إلا أن أسجد لمحمد ".حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة "( وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا يَسْتَغْفِرْ لَكُمْ رَسُولُ اللَّهِ لَوَّوْا ) ... الآية كلها قرأها إلى الْفَاسِقِينَ أنزلت في عبد الله بن أُبيّ، وذلك أن غلامًا من قرابته انطلق إلى رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم فحدّثه بحديث عنه وأمر شديد، فدعاه رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم، فإذا هو يحلف ويتبرأ من ذلك، وأقبلت الأنصار على ذلك الغلام، فلاموه وعَذَلوه وقيل لعبد الله: لو أتيت رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم، فجعل يلوي رأسه: أي لستُ فاعلا وكذب عليّ، فأنزل الله ما تسمعون ".حدثني محمد بن عمرو ، قال: ثنا أَبو عاصم، قال: ثنا عيسى؛ وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعًا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قوله: ( وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا يَسْتَغْفِرْ لَكُمْ رَسُولُ اللَّهِ لَوَّوْا رُءُوسَهُمْ ) قال: عبد الله بن أُبَيّ، قيل له: تعالَ ليستغفر لك رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم ، فلوى رأسه وقال: ماذا قلت؟.حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة، قال: قال له قومه: لو أتيت النبيّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم فاستغفر لك، فجعل يلوي رأسه، فنزلت فيه ( وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا يَسْتَغْفِرْ لَكُمْ رَسُولُ اللَّهِ ) .
﴿ وإذا قيل لهم تعالوا يستغفر لكم رسول الله لووا رءوسهم ورأيتهم يصدون وهم مستكبرون ﴾