" فلما آسفونا "، أغضبونا، " انتقمنا منهم فأغرقناهم أجمعين "
﴿ تفسير الوسيط ﴾
ثم بين- سبحانه- سوء عاقبتهم فقال: فَلَمَّا آسَفُونا انْتَقَمْنا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْناهُمْ أَجْمَعِينَ. فَجَعَلْناهُمْ سَلَفاً وَمَثَلًا لِلْآخِرِينَ.وقوله: آسَفُونا أى: أغضبونا أشد الغضب، من أسف فلان أسفا، إذا اشتد غضبه وسَلَفاً أى: قدوة لمن بعدهم من الكفار في استحقاق مثل عقوبتهم. وهو مصدر وصف به على سبيل المبالغة، ولذا يطلق على القليل والكثير. يقال: سلفه الشيء سلفا، إذا تقدم ومضى. وفلان سلف له عمل صالح، أى: تقدم له عمل صالح ومنه: الأسلاف، أى:المتقدمون على غيرهم.أى: فلما أغضبنا فرعون وقومه أشد الغضب، بسبب إصرارهم على الكفر والفسوق والعصيان، انتقمنا منهم انتقاما شديدا، حيث أغرقناهم أجمعين في اليم.
﴿ تفسير ابن كثير ﴾
قال الله تعالى : ( فلما آسفونا انتقمنا منهم فأغرقناهم أجمعين ) ، قال علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس : ( آسفونا ) أسخطونا .وقال الضحاك ، عنه : أغضبونا . وهكذا قال ابن عباس أيضا ، ومجاهد ، وعكرمة ، وسعيد بن جبير ، ومحمد بن كعب القرظي ، وقتادة ، والسدي ، وغيرهم من المفسرين .وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبو عبيد الله ابن أخي ابن وهب ، حدثنا عمي ، حدثنا ابن لهيعة ، عن عقبة بن مسلم التجيبي عن عقبة بن عامر أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : " إذا رأيت الله عز وجل يعطي العبد ما شاء ، وهو مقيم على معاصيه ، فإنما ذلك استدراج منه له " ثم تلا ( فلما آسفونا انتقمنا منهم ) .وحدثنا أبي ، حدثنا يحيى بن عبد الحميد الحماني ، حدثنا قيس بن الربيع ، عن قيس بن مسلم ، عن طارق بن شهاب قال : كنت عند عبد الله فذكر عنده موت الفجأة ، فقال : تخفيف على المؤمن ، وحسرة على الكافر . ثم قرأ : ( فلما آسفونا انتقمنا منهم ) .وقال عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه : وجدت النقمة مع الغفلة ، يعني قوله : ( فلما آسفونا انتقمنا منهم فأغرقناهم أجمعين ) .
﴿ تفسير القرطبي ﴾
قوله تعالى : فلما آسفونا انتقمنا منهم فأغرقناهم أجمعين .قوله تعالى : فلما آسفونا انتقمنا منهم روى الضحاك عن ابن عباس : أي : غاظونا وأغضبونا . وروى عنه علي بن أبي طلحة : أي : أسخطونا . قال الماوردي : ومعناهما مختلف ، والفرق بينهما أن السخط إظهار الكراهة ، والغضب إرادة الانتقام . القشيري : والأسف هاهنا بمعنى الغضب ، والغضب من الله إما إرادة العقوبة فيكون من صفات الذات ، وإما عين العقوبة فيكون من صفات الفعل ، وهو معنى قول الماوردي . وقال عمر بن ذر : يا أهل معاصي الله ، لا تغتروا بطول حلم الله عنكم ، واحذروا أسفه ، فإنه قال : فلما آسفونا انتقمنا منهم وقيل : آسفونا أي : أغضبوا رسلنا وأولياءنا المؤمنين ، نحو السحرة وبني إسرائيل . وهو كقوله تعالى : يؤذون الله ويحاربون الله أي : أولياءه ورسله .
﴿ تفسير الطبري ﴾
يقول الله تبارك وتعالى: ( فَلَمَّا آسَفُونَا ) يعني بقوله: آسفونا: أغضبونا.وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.* ذكر من قال ذلك:حدثني عليّ, قال: ثنا أبو صالح, قال: ثني معاوية, عن عليّ, عن ابن عباس, قوله ( فَلَمَّا آسَفُونَا ) يقول: أسخطونا.حدثني محمد بن سعد, قال: ثني أبي, قال: ثني عمي, قال: ثني أبي, عن أبيه, عن ابن عباس,( فَلَمَّا آسَفُونَا ) يقول: لما أغضبونا.حدثني محمد بن عمرو, قال: ثنا أبو عاصم, قال: ثنا عيسى; وحدثني الحارث, قال: ثنا الحسن, قال: ثنا ورقاء جميعا, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد ( فَلَمَّا آسَفُونَا ) : أغضبونا.حدثنا بشر, قال: ثنا يزيد, قال: ثنا سعيد, عن قتادة, قوله: ( فَلَمَّا آسَفُونَا ) قال: أغضبوا ربهم.حدثنا ابن عبد الأعلى, قال ثنا ابن ثور, عن معمر, عن قتادة ( فَلَمَّا آسَفُونَا ) قال: أغضبونا.حدثنا محمد, قال: ثنا أحمد, قال: ثنا أسباط, عن السديّ( فَلَمَّا آسَفُونَا ) قال: أغضبونا, وهو على قول يعقوب: يَا أَسَفَى عَلَى يُوسُفَ قال: يا حَزني على يوسف.حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, في قوله: ( فَلَمَّا آسَفُونَا انْتَقَمْنَا مِنْهُمْ ) قال: أغضبونا, وقوله: ( انْتَقَمْنَا مِنْهُمْ ) يقول: انتقمنا منهم بعاجل العذاب الذي عجلناه لهم, فأغرقناهم جميعا في البحر.