وأطيعوا ربكم وتوبوا إليه حتى لا تندم نفس وتقول: يا حسرتى على ما ضيَّعت في الدنيا من العمل بما أمر الله به، وقصَّرت في طاعته وحقه، وإن كنت في الدنيا لمن المستهزئين بأمر الله وكتابه ورسوله والمؤمنين به.
﴿ تفسير الجلالين ﴾
فبادروا قبل «أن تقول نفسٌ يا حسرتى» أصله يا حسرتي، أي ندامتي «على ما فرطت في جنب الله» أي طاعته «وإن» مخففة من الثقيلة، وإني «كنت لمن الساخرين» بدينه وكتابه.
﴿ تفسير السعدي ﴾
ثم حذرهم أَن يستمروا على غفلتهم، حتى يأتيهم يوم يندمون فيه، ولا تنفع الندامة.و تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَى عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ أي: في جانب حقه. وَإِنْ كُنْت في الدنيا لَمِنَ السَّاخِرِينَ في إتيان الجزاء، حتى رأيته عيانا.
﴿ تفسير البغوي ﴾
( أن تقول نفس ) يعني : لئلا تقول نفس ، كقوله : " وألقى في الأرض رواسي أن تميد بكم " ( النحل - 15 ) أي : لئلا تميد بكم . قال المبرد : أي بادروا واحذروا أن تقول نفس . وقال الزجاج : خوف أن تصيروا إلى حال تقولون هذا القول . ( ياحسرتا ) يا ندامتا ، والتحسر الاغتمام على ما فات ، وأراد : يا حسرتي ، على الإضافة ، لكن العرب تحول ياء الكناية ألفا في الاستغاثة ، فتقول : يا حسرتا ويا ندامتا ، وربما ألحقوا بها الياء بعد الألف ليدل على الإضافة . وكذلك قرأ أبو جعفر ) ( يا حسرتاي ) ، وقيل : معنى قوله : " ياحسرتا " يا أيتها الحسرة هذا وقتك ، ( على ما فرطت في جنب الله ) قال الحسن : قصرت في طاعة الله . وقال مجاهد : في أمر الله . وقال سعيد بن جبير : في حق الله . وقيل : ضيعت في ذات الله . وقيل : معناه قصرت في الجانب الذي يؤدي إلى رضاء الله . والعرب تسمي الجنب جانبا ) . ( وإن كنت لمن الساخرين ) المستهزئين بدين الله وكتابه ورسوله والمؤمنين . قال قتادة : لم يكفه أن ضيع طاعة الله حتى جعل يسخر بأهل طاعته .
﴿ تفسير الوسيط ﴾
وقوله: أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يا حَسْرَتى عَلى ما فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ في موضع المفعول لأجله بتقدير مضاف محذوف.أى: اتبعوا ما أمرناكم به، واحذروا ما نهيناكم عنه، كراهة أن تقول نفس يوم القيامة يا حَسْرَتى أى: يا ندامتي عَلى ما فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ ... أى: بسبب تفريطي وتقصيرى في طاعة الله، وفي حقه- تعالى-.وأصل الجنب والجانب: الجهة المحسوسة للشيء، وأطلق على الطاعة على سبيل المجاز، حيث شبهت بالجهة. بجامع تعلق كل منهما- أى الجانب والطاعة- بصاحبه. إذ الطاعة لها تعلق بالله- تعالى-. كما أن الجهة لها تعلق بصاحبها.قال صاحب الكشاف: فإن قلت: لم نكرت «نفس» .؟ قلت: لأن المراد بها بعض الأنفس وهي نفس الكافر. ويجوز أن يكون نفس متميزة من الأنفس: إما بلجاج في الكفر شديد، أو بعذاب عظيم، ويجوز أن يراد التكثير، كما قال الأعشى:دعا قومه حولي فجاءوا لنصره ... وناديت قوما بالمسناة غيباورب بقيع لو هتفت بجوه ... أتانى كريم ينفض الرأس مغضباوهو يريد: أفواجا من الكرام ينصرونه، لا كريما واحدا.. .وجملة: وَإِنْ كُنْتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ في محل نصب على الحال. أى: فرطت في جنب الله وطاعته، والحال أنى لم أكن إلا من الساخرين بدينه، المستهزئين بأتباع هذا الدين الحق.قال قتادة: لم يكفه أنه ضيع طاعة الله حتى سخر من أهلها.
﴿ تفسير ابن كثير ﴾
ثم قال : ( أن تقول نفس يا حسرتى على ما فرطت في جنب الله ) أي : يوم القيامة يتحسر المجرم المفرط في التوبة والإنابة ، ويود لو كان من المحسنين المخلصين المطيعين لله - عز وجل - .وقوله : ( وإن كنت لمن الساخرين ) أي : إنما كان عملي في الدنيا عمل ساخر مستهزئ غير موقن مصدق .
﴿ تفسير القرطبي ﴾
قوله تعالى : أن تقول نفس أن في موضع نصب أي : كراهة أن تقول . وعند الكوفيين لئلا تقول وعند البصريين حذر أن تقول . وقيل : أي : من قبل أن تقول نفس لأنه قال قيل هذا : من قبل أن يأتيكم العذاب الزمخشري : فإن قلت : لم نكرت ؟ قلت : لأن المراد بها بعض الأنفس وهي نفس الكافر . ويجوز أن يريد نفسا متميزة من الأنفس ، إما بلجاج في الكفر شديد ، أو بعقاب عظيم . ويجوز أن يراد التكثير كما قال الأعشى :ورب بقيع لو هتفت بجوه أتاني كريم ينفض الرأس مغضباوهو يريد أفواجا من الكرام ينصرونه لا كريما واحدا ، ونظيره : رب بلد قطعت ، ورب بطل قارعت ، ولا يقصد إلا التكثير . يا حسرتا والأصل " يا حسرتي " فأبدل من الياء ألف ; لأنها أخف وأمكن في الاستغاثة بمد الصوت ، وربما ألحقوا بها الهاء ، أنشد الفراء :يا مرحباه بحمار ناجيه إذا أتى قربته للسانيهوربما ألحقوا بها الياء بعد الألف ، لتدل على الإضافة . وكذلك قرأها أبو جعفر : " يا حسرتاي " والحسرة الندامةعلى ما فرطت في جنب الله قال الحسن : في طاعة الله . وقال الضحاك : أي : في ذكر الله عز وجل . قال : يعني القرآن والعمل به . وقال أبو عبيدة : في جنب الله أي : في ثواب الله . وقال الفراء : الجنب القرب والجوار ، يقال : فلان يعيش في جنب فلان أي : في جواره ، ومنه والصاحب بالجنب أي : ما فرطت في طلب جواره وقربه وهو الجنة . وقال الزجاج : أي : على ما فرطت في الطريق الذي هو طريق الله الذي دعاني إليه . والعرب تسمي السبب والطريق إلى الشيء جنبا ، تقول : تجرعت في جنبك غصصا ، أي : لأجلك وسببك ولأجل مرضاتك . وقيل : في جنب الله أي : في الجانب الذي يؤدي إلى رضا الله - عز وجل - وثوابه ، والعرب تسمي الجانب جنبا ، قال الشاعر :قسم مجهودا لذاك القلب الناس جنب والأمير جنبيعني الناس من جانب والأمير من جانب . وقال ابن عرفة : أي : تركت من أمر الله ، يقال : ما فعلت ذلك في جنب حاجتي ، قال كثير :ألا تتقين الله في جنب عاشق له كبد حرى عليك تقطعوكذا قال مجاهد ، أي : ضيعت من أمر الله . ويروى عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : ما جلس رجل مجلسا ، ولا مشى ممشى ، ولا اضطجع مضطجعا لم يذكر الله - عز وجل - فيه إلا كان عليه ترة يوم القيامة أي : حسرة ، خرجه أبو داود بمعناه . وقال إبراهيم التيمي : من الحسرات يوم القيامة أن يرى الرجل ماله الذي آتاه الله في الدنيا يوم القيامة في ميزان غيره ، قد ورثه وعمل فيه بالحق ، كان له أجره وعلى الآخر وزره ، ومن الحسرات أن يرى الرجل عبده الذي خوله الله إياه في الدنيا أقرب منزلة من الله عز وجل ، أو يرى رجلا يعرفه أعمى في الدنيا قد أبصر يوم القيامة وعمي هو .وإن كنت لمن الساخرين أي وما كنت إلا من المستهزئين بالقرآن وبالرسول في الدنيا وبأولياء الله تعالى . قال قتادة : لم يكفه أن ضيع طاعة الله حتى سخر من أهلها . ومحل " إن كنت " النصب على الحال ، كأنه قال : فرطت وأنا ساخر ، أي : فرطت في حال سخريتي . وقيل : وما كنت إلا في سخرية ولعب وباطل ، أي : ما كان سعيي إلا في عبادة غير الله تعالى .
﴿ تفسير الطبري ﴾
القول في تأويل قوله تعالى : أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَا عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ وَإِنْ كُنْتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ (56)يقول تعالى ذكره: وأنيبوا إلى ربكم, وأسلموا له ( أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ ) بمعنى لئلا تقول نفس ( يَا حَسْرَتَا عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ ) , وهو نظير قوله: وَأَلْقَى فِي الأَرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ بمعنى: أن لا تميد بكم, فأن, إذ كان ذلك معناه, في موضع نصب.وقوله ( يَا حَسْرَتَا ) يعني أن تقول: يا ندما.كما حدثني محمد بن الحسين, قال: ثني أحمد بن المفضل, قال: ثنا أسباط, عن السديّ في قوله: ( يَا حَسْرَتَا ) قال: الندامة, والألف في قوله ( يَا حَسْرَتَا ) هي كناية المتكلم, وإنما أريد: يا حسرتي ، ولكن العرب تحوّل الياء فى كناية اسم المتكلم في الاستغاثة ألفا, فتقول: يا ويلتا, ويا ندما, فيخرجون ذلك على لفظ الدعاء, وربما قيل: يا حسرة على العباد, كما قيل: يا لهف, ويا لهفا عليه, وذكر الفراء أن أبا ثَرْوان أنشده:تَزُورُونَهَا وَلا أزُورُ نِسَاءَكُمْألْهفَ لأوْلادِ الإماء الحَوَاطِبِ (4)خفضا كما يخفض في النداء إذا أضافه المتكلم إلى نفسه, وربما أدخلوا الهاء بعد هذه الألف, فيخفضونها أحيانا, ويرفعونها أحيانا، وذكر الفراء أن بعض بني أسد أنشد:يَا رَبّ يا رَبَّاهُ إيَّاكَ أسَلْعَفْرَاءَ يا رَبَّاهُ مِنْ قَبْلِ الأجَلْ (5)خفضا, قال: والخفض أكثر في كلامهم, إلا في قولهم: يا هَناه, ويا هَنْتاه, فإن الرفع فيها أكثر من الخفض, لأنه كثير في الكلام, حتى صار كأنه حرف واحد.وقوله: ( عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ ) يقول على ما ضيعت من العمل بما أمرني الله به, وقصرت في الدنيا في طاعة الله.وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.* ذكر من قال ذلك:حدثنا ابن حميد, قال. ثنا حكام, عن عنبسة, عن محمد بن عبد الرحمن, عن القاسم بن أبي بزّة, عن مجاهد في قوله ( يَا حَسْرَتَا عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ ) يقول: في أمر الله.حدثني محمد بن عمرو, قال: ثنا أبو عاصم, قال: ثنا عيسى؛ وحدثني الحارث, قال: ثنا الحسن, قال. ثنا ورقاء جميعا، عن أبن أبي نجيح, عن مجاهد, في قول الله: ( عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ ) قال: في أمر الله.حدثنا محمد, قال. ثنا أحمد قال ثنا أسباط, عن السديّ, في قوله: ( عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ ) قال: تركت من أمر الله.وقوله: ( وَإِنْ كُنْتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ ) يقول: وإن كنت لمن المستهزئين بأمر الله وكتابه ورسوله والمؤمنين به.وبنحو الذي قلنا فى ذلك قال أهل التأويل.* ذكر من قال ذلك:حدثنا بشر, قال: ثنا يزيد, قال: ثنا سعيد, عن قتاده في قوله: ( أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَا عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ وَإِنْ كُنْتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ ) قال: فلم يكفه أن ضيع طاعة الله حتى جعل يسخر بأهل طاعة الله, قال: هذا قول صنف منهم.حدثنا محمد, قال. ثنا أحمد, قال ثنا أسباط, عن السديّ( وَإِنْ كُنْتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ ) يقول: من المستهزئين بالنبيّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم وبالكتاب, وبما جاء به.------------------------الهوامش:(4) البيت لأبي ثروان العكلي . وهو من شواهد الفراء في معاني القرآن ( الورقة 285 ) قال : وقوله" يا حسرتا ، يا ويلتا" مضاف إلى المتكلم : يحول العرب الياء إلى الألف في كل كلام كان معناه الاستغاثة ، يخرج على لفظ الدعاء . وربما قالوا : يا حسرة ، كما قالوا : يا لهف على فلان ، ويا لهفا عليه . قال : أنشدني أبو ثروان العكلي : تزورونها ولا أزور .... البيت" ا ه . فخفض كما يخفض المنادي إذا أضافه المتكلم إلى نفسه . والإماء : الجواري من الرقيق يتخذن للخدمة والعمل عند ساداتهم واحدها أمة . والحواطب : جمع حاطبة ، وهي التي ترسل في جمع الحطب للوقود . واللهف بسكون الهاء وفتحها : الأسف والحزن والغيظ .(5) البيت من شواهد الفراء في معاني القرآن ( الورقة 286 ) قال بعد كلامه الذي نقلناه في الشاهد السابق في إعراب المضاف إلى ياء المتكلم بعد حذف الياء ، أو قلبها ألفا : وربما أدخلت العرب الهاء ( التي للسكت ) بعد الألف التي في" حسرتا" فيخفضونها مرة ، ويرفعونها . قال : أنشدني أبو فقعس لبعض بن أسد :" يا رب يا رباه أسل ... البيتين" . فخفض . قال : وأنشدني أبو فقعس :يا مَرْحباهُ بِجِمارِ ناهِيةْذَا أتى قَرَّبْتُهُ للسَّانِيَهْوالخفض أكثر في كلام العرب إلا في قولهم : يا هناه ، ويا هنيتاه ، والرفع في هذا أكثر من الخفض ، لأنه كثير في الكلام ، فكأنه حرف واحد مدعو (أي كأن اللفظ كله صار كلمة واحدة في النداء) . وفي خزانة الأدب الكبرى للبغدادي ( 3 : 263 ) : وهذا من رجز أورده أبو محمد الأسود الأعرابي في ضالة الأديب ، ولم ينسبه إلى أحد . وفيها أيضا : وقال الزمخشري في المفصل : وحق هاء السكت أن تكون ساكنة ،وتحريكها لحن ، نحو ما في إصلاح المنطق لابن السكيت ، من قوله :* يا مرحباه بجمار ناجيه ، مما لا معرج عليه للقياس ، واستعمال الفصحاء . ومعذرة من قال ذلك : أنه أجرى الوصل مجرى الوقف ، مع تشبيه هاء الوقف بهاء الضمير . ا ه
﴿ أن تقول نفس ياحسرتا على ما فرطت في جنب الله وإن كنت لمن الساخرين ﴾