يرث نبوَّتي ونبوة آل يعقوب، واجعل هذا الولد مرضيًا منك ومن عبادك.
﴿ تفسير الجلالين ﴾
«يَرثني» بالجزم جواب الأمر وبالرفع صفة وليا «ويرث» بالوجهين «من آل يعقوب» جدّي، العلم والنبوة «واجعله رب رضيا» أي: مرضيا عندك. قال تعالى في إجابة طلبه الابن الحاصل به رحمته:
﴿ تفسير السعدي ﴾
يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيًّا ْأي: عبدا صالحا ترضاه وتحببه إلى عبادك، والحاصل أنه سأل الله ولدا، ذكرا، صالحا، يبق بعد موته، ويكون وليا من بعده، ويكون نبيا مرضيا عند الله وعند خلقه، وهذا أفضل ما يكون من الأولاد، ومن رحمة الله بعبده، أن يرزقه ولدا صالحا، جامعا لمكارم الأخلاق ومحامد الشيم. فرحمه ربه واستجاب دعوته
﴿ تفسير البغوي ﴾
( يرثني ويرث من آل يعقوب ) قرأ أبو عمرو والكسائي : بجزم الثاء فيهما ، على جواب الدعاء ، وقرأ الآخرون بالرفع على الحال والصفة ، أي : وليا وارثا .واختلفوا في هذا الإرث; قال الحسن : معناه يرثني مالي ويرث من آل يعقوب النبوة والحبورة .وقيل : أراد ميراث النبوة والعلم .وقيل : أراد إرث الحبورة ، لأن زكريا كان رأس الأحبار .قال الزجاج : والأولى أن يحمل على ميراث غير المال؛ لأنه يبعد أن يشفق زكريا وهو نبي من الأنبياء أن يرثه بنو عمه ماله .والمعنى : أنه خاف تضييع بني عمه دين الله وتغيير أحكامه على ما كان شاهده من بني إسرائيل ، من تبديل الدين وقتل الأنبياء ، فسأل ربه وليا صالحا يأمنه على أمته ويرث نبوته وعلمه لئلا يضيع الدين . وهذا معنى قول عطاء عن ابن عباس رضي الله عنهما .( واجعله رب رضيا ) أي برا تقيا مرضيا .
﴿ تفسير الوسيط ﴾
والمراد بالوراثة في قوله يَرِثُنِي وراثة العلم والنبوة والصفات الحميدة.قال الإمام ابن كثير ما ملخصه: «وقوله: وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوالِيَ مِنْ وَرائِي قرأ الأكثرون بنصب الياء من الموالي على أنه مفعول، وعن الكسائي أنه سكن الياء..ووجه خوفه أنه خشي أن يتصرفوا من بعده في الناس تصرفا سيئا. فسأل الله ولدا يكون نبيا من بعده ليسوسهم بنبوته.. لا أنه خشي من وراثتهم له ماله. فإن النبي أعظم منزلة وأجل قدرا من أن يشفق على ماله إلى هذا الحد، وأن يأنف من وراثة عصبته له، ويسأل أن يكون له ولد ليحوز ميراثه دونهم.وقد ثبت في الصحيحين من غير وجه أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «لا نورث ما تركنا صدقة» وفي رواية عند الترمذي بإسناد صحيح: «نحن معاشر الأنبياء لا نورث» .وعلى هذا فتعين حمل قوله فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا يَرِثُنِي على ميراث النبوة ولهذا قال: وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ كقوله: وَوَرِثَ سُلَيْمانُ داوُدَ أى: في النبوة، إذ لو كان في المال لما خصه من بين إخوته بذلك، ولما كان في الإخبار بذلك كبير فائدة، إذ من المعلوم المستقر في جميع الشرائع والملل، أن الولد يرث أباه، فلولا أنها وراثة خاصة لما أخبر بها، وكل هذا يقرره ويثبته ما صح في الحديث: «نحن معاشر الأنبياء لا نورث، ما تركنا فهو صدقة» .وقال بعض العلماء ما ملخصه: ومعنى يَرِثُنِي أى: إرث علم ونبوة، ودعوة إلى الله والقيام بدينه، لا إرث مال، ويدل لذلك أمران:أحدهما قوله: وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ ومعلوم أن آل يعقوب انقرضوا من زمان، فلا يورث عنهم إلا العلم والنبوة والدين.والأمر الثاني ما جاء من الأدلة أن الأنبياء- صلوات الله وسلامه عليهم- لا يورث عنهم المال، وإنما يورث عنهم العلم والدين، فمن ذلك ما أخرجه الشيخان عن أبى بكر الصديق أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «لا نورث ما تركنا صدقة» .ثم بين القرآن الكريم أن الله- تعالى- قد أجاب بفضله وكرمه دعاء عبده زكريا. كما بين ما قاله زكريا عند ما بشره ربه بغلام اسمه يحيى فقال- تعالى-:
﴿ تفسير ابن كثير ﴾
قال مجاهد في قوله : ( يرثني ويرث من آل يعقوب ) قال : كان وراثته علما وكان زكريا من ذرية يعقوب .وقال هشيم : أخبرنا إسماعيل بن أبي خالد ، عن أبي صالح في قوله : ( يرثني ويرث من آل يعقوب ) قال : قد يكون نبيا كما كانت آباؤه أنبياء .وقال عبد الرزاق ، عن معمر ، عن قتادة ، عن الحسن : يرث نبوته وعلمه .وقال السدي : يرث نبوتي ونبوة آل يعقوب .وعن مالك ، عن زيد بن أسلم : ( ويرث من آل يعقوب ) قال : نبوتهم .وقال جابر بن نوح ويزيد بن هارون ، كلاهما عن إسماعيل بن أبي خالد ، عن أبي صالح في قوله : ( يرثني ويرث من آل يعقوب ) قال : يرث مالي ، ويرث من آل يعقوب النبوة .وهذا اختيار ابن جرير في تفسيره .وقال عبد الرزاق : أخبرنا معمر ، عن قتادة : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " يرحم الله زكريا ، وما كان عليه من ورثة ، ويرحم الله لوطا ، إن كان ليأوي إلى ركن شديد "وقال ابن جرير : حدثنا أبو كريب ، حدثنا جابر بن نوح ، عن مبارك - هو ابن فضالة - عن الحسن قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " رحم الله أخي زكريا ، ما كان عليه من ورثة ماله حين يقول : ( فهب لي من لدنك وليا يرثني ويرث من آل يعقوب )وهذه مرسلات لا تعارض الصحاح ، والله أعلم .وقوله : ( واجعله رب رضيا ) أي مرضيا عندك وعند خلقك ، تحبه وتحببه إلى خلقك في دينه وخلقه .
﴿ تفسير القرطبي ﴾
قوله تعالى : يرثني ويرث من آل يعقوب واجعله رب رضيا فيه أربع مسائل :الأولى : قوله تعالى : يرثني قرأ أهل الحرمين والحسن وعاصم وحمزة ( يرثني ويرث ) بالرفع فيهما . وقرأ يحيى بن يعمر وأبو عمرو ويحيى بن وثاب والأعمش والكسائي بالجزم فيهما ، وليس هما جواب ( هب ) على مذهب سيبويه ، إنما تقديره إن تهبه يرثني ويرث ؛ والأول أصوب في المعنى لأنه طلب وارثا موصوفا ؛ أي هب لي من لدنك الولي الذي هذه حاله وصفته ؛ لأن الأولياء منهم من لا يرث ؛ فقال : هب لي الذي يكون وارثي ؛ قاله أبو عبيد ؛ ورد قراءة الجزم ؛ قال : لأن معناه إن وهبت ورث ، وكيف يخبر الله - عز وجل - بهذا وهو أعلم به منه ؟ ! النحاس : وهذه حجة متقصاة ؛ لأن جواب الأمر عند النحويين فيه معنى الشرط والمجازاة ؛ تقول : أطع الله يدخلك الجنة ؛ أي إن تطعه يدخلك الجنة .الثانية : قال النحاس : فأما معنى يرثني ويرث من آل يعقوب فللعلماء فيه ثلاثة أجوبة ؛ قيل : هي وراثة نبوة . وقيل : وراثة حكمة . وقيل : هي وراثة مال . فأما قولهم وراثة نبوة فمحال ؛ لأن النبوة لا تورث ، ولو كانت تورث لقال قائل : الناس ينتسبون إلى نوح - عليه السلام - وهو نبي مرسل . ووراثة العلم والحكمة مذهب حسن ؛ وفي الحديث العلماء ورثة الأنبياء . وأما وراثة المال فلا يمتنع ، وإن كان قوم قد أنكروه لقول النبي - صلى الله عليه وسلم - : لا نورث ، ما تركنا صدقة فهذا لا حجة فيه ؛ لأن الواحد يخبر عن نفسه بإخبار الجمع . وقد يؤول هذا بمعنى : لا نورث ، الذي تركناه صدقة ؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يخلف شيئا يورث عنه ؛ وإنما كان الذي أباحه الله - عز وجل - إياه في حياته بقوله تبارك اسمه : واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه وللرسول لأن معنى لله لسبيل الله ، ومن سبيل الله ما يكون في مصلحة الرسول - صلى الله عليه وسلم - ما دام حيا ؛ فإن قيل : ففي بعض الروايات إنا معاشر الأنبياء لا نورث ، ما تركنا صدقة ففيه التأويلان جميعا ؛ أن يكون ( ما ) بمعنى الذي .والآخر لا يورث من كانت هذه حاله . وقال أبو عمر : واختلف العلماء في تأويل قوله - عليه السلام - : لا نورث ما تركنا صدقة على قولين : أحدهما : وهو الأكثر وعليه الجمهور أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لا يورث وما ترك صدقة . والآخر : أن نبينا - عليه الصلاة والسلام - لم يورث ؛ لأن الله تعالى خصه بأن جعل ماله كله صدقة زيادة في فضيلته ، كما خص في النكاح بأشياء أباحها له وحرمها على غيره ؛ وهذا القول قاله بعض أهل البصرة منهم ابن علية ، وسائر علماء المسلمين على القول الأول .الثالثة : قوله تعالى : من آل يعقوب قيل : هو يعقوب بن إسرائيل ، وكان زكريا متزوجا بأخت مريم بنت عمران ، ويرجع نسبها إلى يعقوب ؛ لأنها من ولد سليمان بن داود وهو من ولد يهوذا بن يعقوب ، وزكريا من ولد هارون أخي موسى ، وهارون وموسى من ولد لاوي بن يعقوب ، وكانت النبوة في سبط يعقوب بن إسحاق . وقيل : المعني بيعقوب هاهنا يعقوب بن ماثان أخو عمران بن ماثان أبي مريم أخوان من نسل سليمان بن داود - عليهما السلام - ؛ لأن يعقوب وعمران ابنا ماثان ، وبنو ماثان رؤساء بني إسرائيل ؛ قاله مقاتل وغيره . وقال الكلبي : وكان آل يعقوب أخواله ، وهو يعقوب بن ماثان ، وكان فيهم الملك ، وكان زكريا من ولد هارون بن عمران أخي موسى . وروى قتادة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : يرحم الله - تعالى - زكريا ما كان عليه من ورثته . ولم ينصرف يعقوب لأنه أعجمي .الرابعة : قوله تعالى : واجعله رب رضيا أي مرضيا في أخلاقه وأفعاله . وقيل : راضيا بقضائك وقدرك . وقيل : رجلا صالحا ترضى عنه . وقال أبو صالح : نبيا كما جعلت أباه نبيا .
﴿ تفسير الطبري ﴾
وقوله: ( يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ ) يقول: يرثني من بعد وفاتي مالي، ويرث من آل يعقوب النبوة، وذلك أن زكريا كان من ولد يعقوب.وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.* ذكر من قال ذلك:حدثنا أبو كريب، قال: ثنا جابر بن نوح، عن إسماعيل، عن أبي صالح، قوله ( يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ ) يقول: يرث مالي، ويرث من آل يعقوب النبوّة.حدثنا مجاهد، قال: ثنا يزيد، قال: أخبرنا إسماعيل، عن أبي صالح في قوله ( يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ ) قال: يرث مالي، ويرث من آل يعقوب النبوّة.حدثني يعقوب، قال: ثنا هشيم، قال: أخبرنا إسماعيل بن أبي خالد، عن أبي صالح، في قوله ( يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ ) قال: يرثني مالي، ويرث من آل يعقوب النبوّة.حدثني يعقوب، قال: ثنا هشيم، قال: أخبرنا إسماعيل بن أبي خالد، عن أبي صالح، في قوله ( يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ ) قال: يكون نبيا كما كانت آباؤه أنبياء.حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى ، وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد ( يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ ) قال: وكان وراثته علما، وكان زكريا من ذرّية يعقوب.حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد، قال : كان وراثته علما، وكان زكريا من ذرية يعقوب.حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قتادة، عن الحسن، في قوله ( يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ ) قال: نبوّته وعلمه.حدثنا أبو كريب، قال: ثنا جابر بن نوح، عن مبارك، عن الحسن، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " رَحِمَ اللهُ أخِي زَكَرِيَّا، ما كانَ عَلَيْهِ مِنْ وَرَثَةِ مالِهِ حِينَ يَقُولُ فَهَبْ لي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا، يَرِثُنِي وَيَرِثْ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ".حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله ( يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ ) قال: كان الحسن يقول: يرث نبوّته وعلمه. قال قتادة: ذُكر لنا " أن نبيّ الله صلى الله عليه وسلم كان إذا قرأ هذه الآية، وأتى على ( يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ ) قال: رحم الله زكريا ما كان عليه من ورثته ".حدثنا الحسن، قال أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قتادة، أن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: " يَرْحَمُ اللهُ زكَرِيَّا ومَا عَلَيْهِ مِنْ وَرَثَتِهِ، وَيَرْحَمُ اللهُ لُوطا إنْ كانَ لَيَأْوِي إلى رُكْنٍ شَدِيدٍ".حدثني موسى، قال: ثنا عمرو، قال: ثنا أسباط، عن السديّ(فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ ) قال: يرث نبوّتي ونبوّة آل يعقوب.واختلفت القرّاء في قراءة قوله: ( يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ ) فقرأت ذلك عامَّة قرّاء المدينة ومكة وجماعة من أهل الكوفة:( يَرِثُنِي وَيَرِثُ ) برفع الحرفين كليهما، بمعنى فهب الذي يرثني ويرث من آل يعقوب، على أن يرثني ويرث من آل يعقوب، من صله الوليّ. وقرأ ذلك جماعة من قرّاء أهل الكوفة والبصرة: ( يَرِثُنِي وَيَرِثْ ) بجزم الحرفين على الجزاء والشرط، بمعنى: فهب لي من لدنك وليا فإنه يرثني إذا وهبته لي. وقال الذين قرءوا ذلك كذلك: إنما حسن ذلك في هذا الموضع، لأن يرثني من آية غير التي قيلها. قالوا وإنما يحسنُ أن يكون مثل هذا صلة، إذا كان غير منقطع عما هو له صلة، كقوله: رِدْءًا يُصَدِّقُنِي .قال أبو جعفر: وأولى القراءتين عندي في ذلك بالصواب قراءة من قرأه برفع الحرفين على الصلة للوليّ، لأنّ الوليّ نكرة، وأن زكريا إنما سأل ربه أن يهب له وليا يكون بهذه الصفة، كما رُوي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، لا أنه سأله وليا، ثم أخبر أنه إذا وهب له ذلك كانت هذه صفته، لأن ذلك لو كان كذلك، كان ذلك من زكريا دخولا في علم الغيب الذي قد حجبه الله عن خلقه.وقوله ( وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيًّا ) يقول: واجعل يا ربّ الولي الذي تهبه لي مرضيا ترضاه أنت ويرضاه عبادك دينا وخُلُقا وخَلْقا. والرضي: فعيل صرف من مفعول إليه.