يحلف المنافقون الأيمان الكاذبة، ويقدمون الأعذار الملفقة؛ ليُرضُوا المؤمنين، والله ورسوله أحق وأولى أن يُرضُوهما بالإيمان بهما وطاعتهما، إن كانوا مؤمنين حقًا.
﴿ تفسير الجلالين ﴾
«يحلفون بالله لكم» أيها المؤمنين فيما بلغكم عنهم من أذى الرسول أنهم ما آذوه «ليرضوكم والله ورسوله أحقُّ أن يرضوه» بالطاعة «إن كانوا مؤمنين» حقا وتوحيد الضمير لتلازم الرضاءين أو خبر الله ورسوله محذوف.
﴿ تفسير السعدي ﴾
يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَكُمْ لِيُرْضُوكُمْ فيتبرأوا مما صدر منهم من الأذية وغيرها، فغايتهم أن ترضوا عليهم. وَاللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوهُ إِنْ كَانُوا مُؤْمِنِينَ لأن المؤمن لا يقدم شيئا على رضا ربه ورضا رسوله، فدل هذا على انتفاء إيمانهم حيث قدموا رضا غير اللّه ورسوله.
﴿ تفسير البغوي ﴾
( يحلفون بالله لكم ليرضوكم ) قال قتادة والسدي : اجتمع ناس من المنافقين فيهم الجلاس بن سويد ، ووديعة بن ثابت ، فوقعوا في النبي صلى الله عليه وسلم ، وقالوا : إن كان ما يقول محمد حقا فنحن شر من الحمير ، وكان عندهم غلام من الأنصار يقال له عامر بن قيس ، فحقروه وقالوا هذه المقالة ، فغضب الغلام وقال : والله إن ما يقول محمد حق وأنتم شر من الحمير ، ثم أتى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره ، فدعاهم وسألهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فحلفوا أن عامرا كذاب . وحلف عامر أنهم كذبة فصدقهم النبي صلى الله عليه وسلم ، فجعل عامر يدعو ويقول : اللهم صدق الصادق وكذب الكاذب فأنزل الله تعالى هذه الآية .وقال مقاتل والكلبي : نزلت في رهط من المنافقين تخلفوا عن غزوة تبوك ، فلما رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم أتوه يعتذرون إليه ويحلفون ، فأنزل الله تعالى هذه الآية " ( يحلفون بالله لكم ليرضوكم والله ورسوله أحق أن يرضوه إن كانوا مؤمنين ) .
﴿ تفسير الوسيط ﴾
قال القرطبي: روى أن قوما من المنافقين اجتمعوا، وفيهم غلام من الأنصار يدعى عامر بن قيس، فحقروه وتكلموا فقالوا: إن كان ما يقوله محمد حقا لنحن شر من الحمير. فغضب الغلام وقال: والله إن ما يقوله محمد صلى الله عليه وسلم لحق، ولأنتم شر من الحمير. ثم أخبر النبي صلى الله عليه وسلم بقولهم فحلفوا إن عامرا كاذب.فقال عامر: هم الكذبة، وحلف على ذلك وقال: اللهم لا تفرق بيننا حتى يتبين صدق الصادق وكذب الكاذب. فأنزل الله هذه الآية .فقوله- سبحانه-: يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَكُمْ لِيُرْضُوكُمْ خطاب للمؤمنين الذين كان المنافقون يذكرونهم بالسوء، ثم يأتون إليهم بعد ذلك معتذرين.أى: إن هؤلاء المنافقين يحلفون بالله لكم- أيها المؤمنون- ليرضوكم، فتطمئنوا إليهم، وتقبلوا معاذيرهم.قال أبو السعود: وإفراد إرضائهم بالتعليل مع أن عمدة أغراضهم إرضاء الرسول صلى الله عليه وسلم للإيذان بأن ذلك بمعزل عن أن يكون وسيلة لإرضائه، وأنه- عليه الصلاة والسلام- إنما لم يكذبهم رفقا بهم، وسترا لعيوبهم، لا عن رضا بما فعلوا، وقبول قلبي لما قالوا. .وقوله: وَاللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوهُ جملة حالية في محل نصب من ضمير «يحلفون» جيء بها لتوبيخهم على إيثارهم رضا الناس على رضا الله ورسوله.أى: هم يحلفون لكم. والحال أن الله ورسوله أحق بالإرضاء منكم لأن الله- تعالى- هو خالقهم ورازقهم ومالك أمرهم، وهو العليم بما ظهر وبطن من أحوالهم. ولأن رسوله صلى الله عليه وسلم هو المبلغ لوحيه- عز وجل- قال صاحب المنار ما ملخصه: وكان الظاهر أن يقال: «يرضوهما» ونكتة العدول عنه إلى «يرضوه» : الإعلام بأن إرضاء رسوله عين إرضائه سبحانه ... وهذا من بلاغة القرآن في نفس الإيجاز. ولو قال «يرضوهما» لما أفاد هذا المعنى إذ يجوز في نفس العبارة أن يكون إرضاء كل منهما في غير ما يكون به إرضاء الآخر، وهو خلاف المراد هنا، وكذلك لو قيل:«والله أحق أن يرضوه، ورسوله أحق أن يرضوه» لا يفيد هذا المعنى أيضا وفيه ما فيه من الركاكة والتطويل ...وقد خرجه علماء النحو على قواعدهم ... وأقرب الأقوال إلى قواعدهم قول سيبويه: إن الكلام جملتان حذف خبر إحداهما لدلالة خبر الأخرى عليه، كقول الشاعر:نحن بما عندنا وأنت بما عندك راض والرأى مختلف.فهذا لا تكلف فيه من ناحية التركيب العربي، ولكن تفوت به النكتة التي ذكرناها ... .وقوله: إِنْ كانُوا مُؤْمِنِينَ تذييل قصد به بيان أن الإيمان الحق لا يتم إلا بإرضاء الله ورسوله عن طريق طاعتهما والانقياد لأوامرهما.أى: إن كانوا مؤمنين حقا، فليعملوا على إرضاء الله ورسوله، بأن يطيعوا أوامرهما، ويجتنبوا نواهيهما، وإلا كانوا كاذبين في دعواهم الإيمان ثم توعدهم- سبحانه- بسوء المصير بسبب مخالفتهم لله ورسوله فقال:
﴿ تفسير ابن كثير ﴾
قال قتادة في قوله تعالى : ( يحلفون بالله لكم ليرضوكم ) الآية ، قال : ذكر لنا أن رجلا من المنافقين قال : والله إن هؤلاء لخيارنا وأشرافنا ، وإن كان ما يقول محمد حقا ، لهم شر من الحمير . قال : فسمعها رجل من المسلمين فقال : والله إن ما يقول محمد لحق ، ولأنت أشر من الحمار . قال : فسعى بها الرجل إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فأخبره ، فأرسل إلى الرجل فدعاه فقال : ما حملك على الذي قلت ؟ فجعل يلتعن ، ويحلف بالله ما قال ذلك . وجعل الرجل المسلم يقول : اللهم صدق الصادق وكذب الكاذب . فأنزل الله - عز وجل - : ( يحلفون بالله لكم ليرضوكم والله ورسوله أحق أن يرضوه إن كانوا مؤمنين )
﴿ تفسير القرطبي ﴾
قوله تعالى يحلفون بالله لكم ليرضوكم والله ورسوله أحق أن يرضوه إن كانوا مؤمنينفيه ثلاث مسائل :الأولى : روي أن قوما من المنافقين اجتمعوا ، فيهم الجلاس بن سويد ووديعة بن ثابت ، وفيهم غلام من الأنصار يدعى عامر بن قيس ، فحقروه فتكلموا وقالوا : إن كان ما يقول محمد حقا لنحن شر من الحمير . فغضب الغلام وقال : والله إن ما يقول حق وأنتم شر من الحمير ، فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم بقولهم ، فحلفوا أن عامرا كاذب ، فقال عامر : هم الكذبة ، وحلف على ذلك وقال : اللهم لا تفرق بيننا حتى يتبين صدق الصادق وكذب الكاذب . فأنزل الله هذه الآية وفيها يحلفون بالله لكم ليرضوكم .الثانية : قوله تعالى والله ورسوله أحق أن يرضوه ابتداء وخبر . ومذهب سيبويه أن التقدير : والله أحق أن يرضوه ورسوله أحق أن يرضوه ، ثم حذف ، كما قال بعضهم :نحن بما عندنا وأنت بما عندك راض والرأي مختلفوقال محمد بن يزيد : ليس في الكلام محذوف ، والتقدير ، والله أحق أن يرضوه ورسوله ، على التقديم والتأخير . وقال الفراء : المعنى ورسوله أحق أن يرضوه ، والله افتتاح كلام ، كما تقول : ما شاء الله وشئت . قال النحاس : قول سيبويه أولاها ؛ لأنه قد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم النهي عن أن يقال : ما شاء الله وشئت ، ولا يقدر في شيء تقديم ولا تأخير ، ومعناه صحيح .قلت : وقيل إن الله سبحانه جعل رضاه في رضاه ، ألا ترى أنه قال : من يطع الرسول فقد أطاع الله . وكان الربيع بن خيثم إذا مر بهذه الآية وقف ، ثم يقول : حرف وأيما حرف فوض إليه فلا يأمرنا إلا بخير .الثالثة : قال علماؤنا : تضمنت هذه الآية قبول يمين الحالف وإن لم يلزم المحلوف له الرضا . واليمين حق للمدعي . وتضمنت أن يكون اليمين بالله عز وجل حسب ما تقدم . وقال النبي صلى الله عليه وسلم : من حلف فليحلف بالله أو ليصمت ومن حلف له فليصدق . وقد مضى القول في الأيمان والاستثناء فيها مستوفى في المائدة .
﴿ تفسير الطبري ﴾
القول في تأويل قوله : يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَكُمْ لِيُرْضُوكُمْ وَاللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوهُ إِنْ كَانُوا مُؤْمِنِينَ (62)قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره للمؤمنين به وبرسوله صلى الله عليه وسلم: يحلف لكم، أيها المؤمنون، هؤلاء المنافقون بالله، ليرضوكم فيما بلغكم عنهم من أذاهم رسولَ الله صلى الله عليه وسلم, وذكرِهم إياه بالطعن عليه والعيب له, ومطابقتهم سرًّا أهلَ الكفر عليكم = بالله والأيمان الفاجرة: أنهم ما فعلوا ذلك، وإنهم لعلى دينكم، ومعكم على من خالفكم, يبتغون بذلك رضاكم. يقول الله جل ثناؤه: (والله ورسوله أحق أن يرضوه)، بالتوبة والإنابة مما قالوا ونطقوا =(إن كانوا مؤمنين)، يقول: إن كانوا مصدِّقين بتوحيد الله, مقرِّين بوعده ووعيده.* * *وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.* ذكر من قال ذلك:16906- حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد, عن قتادة قوله: (يحلفون بالله لكم ليرضوكم)، الآية, ذكر لنا أن رجلا من المنافقين قال: والله إن هؤلاء لخيارنا وأشرافنا, وإن كان ما يقول محمد حقًّا, لهم شَرٌّ من الحمير! قال: فسمعها رجل من المسلمين فقال: والله إن ما يقول محمد حق, ولأنت شر من الحمار ! فسعى بها الرجل إلى نبي الله صلى الله عليه وسلم, فأرسل إلى الرجل فدعاه فقال له: ما حملك على الذي قلت؟ فجعل يلتَعنُ، ويحلف بالله ما قال ذلك. (1) قال: وجعل الرجل المسلم يقول: اللهم صدِّق الصادق، وكذِّب الكاذب ! فأنزل الله في ذلك: (يحلفون بالله لكم ليرضوكم والله ورسوله أحق أن يرضوه إن كانوا مؤمنين).--------------------الهوامش :(1) "التعن الرجل" ، إذا أنصف في الدعاء على نفسه، أو لعن نفسه.
﴿ يحلفون بالله لكم ليرضوكم والله ورسوله أحق أن يرضوه إن كانوا مؤمنين ﴾