وقال المكذبون لمحمد صلى الله عليه وسلم استهزاءً: يا أيها الذي نُزِّل عليه القرآن إنك لذاهب العقل، هلا تأتينا بالملائكة -إن كنت صادقًا-؛ لتشهد أن الله أرسلك.
﴿ تفسير الجلالين ﴾
«لو ما» هلا «تأتينا بالملائكة إن كنت من الصادقين» في قولك إنك نبي وإن هذا القرآن من عند الله.
﴿ تفسير السعدي ﴾
لو ما تأتينا بالملائكة يشهدون لك بصحة ما جئت به إن كنت من الصادقين فلما لم تأت بالملائكة فلست بصادق، وهذا من أعظم الظلم والجهل.أما الظلم فظاهر فإن هذا تجرؤ على الله وتعنت بتعيين الآيات التي لم يخترها وحصل المقصود والبرهان بدونها من الآيات الكثيرة الدالة على صحة ما جاء به، وأما الجهل، فإنهم جهلوا مصلحتهم من مضرتهم، فليس في إنزال الملائكة، خير لهم بل لا ينزل الله الملائكة إلا بالحق الذي لا إمهال على من لم يتبعه وينقد له.
﴿ تفسير البغوي ﴾
( لو ما ) هلا ( تأتينا بالملائكة ) شاهدين لك بالصدق على ما تقول ( إن كنت من الصادقين ) أنك نبي .
﴿ تفسير الوسيط ﴾
و «لو ما» : حرف تحضيض مركب من لو المفيدة للتمني، ومن ما الزائدة فأفاد المجموع الحث على الفعل.والمعنى: وقال الكافرون لرسولهم صلى الله عليه وسلم على سبيل الاستهزاء والتهكم: «يا أيها» المدعى بأن الوحى ينزل عليك بهذا القرآن الذي تتلوه علينا، «إنك لمجنون» بسبب هذه الدعوى التي تدعيها. وبسبب طلبك منا اتباعك وتركنا ما وجدنا عليه آباءنا ...هلا إن كنت صادقا في دعواك، أن تحضر معك الملائكة، ليخبرونا بأنك على حق فيما تدعيه، وبأنك من الصادقين في تبليغك عن الله- تعالى- ما أمرك بتبليغه؟وأكدوا الحكم على الجنون بإن واللام، لقصدهم تحقيق ذلك في نفوس السامعين ممن هم على شاكلتهم في الكفر والضلال، حتى ينصرفوا عن الاستماع إليه صلى الله عليه وسلم.قال الآلوسى: يعنون يا من يدعى مثل هذا الأمر العظيم، الخارق للعادة إنك بسبب تلك الدعوى تحقق جنونك على أتم وجه. وهذا كما يقول الرجل لمن يسمع منه كلاما يستبعده، أنت مجنون .فأنت ترى أن الآيتين الكريمتين قد حكتا ألوانا من سوء أدبهم، منها: مخاطبتهم له صلى الله عليه وسلم بهذا الأسلوب الدال على التهكم والاستخفاف، حيث قالوا: «يا أيها الذي نزل عليه الذكر» ، مع أنهم لا يقرون بنزول شيء عليه.ووصفهم له بالجنون، وهو صلى الله عليه وسلم أرجح الناس عقلا، وأفضلهم فكرا..وشكهم في صدقه، حيث طلبوا منه- على سبيل التعنت- أن يحضر معه الملائكة ليعاضدوه في دعواه كما قال تعالى في آيات أخرى منها قوله- تعالى- وَقالَ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقاءَنا لَوْلا أُنْزِلَ عَلَيْنَا الْمَلائِكَةُ أَوْ نَرى رَبَّنا ... .وقوله- تعالى-: ... لَوْلا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ فَيَكُونَ مَعَهُ نَذِيراً .
﴿ تفسير ابن كثير ﴾
( لو ما ) أي : هلا ( تأتينا بالملائكة ) أي : يشهدون لك بصحة ما جئت به ( إن كنت من الصادقين ) كما قال فرعون : ( فلولا ألقي عليه أسورة من ذهب أو جاء معه الملائكة مقترنين ) [ الزخرف : 53 ] ( وقال الذين لا يرجون لقاءنا لولا أنزل علينا الملائكة أو نرى ربنا لقد استكبروا في أنفسهم وعتوا عتوا كبيرا يوم يرون الملائكة لا بشرى يومئذ للمجرمين ويقولون حجرا محجورا ) [ الفرقان : 21 ، 22 ]
﴿ تفسير القرطبي ﴾
ثم طلبوا منه إتيان الملائكة دلالة على صدقه . ولوما تحضيض على الفعل كلولا وهلا . وقال الفراء : الميم في لوما بدل من اللام في لولا . ومثله استولى على الشيء واستومى عليه ، ومثله خالمته وخاللته ، فهو خلي وخلمي ; أي صديقي . وعلى هذا يجوز لوما بمعنى الخبر ، تقول : لوما زيد لضرب عمرو . قال الكسائي : لولا ولوما سواء في الخبر والاستفهام .قال ابن مقبل :لوما الحياء ولوما الدين عبتكما ببعض ما فيكما إذ عبتما عورييريد لولا الحياء . وحكى النحاس لوما ولولا وهلا واحد . وأنشد أهل اللغة على ذلك :تعدون عقر النيب أفضل مجدكم بني ضوطرى لولا الكمي المقنعاأي هلا تعدون الكمي المقنعا .
﴿ تفسير الطبري ﴾
( لَوْ مَا تَأْتِينَا بِالْمَلائِكَةِ ) قالوا: هلا تأتينا بالملائكة شاهدة لك على صدق ما تقول؟( إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ ) يعني: إن كنت صادقا في أن الله تعالى بعثك إلينا رسولا وأنزل عليك كتابا، فإن الربّ الذي فعل ما تقول بك ، لا يتعذّر عليه إرسال ملك من ملائكته معك حجة لك علينا ، وآية لك على نبوّتك ، وصدق مقالتك: والعرب تضع موضع لوما: لولا وموضع لولا لوما، من ذلك قول ابن مقبل:لَوْما الحَياءُ وَلَوْمَا الدّينُ عِبْتُكماببَعْضِ ما فيكُما إذْ عِبْتُمَا عَوَرِي (3)يريد: لو لا الحياء.وبنحو الذي قلنا في معنى الذكر قال أهل التأويل.* ذكر من قال ذلك:حدثني المثنى، قال: ثنا إسحاق، قال: ثنا أبو زهير، عن جويبر، عن الضحاك: ( نزلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ ) قال: القرآن.------------------------الهوامش:(3) البيت لابن مقبل من كلمة له ، من أولها أبيات في الحماسة ( د : 113 ) وهو شاهد على أن (لوما) تستعمل بمعنى لولا : في امتناع الشيء لوجود غيره ، وهي في الآية : بمعنى التحضيض ، قال أبو عبيدة في معاني القرآن : " لوما " مجازها ومجاز " لولا " واحد . واستشهد ببيت ابن مقبل ، وعنه أخذه المؤلف .