يا أيها الإنسان المنكر للبعث، ما الذي جعلك تغتَرُّ بربك الجواد كثير الخير الحقيق بالشكر والطاعة، أليس هو الذي خلقك فسوَّى خلقك فعَدَلك، وركَّبك لأداء وظائفك، في أيِّ صورة شاءها خلقك؟
﴿ تفسير الجلالين ﴾
«الذي خلقك» بعد أن لم تكن «فسوَّاك» جعلك مستوي الخلقة، سالم الأعضاء «فعدَلك» بالتخفيف والتشديد: جعلك معتدل الخلق متناسب الأعضاء ليست يد أو رجل أطول من الأخرى.
﴿ تفسير السعدي ﴾
أليس هو الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ في أحسن تقويم؟ فَعَدَلَكَ وركبك تركيبا قويما معتدلا، في أحسن الأشكال، وأجمل الهيئات، فهل يليق بك أن تكفر نعمة المنعم، أو تجحد إحسان المحسن؟
﴿ تفسير البغوي ﴾
"الذي خلقك فسواك فعدلك"، قرأ أهل الكوفة وأبو جعفر "فعدلك" بالتخفيف أي صرفك وأمالك إلى أي صورة شاء حسناً وقبيحاً وطويلاً وقصيراً. وقرأ الآخرون بالتشديد أي قومك وجعلك معتدل الخلق والأعضاء.
﴿ تفسير الوسيط ﴾
وقوله - سبحانه - : ( الذي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ . في أَىِّ صُورَةٍ مَّا شَآءَ رَكَّبَكَ ) صفات أخرى للرب - عز وجل - الكريم المنان .والخلق : هو الإِيجاد على مقدار معين مقصود . والتسوية : جعل الشئ سويا ، أى : قويما سليما خاليا من الاضطراب والاختلال .وقوله : ( فَعَدَلَكَ ) قرأها بعضهم بفتح الدال مع التخفيف ، وقرأها آخرون بفتحها مع التشديد ، وهما متقاربان ، إلا أن التشديد يفيد المبالغة فى التعديل ، الذى هو جعل البنية معتدلة ، متناسبة الأعضاء ، فالتسوية ترجع إلى عدم النقصان فى الأعضاء ، والتعديل يرجع إلى عدم التخالف فيها وهذا ، باعتبار الأصل فى خلق الإِنسان ، فلا عبرة بوجود ما يخالف ذلك فى قلة من أفراد الإِنسان .والمعنى : يأيها الإِنسان ، أى شئ خدعك وجرأك على معصية ربك الكريم . . الذى من مظاهر كرمه أنه ( خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ ) بأن جعل أعضاءك سوية سليمة . مهيأة لاكتساب منافعها على حسب ما تقتضيه حكمة خالقك ( فعدلك ) أى : فعدل أعضاؤك بأن جعلها متناسقة متوازنة بعضها مع بعض ، فلم يجعل - مثلا - إحدى يديك طويلة والأخرى قصيرة ، ولم ثيجعل - مثلا - جانباً من جسدك أبيض ، والآخر أسود .ومن مظاهر قدرته وكرمه - أيضاً - أنه - سبحانه - ركبك ووضعك فى أى صورة من الصور المتنوعة التى اقتضتها مشيئته وحكمته .
﴿ تفسير ابن كثير ﴾
وقوله ( الذي خلقك فسواك فعدلك ) أي ما غرك بالرب الكريم ( الذي خلقك فسواك فعدلك ) أي جعلك سويا معتدل القامة منتصبها في أحسن الهيئات والأشكالقال الإمام أحمد حدثنا أبو النضر حدثنا حريز حدثني عبد الرحمن بن ميسرة عن جبير بن نفير عن بسر بن جحاش القرشي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بصق يوما في كفه فوضع عليها إصبعه ثم قال قال الله عز وجل ابن آدم أنى تعجزني وقد خلقتك من مثل هذه حتى إذا سويتك وعدلتك مشيت بين بردين وللأرض منك وئيد فجمعت ومنعت حتى إذا بلغت التراقي قلت أتصدق وأنى أوان الصدقةوكذا رواه ابن ماجه عن أبي بكر بن أبي شيبة عن يزيد بن هارون عن حريز بن عثمان به .قال شيخنا الحافظ أبو الحجاج المزي وتابعه يحيى بن حمزة عن ثور بن يزيد عن عبد الرحمن بن ميسرة .
﴿ تفسير القرطبي ﴾
الذي خلقك أي قدر خلقك من نطفة فسواك في بطن أمك ، وجعل لك يدين ورجلين وعينين وسائر أعضائك فعدلك أي جعلك معتدلا سوي الخلق ; كما يقال : هذا شيء معدل . وهذه قراءة العامة وهي اختيار أبي عبيد وأبي حاتم ; قال الفراء : وأبو عبيد : يدل عليه قوله تعالى : لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم . وقرأ الكوفيون : عاصم وحمزة والكسائي : فعدلك مخففا أي : أمالك وصرفك إلى أي صورة شاء ، إما حسنا وإما قبيحا ، وإما طويلا وإما قصيرا . وقال موسى بن علي بن أبي رباح اللخمي عن أبيه عن جده قال : قال لي النبي - صلى الله عليه وسلم - : " إن النطفة إذا استقرت في الرحم أحضرها الله كل نسب بينها وبين آدم " .
﴿ تفسير الطبري ﴾
وقوله: ( الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ ) يقول: الذي خلقك أيها الإنسان فسوّى خلقك ( فَعَدَلَكَ ) واختلفت القرَّاء في قراءة ذلك، فقرأته عامة قرَّاء المدينة ومكة والشام والبصرة ( فعدّلك ) بتشديد الدال، وقرأ ذلك عامة قرّاء الكوفة بتخفيفها، وكأن من قرأ ذلك بالتشديد وجَّه معنى الكلام إلى أنه جعلك معتدلا معدّل الخلق مقوَّما، وكأن الذين قرءوه بالتخفيف، وجَّهوا معنى الكلام إلى صرفك وأمالك إلى أيّ صورة شاء، إما إلى صورة حسنة، وإما إلى صورة قبيحة، أو إلى صورة بعض قراباته.وأولى الأقوال في ذلك عندي بالصواب أن يقال: إنهما قراءتان معروفتان في قراءة الأمصار صحيحتا المعنى، فبأيتهما قرأ القارئ فمصيب، غير أن أعجبهما إليّ أن أقرأ به قراءة من قَرَأ ذلك بالتشديد، لأن دخول " في" للتعديل أحسن في العربية من دخولها للعدل، ألا ترى أنك تقول: عدّلتك في كذا، وصرفتك إليه، ولا تكاد تقول: عدلتك & &; إلى كذا وصرفتك فيه، فلذلك اخترت التشديد.وبنحو الذي قلنا في ذلك وذكرنا أن قارئي ذلك تأوّلوه، جاءت الرواية عن أهل التأويل أنهم قالوه.ذكر الرواية بذلك: