سنقرئك -أيها الرسول- هذا القرآن قراءة لا تنساها، إلا ما شاء الله مما اقتضت حكمته أن ينسيه لمصلحة يعلمها. إنه - سبحانه- يعلم الجهر من القول والعمل، وما يخفى منهما.
﴿ تفسير الجلالين ﴾
«إلا ما شاء الله» أن تنساه بنسخ تلاوته وحكمه، وكان صلى الله عليه وسلم يجهر بالقراءة مع قراءة جبريل خوف النسيان فكأنه قيل له: لا تعجل بها إنك لا تنسى فلا تتعب نفسك بالجهر بها «إنه» تعالى «يعلم الجهر» من القول والفعل «وما يخفى» منهما.
﴿ تفسير السعدي ﴾
إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ مما اقتضت حكمته أن ينسيكه لمصلحة بالغة، إِنَّهُ يَعْلَمُ الْجَهْرَ وَمَا يَخْفَى ومن ذلك أنه يعلم ما يصلح عباده أي: فلذلك يشرع ما أراد، ويحكم بما يريد .
﴿ تفسير البغوي ﴾
"إلا ما شاء الله" أن تنساه ، وما نسخ الله تلاوته من القرآن ، كما قال : " ما ننسخ من آية أو ننسها " ( البقرة - 106 ) والإنساء نوع من النسخ .وقال مجاهد ، والكلبي : كان النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا نزل عليه جبريل - عليه السلام - ، لم يفرغ من آخر الآية حتى يتكلم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بأولها ، مخافة أن ينساها ، فأنزل الله تعالى : " سنقرئك فلا تنسى " [ فلم ينس بعد ] ذلك شيئا . ( إنه يعلم الجهر ) من القول والفعل ( وما يخفى ) منهما ، والمعنى : أنه يعلم السر والعلانية .
﴿ تفسير الوسيط ﴾
وقوله: إِلَّا ما شاءَ اللَّهُ استثناء مفرغ من أعم المفاعيل، أى: لا تنسى مما تقرؤه شيئا من الأشياء، إلا ما شاء الله أن تنساه، وهو لم يشأ- سبحانه- أن ينسى النبي صلى الله عليه وسلم شيئا كقوله- تعالى- خالِدِينَ فِيها ما دامَتِ السَّماواتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا ما شاءَ رَبُّكَ. وقيل: «لا» في قوله فَلا تَنْسى للنهى، والألف مزيدة لرعاية الفاصلة، كما في قوله- تعالى-: فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَا، يعنى: فلا تغفل عن قراءته.وقال الإمام الرازي: وهاتان الآيتان تدلان على المعجزة من وجهين:أحدهما: أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان أميا، فحفظه لهذا الكتاب المطول عن غير دراسة، ولا تكرار، ولا كتبة، خارق للعادة فيكون معجزا. وثانيهما: أن هذه السورة من أوائل ما نزل بمكة. فهذا إخبار عن أمر عجيب غريب مخالف للعادة. سيقع في المستقبل، وقد وقع، فكان هذا إخبارا عن الغيب، فيكون معجزا...
﴿ تفسير ابن كثير ﴾
وجعلوا معنى الاستثناء على هذا ما يقع من النسخ ، أي : لا تنسى ما نقرئك إلا ما شاء الله رفعه ; فلا عليك أن تتركه .وقوله : ( إنه يعلم الجهر وما يخفى ) أي : يعلم ما يجهر به العباد وما يخفونه من أقوالهم وأفعالهم ، لا يخفى عليه من ذلك شيء .
﴿ تفسير القرطبي ﴾
ووجه الاستثناء على هذا ، ما قاله الفراء : إلا ما شاء الله ، وهو لم يشأ أن تنسى شيئا كقوله تعالى : خالدين فيها ما دامت السماوات والأرض إلا ما شاء ربك . ولا يشاء . ويقال في الكلام : لأعطينك كل ما سألت إلا ما شئت ، وإلا أن أشاء أن أمنعك ، والنية على ألا يمنعه شيئا . فعلى هذا مجاري الأيمان يستثنى فيها ونية الحالف التمام . وفي رواية أبي صالح عن ابن عباس : فلم ينس بعد نزول هذه الآية حتى مات ، إلا ما شاء الله . وعن سعيد عن قتادة ، قال : كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لا ينسى شيئا إلا ما شاء الله . وعلى هذه الأقوال قيل : إلا ما شاء الله أن ينسى ، ولكنه لم ينس شيئا منه بعد نزول هذه الآية . وقيل : إلا ما شاء الله أن ينسى ، ثم يذكر بعد ذلك فإذا قد نسي ، ولكنه يتذكر ولا ينسى نسيانا كليا . وقد روي أنه أسقط آية في قراءته في الصلاة ، فحسب أبي أنها نسخت ، فسأله فقال : " إني نسيتها " . وقيل : هو من النسيان أي إلا ما شاء الله أن ينسيك . ثم قيل : هذا بمعنى النسخ أي إلا ما شاء الله أن ينسخه . والاستثناء نوع من النسخ . وقيل : النسيان بمعنى الترك أي يعصمك من أن تترك العمل به إلا ما شاء الله أن تتركه لنسخه إياه . فهذا في نسخ العمل ، والأول في نسخ القراءة . قال الفرغاني : كان يغشى مجلس الجنيد أهل البسط من العلوم ، وكان يغشاه ابن كيسان النحوي ، وكان رجلا جليلا فقال يوما : ما تقول يا أبا القاسم في قول الله تعالى : سنقرئك فلا تنسى ؟ فأجابه مسرعا - كأنه تقدم له السؤال قبل ذلك بأوقات : لا تنسى العمل به . فقال ابن كيسان : لا يفضض الله فاك مثلك من يصدر عن رأيه . وقوله فلا : للنفي لا للنهي . وقيل : للنهي وإنما أثبتت الياء ; لأن رءوس الآي على ذلك . والمعنى : لا تغفل عن قراءته وتكراره فتنساه إلا ما شاء الله أن ينسيكه برفع تلاوته للمصلحة . والأول هو المختار ; لأن الاستثناء من النهي لا يكاد يكون إلا مؤقتا معلوما . وأيضا فإن الياء مثبتة في جميع المصاحف ، وعليها القراء . وقيل : معناه إلا ما شاء الله أن يؤخر إنزاله . وقيل : المعنى فجعله غثاء أحوى إلا ما شاء الله أن ينال بنو آدم والبهائم ، فإنه لا يصير كذلك .قوله تعالى : إنه يعلم الجهر أي الإعلان من القول والعمل . وما يخفى من السر . وعن ابن عباس : ما في قلبك ونفسك . وقال محمد بن حاتم : يعلم إعلان الصدقة وإخفاءها . وقيل : الجهر ما حفظته من القرآن في صدرك . وما يخفى هو ما نسخ من صدرك .
﴿ تفسير الطبري ﴾
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة ( سَنُقْرِئُكَ فَلا تَنْسَى ) كان صلى الله عليه وسلم لا ينسى شيئًا( إِلا مَا شَاءَ اللَّهُ ) .وقال آخرون: معنى النسيان في هذا الموضع: الترك؛ وقالوا: معنى الكلام: سنقرئك يا محمد فلا تترك العمل بشيء منه، إلا ما شاء الله أن تترك العمل به، مما ننسخه.وكان بعض أهل العربية يقول في ذلك: لم يشأ الله أن تنسى شيئًا، وهو كقوله: خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ إِلا مَا شَاءَ رَبُّكَ ولا يشاء. قال: وأنت قائل في الكلام: لأعطينك كلّ ما سألت إلا ما شئت، وإلا أن أشاء أن أمنعك، والنية أن لا تمنعه، ولا تشاء شيئًا. قال: وعلى هذا مجاري الأيمان، يستثنى فيها، ونية الحالف: اللمام.والقول الذي هو أولى بالصواب عندي قول من قال: معنى ذلك: فلا تنسى إلا أن نشاء نحن أن نُنسيكه بنسخه ورفعه.وإنما قلنا ذلك أولى بالصواب، لأن ذلك أظهر معانيه.وقوله: ( إِنَّهُ يَعْلَمُ الْجَهْرَ وَمَا يَخْفَى ) يقول تعالى ذكره: إن الله يعلم الجهر يا محمد من عملك ما أظهرته وأعلنته ( وَمَا يَخْفَى ) يقول: وما يخفى منه فلم تظهره مما كتمته، يقول: هو يعلم جميع أعمالك سرّها وعلانيتها؛ يقول: فاحذره أن يطلع عليك وأنت عامل في حال من أحوالك بغير الذي أذن لك به.