وامرأة إبراهيم -سارة- كانت قائمة من وراء الستر تسمع الكلام، فضحكت تعجبًا مما سمعت، فبشرناها على ألسنة الملائكة بأنها ستلد مِن زوجها إبراهيم ولدًا يسمى إسحاق، وسيعيش ولدها، وسيكون لها بعد إسحاق حفيد منه، وهو يعقوب.
﴿ تفسير الجلالين ﴾
«وامرأته» أي امرأة إبراهيم سارة «قائمة» تخدمهم «فضحكت» استبشارا بهلاكهم «فبشرناها بإسحاق ومن وراء» بعد «إسحاق يعقوب» ولده تعيش إلى أن تراه.
﴿ تفسير السعدي ﴾
وامرأة إبراهيم قَائِمَةٌ تخدم أضيافه فَضَحِكَتْ حين سمعت بحالهم، وما أرسلوا به، تعجبا. فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ وَمِنْ وَرَاءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ فتعجبت من ذلك.
﴿ تفسير البغوي ﴾
وامرأته ) سارة بنت هاران بن أحور وهي ابنة عم إبراهيم . ( قائمة ) من وراء الستر تسمع كلامهم . وقيل : كانت قائمة تخدم الرسل ، وإبراهيم جالس معهم . ( فضحكت ) قال مجاهد وعكرمة : ضحكت أي : حاضت في الوقت ، تقول العرب : ضحكت الأرنب ، أي : حاضت . والأكثرون على أن المراد منه الضحك المعروف .واختلفوا في سبب ضحكها ، قيل : ضحكت لزوال الخوف عنها وعن إبراهيم حين قالوا : لا تخف . وقال السدي : لما قرب إبراهيم الطعام إليهم فلم يأكلوا خاف إبراهيم وظنهم لصوصا فقال لهم : ألا تأكلون؟ قالوا : إنا لا نأكل طعاما إلا بثمن ، فقال إبراهيم : فإن له ثمنا ، قالوا : وما ثمنه؟ قال : تذكرون اسم الله على أوله وتحمدونه على آخره ، فنظر جبريل إلى ميكائيل وقال : حق لهذا أن يتخذه ربه خليلا . فلما رأى إبراهيم وسارة أيديهم لا تصل إليه ضحكت سارة ، وقالت : يا عجبا لأضيافنا إنا نخدمهم بأنفسنا تكرمة لهم وهم لا يأكلون طعامنا . وقال قتادة : ضحكت من غفلة قوم لوط وقرب العذاب منهم .وقال مقاتل والكلبي : ضحكت من خوف إبراهيم من ثلاثة في بيته وهو فيما بين خدمه وحشمه .وقال : ضحكت سرورا بالبشارة .وقال ابن عباس ووهب : ضحكت تعجبا من أن يكون لها ولد على كبر سنها وسن زوجها .وعلى هذا القول تكون الآية على التقديم والتأخير ، تقديره : وامرأته قائمة فبشرناها بإسحاق ومن وراء إسحاق يعقوب ، فضحكت ، وقالت : يا ويلتا أألد وأنا عجوز؟قوله تعالى : ( فبشرناها بإسحاق ومن وراء إسحاق ) أي : من بعد إسحاق ، ( يعقوب ) أراد به والد الولد فبشرت أنها تعيش حتى ترى ولد ولدها قرأ ابن عامر وحمزة وحفص : " يعقوب " بنصب الباء ، أي : من وراء إسحاق يعقوب . وقيل : بإضمار فعل ، أي : ووهبنا له من وراء يعقوب . وقرأ الباقون بالرفع على حذف حرف الصفة . وقيل : ومن بعد إسحاق يحدث يعقوب ، فلما بشرت بالولد ضحكت فصكت وجهها ، أي : ضربت وجهها تعجبا .
﴿ تفسير الوسيط ﴾
ثم حكى- سبحانه- ما حدث بعد ذلك فقال: وَامْرَأَتُهُ قائِمَةٌ فَضَحِكَتْ فَبَشَّرْناها بِإِسْحاقَ وَمِنْ وَراءِ إِسْحاقَ يَعْقُوبَ.والمراد بامرأته- كما يقول القرطبي- «سارة بنت هاران بن ناحور، بن شاروع، بن أرغو، بن فالغ، وهي بنت عم إبراهيم» .وقيامها كان لأجل قضاء مصالحها، أو لأجل خدمة الضيوف ... أو لغير ذلك من الأمور التي تحتاجها المرأة في بيتها.والمراد بالضحك هنا حقيقته. أى: فضحكت سرورا وابتهاجا بسبب زوال الخوف عن إبراهيم، أو بسبب علمها بأن الضيوف قد أرسلهم الله لإهلاك قوم لوط، أو بهما معا ...قال الشوكانى: والضحك هنا هو الضحك المعروف الذي يكون للتعجب والسرور كما قاله الجمهور.وقال مجاهد وعكرمة: إنه الحيض، ومنه قول الشاعر:وإنى لآتى العرس عند طهورها ... وأهجرها يوما إذا تك ضاحكاوقد أنكر بعض اللغويين أن يكون في كلام العرب ضحكت بمعنى حاضت .أى: وفي أعقاب قول الملائكة لإبراهيم لا تخف ... كانت امرأته قائمة لقضاء بعض حاجاتها، فلما سمعت ذلك «ضحكت» سرورا وفرحا لزوال خوفه فَبَشَّرْناها عقب ذلك بمولودها بِإِسْحاقَ كما بشرناها بأن إسحاق سيكون من نسله يَعْقُوبَ، فهي بشارة مضاعفة. إذ أنها تحمل في طياتها أنها ستعيش حتى ترى ابن ابنها ...ولا شك أن المرأة عند ما تكون قد بلغت سن اليأس. ولم يكن لها ولد، ثم تأتيها مثل هذه البشارة يهتز كيانها، ويزداد عجبها، ولذا قالت على سبيل الدهشة والاستغراب: يا وَيْلَتى أَأَلِدُ وَأَنَا عَجُوزٌ وَهذا بَعْلِي شَيْخاً إِنَّ هذا لَشَيْءٌ عَجِيبٌ.
﴿ تفسير ابن كثير ﴾
( فبشرناها بإسحاق ومن وراء إسحاق يعقوب ) أي : بولد لها يكون له ولد وعقب ونسل; فإن يعقوب ولد إسحاق ، كما قال في آية البقرة : ( أم كنتم شهداء إذ حضر يعقوب الموت إذ قال لبنيه ما تعبدون من بعدي قالوا نعبد إلهك وإله آبائك إبراهيم وإسماعيل وإسحاق إلها واحدا ونحن له مسلمون ) [ البقرة : 133 ] .ومن هاهنا استدل من استدل بهذه الآية ، على أن الذبيح إنما هو إسماعيل ، وأنه يمتنع أن يكون هو إسحاق; لأنه وقعت البشارة به ، وأنه سيولد له يعقوب ، فكيف يؤمر إبراهيم بذبحه وهو طفل صغير ، ولم يولد له بعد يعقوب الموعود بوجوده . ووعد الله حق لا خلف فيه ، فيمتنع أن يؤمر بذبح هذا والحالة هذه ، فتعين أن يكون هو إسماعيل وهذا من أحسن الاستدلال وأصحه وأبينه ، ولله الحمد .
﴿ تفسير القرطبي ﴾
قوله تعالى : وامرأته قائمة ابتداء وخبر ، أي قائمة بحيث ترى الملائكة . قيل : كانت من وراء الستر . وقيل : كانت تخدم الملائكة وهو جالس . وقال محمد بن إسحاق : قائمة تصلي . وفي قراءة عبد الله بن مسعود " وامرأته قائمة وهو قاعد " .قوله تعالى : فضحكت قال مجاهد وعكرمة : حاضت ، وكانت آيسة ; تحقيقا للبشارة ; وأنشد على ذلك اللغويون :وإني لآتي العرس عند طهورها وأهجرها يوما إذا تك ضاحكاوقال آخر :وضحك الأرانب فوق الصفا كمثل دم الجوف يوم اللقاوالعرب تقول : ضحكت الأرنب إذا حاضت ; وروي عن ابن عباس - رضي الله عنهما - وعكرمة ; أخذ من قولهم : ( ضحكت الكافورة - وهي قشرة الطلعة - إذا انشقت ) . وقد أنكر بعض اللغويين أن يكون في كلام العرب ضحكت بمعنى حاضت . وقال الجمهور : هو الضحك المعروف ، واختلفوا فيه ; فقيل : هو ضحك التعجب ; قال أبو ذؤيب :فجاء بمزج لم ير الناس مثله هو الضحك إلا أنه عمل النحلوقال مقاتل : ضحكت من خوف إبراهيم ، ورعدته من ثلاثة نفر ، وإبراهيم في حشمه وخدمه ; وكان إبراهيم يقوم وحده بمائة رجل . قال : وليس الضحك الحيض في اللغة بمستقيم . وأنكر أبو عبيد والفراء ذلك ; قال الفراء : لم أسمعه من ثقة ; وإنما هو كناية . وروي أن الملائكة مسحت العجل ، فقام من موضعه فلحق بأمه ، فضحكت سارة عند ذلك فبشروها بإسحاق . ويقال : كان إبراهيم - عليه السلام - إذا أراد أن يكرم أضيافه أقام سارة تخدمهم ، فذلك قوله : وامرأته قائمة أي قائمة في خدمتهم . ويقال : قائمة لروع إبراهيم فضحكت لقولهم : " لا تخف " سرورا بالأمن . وقال الفراء : فيه تقديم وتأخير ; المعنى : فبشرناها بإسحاق فضحكت ، أي ضحكت سرورا بالولد ، وقد هرمت ، والله أعلم أي ذلك كان . قال النحاس فيه أقوال : أحسنها - أنهم لما لم يأكلوا أنكرهم وخافهم ; فلما قالوا لا تخف ، وأخبروه أنهم رسل الله ، فرح بذلك ، فضحكت امرأته سرورا بفرحه . وقيل : إنها كانت قالت له : أحسب أن هؤلاء القوم سينزل بهم عذاب فضم لوطا إليك ، فلما جاءت الرسل بما قالته سرت به فضحكت ; قال النحاس : وهذا إن صح إسناده فهو حسن . والضحك انكشاف الأسنان . ويجوز أن يكون الضحك إشراق الوجه ; تقول : رأيت فلانا ضاحكا ; أي مشرقا . وأتيت على روضة تضحك ; أي مشرقة . وفي الحديث إن الله سبحانه يبعث السحاب فيضحك أحسن الضحك . جعل انجلاءه عن البرق ضحكا ; وهذا كلام مستعار . وروي عن رجل من قراء مكة يقال له محمد بن زياد الأعرابي . " فضحكت " بفتح الحاء ; قال المهدوي ; وفتح " الحاء " من فضحكت غير معروف . وضحك يضحك ضحكا وضحكا وضحكا وضحكا أربع لغات . والضحكة المرة الواحدة ، ومنه قول كثير :غلقت لضحكته رقاب المالقاله الجوهري .روى مسلم عن سهل بن سعد قال : دعا أبو أسيد الساعدي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في عرسه ، فكانت امرأته يومئذ خادمهم وهي العروس . قال سهل : أتدرون ما سقت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ؟ أنقعت له تمرات من الليل في تور ، فلما أكل سقته إياه . وأخرجه البخاري وترجم له " باب قيام المرأة على الرجال في العرس وخدمتهم بالنفس " . قال علماؤنا : فيه جواز خدمة العروس زوجها وأصحابه في عرسها . وفيه أنه لا بأس أن يعرض الرجل أهله على صالح إخوانه ، ويستخدمهن لهم . ويحتمل أن يكون هذا قبل نزول الحجاب . والله أعلم .ذكر الطبري أن إبراهيم - عليه السلام - لما قدم العجل قالوا : لا نأكل طعاما إلا بثمن ; فقال لهم : " ثمنه أن تذكروا الله في أوله وتحمدوه في آخره " فقال جبريل لأصحابه : بحق اتخذ الله هذا خليلا . قال علماؤنا : ولم يأكلوا لأن الملائكة لا تأكل . وقد كان من الجائز كما يسر الله للملائكة أن يتشكلوا في صفة الآدمي جسدا وهيئة أن ييسر لهم أكل الطعام ; إلا أنه في قول العلماء أرسلهم في صفة الآدمي وتكلف إبراهيم - عليه السلام - الضيافة حتى إذا رأى التوقف وخاف جاءته البشرى فجأة .ودل هذا على أن التسمية في أول الطعام ، والحمد في آخره مشروع في الأمم قبلنا ; وقد جاء في الإسرائيليات أن إبراهيم - عليه السلام - كان لا يأكل وحده ; فإذا حضر طعامه أرسل يطلب من يأكل معه ; فلقي يوما رجلا ، فلما جلس معه على الطعام ، قال له إبراهيم : سم الله ، قال الرجل لا أدري ما الله ؟ فقال له : فاخرج عن طعامي ، فلما خرج نزل إليه جبريل فقال له : يقول الله إنه يرزقه على كفره مدى عمره وأنت بخلت عليه بلقمة ; فخرج إبراهيم فزعا يجر رداءه ، وقال : ارجع ، فقال : لا أرجع حتى تخبرني لم تردني لغير معنى ؟ فأخبره بالأمر ; فقال : هذا رب كريم ، آمنت ; ودخل وسمى الله وأكل مؤمنا .قوله تعالى : فبشرناها بإسحاق لما ولد لإبراهيم إسماعيل من هاجر تمنت سارة أن يكون لها ابن ، وأيست لكبر سنها ، فبشرت بولد يكون نبيا ويلد نبيا ، فكان هذا بشارة لها بأن ترى ولد ولدها .قوله تعالى : ومن وراء إسحاق يعقوب قرأ حمزة وعبد الله بن عامر " يعقوب " بالنصب . ورفع الباقون ; فالرفع على معنى : ويحدث لها من وراء إسحاق يعقوب . ويجوز أن يرتفع بالفعل الذي يعمل في " من " كأن المعنى : وثبت لها من وراء إسحاق يعقوب . ويجوز أن يرتفع بالابتداء ، ويكون في موضع الحال ; أي بشروها بإسحاق مقابلا له يعقوب . والنصب على معنى : ووهبنا لها من وراء إسحاق يعقوب . وأجاز الكسائي والأخفش وأبو حاتم أن يكون " يعقوب " في موضع جر على معنى : وبشرناها من وراء إسحاق بيعقوب . قال الفراء : ولا يجوز الخفض إلا بإعادة الحرف الخافض ; قال سيبويه ولو قلت : مررت بزيد أول من أمس وأمس عمرو كان قبيحا خبيثا ; لأنك فرقت بين المجرور وما يشركه وهو الواو ، كما فرقت بين الجار والمجرور ; لأن الجار لا يفصل بينه وبين المجرور ، ولا بينه وبين الواو .
﴿ تفسير الطبري ﴾
القول في تأويل قوله تعالى : وَامْرَأَتُهُ قَائِمَةٌ فَضَحِكَتْقال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: (وامرأته) ، سارَة بنت هاران بن ناحور بن ساروج بن راعو بن فالغ، (41) وهي ابنة عم إبراهيم ، (قائمة)، قيل: كانت قائمة من وراء الستر تسمع كلام الرسل وكلام إبراهيم عليه السلام. وقيل: كانت قائمة تخدُم الرسل ، وإبراهيم جالسٌ مع الرسل.* * *وقوله: (فضحكت) ، اختلف أهل التأويل في معنى قوله (فضحكت)، وفي السبب الذي من أجله ضحكت.فقال بعضهم: ضحكت الضحك المعروف ، تعجبًا من أنَّها وزوجها إبراهيم يخدمان ضِيفانهم بأنفسهما ، تكرمةً لهم، وهم عن طعامهم ممسكون لا يأكلون.* ذكر من قال ذلك:18314- حدثني موسى بن هارون قال ، حدثنا عمرو بن حماد قال ، حدثنا أسباط، عن السدي قال، بعث الله الملائكة لتهلك قوم لوط ، أقبلت تمشي في صورة رجال شباب، حتى نزلوا على إبراهيم فتضيَّفوه، فلما رآهم إبراهيم أجلّهم، فراغ إلى أهله، فجاء بعجل سمين، فذبحه ثم شواه في الرَّضْف، فهو " الحنيذ " حين شواه. وأتاهم فقعد معهم، وقامت سارَة تخدمُهم. فذلك حين يقول: (وَامْرَأَتُهُ قَائِمَةٌ ) وَهُوَ جَالِسٌ ، في قراءة ابن مسعود. فلما قرّبه إليهم قال ألا تأكلون؟ قالوا: يا إبراهيم ، إنا لا نأكل طعامًا إلا بثمن . قال: فإن لهذا ثمنًا! قالوا: وما ثمنه؟ قال: تذكرون اسم الله على أوّله ، وتحمدونه على آخره. فنظر جبريل إلى ميكائيل فقال: حُقَّ لهذا أن يتخذه ربه خليلا! فلما رأى أيديهم لا تصل إليه ، يقول: لا يأكلون ، فزع منهم وأوجس منهم خيفة ، فلما نظرت إليه سارة أنه قد أكرمهم وقامت هي تخدمهم، ضحكت وقالت: عجبًا لأضيافنا هؤلاء، إنا نخدمهم بأنفسنا تكرمةً لهم، وهم لا يأكلون طعامنا ! (42)* * *وقال آخرون: بل ضحكت من أن قوم لوط في غَفْلة وقد جاءت رُسُل الله لهلاكهم.*ذكر من قال ذلك:18315- حدثنا بشر قال ، حدثنا يزيد قال ، حدثنا سعيد، عن قتادة، قال: لما أوجس إبراهيم خيفة في نفسه حدثوه عند ذلك بما جاؤوا فيه، فضحكت امرأته وعجبت من أن قومًا أتاهم العذاب ، وهم في غفلة. فضحكت من ذلك وعجبت ، فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ وَمِنْ وَرَاءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ18316- حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال ، حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة أنه قال: ضحكت تعجبًا مما فيه قوم لوط من الغفلة ، ومما أتاهم من العذاب.* * *وقال آخرون: بل ضحكت ظنًّا منها بهم أنهم يريدون عَمَل قوم لوط.*ذكر من قال ذلك :18317- حدثنا الحارث قال ، حدثنا عبد العزيز قال ، حدثنا أبو معشر، عن محمد بن قيس، في قوله: (وامرأته قائمة فضحكت) ، قال: لما جاءت الملائكة ظنَّت أنهم يريدون أن يعملوا كما يعمل قوم لوط.* * *وقال آخرون: بل ضحكت لما رأت بزوجها إبراهيم من الرَّوع.*ذكر من قال ذلك:18318- حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال ، حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن الكلبي: (فضحكت) ، قال: ضحكت حين راعُوا إبراهيم مما رأت من الروع، بإبراهيم.* * *وقال آخرون: بل ضحكت حين بشرت بإسحاق تعجبًا من أن يكون لها ولد على كبر سنها وسن زوجها.*ذكر من قال ذلك:18319- حدثني المثنى قال إسحاق قال ، حدثنا إسماعيل بن عبد الكريم قال، حدثني عبد الصمد أنه سمع وهب بن منبه يقول: لما أتى الملائكة إبراهيم عليه السلام فرآهم، راعه هيئتهم وجمالهم، فسلموا عليه، وجلسوا إليه، فقام فأمر بعجل سمين، فحُنِذَ له، فقرّب إليهم الطعام ، فَلَمَّا رَأَى أَيْدِيَهُمْ لا تَصِلُ إِلَيْهِ نَكِرَهُمْ وَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً ، وسارة وراء البيت تسمع ، قالوا: لا تَخَفْ إنَّا نبشرك بغلام حليم مبارك ! وبشّر به امرأته سارة، فضحكت وعجبت: كيف يكون لي ولد وأنا عجوز ، وهو شيخ كبير! فقالوا: أتعجبين من أمر الله؟ فإنه قادر على ما يشاء! فقد وهبه الله لكم ، فأبشروا به .* * *وقد قال بعض من كان يتأول هذا التأويل: إن هذا من المقدَّم الذي معناه التأخير، كأنّ معنى الكلام عنده: وامرأته قائمة، فبشرناها بإسحاق ومن وراء إسحاق يعقوب، فضحكت وقالت: يا ويلتا أألد وأنا عجوز؟* * *وقال آخرون: بل معنى قوله: " فضحكت " في هذا الموضع: فحاضت.*ذكر من قال ذلك:18320- حدثني سعيد بن عمرو السكوني قال ، حدثنا بقية بن الوليد، عن علي بن هارون، عن عمرو بن الأزهر، عن ليث، عن مجاهد في قوله: (فضحكت) ، قال: حاضت، وكانت ابنة بضع وتسعين سنة. قال: وكان إبراهيم ابن مائة سنة. (43)* * *وقال آخرون: بل ضحكت سرورًا بالأمن منهم، لما قالوا لإبراهيم: لا تخف، وذلك أنه قد كان خافهم وخافتهم أيضًا كما خافهم إبراهيم . فلما أمِنَت ضحكت، فأتبعوها البشارة بإسحاق.* * *وقد كان بعض أهل العربية من الكوفيين يزعم أنه لم يسمع " ضحكت "، بمعنى : حاضت ، من ثقة. (44)* * *وذكر بعض أهل العربية من البصريين أن بعض أهل الحجاز أخبره عن بعضهم أن العرب تقول " ضحكت المرأة "، حاضت . قال: وقد قال: " الضحك "، الحيض، وقد قال بعضهم: " الضحك ": الثَّغْرُ ، (45) وذكر بيت أبي ذؤيب:فَجَاءَ بِمِزْجٍ لَمْ يَرَ النَّاسُ مِثْلَهُهُوَ الضَّحْكُ إلا أَنَّهُ عَملُ النَّحْلِ (46)وذكر أنَّ بعض أصحابه أنشده في الضحك بمعنى الحيض: (47)وَضِحْكُ الأرَانِبِ فَوْقَ الصَّفَاكَمِثْل دَمِ الجَوْفِ يَوْمَ اللِّقَا (48)قال: وذكر له بعض أصحابه أنه سمع للكميت:فَأضْحَكَتِ الضِّبَاعُ سُيُوفُ سَعْدٍبِقَتْلَى مَا دُفِنَّ وَلا وُدِينَا (49)وقال: يريد الحيض. قال: وبلحرث بن كعب يقولون: " ضحكت النخلة "، إذا أخرجت الطَّلع أو البُسْر. وقالوا: " الضَّحك " الطلع. قال: وسمعنا من يحكي: " أضحكت حوضًا " أي ملأته حتى فاض. قال: وكأن المعنى قريبٌ بعضه من بعض كله، لأنه كأنه شيءٌ يمتلئُ فيفيض.* * *قال أبو جعفر : وأولى الأقوال التي ذكرت في ذلك بالصواب قولُ من قال: معنى قوله: " فضحكت " فعجبت من غفلة قوم لوط عما قد أحاط بهم من عذاب الله وغفلتهم عنه.وإنما قلنا هذا القول أولى بالصواب ، لأنه ذكر عقيب قولهم لإبراهيم: لا تَخَفْ إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَى قَوْمِ لُوطٍ . فإذ كان ذلك كذلك، وكان لا وجه للضحك والتعجب من قولهم لإبراهيم: (لا تخف)، كان الضحك والتعجب إنما هو من أمر قوم لوط.* * *القول في تأويل قوله تعالى : فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ وَمِنْ وَرَاءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ (71)قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: فبشَّرنا سارَة امرأة إبراهيم ثوابًا منا لها على نَكيرها وعجبها من فعل قوم لوط ، (بإسحاق ) ، ولدًا لها ، (ومن وراء إسحاق يعقوب) ، يقول: ومن خلف إسحاق يعقوب ، من ابنها إسحاق.* * *و " الوراء " في كلام العرب، ولد الولد، وكذلك تأوَّله أهل التأويل.*ذكر من قال ذلك:18321- حدثنا حميد بن مسعدة قال ، حدثنا بشر بن المفضل قال ، حدثنا داود، عن عامر قال: (ومن وراء إسحاق يعقوب) ، قال: الوراء: ولد الولد.18322- حدثنا عمرو بن علي ومحمد بن المثنى، قال كلّ واحد منهما، حدثني أبو اليسع إسماعيل بن حماد بن أبي المغيرة مولى الأشعري، قال: كنت إلى جنب جدي أبي المغيرة بن مهران ، في مسجد عليّ بن زيد، فمر بنا الحسنُ بن أبي الحسن فقال: يا أبا المغيرة من هذا الفتى؟ قال: ابني من ورائي، فقال الحسن: (فبشرناها بإسحاق ومن وراء إسحاق يعقوب). (50)18323- حدثنا عمرو بن علي ومحمد بن المثنى قالا حدثنا محمد بن أبي عدي قال ، حدثنا داود بن أبي هند، عن الشعبي في قوله: (فبشرناها بإسحاق ومن وراء إسحاق يعقوب) ، قال: ولد الولد هو " الوراء ".18324- حدثني إسحاق بن شاهين قال ، حدثنا خالد، عن داود، عن عامر في قوله: (ومن وراء إسحاق يعقوب) ، قال: " الوراء " ، ولد الولد.18325- حدثني يعقوب بن إبراهيم قال ، حدثنا ابن علية، عن داود، عن الشعبي، مثله.18326- حدثني الحارث قال ، حدثنا عبد العزيز قال ، حدثنا أبو عمرو الأزدي قال: سمعت الشعبي يقول: ولد الولد: هم الولد من الوَراء.18327- حدثني الحارث قال ، حدثنا عبد العزيز قال ، حدثنا سفيان، عن حبيب بن أبي ثابت قال: جاء رجل إلى ابن عباس ومعه ابن ابنه فقال: من هذا معك؟ قال: هذا ابن ابني. قال: هذا ولدُك من الوراء! قال: فكأنه شقَّ على ذلك الرجل، فقال ابن عباس: إن الله يقول: (فبشرناها بإسحاق ومن وراء إسحاق يعقوب) ، فولد الولد هم الوراء.18328- حدثني موسى بن هارون قال ، حدثنا عمرو بن حماد قال ، حدثنا أسباط، عن السدي قال: لما ضحكت سارَة . وقالت: " عجبًا لأضيافنا هؤلاء، إنا نخدمهم بأنفسنا تكرمة لهم وهم لا يأكلون طعامنا " ! قال لها جبريل: أبشري بولد اسمُه إسحاق ، ومن وراء إسحاق يعقوب. فَضربتْ وَجْهَهَا عجبًا، فذلك قوله: فَصَكَّتْ وَجْهَهَا ، [سورة الذاريات : 29] . وقالت: أَأَلِدُ وَأَنَا عَجُوزٌ وَهَذَا بَعْلِي شَيْخًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عَجِيبٌ قالوا أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ رَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَجِيدٌ ، قالت سارة: ما آية ذلك؟ قال: فأخذ بيده عودًا يابسا فلواه بين أصابعه، فاهتز أخضر، فقال إبراهيم: هُو لله إذا ذبيحًا.18329- حدثنا ابن حميد قال ، حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق، قال: فَضَحِكَتْ ، يعني سارَة لما عرفت من أمر الله جل ثناؤه ولمَا تعلم من قوم لوط ، فبشروها بإسحاق ومن وراء إسحاق يعقوب ، بابن وبابن ابن. فقالت وصكت وجهها ، يقال: ضربت على جبينها ، : يَا وَيْلَتَى أَأَلِدُ وَأَنَا عَجُوزٌ ، إلى قوله: إِنَّهُ حَمِيدٌ مَجِيدٌ .* * *واختلفت القراء في قراءة ذلك، فقرأته عامة قراء العراق والحجاز: (وَمِنْ وَرَاءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبُ ) ، برفع " يعقوب "، ويعيد ابتداء الكلام بقوله.(ومن وراء إسحاق يعقوب) ، وذلك وإن كان خبرًا مبتدأ، ففيه دلالة على معنى التبشير.* * *وقرأه بعض قراء أهل الكوفة والشأم، (وَمِنْ وَرَاءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوب ) نصبًا .* * *فأما الشامي منهما ، فذكر أنه كان ينحو ب " يعقوب " نحو النصب بإضمار فعل آخر مشاكل للبشارة، كأنه قال: ووهبنا له من وراء إسحاق يعقوب. فلما لم يظهر " وهبنا " عمل فيه " التبشير " وعطف به على موضع " إسحاق "، إذ كان " إسحاق " وإن كان مخفوضًا ، فإنه بمعنى المنصوب بعمل " بشرنا " ، فيه، كما قال الشاعر: (51)جِئْنِي بِمِثْلِ بَنِي بَدْرٍ لِقَوْمِهِمِأَوْ مِثْلِ أُسَْرِة مَنْظُورِ بنِ سَيَّارِأَوْ عَامِرَ بْنَ طُفَيْلٍ فِي مُرَكَّبِهِأَوْ حَارِثًا , يَوْمَ نَادَى القَوْمُ: يَا حَارِ (52)* * *وأما الكوفي منهما فإنه قرأه بتأويل الخفض فيما ذكر عنه، غير أنه نصبه لأنه لا يجرى. وقد أنكر ذلك أهل العلم بالعربية من أجل دخول الصفة بين حرف العطف والاسم . (53) وقالوا: خطأ أن يقال: " مررت بعمرٍو في الدَّار وفي الدار زيد " وأنت عاطف ب " زيد " على " عمرو "، إلا بتكرير الباء وإعادتها، فإن لم تعد كان وجه الكلام عندهم الرفع، وجاز النصب، فإن قُدم الاسم على الصفة جاز حينئذ الخفض، وذلك إذا قلت: " مررت بعمرو في الدار وزيد في البيت ". وقد أجاز الخفضَ والصفةُ معترضةٌ بين حرف العطف والاسم ، بعضُ نحويي البصرة.* * *قال أبو جعفر : وأولى القراءتين في ذلك بالصواب عندي قراءة من قرأه رفعًا، لأن ذلك هو الكلام المعروف من كلام العرب، والذي لا يتناكره أهل العلم بالعربية، وما عليه قراءة الأمصار. فأما النَّصب فيه فإن له وجهًا، غير أنِّي لا أحبُّ القراءة به، لأن كتاب الله نزلَ بأفصح ألسُن العرب، والذي هو أولى بالعلم بالذي نزل به من الفصاحة.------------------------الهوامش:(41) هكذا هنا : " ساروج " ، وفي غيره : " ساروغ " ، وهو الأكثر .(42) الأثر : 18314 - رواه أبو جعفر في تاريخه 1 : 128 .(43) الأثر : 18320 - " علي بن هارون " ، مضى برقم : 6521 . وكتبت هناك أني أظنه " يزيد بن هارون " ، وهذا ظن خطأ ، دل عليه هذا الإسناد ، فهو هناك أيضًا : " سعيد بن عمرو السكوني ، عن بقية بن الوليد ، عن علي بن هارون " ، ومثل هذا الخطأ لا يكاد يتفق على بعد ما بين الكلامين . والصواب أن " علي بن هارون " مجهول ، فإن " بقية بن الوليد " مشهور بالرواية عن هؤلاء المجهولين ، وكان يحدث بالمناكير عن هؤلاء المجاهيل ، وكان يأخذ عن كل من أدبر وأقبل . فهذا " علي بن هارون " ممن أدبر أو أقبل ! ! وأما " عمرو بن الأزهر العتكي " ، فهو كذاب يضع الحديث ، وكان أبو سعيد الحداد يقول : " كان عمرو بن الأزهر يكذب مجاوبة " ، قيل له : " كيف هذا " ؟ قال : " رجل أسلم ثوبًا إلى حائك ينسجه " ! ! مترجم في ابن أبي حاتم 3 / 1 / 221 ، وتاريخ بغداد 12 : 193 ، وميزان الاعتدال 2 : 281 ، ولسان الميزان 4 : 353 . فهذا خبر هالك من جميع نواحيه .(44) هذه مقالة الفراء في معاني القرآن ، في تفسير الآية .(45) في المطبوعة : " الضحك العجب " وفي المخطوطة: " العسب " سيئة الكتابة ، كأنه لم يحسن قراءة المخطوطة التي نقل عنها ، والبيت الذي استشهد به دال على صواب ما أثبتناه .(46) ديوانه ( ديوان الهذليين ) 1 : 42 ، واللسان (ضحك ) ، وغيرهما ، من قصيدة من عجائبه ، ذكر في آخرها الخمر ، وكيف تزودها من أهل مصر وغزة ، وأقبل بها يقطع الأرض ، حتى بات بمزدلفة ( جمع ) ، ومنى ، فقال قبل البيت :فَبَاتَ بِجَمْعٍ , ثُمَّ تَمَّ إِلَى مِنًىفأَصْبَحَ رَأْدًا يَبْتَغِي المِزْجَ بالسَّحْلوقوله : " رأدًا " ، أي طالبًا ، و " المزج " العسل يمزج بالخمر، و"السحل" يعني ينقد الدراهم، يقول: فلما طلب ذلك "المزج" اشترى بماله مزجا أي : عسلًا ، كأنه ثغر حسناء في بياضه وصفائه ورقته . هكذا قالوا ، وفي النفس منه شيء . وأجود منه عندي أن يقال إن " الضحك " في هذا البيت ، هو طلع النخل حين ينشق عما في جوفه ، وهو أبيض شديد البياض والنقاء .(47) لم أعرف قائله .(48) اللسان ( ضحك ) .(49) اللسان (ضحك) ، من قصيدة له مشهورة ، لم أجدها مجموعة في مكان ، ويزعمون أن الضبع تحيض ، إذا أكلت لحوم الناس أو شربت دماءهم . وكان ابن دريد يرد هذا ويقول : من شاهد الضباع عند حيضها فيعلم أنها تحيض ؟(50) الأثر : 18322- "أبو اليسع" إسماعيل بن حماد بن أبي المغيرة ، مولى الأشعري" ، لم أجده في مكان آخر . والذي وجدته :"إسماعيل بن حماد بن أبي سليمان ، مولى الأشعري " مترجم في التهذيب ، والكبير 1/1/351، وابن أبي حاتم 1/1/ 164، وروى عنه " عمر بن علي بن مقدم "، ولم يرو عنه "عمرو بن علي الفلاس" ، وإذًا فليس هو هو. فيبقى مجهولًا حتى نجد له ترجمة.(51) هو جرير .(52) ديوانه : 312 ، 313 ، ونقائض جرير والأخطل : 144 ، وسيبويه 1 : 48 ، 86 ، والفراء في معاني القرآن ، في تفسير الآية : من جياد قصائده في هجاء الأخطل ، يقول له :لاَ تَفْخَرَنَّ , فإنَّ اللهَ أنْزَلكُمْيَا خُزْرَ تَغْلِبَ دَارَ الذُّلِّ والعَارِمَا فِيكُمُ حَكَمٌ تُرْضَى حُكُومَتُهُلِلمُسْلِمينَ , ولاَ مُسْتَشْهَدٌ شَارِيثم يقول البيتين ، وبينهما بيت ثالث :أوْ مَثْلَ آلِ زُهَيْرٍ , والقَنا قِصَدٌوَالخَيْلُ في رَهَجٍ مِنْهَا وَإِعْصَارِوهو في هذه القصيدة يفخر ببني قيس عيلان بن مضر بن نزار جميعًا ، على بني ربيعة بن نزار ، وهم جذم الأخطل التغلبي . فذكر " بني بدر " ، الفزاريين من قيس عيلان ، و" منظور بن سيار الفزاري " ، و" آل الزهير بن جذيمة " ، العبسيين ، و" عامر بن الطفيل " من بني جعفر بن كلاب ، و" الحارث بن ظالم المري "، من بني ذبيان ، ثم تابع ذكر سائر قبائل قيس .(53) " الصفة " يعني حرف الجر ، كما سلف مرارًا ، انظر فهارس المصطلحات .
﴿ وامرأته قائمة فضحكت فبشرناها بإسحاق ومن وراء إسحاق يعقوب ﴾