وكثير من القرى عصى أهلها أمر الله وأمر رسوله وتمادَوا في طغيانهم وكفرهم، فحاسبناهم على أعمالهم في الدنيا حسابًا شديدًا، وعذَّبناهم عذابًا عظيمًا منكرًا، فتجرَّعوا سوء عاقبة عتوهم وكفرهم، وكان عاقبة كفرهم هلاكًا وخسرانًا لا خسران بعده.
﴿ تفسير الجلالين ﴾
«وكأين» هي كاف الجر دخلت على أي بمعنى كم «من قرية» أي وكثير من القرى «عتت» عصت يعني أهلها «عن أمر ربها ورسله فحاسبناها» في الآخرة وإن لم تجيء لتحقيق وقوعها «حسابا شديدا وعذبناها عذابا نكرا» بسكون الكاف وضمها فظيعا وهو عذاب النار.
﴿ تفسير السعدي ﴾
يخبر تعالى عن إهلاكه الأمم العاتية، والقرون المكذبة للرسل أن كثرتهم وقوتهم، لم تنفعهم شيئًا، حين جاءهم الحساب الشديد، والعذاب الأليم، وأن الله أذاقهم من العذاب ما هو موجب أعمالهم السيئة.
﴿ تفسير البغوي ﴾
قوله - عز وجل - : ( وكأين من قرية عتت ) عصت وطغت ( عن أمر ربها ورسله ) أي وأمر رسله ( فحاسبناها حسابا شديدا ) بالمناقشة والاستقصاء ، قال مقاتل : حاسبها بعملها في الدنيا فجازاها بالعذاب ، وهو قوله : ( وعذبناها عذابا نكرا ) منكرا فظيعا ، وهو عذاب النار . لفظهما ماض ومعناهما الاستقبال .وقيل : في الآية تقديم وتأخير مجازها : فعذبناها في الدنيا بالجوع والقحط والسيف وسائر البلايا وحاسبناها في الآخرة حسابا شديدا .
﴿ تفسير الوسيط ﴾
وكلمة كَأَيِّنْ اسم لعدد كثير منهم، يفسره ما بعده، فهي بمعنى «كم» الخبرية التي تفيد التكثير، وهي مبتدأ، وقوله مِنْ قَرْيَةٍ تمييز لها.وجملة عَتَتْ عَنْ أَمْرِ رَبِّها خبر للمبتدأ. والعتو: الخروج عن الطاعة، يقال: عتا فلان يعتو عتوا وعتيا. إذا تجبر وطغى وتجاوز الحدود في الاستكبار والعناد.والمراد بالقرية: أهلها، على سبيل المجاز المرسل، من إطلاق المحل وإرادة الحال، فهو كقوله- تعالى-: وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ الَّتِي كُنَّا فِيها.والقرينة على أن المراد بالقرية أهلها، قوله- تعالى- بعد ذلك: أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ عَذاباً شَدِيداً....والمراد بالمحاسبة في قوله فَحاسَبْناها ... المجازاة والمعاقبة الدنيوية على أعمالهم، بدليل قوله- تعالى- عن العذاب الأخروى بعد ذلك أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ عَذاباً شَدِيداً....ويجوز أن يراد بالمحاسبة هنا: العذاب الأخروى، وجيء بلفظ الماضي على سبيل التأكيد وتحقق الوقوع، كما في قوله- تعالى-: وَنادى أَصْحابُ الْجَنَّةِ أَصْحابَ النَّارِ....ويكون قوله- سبحانه-: أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ عَذاباً شَدِيداً ... تكريرا للوعيد.والمعنى: وكثير من أهل القرى الماضية، خرجوا عن طاعة ربهم، وعصوا رسله، فكانت نتيجة ذلك أن سجلنا عليهم أفعالهم تسجيلا دقيقا، وجازيناهم عليها جزاء عادلا، بأن عذبناهم عذابا فظيعا. وعاقبناهم عقابا نكرا..والشيء النكر بضمتين وبضم فسكون- ما ينكره العقل من شدة كيفية حدوثه إنكارا عظيما.
﴿ تفسير ابن كثير ﴾
يقول تعالى متوعدا لمن خالف أمره ، وكذب رسله ، وسلك غير ما شرعه ، ومخبرا عما حل بالأمم السالفة بسبب ذلك ، فقال : ( وكأين من قرية عتت عن أمر ربها ورسله ) أي : تمردت وطغت واستكبرت عن اتباع أمر الله ومتابعة رسله ، ( فحاسبناها حسابا شديدا وعذبناها عذابا نكرا ) أي : منكرا فظيعا .
﴿ تفسير القرطبي ﴾
قوله تعالى : وكأين من قرية لما ذكر الأحكام ذكر وحذر مخالفة الأمر ، وذكر عتو قوم وحلول العذاب بهم . وقد مضى القول في " كأين " في " آل عمران " والحمد لله .عتت عن أمر ربها ورسله أي عصت ; يعني القرية ، والمراد أهلها .فحاسبناها حسابا شديدا أي جازيناها بالعذاب في الدنياوعذبناها عذابا نكرا في الآخرة . وقيل : في الكلام تقديم وتأخير ; فعذبناها عذابا نكرا في الدنيا بالجوع والقحط والسيف والخسف والمسخ وسائر المصائب ، وحاسبناها في الآخرة حسابا شديدا . والنكر : المنكر . وقرئ مخففا ومثقلا ; وقد مضى في سورة " الكهف " .
﴿ تفسير الطبري ﴾
يقول تعالى ذكره: سَيَجْعَلُ اللَّهُ للمقلّ من المال المقدور عليه رزقه بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا يقول: من بعد شدّة رخاء، ومن بعد ضيق سعة، ومن بعد فقر غنى.وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.* ذكر من قال ذلك:حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا بعد الشدة الرخاء.وقوله: ( وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ عَتَتْ عَنْ أَمْرِ رَبِّهَا وَرُسُلِهِ ) يقول تعالى ذكره: وكأين من أهل قرية طغوا عن أمر ربهم وخالفوه، وعن أمر رسل ربهم، فتمادوا في طغيانهم وعتّوهم، ولجوا في كفرهم.وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.* ذكر من قال ذلك:حدثنا محمد بن الحسين، قال: ثنا أحمد بن المفضل، قال: ثنا أسباط عن السدي، في قوله: ( وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ عَتَتْ عَنْ أَمْرِ رَبِّهَا وَرُسُلِهِ ) قال: غَيَّرت وَعَصَت.حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال، قال ابن زيد، في قوله: ( وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ عَتَتْ عَنْ أَمْرِ رَبِّهَا وَرُسُلِهِ فَحَاسَبْنَاهَا حِسَابًا شَدِيدًا ) قال: العتو هاهنا الكفر والمعصية، عتُوّا: كفرًا، وعتت عن أمر ربها: تركته ولم تقبله.وقيل: إنهم كانوا قومًا خالفوا أمر ربهم في الطلاق، فتوعد الله بالخبر عنهم هذه الأمة أن يفعل بهم فعله بهم إن خالفوا أمره في ذلك.* ذكر من قال ذلك:حدثني ابن عبد الرحيم البرقي، قال: ثنا عمرو بن أبي سلمة، قال: سمعت عمر بن سليمان يقول في قوله: ( وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ عَتَتْ عَنْ أَمْرِ رَبِّهَا وَرُسُلِهِ ) قال: قرية عذّبت في الطلاق.وقوله: ( فَحَاسَبْنَاهَا حِسَابًا شَدِيدًا ) يقول: فحاسبناها على نعمتنا عندها وشكرها حسابًا شديدًا، يقول: حسابًا استقصينا فيه عليهم، لم نعف لهم فيه عن شيء، ولم نتجاوز فيه عنهم.كما حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال، قال ابن زيد، قوله: ( فَحَاسَبْنَاهَا حِسَابًا شَدِيدًا ) قال: لم نعف عنها الحساب الشديد الذي ليس فيه من العفو شيء.حدثني عليّ، قال: ثنا أَبو صالح، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس، قوله: ( فَحَاسَبْنَاهَا حِسَابًا شَدِيدًا ) يقول: لم نرحم.وقوله: ( وَعَذَّبْنَاهَا عَذَابًا نُكْرًا ) يقول: وعذبناها عذابًا عظيمًا منكرًا، وذلك عذاب جهنم.
﴿ وكأين من قرية عتت عن أمر ربها ورسله فحاسبناها حسابا شديدا وعذبناها عذابا نكرا ﴾