فأما إن كان الميت من السابقين المقربين، فله عند موته الرحمة الواسعة والفرح وما تطيب به نفسه، وله جنة النعيم في الآخرة.
﴿ تفسير الجلالين ﴾
«فروْح» أي فله استراحة «وريحان» رزق حسن «وجنة نعيم» وهل الجواب لأما أو لإن أو لهما؟ أقوال.
﴿ تفسير السعدي ﴾
ف لهم رَوْحٌ أي: راحة وطمأنينة، وسرور وبهجة، ونعيم القلب والروح، وَرَيْحَانٌ وهو اسم جامع لكل لذة بدنية، من أنواع المآكل والمشارب وغيرهما، وقيل: الريحان هو الطيب المعروف، فيكون تعبيرا بنوع الشيء عن جنسه العام وَجَنَّةُ نَعِيمٍ جامعة للأمرين كليهما، فيها ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر، فيبشر المقربون عند الاحتضار بهذه البشارة، التي تكاد تطير منها الأرواح من الفرح والسرور.كما قال تعالى: إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أن لَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ نُزُلًا مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ وقد أول قوله تبارك تعالى: لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ أن هذه البشارة المذكورة، هي البشرى في الحياة الدنيا.
﴿ تفسير البغوي ﴾
( فروح ) قرأ يعقوب " فروح " بضم الراء والباقون بفتحها ، فمن قرأ بالضم ، قال الحسن معناه : تخرج روحه في الريحان ، وقال قتادة : الروح الرحمة أي له الرحمة ، وقيل : معناه فحياة وبقاء لهم .ومن قرأ بالفتح معناه : فله روح وهو الراحة ، وهو قول مجاهد . وقال سعيد بن جبير : فرح . وقال الضحاك : مغفرة ورحمة .( وريحان ) استراحة . وقال مجاهد وسعيد بن جبير : رزق . وقال مقاتل : هو الرزق بلسان حمير ، يقال : خرجت أطلب ريحان الله أي رزق الله .وقال آخرون : هو الريحان الذي يشم . قال أبو العالية : لا يفارق أحد من المقربين الدنيا حتى يؤتى بغصن من ريحان الجنة فيشمه ثم تقبض روحه . .( وجنة نعيم ) قال أبو بكر الوراق : " الروح " النجاة من النار ، و " الريحان " دخول دار القرار .
﴿ تفسير الوسيط ﴾
ثم تمضى السورة الكريمة بعد ذلك ، فى بيان مصير هذه الروح ، التى توشك أن تستدبر الحياة الفانية ، وتستقبل الحياة الباقية فتقول : ( فَأَمَّآ إِن كَانَ مِنَ المقربين فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ وَجَنَّتُ نَعِيمٍ ) .والروح : بمعنى الراحة والأمان والاطمئنان والريحان شجر طيب الرائحة .أى : فأما إن كان صاحب هذه النفس التى فارقت الدنيا ، من المقربين إلينا السابقين بالخيرات . . . فله عندنا راحة لا تقاربها راحة ، وله رحمة واسعة ، وله طيب رائحة عند قبض روحه ، وعند نزوله فى قبره ، وعند وقوله بين أيدينا للحساب يوم الدين ، وله جنات ينعم فيها بما لا عين رأت ، ولا أذن سمعت ، ولا خطر على قلب بشر .
﴿ تفسير ابن كثير ﴾
( فروح وريحان وجنة نعيم ) أي : فلهم روح وريحان ، وتبشرهم الملائكة بذلك عند الموت ، كما تقدم في حديث البراء : أن ملائكة الرحمة تقول : " أيتها الروح الطيبة في الجسد الطيب كنت تعمرينه ، اخرجي إلى روح وريحان ، ورب غير غضبان " .قال علي بن طلحة ، عن ابن عباس : ( فروح ) يقول : راحة وريحان ، يقول : مستراحة . وكذا قال مجاهد : إن الروح : الاستراحة .وقال أبو حزرة : الراحة من الدنيا . وقال سعيد بن جبير ، والسدي : الروح : الفرح . وعن مجاهد : ( فروح وريحان ) : جنة ورخاء . وقال قتادة : فروح ورحمة . وقال ابن عباس ، ومجاهد ، وسعيد بن جبير : ( وريحان ) : ورزق .وكل هذه الأقوال متقاربة صحيحة ، فإن من مات مقربا حصل له جميع ذلك من الرحمة والراحة والاستراحة ، والفرح والسرور والرزق الحسن ، ( وجنة نعيم ) .وقال أبو العالية : لا يفارق أحد من المقربين حتى يؤتى بغصن من ريحان الجنة ، فيقبض روحه فيه .وقال محمد بن كعب : لا يموت أحد من الناس حتى يعلم أمن أهل الجنة هو أم [ من ] أهل النار ؟وقد قدمنا أحاديث الاحتضار عند قوله تعالى في سورة إبراهيم : ( يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت [ في الحياة الدنيا وفي الآخرة ] ) [ إبراهيم : 27 ] ، ، ولو كتبت هاهنا لكان حسنا ! ومن جملتها حديث تميم الداري ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول : " يقول الله لملك الموت : انطلق إلى فلان فأتني به ، فإنه قد جربته بالسراء والضراء فوجدته حيث أحب ، ائتني به فلأريحنه ، قال : فينطلق إليه ملك الموت ومعه خمسمائة من الملائكة ، معهم أكفان وحنوط من الجنة ، ومعهم ضبائر الريحان ، أصل الريحانة واحد وفي رأسها عشرون لونا ، لكل لون منها ريح سوى ريح صاحبه ، ومعهم الحرير الأبيض فيه المسك " .وذكر تمام الحديث بطوله كما تقدم ، وقد وردت أحاديث تتعلق بهذه الآية : قال الإمام أحمد :حدثنا يونس بن محمد ، حدثنا هارون ، عن بديل بن ميسرة ، عن عبد الله بن شقيق ، عن عائشة أنها سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقرأ : " فروح وريحان " برفع الراء .وكذا رواه أبو داود ، والترمذي ، والنسائي من حديث هارون - وهو ابن موسى الأعور - به ، وقال الترمذي : لا نعرفه إلا من حديثه .وهذه القراءة هي قراءة يعقوب وحده ، وخالفه الباقون فقرءوا : ( فروح ) بفتح الراء .وقال الإمام أحمد : حدثنا حسن ، حدثنا ابن لهيعة ، حدثنا أبو الأسود محمد بن عبد الرحمن بن نوفل : أنه سمع درة بنت معاذ تحدث عن أم هانئ : أنها سألت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : أنتزاور إذا متنا ويرى بعضنا بعضا ؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " تكون النسم طيرا يعلق بالشجر ، حتى إذا كان يوم القيامة دخلت كل نفس في جسدها " .هذا الحديث فيه بشارة لكل مؤمن ، ومعنى " يعلق " : يأكل ، ويشهد له بالصحة أيضا ما رواه الإمام أحمد ، عن الإمام محمد بن إدريس الشافعي ، عن الإمام مالك بن أنس ، عن الزهري ، عن عبد الرحمن بن كعب بن مالك ، عن أبيه ، عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : " إنما نسمة المؤمن طائر يعلق في شجر الجنة حتى يرجعه الله إلى جسده يوم يبعثه " . وهذا إسناد عظيم ، ومتن قويم .وفي الصحيح : أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : " إن أرواح الشهداء في حواصل طير خضر تسرح في الجنة حيث شاءت ، ثم تأوي إلى قناديل معلقة بالعرش " الحديث .وقال الإمام أحمد : حدثنا عفان ، حدثنا همام ، حدثنا عطاء بن السائب قال : كان أول يوم عرفت فيه عبد الرحمن بن أبي ليلى : رأيت شيخا أبيض الرأس واللحية على حمار ، وهو يتبع جنازة ، فسمعته يقول : حدثني فلان بن فلان ، سمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : " من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه ، ومن كره لقاء الله كره الله لقاءه " . قال : فأكب القوم يبكون فقال : " ما يبكيكم ؟ " فقالوا : إنا نكره الموت . قال : " ليس ذاك ، ولكنه إذا حضر ( فأما إن كان من المقربين فروح وريحان وجنة نعيم ) ، فإذا بشر بذلك أحب لقاء الله عز وجل ، والله عز وجل للقائه أحب ( وأما إن كان من المكذبين الضالين فنزل من حميم [ وتصلية جحيم ] ) فإذا بشر بذلك كره لقاء الله ، والله للقائه أكره .هكذا رواه الإمام أحمد ، وفي الصحيح عن عائشة - رضي الله عنها - شاهد لمعناه .
﴿ تفسير القرطبي ﴾
فروح وريحان وجنة نعيم وقراءة العامة فروح بفتح الراء ومعناه عند ابن عباس وغيره : فراحة من الدنيا . قال الحسن : الروح : الرحمة . الضحاك : الروح : الاستراحة . القتبي : المعنى : له في القبر طيب نسيم . وقال أبو العباس بن عطاء : الروح : النظر إلى وجه الله ، والريحان : الاستماع لكلامه ووحيه ، وجنة نعيم : هو ألا يحجب فيها عن الله عز وجل . وقرأ الحسن وقتادة ونصر بن عاصم والجحدري ورويس وزيد عن يعقوب " فروح " بضم الراء ، ورويت عن ابن عباس . قال الحسن : الروح : الرحمة ، لأنها كالحياة للمرحوم . وقالت عائشة رضي الله عنها : قرأ النبي صلى الله عليه وسلم " فروح " بضم الراء ، ومعناه : فبقاء له وحياة في الجنة ، وهذا هو الرحمة . وريحان قال مجاهد وسعيد بن جبير : أي : رزق . قال مقاتل : هو الرزق بلغة حمير ، يقال : خرجت أطلب ريحان الله أي : رزقه ، قال النمر بن تولب :سلام الإله وريحانه ورحمته وسماء درروقال قتادة : إنه الجنة . الضحاك : الرحمة . وقيل : هو الريحان المعروف الذي يشم ؛ قاله الحسن وقتادة أيضا . الربيع بن خثيم : هذا عند الموت ، والجنة مخبوءة له إلى أن يبعث . أبو الجوزاء : هذا عند قبض روحه يتلقى بضبائر الريحان . أبو العالية : لا يفارق أحد روحه من المقربين في الدنيا حتى يؤتى بغصنين من ريحان فيشمهما ثم يقبض روحه فيهما ، وأصل " ريحان " واشتقاقه تقدم في أول سورة ( الرحمن ) فتأمله . وقد سرد الثعلبي في الروح والريحان أقوالا كثيرة سوى ما ذكرنا من أرادها وجدها هناك .
﴿ تفسير الطبري ﴾
واختلف أهل التأويل في تأويل قوله: ( فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ ) فقال بعضهم: معنى ذلك: فراحة ومستراح.* ذكر من قال ذلك:حدثني عليّ، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس ( فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ ) يقول: راحة ومستراح.حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله: ( فَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ * فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ ) قال: يعني بالريحان: المستريح من الدنيا( وَجَنَّةُ نَعِيمٍ ) يقول: مغفرة ورحمة.وقال آخرون: الرَّوح: الراحة، والرَّيحان: الرزق.* ذكر من قال ذلك:حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى؛ وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعًا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قوله: ( فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ ) قال: راحة: وقوله: وريحان قال: الرزق.وقال آخرون: الرَّوْح: الفرح، والرَّيْحان: الرزق.* ذكر من قال ذلك:حدثنا أبو كُريب، قال: ثنا إدريس، قال: سمعت أبي، عن أبي إسحاق، عن سعيد بن جبير، في قوله: ( فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ ) قال: الرَّوْح: الفرح، والرَّيحان: الرزق.وأما الذين قرءوا ذلك بضم الراء فإنهم قالوا: الرُّوح: هي روح الإنسان، والرَّيحان: هو الريحان المعروف: وقالوا: معنى ذلك: أن أرواح المقرّبين تخرج من أبدانهم عند الموت برَيحان تشمه.* ذكر من قال ذلك:حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا المعتمر، عن أبيه، عن الحسن ( فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ ) قال: تخرج روحه في ريحانة.حدثنا ابن حُميد، قال: ثنا مهران، عن أبي جعفر، عن الربيع، عن أبي العالية ( فَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ ) قال: لم يكن أحد من المقرّبين يفارق الدنيا، والمقربون السابقون، حتى يؤتى بغصن من ريحان الجنة فيشمه، ثم يُقبض.وقال آخرون ممن قرأ ذلك بفتح الراء: الرَّوْح: الرحمة، والرَّيحان: الريحان المعروف.* ذكر من قال ذلك:حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة ( فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ ) قال: الروح: الرحمة، والرَّيحان: يتلقى به عند الموت.وقال آخرون منهم: الرَّوْح: الرحمة، والرَّيحان: الاستراحة.* ذكر من قال ذلك:حُدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: ثنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول ( فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ ) الرَّوْح: المغفرة والرحمة، والرَّيحان: الاستراحة.حدثنا ابن حُميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن أبيه، عن منذر الثوريّ، عن الربيع بن خثيم ( فَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ ) قال: هذا عند الموت ( فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ ) قال: يُجاء له من الجنة.حدثنا ابن بشار، قال: ثنا أبو عامر، قال: ثنا قرة، عن الحسن، في قوله: ( فَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ * فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ وَجَنَّةُ نَعِيمٍ ) قال: ذلك في الآخرة، فقال له بعض القوم قال: أما والله إنهم ليرون عند الموت.حدثنا ابن بشار، قال: ثنا حماد، قال: ثنا قرة، عن الحسن، بمثله.وأولى الأقوال في ذلك بالصواب عندي: قول من قال: عني بالرَّوْح: الفرح والرحمة والمغفرة، وأصله من قولهم: وجدت روحا: إذا وجد نسيما يستروح إليه من كرب الحرّ. وأما الريحان، فإنه عندي الريحان الذي يتلقى به عند الموت، كما قال أبو العالية والحسن، ومن قال في ذلك نحو قولهما، لأن ذلك الأغلب والأظهر من معانيه.وقوله: ( وَجَنَّةُ نَعِيمٍ ) يقول: وله مع ذلك بستان نعيم يتنعم فيه.حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد: وجنة نعيم قال: قد عُرِضت عليه .