تفسير سورة الفلقمقدمة وتمهيد1- سورة «الفلق» تسمى- أيضا- سورة «قل أعوذ برب الفلق» وتسمى هي والتي بعدها بالمعوّذتين، وكان نزولهما على الترتيب الموجود في المصحف. ويرى الحسن وعطاء وعكرمة أنهما مكيتان، ويرى قتادة وجماعة أنهما مدنيتان . . . قال الآلوسى عند تفسيره لهذه السورة: هي مكية في قول الحسن . . . ومدنية في رواية عن ابن عباس. وفي قول قتادة وجماعة، وهو الصحيح، لأن سبب نزولها سحر اليهود . . . . وقد سار السيوطي في إتقانه على أنهما مكيتان، وأن نزول سورة الفلق كان بعد نزول سورة «الفيل» وقبل سورة «الناس» ، وأن نزول سورة «الناس» كان بعد سورة «الفلق» وقبل سورة «الصمد» . 2- وعدد آياتها خمس آيات، والغرض الأكبر منها: تعليم النبي صلى الله عليه وسلم كيف يستعيذ بالله- تعالى- من شرور الحاقدين والجاحدين والسحرة والفاسقين عن أمر ربهم . . . والفلق: أصله شق الشيء عن الشيء، وفصل بعض عن بعض، والمراد به هنا:الصبح، وسمى فلقا لانفلاق الليل وانشقاقه عنه، كما في قوله- تعالى-: فالِقُ الْإِصْباحِ أى: شاقّ ظلمة آخر الليل عن بياض الفجر . . . ويصح أن يكون المراد به، كل ما يفلقه الله- تعالى- من مخلوقات كالأرض التي تنفلق عن النبات، والجبال التي تنفلق عن عيون الماء . . . أى: قل- أيها الرسول الكريم- أعوذ وأستجير وأعتصم، بالله- تعالى- الذي فلق الليل، فانشق عنه الصباح، والذي هو رب جميع الكائنات، ومبدع كل المخلوقات . . .
﴿ تفسير البغوي ﴾
مدنية( قل أعوذ برب الفلق ) قال ابن عباس ، وعائشة - رضي الله عنهما - : كان غلام من اليهود يخدم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - [ فدبت ] إليه اليهود ، فلم يزالوا به حتى أخذ مشاطة رأس النبي - صلى الله عليه وسلم - وعدة أسنان من مشطه ، فأعطاها اليهود فسحروه فيها ، وتولى ذلك لبيد بن الأعصم ، رجل من يهود ، فنزلت السورتان فيهأخبرنا أبو حامد أحمد بن عبد الله الصالحي ، أخبرنا أبو سعيد محمد بن موسى الصيرفي ، حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب الأصم ، حدثنا محمد بن عبد الله بن [ عبد الحكم ] أخبرنا أنس بن عياض عن [ هشام ] عن أبيه عن عائشة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - : طب حتى أنه ليخيل إليه أنه قد صنع شيئا وما صنعه ، وأنه دعا ربه ، ثم قال : أشعرت أن الله تعالى أفتاني فيما استفتيته فيه ؟ فقالت عائشة : وما ذاك يا رسول الله ؟ قال : جاءني رجلان فجلس أحدهما عند رأسي والآخر عند رجلي . فقال أحدهما لصاحبه : ما وجع الرجل ؟ قال الآخر : هو مطبوب . قال : من طبه ؟ قال لبيد بن الأعصم قال : في ماذا ؟ قال : في مشط ومشاطة وجف طلعة ذكر . قال : فأين هو ؟ قال : في ذروان - وذروان بئر في بني زريق - قالت عائشة : فأتاها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثم رجع إلى عائشة ، فقال : والله لكأن ماءها نقاعة الحناء ، ولكأن نخلها رءوس الشياطين . قالت : فقلت له : يا رسول الله هلا أخرجته ؟ قال : " أما أنا فقد شفاني الله ، فكرهت أن أثير على الناس به شرا " . وروي أنه كان تحت صخرة في البئر ، فرفعوا الصخرة وأخرجوا جف الطلعة ، فإذا فيه مشاطة رأسه ، وأسنان مشطهأخبرنا المطهر بن علي الفارسي ، أخبرنا محمد بن إبراهيم الصالحاني ، حدثنا عبد الله بن محمد بن جعفر أبو الشيخ الحافظ ، أخبرنا ابن أبي عاصم ، حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة ، حدثنا أبو معاوية عن الأعمش عن يزيد بن حيان بن أرقم قال : سحر النبي - صلى الله عليه وسلم - رجل من اليهود ، قال : فاشتكى لذلك أياما . قال : فأتاه جبريل ، فقال : إن رجلا من اليهود سحرك وعقد لك عقدا ، فأرسل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عليا فاستخرجها فجاء بها ، فجعل كلما حل عقدة وجد لذلك خفة ، فقام رسول الله كأنما نشط من عقال ، فما ذكر ذلك لليهود ولا رأوه في وجهه قط . قال مقاتل والكلبي : كان في وتر عقد عليه إحدى عشرة عقدة . وقيل : كانت العقد مغروزة بالإبرة ، فأنزل الله هاتين السورتين وهما إحدى عشرة آية . سورة الفلق خمس آيات ، وسورة الناس ست آيات ، كلما قرئت آية انحلت عقدة ، حتى انحلت العقد كلها ، فقام النبي - صلى الله عليه وسلم - كأنما نشط من عقال . وروي : أنه لبث فيه ستة أشهر واشتد عليه ثلاث ليال ، فنزلت المعوذتان . أخبرنا إسماعيل بن عبد القاهر ، أخبرنا عبد الغافر بن محمد ، أخبرنا محمد بن عيسى الجلودي ، حدثنا إبراهيم بن محمد بن سفيان ، حدثنا مسلم بن الحجاج ، حدثنا بشر بن هلال الصواف ، حدثنا [ عبد الوارث ] حدثنا عبد العزيز بن صهيب ، عن أبي نضرة ، عن أبي سعيد : أن جبريل - عليه السلام - أتى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال : يا محمد اشتكيت ؟ قال : نعم ، فقال : " بسم الله أرقيك من كل شيء يؤذيك من شر كل نفس أو عين حاسد الله يشفيك ، بسم الله أرقيك والله يشفيك " . قوله - عز وجل - : ( قل أعوذ برب الفلق ) أراد بالفلق : الصبح ، وهو قول جابر بن عبد الله والحسن ، وسعيد بن جبير ، ومجاهد ، وقتادة ، وأكثر المفسرين ، وهي رواية العوفي عن ابن عباس ، بدليل قوله " فالق الإصباح " . وروي عن ابن عباس : إنه سجن في جهنم . وقال الكلبي : واد في جهنم . وقال الضحاك : يعني الخلق ، وهي رواية الوالبي عن ابن عباس ، والأول هو المعروف .