﴿ إذ رأى نارا فقال لأهله امكثوا إني آنست نارا لعلي آتيكم منها بقبس أو أجد على النار هدى ﴾
﴿ تفسير السعدي ﴾
فَقَالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ أي: أبصرت نَارًا وكان ذلك في جانب الطور الأيمن، لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْهَا بِقَبَسٍ تصطلون به أَوْ أَجِدُ عَلَى النَّارِ هُدًى أي: من يهديني الطريق. وكان مطلبه، النور الحسي والهداية الحسية، فوجد ثم النور المعنوي، نور الوحي، الذي تستنير به الأرواح والقلوب، والهداية الحقيقية، هداية الصراط المستقيم، الموصلة إلى جنات النعيم، فحصل له أمر لم يكن في حسابه، ولا خطر بباله.
﴿ تفسير الوسيط ﴾
أى: ظهرت له نار من جانب الجبل الذي هناك عن يمينه، فقال لأهله يبشرهم:... امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ ناراً لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْها بِقَبَسٍ أى: شهاب من نار.. .والاستفهام في قوله- سبحانه-: وَهَلْ أَتاكَ.. لتقرير الخبر وتثبيته، وهذا أبلغ عن مجيئه بصورة الخبر المجرد. لأن في الاستفهام التقريرى تطلع واشتياق لمعرفة الخبر.والجملة الكريمة مستأنفة لتأكيد ما سبق الحديث عنه من وحدانية الله- تعالى- ولتسلية الرسول صلّى الله عليه وسلّم عما أصابه من قومه. ببيان جانب من جهاد أخيه موسى- عليه السلام-.والمعنى: لقد أتاك- أيها الرسول الكريم- خبر أخيك موسى، وقت أن رأى نارا وهو عائد ليلا من مدين إلى مصر فَقالَ لِأَهْلِهِ أى لامرأته ومن معها امْكُثُوا أى:أقيموا في مكانكم ولا تبرحوه حتى أعود إليكم.وجملة إِنِّي آنَسْتُ ناراً تعليل للأمر بالمكوث، وآنست من الإيناس بمعنى الإبصار الواضح الجلى. أى: إنى أبصرت إبصارا بينا لا شبهة فيه نارا على مقربة منى، فامكثوا في أماكنكم لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْها بِقَبَسٍ.والقبس: الشعلة التي تؤخذ من النار في طرف عود أو نحوه. ووزنه فعل- بفتح العين- بمعنى مفعول أى: لعلى آتيكم من هذه النار بشعلة مقتبسة منها، ومأخوذة عنها.وقوله: أَوْ أَجِدُ عَلَى النَّارِ هُدىً معطوف على ما قبله.أى: امكثوا في مكانكم حتى أذهب إلى النار التي شاهدتها، لعلى آتيكم منها بشعلة، أو أجد عندها هاديا يهديني الى الطريق الذي أسلكه لكي أصل إلى المكان الذي أريده.فقوله هُدىً مصدر بمعنى اسم الفاعل أى: هاديا.وقد دلت آية أخرى على أن موسى قد ذهب إلى النار ليأتى منها بما يدفئ أهله من البرد.وهذه الآية هي قوله- تعالى-: فَلَمَّا قَضى مُوسَى الْأَجَلَ وَسارَ بِأَهْلِهِ آنَسَ مِنْ جانِبِ الطُّورِ ناراً. قالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ ناراً، لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْها بِخَبَرٍ أَوْ جَذْوَةٍ مِنَ النَّارِ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ « .
﴿ تفسير البغوي ﴾
( إذ رأى نارا ) وذلك أن موسى استأذن شعيبا في الرجوع من مدين إلى مصر لزيارة والدته وأخته ، فأذن له فخرج بأهله وماله ، وكانت أيام الشتاء ، وأخذ على غير الطريق مخافة ملوك الشام ، وامرأته في سقمها ، لا تدري أليلا أم نهارا . فسار في البرية غير عارف بطرقها ، فألجأه المسير إلى جانب الطور الغربي الأيمن في ليلة مظلمة مثلجة شديدة البرد ، وأخذ امرأته الطلق ، فقدح زنده فلم يوره .وقيل : إن موسى كان رجلا غيورا فكان يصحب الرفقة بالليل ويفارقهم بالنهار ، لئلا ترى امرأته ، فأخطأ مرة الطريق في ليلة مظلمة شاتية ، لما أراد الله عز وجل من كرامته ، فجعل يقدح الزند فلا يوري ، فأبصر نارا من بعيد عن يسار الطريق من جانب الطور ، ( فقال لأهله امكثوا ) أقيموا ، قرأ حمزة بضم الهاء هاهنا وفي القصص ، ( إني آنست ) أي : أبصرت ، ( نارا لعلي آتيكم منها بقبس ) شعلة من نار ، والقبس : قطعة من النار تأخذها في طرف عمود من معظم النار ، ( أو أجد على النار هدى ) أي : أجد عند النار من يدلني على الطريق .