﴿ والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان رضي الله عنهم ورضوا عنه وأعد لهم جنات تجري تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا ذلك الفوز العظيم ﴾
﴿ تفسير السعدي ﴾
السابقون هم الذين سبقوا هذة الأمة وبدروها إلى الإيمان والهجرة، والجهاد، وإقامة دين اللّه.مِنَ الْمُهَاجِرِينَ الذين أخرجوا من ديارهم وأموالهم يبتغون فضلا من اللّه ورضوانا، وينصرون اللّه ورسوله أولئك هم الصادقونومن الْأَنْصَارِ الذين تبوأوا الدار والإيمان من قبلهم يحبون من هاجر إليهم، ولا يجدون في صدورهم حاجة مما أوتوا، ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصةوَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ بالاعتقادات والأقوال والأعمال، فهؤلاء، هم الذين سلموا من الذم، وحصل لهم نهاية المدح، وأفضل الكرامات من اللّه.رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ ورضاه تعالى أكبر من نعيم الجنة، وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ الجارية التي تساق إلى سَقْيِ الجنان، والحدائق الزاهية الزاهرة، والرياض الناضرة.خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا لا يبغون عنها حولا، ولا يطلبون منها بدلا، لأنهم مهما تمنوه، أدركوه، ومهما أرادوه، وجدوه.ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ الذي حصل لهم فيه، كل محبوب للنفوس، ولذة للأرواح، ونعيم للقلوب، وشهوة للأبدان، واندفع عنهم كل محذور.
﴿ تفسير الوسيط ﴾
فهذه الآية الكريمة قد مدحت ثلاث طوائف من المسلمين المعاصرين للعهد النبوي.الطائفة الأولى «السابقون الأولون من المهاجرين» وهم الذين تركوا ديارهم وأموالهم بمكة، وهاجروا إلى الحبشة، ثم إلى المدينة من أجل إعلاء كلمة الله واستمروا في المدينة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أن تم الفتح ودخل الناس في دين الله أفواجا.وقيل المراد بهم: الذين صلوا إلى القبلتين، وقيل: الذين شهدوا غزوة بدر.والطائفة الثانية: السابقون الأولون من الأنصار، وهم الذين بايعوا النبي صلى الله عليه وسلم قبل أن يهاجر إليهم إلى المدينة بيعة العقبة الأولى والثانية.وكانت بيعة العقبة الأولى في السنة الحادية عشرة من البعثة، وكان عدد المشتركين فيها سبعة أفراد.أما بيعة العقبة الثانية فكانت في السنة الثانية عشرة من البعثة، وكان عدد المشركين فيها سبعين رجلا وامرأتين.ثم يلي هؤلاء أولئك المؤمنون من أهل المدينة الذين دخلوا في الإسلام على يد مصعب بن عمير، قبل وصول الرسول صلى الله عليه وسلم إليها.ثم يلي هؤلاء جميعا أولئك الذين آمنوا بالنبي صلى الله عليه وسلم بعد مقدمه إلى المدينة.والطائفة الثالثة: «الذين اتبعوهم بإحسان» أى: الذين اتبعوا السابقين في الإسلام من المهاجرين والأنصار، اتباعا حسنا في أقوالهم وأعمالهم وجهادهم ونصرتهم لدعوة الحق.قال الآلوسى ما ملخصه: وكثير من الناس ذهب إلى أن المراد بالسابقين الأولين، جميع المهاجرين والأنصار. ومعنى كونهم سابقين: أنهم أولون بالنسبة إلى سائر المسلمين.روى عن حميد بن زياد قال: قلت يوما لمحمد بن كعب القرظي، ألا تخبرني عن الصحابة فيما كان بينهم من الفتن؟ فقال لي: إن الله- تعالى- قد غفر لجميعهم، وأوجب لهم الجنة في كتابه، محسنهم ومسيئهم، فقلت له: وفي أى موضع أوجب لهم الجنة، فقال: سبحان الله!! ألم تقرأ قوله. تعالى-: وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ.. الآية فقد أوجب. سبحانه لجميع الصحابة الجنة وشرط على تابعيهم أن يقتدوا بهم في أعمالهم الحسنة وألا يقولوا فيهم إلا حسنا لا سوءا.. .وقوله: رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ بيان لسمو منزلتهم، وارتفاع مكانتهم.أى: رضى الله عنهم في إيمانهم وإخلاصهم، فتقبل أعمالهم، ورفع درجاتهم وتجاوز عن زلاتهم، ورضوا عنه، بما أسبغه عليهم من نعم جليلة، وبما نالوه منه. سبحانه. من هداية وثواب.ثم ختم سبحانه الآية الكريمة ببيان ما هيأه لهم في الآخرة من إكرام فقال: وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها أَبَداً. ذلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ.أى: أنه- سبحانه- بجانب رضاه عنهم ورضاهم عنه في الدنيا، قد أعد لهم- سبحانه- في الآخرة جنات تجرى من تحت أشجارها الأنهار خالدين فيها خلودا أبديا وذلك الرضا والخلود في الجنات من الفوز العظيم الذي لا يقاربه فوز، ولا تدانيه سعادة.قال الإمام ابن كثير: أخبر الله- تعالى- في هذه الآية «أنه قد رضى عن السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان. فيا ويل من أبغضهم، أو سبهم، أو أبغض أو سب بعضهم، ولا سيما سيد الصحابة بعد الرسول، وخيرهم وأفضلهم أعنى الصديق الأكبر والخليفة الأعظم أبا بكر بن أبى قحافة، فإن الطائفة المخذولة من الرافضة يعادون أفضل الصحابة، ويبغضونهم ويسبونهم، عياذا بالله من ذلك، وهذا يدل على أن عقولهم معكوسة وقلوبهم منكوسة، فأين هؤلاء من الإيمان بالقرآن إذ يسبون من رضى الله عنهم؟وأما أهل السنة فإنهم يترضون عمن رضى الله عنه، ويسبون من سبه الله ورسوله، ويوالون من يوالى الله، ويعادون من يعادى الله، وهم متبعون لا مبتدعون، وهؤلاء هم حزب الله المفلحون، وعباده المؤمنون .وبهذا نرى أن هذه الآية الكريمة قد مدحت السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار ومن تبعهم بإحسان، وذلك لقوة إيمانهم، وصفاء نفوسهم وإيثارهم ما عند الله على هذه الدنيا وما فيها..ثم تحدثت السورة بعد ذلك عن أصناف أخرى من الناس، منهم قوم. أجادوا النفاق، ومرنوا عليه، ولجوا فيه. ومنهم قوم خلطوا عملا صالحا وآخر سيئا، ومنهم قوم موقوف أمرهم إلى أن يظهر الله حكمه فيهم فقال تعالى:
﴿ تفسير البغوي ﴾
( والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار ) الآية . قرأ يعقوب بالرفع عطفا على قوله : " والسابقون " .واختلفوا في السابقين الأولين ، قال سعيد بن المسيب ، وقتادة ، وابن سيرين وجماعة : هم الذين صلوا إلى القبلتين .وقال عطاء بن أبي رباح : هم أهل بدر .وقال الشعبي : هم الذين شهدوا بيعة الرضوان ، وكانت بيعة الرضوان بالحديبية .واختلفوا في أول من آمن برسول الله صلى الله عليه وسلم بعد امرأته خديجة ، مع اتفاقهم على أنها أول من آمن برسول الله صلى الله عليه وسلم . فقال بعضهم : أول من آمن وصلى علي بن أبي طالب رضي الله عنه ، وهو قول جابر ، وبه قال مجاهد وابن إسحاق ، أسلم وهو ابن عشر سنين .وقال بعضهم : أول من آمن بعد خديجة أبو بكر الصديق رضي الله عنه ، وهو قول ابن عباس وإبراهيم النخعي والشعبي .وقال بعضهم : أول من أسلم زيد بن حارثة ، وهو قول الزهري وعروة بن الزبير .وكان إسحاق بن إبراهيم الحنظلي يجمع بين هذه الأقوال فيقول : أول من أسلم من الرجال أبو بكر رضي الله عنه ، ومن النساء خديجة ، ومن الصبيان علي بن أبي طالب رضي الله عنه ، ومن العبيد زيد بن حارثة .قال ابن إسحاق : فلما أسلم أبو بكر رضي الله عنه أظهر إسلامه ودعا إلى الله وإلى رسوله ، وكان رجلا محببا سهلا وكان أنسب قريش وأعلمها بما كان فيها ، وكان تاجرا ذا خلق ومعروف ، وكان رجال قومه يأتونه ويألفونه لغير واحد من الأمر ؛ لعلمه وحسن مجالسته ، فجعل يدعو إلى الإسلام من وثق به من قومه ، فأسلم على يديه - فيما بلغني - : عثمان بن عفان ، والزبير بن العوام ، وعبد الرحمن بن عوف ، وسعد بن أبي وقاص ، وطلحة بن عبيد الله ، فجاء بهم إلى رسول صلى الله عليه وسلم حين استجابوا له فأسلموا وصلوا ، فكان هؤلاء الثمانية النفر الذين سبقوا إلى الإسلام . ثم تتابع الناس في الدخول في الإسلام ، أما السابقون من الأنصار : فهم الذين بايعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة العقبة ، وكانوا ستة في العقبة الأولى ، وسبعين في الثانية ، والذين آمنوا حين قدم عليهم مصعب بن عمير يعلمهم القرآن ، فأسلم معه خلق كثير وجماعة من النساء والصبيان .قوله عز وجل : ( والسابقون الأولون من المهاجرين ) الذين هاجروا قومهم وعشيرتهم وفارقوا أوطانهم . ( والأنصار ) أي : ومن الأنصار ، وهم الذين نصروا رسول الله صلى الله عليه وسلم على أعدائه من أهل المدينة وآووا أصحابه ، ( والذين اتبعوهم بإحسان ) قيل : هم بقية المهاجرين والأنصار سوى السابقين الأولين .وقيل : هم الذين سلكوا سبيلهم في الإيمان والهجرة أو النصرة إلى يوم القيامة .وقال عطاء : هم الذين يذكرون المهاجرين والأنصار بالترحم والدعاء .وقال أبو صخر حميد بن زياد : أتيت محمد بن كعب القرظي فقلت له : ما قولك في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقال : جميع أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في الجنة محسنهم ومسيئهم ، فقلت من أين تقول هذا؟ فقال : يا هذا اقرأ قول الله تعالى : ( والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار ) إلى أن قال : ( رضي الله عنهم ورضوا عنه ) وقال : ( والذين اتبعوهم بإحسان ) شرط في التابعين شريطة وهي أن يتبعوهم في أفعالهم الحسنة دون السيئة .قال أبو صخر : فكأني لم أقرأ هذه الآية قط .روينا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " لا تسبوا أصحابي فوالذي نفسي بيده لو أن أحدكم أنفق مثل أحد ذهبا ما أدرك مد أحدهم ولا نصيفه " .ثم جمعهم الله عز وجل في الثواب فقال : ( رضي الله عنهم ورضوا عنه وأعد لهم جنات تجري تحتها الأنهار ) قرأ ابن كثير : ( من تحتها الأنهار ) ، وكذلك هو في مصاحف أهل مكة ، ( خالدين فيها أبدا ذلك الفوز العظيم ) .