﴿ قل نـزله روح القدس من ربك بالحق ليثبت الذين آمنوا وهدى وبشرى للمسلمين ﴾
﴿ تفسير السعدي ﴾
قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ وهو جبريل الرسول المقدس المنزه عن كل عيب وخيانة وآفة. بِالْحَقِّ أي: نزوله بالحق وهو مشتمل على الحق في أخباره وأوامره ونواهيه، فلا سبيل لأحد أن يقدح فيه قدحا صحيحا، لأنه إذا علم أنه الحق علم أن ما عارضه وناقضه باطل. لِيُثَبِّتَ الَّذِينَ آمَنُوا عند نزول آياته وتواردها عليهم وقتا بعد وقت، فلا يزال الحق يصل إلى قلوبهم شيئا فشيئا حتى يكون إيمانهم أثبت من الجبال الرواسي، وأيضا فإنهم يعلمون أنه الحق، وإذا شرع حكما [من الأحكام] ثم نسخه علموا أنه أبدله بما هو مثله أو خير منه لهم وأن نسخه هو المناسب للحكمة الربانية والمناسبة العقلية. وَهُدًى وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ أي: يهديهم إلى حقائق الأشياء ويبين لهم الحق من الباطل والهدى من الضلال، ويبشرهم أن لهم أجرا حسنا، ماكثين فيه أبدا. وأيضا فإنه كلما نزل شيئا فشيئا، كان أعظم هداية وبشارة لهم مما لو أتاهم جملة واحدة وتفرق الفكر فيه بل ينزل الله حكما وبشارة [أكثر] فإذا فهموه وعقلوه وعرفوا المراد منه وترووا منه أنزل نظيره وهكذا. ولذلك بلغ الصحابة رضي الله عنهم به مبلغا عظيما، وتغيرت أخلاقهم وطبائعهم، وانتقلوا إلى أخلاق وعوائد وأعمال فاقوا بها الأولين والآخرين.وكان أعلى وأولى لمن بعدهم أن يتربوا بعلومه ويتخلقوا بأخلاقه، ويستضيئوا بنوره في ظلمات الغي والجهالات ويجعلوه إمامهم في جميع الحالات، فبذلك تستقيم أمورهم الدينية والدنيوية.
﴿ تفسير الوسيط ﴾
ثم لقن الله- تعالى- رسوله صلى الله عليه وسلم الرد الذي يقذفه على باطلهم فيزهقه فقال:.قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ، لِيُثَبِّتَ الَّذِينَ آمَنُوا، وَهُدىً وَبُشْرى لِلْمُسْلِمِينَ وروح القدس: هو جبريل- عليه السلام-، والإضافة فيه إضافة الموصوف إلى الصفة. أى: الروح المقدس. ووصف بالقدس لطهارته وبركته. وسمى روحا لمشابهته الروح الحقيقي في أن كلا منهما مادة الحياة للبشر، فجبريل من حيث ما يحمل من الرسالة الإلهية تحيا به القلوب، والروح تحيا به الأجسام.والمعنى: قل- أيها الرسول الكريم- لهؤلاء الجاهلين، إن هذا القرآن الذي تزعمون أننى افتريته، قد نزل به الروح الأمين على قلبي من عند ربي، نزولا ملتبسا بالحق الذي لا يحوم حوله باطل، ليزيد المؤمنين ثباتا في إيمانهم، وليكون هداية وبشارة لكل من أسلم وجهه لله رب العالمين.وفي قوله مِنْ رَبِّكَ تكريم وتشريف للرسول صلى الله عليه وسلم حيث اختص- سبحانه- هذا النبي الكريم بإنزال القرآن عليه، بعد أن رباه برعايته، وتولاه بعنايته.وقوله بِالْحَقِّ في موضع الحال، أى: نزله إنزالا ملتبسا بالحكمة المقتضية له، بحيث لا يفارقها ولا تفارقه.وقوله: لِيُثَبِّتَ الَّذِينَ آمَنُوا وَهُدىً وَبُشْرى لِلْمُسْلِمِينَ بيان للوظيفة التي من أجلها نزل القرآن الكريم، وهي وظيفة تسعد المؤمنين وحدهم، أما الكافرون فهم بعيدون عنها.
﴿ تفسير البغوي ﴾
( قل نزله ) يعني القرآن ، ( روح القدس ) جبريل ، ( من ربك بالحق ) بالصدق ، ( ليثبت الذين آمنوا ) أي : ليثبت قلوب المؤمنين ليزدادوا إيمانا ويقينا ، ( وهدى وبشرى للمسلمين)