﴿ قل ادعوا الله أو ادعوا الرحمن أيا ما تدعوا فله الأسماء الحسنى ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها وابتغ بين ذلك سبيلا ﴾
﴿ تفسير السعدي ﴾
بقول تعالى لعباده: ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَنَ أي: أيهما شئتم. أَيًّا مَا تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى أي: ليس له اسم غير حسن، أي: حتى ينهى عن دعائه به، أي: اسم دعوتموه به، حصل به المقصود، والذي ينبغي أن يدعى في كل مطلوب، مما يناسب ذلك الاسم. وَلَا تَجْهَرْ بِصَلَاتِكَ أي: قراءتك وَلَا تُخَافِتْ بِهَا فإن في كل من الأمرين محذورًا. أما الجهر، فإن المشركين المكذبين به إذا سمعوه سبوه، وسبوا من جاء به.وأما المخافتة، فإنه لا يحصل المقصود لمن أراد استماعه مع الإخفاء وَابْتَغِ بَيْنَ ذَلِكَ أي: بين الجهر والإخفات سَبِيلًا أي: تتوسط فيما بينهما.
﴿ تفسير الوسيط ﴾
ذكر المفسرون في سبب نزول قوله- تعالى-: قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمنَ أَيًّا ما تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْماءُ الْحُسْنى.. ذكروا روايات منها: ما أخرجه ابن جرير وابن مردويه عن ابن عباس قال: وصلّى رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة ذات يوم فدعا الله- تعالى- فقال:يا الله، يا رحمن، فقال المشركون: انظروا إلى هذا الصابئ ينهانا أن ندعو إلهين وهو يدعو إلهين فنزلت.ومعنى: ادعوا، سموا، وأَوِ للتخيير. وأَيًّا اسم شرط جازم منصوب على المفعولية بقوله: ادْعُوا والمضاف إليه محذوف، أى: أى الاسمين. وتَدْعُوا مجزوم على أنه فعل الشرط لأيّا، وجملة فَلَهُ الْأَسْماءُ الْحُسْنى واقعة موقع جواب الشرط، وما مزيدة للتأكيد. والحسنى: مؤنث الأحسن الذي هو أفعل تفضيل.والمعنى: قل يا محمد للناس: سموا المعبود بحق بلفظ الله أو بلفظ الرحمن بأى واحد منهما سميتموه فقد أصبتم، فإنه- تعالى- له الأسماء الأحسن من كل ما سواه، وقال- سبحانه-: فَلَهُ الْأَسْماءُ الْحُسْنى للمبالغة في كمال أسمائه- تعالى- وللدلالة على أنه ما دامت أسماؤه كلها حسنة، فلفظ الله ولفظ الرحمن كذلك، كل واحد منهما حسن.وقد ذكر الجلالان عند تفسيرهما لهذه الآية، أسماء الله الحسنى، فارجع إليها إن شئت.وقوله- سبحانه-: وَلا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَلا تُخافِتْ بِها وَابْتَغِ بَيْنَ ذلِكَ سَبِيلًا تعليم من الله- تعالى- لنبيه كيفية أفضل طرق القراءة في الصلاة.فالمراد بالصلاة هنا: القراءة فيها. والجهر بها: رفع الصوت أثناءها، والمخافتة بها:خفضه بحيث لا يسمع. يقال: خفت الرجل بصوته إذا لم يرفعه، والكلام على حذف مضاف.والمعنى: ولا تجهر يا محمد في قراءتك خلال الصلاة، حتى لا يسمعها المشركون فيسبوا القرآن، ولا تخافت بها، حتى لا يسمعها من يكون خلفك، بل أسلك في ذلك طريقا وسطا بين الجهر والمخافتة.ومما يدل على أن المراد بالصلاة هنا: القراءة فيها، ما رواه الشيخان وغيرهما عن ابن عباس.قال: نزلت ورسول الله صلى الله عليه وسلم مختف بمكة، فكان إذا صلى بأصحابه رفع صوته بالقرآن، فإذا سمع ذلك المشركون، سبوا القرآن، ومن أنزله، ومن جاء به، فأمره الله بالتوسط.وقيل: المراد بالصلاة هنا: الدعاء. أى: لا ترفع صوتك وأنت تدعو الله، ولا تخافت به. وقد روى ذلك عن عائشة، فقد أخرج الشيخان عنها أنها نزلت في الدعاء.ويبدو لنا أن التوجيهات التي بالآية الكريمة تتسع للقولين، أى: أن على المسلم أن يكون متوسطا في رفع صوته بالقراءة في الصلاة، وفي رفع صوته حال دعائه.
﴿ تفسير البغوي ﴾
قوله عز وجل ( قل ادعوا الله أو ادعوا الرحمن ) قال ابن عباس : سجد رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة ذات ليلة فجعل يبكي ويقول في سجوده : يا ألله يا رحمن . فقال أبو جهل : إن محمدا ينهانا عن آلهتنا وهو يدعو إلهين! فأنزل الله تعالى هذه الآية . ومعناه : أنهما اسمان لواحد .( أيا ما تدعوا ) " ما " صلة معناه : أيا ما تدعوا من هذين الاسمين ومن جميع أسمائه ( فله الأسماء الحسنى )( ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها ) أخبرنا عبد الواحد بن أحمد المليحي أخبرنا أحمد بن عبد الله النعيمي أنبأنا محمد بن يوسف حدثنا محمد بن إسماعيل أخبرنا يعقوب بن إبراهيم حدثنا هشيم حدثنا أبو بشر عن سعيد بن جبير عن ابن عباس في قوله تعالى : ( ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها ) قال : نزلت ورسول الله صلى الله عليه وسلم مختف بمكة كان إذا صلى بأصحابه رفع صوته بالقرآن فإذا سمعه المشركون سبوا القرآن ومن أنزله ومن جاء به فقال الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم : ( ولا تجهر بصلاتك ) أي بقراءتك فيسمع المشركون فيسبوا القرآن ولا تخافت بها عن أصحابك فلا تسمعهم : ( وابتغ بين ذلك سبيلا ) .وبهذا الإسناد عن محمد بن إسماعيل قال : حدثنا مسدد عن هشيم عن أبي بشر بإسناده مثله وزاد ( وابتغ بين ذلك سبيلا ) أسمعهم ولا تجهر حتى يأخذوا عنك القرآن .وقال قوم : الآية في الدعاء وهو قول عائشة رضي الله عنها والنخعي ومجاهد ومكحول : أخبرنا عبد الواحد المليحي أخبرنا أحمد بن عبد الله النعيمي أخبرنا محمد بن يوسف حدثنا محمد بن إسماعيل حدثنا طلق بن غنام حدثنا زائدة عن هشام عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها في قوله : " ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها " قالت : أنزل ذلك في الدعاء .وقال عبد الله بن شداد : كان أعراب من بني تميم إذا سلم النبي صلى الله عليه وسلم قالوا : " اللهم ارزقنا مالا وولدا فيجهرون بذلك فأنزل الله هذه الآية : ( ولا تجهر بصلاتك ) أي : لا ترفع صوتك بقراءتك أو بدعائك ولا تخافت بها .والمخافتة : خفض الصوت والسكوت " وابتغ بين ذلك سبيلا " أي : بين الجهر والإخفاء .أخبرنا أبو عثمان سعيد بن إسماعيل الضبي أخبرنا أبو محمد عبد الجبار بن محمد الخزاعي أخبرنا أبو العباس محمد بن أحمد المحبوبي حدثنا أبو عيسى الترمذي حدثنا محمود بن غيلان حدثنا يحيى بن إسحاق حدثنا حماد بن سلمة عن ثابت عن عبد الله بن أبي رباح الأنصاري عن أبي قتادة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لأبي بكر : " مررت بك وأنت تقرأ وأنت تخفض من صوتك فقال : إني أسمعت من ناجيت فقال : ارفع قليلا وقال لعمر : مررت بك وأنت تقرأ وأنت ترفع صوتك فقال إني أوقظ الوسنان وأطرد الشيطان فقال : اخفض قليلا " .