﴿ فتعالى الله الملك الحق ولا تعجل بالقرآن من قبل أن يقضى إليك وحيه وقل رب زدني علما ﴾
﴿ تفسير السعدي ﴾
لما ذكر تعالى حكمه الجزائي في عباده، وحكمه الأمري الديني، الذي أنزله في كتابه، وكان هذا من آثار ملكه قال: فَتَعَالَى اللَّهُ أي: جل وارتفع وتقدس عن كل نقص وآفة، الْمُلْكُ الذي الملك وصفه، والخلق كلهم مماليك له، وأحكام الملك القدرية والشرعية، نافذة فيهم. الْحَقُّ أي: وجوده وملكه وكماله حق، فصفات الكمال، لا تكون حقيقة إلا لذي الجلال، ومن ذلك: الملك، فإن غيره من الخلق، وإن كان له ملك في بعض الأوقات، على بعض الأشياء، فإنه ملك قاصر باطل يزول، وأما الرب، فلا يزال ولا يزول ملكا حيا قيوما جليلا. وَلَا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضَى إِلَيْكَ وَحْيُهُ أي: لا تبادر بتلقف القرآن حين يتلوه عليك جبريل، واصبر حتى يفرغ منه، فإذا فرغ منه فاقرأه، فإن الله قد ضمن لك جمعه في صدرك وقراءتك إياه، كما قال تعالى: لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ ولما كانت عجلته صلى الله عليه وسلم، على تلقف الوحي ومبادرته إليه، تدل على محبته التامة للعلم وحرصه عليه، أمره الله تعالى أن يسأله زيادة العلم، فإن العلم خير، وكثرة الخير مطلوبة، وهي من الله، والطريق إليها الاجتهاد، والشوق للعلم، وسؤال الله، والاستعانة به، والافتقار إليه في كل وقت.ويؤخذ من هذه الآية الكريمة، الأدب في تلقي العلم، وأن المستمع للعلم ينبغي له أن يتأنى ويصبر حتى يفرغ المملي والمعلم من كلامه المتصل بعضه ببعض، فإذا فرغ منه سأل إن كان عنده سؤال، ولا يبادر بالسؤال وقطع كلام ملقي العلم، فإنه سبب للحرمان، وكذلك المسئول، ينبغي له أن يستملي سؤال السائل، ويعرف المقصود منه قبل الجواب، فإن ذلك سبب لإصابة الصواب.
﴿ تفسير الوسيط ﴾
ثم أثنى- سبحانه- على ذاته بما يستحقه من صفات كريمة فقال: فَتَعالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ.أى: فجل وعظم شأن الله- سبحانه- عن إلحاد الملحدين، وإشراك المشركين فإنه هو وحده الْمَلِكُ المتصرف في شئون خلقه، وهو وحده الإله الْحَقُّ وكل ما سواه فهو باطل.ثم أرشد الله- تعالى- نبيه صلّى الله عليه وسلّم إلى كيفية تلقى القرآن من جبريل- عليه السلام فقال: وَلا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضى إِلَيْكَ وَحْيُهُ ...أى: ولا تتعجل بقراءة القرآن من قبل أن ينتهى جبريل من إبلاغه إليك، قالوا: وكان النبي صلّى الله عليه وسلّم كلما قرأ عليه جبريل آية قرأها معه، وذلك لشدة حرصه على حفظ القرآن، ولشدة شوقه إلى سماعه، فأرشده الله- تعالى- في هذه الآية إلى كيفية تلقى القرآن عن جبريل، ونهاه عن التعجل في القراءة.وشبيه بهذه الآية قوله- تعالى-: لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ. إِنَّ عَلَيْنا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ. فَإِذا قَرَأْناهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ. ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنا بَيانَهُ.ثم أمر- سبحانه- نبيه صلّى الله عليه وسلّم: أن يسأله المزيد من العلم فقال: وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْماً.أى: وقل- أيها الرسول الكريم- مخاطبا ربك ومتوسلا إليه، يا رب زدني من علمك النافع.قال الآلوسى: واستدلوا بالآية على فضل العلم حيث أمر صلّى الله عليه وسلّم بطلب الزيادة منه، وذكر بعضهم أنه صلّى الله عليه وسلّم ما أمر بطلب الزيادة من شيء سوى العلم. وكان صلّى الله عليه وسلّم يقول: «اللهم انفعني بما علمتني، وعلمني ما ينفعني، وزدني علما» وكان يقول: «اللهم زدني إيمانا وفقها ويقينا وعلما» .ثم ساق- سبحانه- جانبا من قصة آدم- عليه السلام- فذكر لنا كيف أنه نسى عهد ربه له، فأكل من الشجرة التي نهاه الله- تعالى- عن الأكل منها، ومع ذلك فقد قبل- سبحانه- توبته، وغسل حوبته.. قال- تعالى-:
﴿ تفسير البغوي ﴾
( فتعالى الله الملك الحق ) جل الله عن إلحاد الملحدين وعما يقوله المشركون ، ( ولا تعجل بالقرآن ) أراد النبي صلى الله عليه وسلم ، كان إذا نزل عليه جبريل بالقرآن يبادر فيقرأ معه ، قبل أن يفرغ جبريل مما يريد من التلاوة ، ومخافة الانفلات والنسيان ، فنهاه الله عن ذلك وقال : ( ولا تعجل بالقرآن ) أي لا تعجل بقراءته ( من قبل أن يقضى إليك وحيه ) أي : من قبل أن يفرغ جبريل من الإبلاغ ، نظيره قوله تعالى : " لا تحرك به لسانك لتعجل به " ( سورة القيامة : 16 ) وقرأ يعقوب : " نقضي " بالنون وفتحها وكسر الضاد ، وفتح الياء : " وحيه " بالنصب .قال مجاهد وقتادة : معناه لا تقرئه أصحابك ، ولا تمله عليهم حتى يتبين لك معانيه .( وقل رب زدني علما ) يعني بالقرآن ومعانيه . وقيل : علما إلى ما علمت .وكان ابن مسعود إذا قرأ هذه الآية قال : اللهم رب زدني علما وإيمانا ويقينا .