﴿ أولئك الذين اشتروا الضلالة بالهدى والعذاب بالمغفرة فما أصبرهم على النار ﴾
﴿ تفسير السعدي ﴾
هذا وعيد شديد لمن كتم ما أنزل الله على رسله, من العلم الذي أخذ الله الميثاق على أهله, أن يبينوه للناس ولا يكتموه، فمن تعوض عنه بالحطام الدنيوي, ونبذ أمر الله, فأولئك: مَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ إِلَّا النَّارَ لأن هذا الثمن الذي اكتسبوه, إنما حصل لهم بأقبح المكاسب, وأعظم المحرمات, فكان جزاؤهم من جنس عملهم، وَلَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بل قد سخط عليهم وأعرض عنهم، فهذا أعظم عليهم من عذاب النار، وَلَا يُزَكِّيهِمْ أي: لا يطهرهم من الأخلاق الرذيلة, وليس لهم أعمال تصلح للمدح والرضا والجزاء عليها، وإنما لم يزكهم لأنهم فعلوا أسباب عدم التزكية التي أعظم أسبابها العمل بكتاب الله, والاهتداء به, والدعوة إليه، فهؤلاء نبذوا كتاب الله, وأعرضوا عنه, واختاروا الضلالة على الهدى, والعذاب على المغفرة، فهؤلاء لا يصلح لهم إلا النار, فكيف يصبرون عليها, وأنى لهم الجلد عليها؟"
﴿ تفسير الوسيط ﴾
ثم بين- سبحانه- ما هم عليه من جهل وغباء وسوء عاقبة فقال: أُولئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلالَةَ بِالْهُدى وَالْعَذابَ بِالْمَغْفِرَةِ.الاشتراء: استبدال السلعة بالثمن. والمعنى: أولئك الذين تقدم الحديث عنهم وهم الكاتمون لما أنزل الله قد بلغ بهم الغباء وانطماس البصيرة أنهم باعوا الهدى والإيمان ليأخذوا في مقابلهما الكفر والضلال، وباعوا ما يوصلهم إلى مغفرة الله ورحمته ليأخذوا في مقابل ذلك عذابه ونقمته، فما أخسرها من صفقة، وما أغبى هؤلاء الكاتمين الذين فعلوا ذلك نظير عرض من أعراض الدنيا الفانية، فخسروا بما فعلوه دنياهم وآخرتهم.وقوله- تعالى-: فَما أَصْبَرَهُمْ عَلَى النَّارِ معناه: فما أدومهم على عمل المعاصي التي تؤدى بهم إلى النار حتى لكأنهم بإصرارهم على عملها يجلبون النار إليهم جلبا. ويقصدون إليها قصدا بدون مبالاة أو تفكر.والمراد من التعجب في هذه الآية وأشباهها، الإعلام بحالهم وأنه ينبغي أن يتعجب منها كل أحد، وذلك لأن المعنى الظاهر من الجملة التعجب من صبر أولئك الكفار على النار، والتعجب انفعال- يحدث في النفس عند الشعور بأمر يجهل سببه وهو غير جائز في حقه- تعالى- لأنه لا يخفى عليه شيء، ومن هنا قال العلماء: إن فعل التعجب في كلام الله المراد منه التعجيب، أى: جعل الغير يتعجب من ذلك الفعل، وهو هنا صبرهم على النار، فيكون المقصود تعجيب المؤمنين من جراءة أولئك الكاتمين لما أنزل الله على اقترافهم ما يلقى بهم في النار، شأن الواثق من صبره على عذابها المقيم.وشبيه بهذا الأسلوب في التعجب- كما أشار صاحب الكشاف- أن تقول لمن يتعرض لما يوجب غضب السلطان: ما أصبرك على القيد والسجن فأنت لا تريد التعجب من صبره، وإنما تريد إفهامه أن التعرض لما يغضبه لا يقع إلا ممن شأنه الصبر على القيد والسجن، والمقصود بذلك تحذيره من التمادي فيما يوجب غضب ذلك السلطان.قال الجمل ما ملخصه وما في قوله فَما أَصْبَرَهُمْ- وفي مثل هذا التركيب- فيها أوجه:أحدها: وهو قول سيبويه والجمهور أنها نكرة تامة غير موصولة ولا موصوفة وأن معناها التعجب فإذا قلت. ما أحسن زيدا، فمعناه: شيء صير زيدا حسنا.والثاني: وإليه ذهب الفراء: أنها استفهامية صحبها معنى التعجب، نحو: «كيف تكفرون بالله» .والثالث: ويعزى للاخفش: أنها موصولة.والرابع ويعزى له أيضا: أنها نكرة موصوفة وهي على هذه الأقوال الأربعة في محل رفع بالابتداء وخبرها على القولين الأولين الجملة الفعلية بعدها، وعلى قولي الأخفش يكون الخبر محذوفا .
﴿ تفسير البغوي ﴾
( أولئك الذين اشتروا الضلالة بالهدى والعذاب بالمغفرة فما أصبرهم على النار ) قال عطاء والسدي : هو ما : استفهام معناه ما الذي صبرهم على النار وأي شيء يصبرهم على النار حتى تركوا الحق واتبعوا الباطل وقال الحسن وقتادة : والله ما لهم عليها من صبر ولكن ما أجرأهم على العمل الذي يقربهم إلى النار قال الكسائي : فما أصبرهم على عمل أهل النار أي ما أدومهم عليه