﴿ سابقوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها كعرض السماء والأرض أعدت للذين آمنوا بالله ورسله ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم ﴾
﴿ تفسير السعدي ﴾
ثم أمر بالمسابقة إلى مغفرة الله ورضوانه وجنته، وذلك يكون بالسعي بأسباب المغفرة، من التوبة النصوح، والاستغفار النافع، والبعد عن الذنوب ومظانها، والمسابقة إلى رضوان الله بالعمل الصالح، والحرص على ما يرضي الله على الدوام، من الإحسان في عبادة الخالق، والإحسان إلى الخلق بجميع وجوه النفع، ولهذا ذكر الله الأعمال الموجبة لذلك، فقال: وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ والإيمان بالله ورسله يدخل فيه أصول الدين وفروعها، ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ أي: هذا الذي بيناه لكم، وذكرنا لكم فيه الطرق الموصلة إلى الجنة، والطرق الموصلة إلى النار، وأن فضل الله بالثواب الجزيل والأجر العظيم من أعظم منته على عباده وفضله. وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ الذي لا يحصي ثناء عليه، بل هو كما أثنى على نفسه، وفوق ما يثني عليه عباده
﴿ تفسير الوسيط ﴾
ثم أمرهم- سبحانه- بالمسارعة الى ما يسعدهم، بعد أن بين لهم حال الحياة الدنيا فقال: سابِقُوا إِلى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُها كَعَرْضِ السَّماءِ وَالْأَرْضِ.وقوله- تعالى- سابِقُوا من المسابقة وهي محاولة أن يسبق الإنسان غيره.ومِنْ في قوله مِنْ رَبِّكُمْ ابتدائية، والجار والمجرور صفة المغفرة.أى: سارعوا- أيها المؤمنون- مسارعة السابقين لغيرهم، إلى مغفرة عظيمة كائنة من ربكم.فالتعبير بقوله: سابِقُوا لإلهاب الحماس وحض النفوس إلى الاستجابة لما أمروا به، حتى لكأنهم في حالة مسابقة يحرص كل قرين فيها إلى أن يسبق قرينه.وقوله: وَجَنَّةٍ عَرْضُها كَعَرْضِ السَّماءِ وَالْأَرْضِ ... معطوف على المغفرة. أى:سابقوا غيركم- أيها المؤمنون- إلى مغفرة عظيمة من ربكم، وإلى جنة كريمة هذه الجنة عرضها وسعتها ورحابتها.. كسعة السماء والأرض.وهذه الجنة قد أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ إيمانا حقا، جعلهم لا يقصرون في أداء واجب من الواجبات التي كلفهم- سبحانه- بها.قال الإمام الفخر الرازي ما ملخصه: في كون الجنة عرضها كعرض السماء والأرض وجوه:.منها: أن المراد لو جعلت السموات والأرضون طبقا طبقا ... لكان ذلك مثل عرض الجنة، وهذا غاية في السعة لا يعلمها إلا الله- تعالى-.ومنها: أن المقصود المبالغة في الوصف بالسعة للجنة، وذلك لأنه لا شيء عندنا أعرض منهما .وخص- سبحانه- العرض بالذكر، ليكون أبلغ في الدلالة على عظمها، واتساع طولها، لأنه إذا كان عرضها كهذا، فإن العقل يذهب كل مذهب في تصور طولها، فقد جرت العادة أن يكون الطول أكبر من العرض.قال الإمام ابن كثير: وقد روينا في مسند الإمام أحمد أن هرقل- ملك الروم- كتب إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إنك دعوتني إلى جنة عرضها السموات والأرض، فأين النار؟ فقال صلى الله عليه وسلم: «سبحان الله، فأين الليل إذا جاء النهار» .واسم الإشارة في قوله- تعالى-: ذلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ يعود إلى الذي وعد الله- تعالى- به عباده المؤمنين من المغفرة والجنة.أى: ذلك العطاء الجزيل فضل الله- تعالى- وحده وهو صاحب الفضل العظيم لا يعلم مقداره إلا هو- عز وجل-.فأنت ترى أن الله- تعالى- بعد أن بين حال الحياة الدنيا. دعا المؤمنين إلى المسابقة إلى العمل الصالح، الذي يوصلهم الى ما هو أكرم وأبقى ... وهو الجنة.وشبيه بهاتين الآيتين قوله- تعالى-: زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَواتِ مِنَ النِّساءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَناطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعامِ وَالْحَرْثِ ذلِكَ مَتاعُ الْحَياةِ الدُّنْيا وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ. قُلْ أَأُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرٍ مِنْ ذلِكُمْ ... .ثم بين- سبحانه- أن كل شيء في هذه الحياة، خاضع لقضاء الله- تعالى- وقدره، وأن على المؤمن الصادق أن يكون شاكرا عند الرخاء، صابرا عند البلاء ... فقال- تعالى-:
﴿ تفسير البغوي ﴾
( سابقوا ) سارعوا ( إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها كعرض السماء والأرض ) لو وصل بعضها ببعض ( أعدت للذين آمنوا بالله ورسله ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم ) فبين أن أحدا لا يدخل الجنة إلا بفضل الله .