فلما بين الآيات ونبه عليها تنبيهًا، ينتبه به الذكي اللبيب، أقسم تعالى على أن وعده وجزاءه حق، وشبه ذلك، بأظهر الأشياء [لنا] وهو النطق، فقال: فَوَرَبِّ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِثْلَ مَا أَنَّكُمْ تَنْطِقُونَ فكما لا تشكون في نطقكم، فكذلك لا ينبغي الشك في البعث بعد الموت
﴿ تفسير الوسيط ﴾
ثم ختم- سبحانه- هذه الآيات بهذا القسم فقال: فَوَ رَبِّ السَّماءِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِثْلَ ما أَنَّكُمْ تَنْطِقُونَ.والضمير في قوله إِنَّهُ يعود إلى ما سبق الإخبار عنه من أمر البعث والحساب والجزاء والرزق.. وغير ذلك مما يدل على صدق الرسول صلى الله عليه وسلم فيما أخبر به عن ربه.ولفظ «مثل» منصوب بنزع الخافض، و «ما» مزيدة للتأكيد أى: فوحق رب السماء والأرض، إن جميع ما ذكرناه لكم في هذه السورة، أو في هذا القرآن، حق ثابت لا مرية فيه، كمثل نطقكم الذي تنطقونه بألسنتكم دون أن تشكوا في كونه قد صدر عنكم لا عن غيركم.فالمقصود بالآية الكريمة، تأكيد صدق ما أخبر به الله- تعالى- عباده في هذه السورة وغيرها، لأن نطقهم بألسنتهم حقيقة لا يجادل فيها مجادل، وكذلك ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم من عند ربه، وما تلاه عليهم في هذه السورة وغيرها، حق ثابت لا ريب فيه.وهكذا نرى هذه الآيات قد بشرت المتقين بألوان من البشارات، ثم لفتت عقول الناس إلى ما في الأرض وإلى ما في أنفسهم وإلى ما في السماء من عظات وعبر.ثم انتقلت السورة الكريمة إلى الحديث عن قصص بعض الأنبياء السابقين فبدأت بجانب من قصة إبراهيم- عليه السلام- مع الملائكة الذين جاءوا لبشارته بابنه إسحاق، فقال- تعالى:
﴿ تفسير البغوي ﴾
( فورب السماء والأرض إنه لحق ) أي : ما ذكرت من أمر الرزق لحق ( مثل ) قرأ حمزة والكسائي وأبو بكر عن عاصم : " مثل " برفع اللام بدلا من " الحق " ، وقرأ الآخرون بالنصب أي كمثل ( ما أنكم تنطقون ) فتقولون : لا إله إلا الله . وقيل : شبه تحقيق ما أخبر عنه بتحقيق نطق الآدمي ، كما تقول : إنه لحق كما أنت ها هنا ، وإنه لحق كما أنك تتكلم ، والمعنى : إنه في صدقه ووجوده كالذي تعرفه ضرورة . قال بعض الحكماء : يعني : كما أن كل إنسان ينطق بلسان نفسه لا يمكنه أن ينطق بلسان غيره فكذلك كل إنسان يأكل رزق نفسه الذي قسم له ، ولا يقدر أن يأكل رزق غيره .