﴿ الذين تتوفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم فألقوا السلم ما كنا نعمل من سوء بلى إن الله عليم بما كنتم تعملون ﴾
﴿ تفسير السعدي ﴾
الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ ْ أي: تتوفاهم في هذه الحال التي كثر فيها ظلمهم وغيهم وقد علم ما يلقى الظلمة في ذلك المقام من أنواع العذاب والخزي والإهانة. فَأَلْقَوُا السَّلَمَ ْ أي: استسلموا وأنكروا ما كانوا يعبدونهم من دون الله وقالوا: مَا كُنَّا نَعْمَلُ مِنْ سُوءٍ ْ فيقال لهم: بَلَى ْ كنتم تعملون السوء ف إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ْ فلا يفيدكم الجحود شيئا، وهذا في بعض مواقف القيامة ينكرون ما كانوا عليه في الدنيا ظنا أنه ينفعهم، فإذا شهدت عليهم جوارحهم وتبين ما كانوا عليه أقروا واعترفوا، ولهذا لا يدخلون النار حتى يعترفوا بذنوبهم.
﴿ تفسير الوسيط ﴾
ثم صور- سبحانه- أحوال هؤلاء الكافرين ساعة انتزاع أرواحهم من أجسادهم وساعة وقوفهم للحساب، فقال- تعالى-: الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظالِمِي أَنْفُسِهِمْ، فَأَلْقَوُا السَّلَمَ ما كُنَّا نَعْمَلُ مِنْ سُوءٍ.......قال الآلوسى: وفي الموصول أوجه الإعراب الثلاثة: الجر على أنه صفة للكافرين،أو بدل منه، أو بيان له، والنصب والرفع على القطع للذم. وجوز بعضهم كونه مرتفعا بالابتداء، وجملة «فألقوا» خبره..».والمراد بالملائكة: عزرائيل ومن معه من الملائكة.والمراد بظلمهم لأنفسهم: إشراكهم مع الله- تعالى- آلهة أخرى في العبادة.أى: إن أشد أنواع الخزي والعذاب يوم القيامة على الكافرين، الذين تنتزع الملائكة أرواحهم من أجسادهم وهم ما زالوا باقين على الكفر والشرك دون أن يتوبوا منهما، أو يقلعوا عنهما. وقوله: «ظالمي أنفسهم» حال من مفعول تتوفاهم.وفي وصف هؤلاء الكافرين بكونهم «ظالمي أنفسهم» إشعار إلى أن الملائكة تنتزع أرواحهم من جنوبهم بغلظة وقسوة، ويشهد لذلك قوله- تعالى-: وَلَوْ تَرى إِذْ يَتَوَفَّى الَّذِينَ كَفَرُوا الْمَلائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبارَهُمْ ... .وقوله «فألقوا السلم» بيان لما صار إليه هؤلاء المستكبرون من ذل وخضوع في الآخرة، بعد أن كانوا مغترين متجبرين في الدنيا.وأصل الإلقاء يكون في الأجسام والمحسات فاستعير هنا لإظهار كمال الخضوع والطاعة، حيث شبهوا بمن ألقى سلاحه أمام الأقوى منه، بدون أية مقاومة أو حركة.والمراد بالسلم: الاستسلام والاستكانة. أى: أنهم عند ما عاينوا الموت، وتجلت لهم الحقائق يوم القيامة، خضعوا واستكانوا واستسلموا وانقادوا، وقالوا: ما كنا في الدنيا نعمل عملا سيئا، توهما منهم أن هذا القول ينفعهم.وقد حكى الله- تعالى- عنهم في آيات أخرى ما يشبه هذا القول، ومن ذلك قوله- تعالى-: ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُمْ إِلَّا أَنْ قالُوا وَاللَّهِ رَبِّنا ما كُنَّا مُشْرِكِينَ.وقوله- سبحانه- بَلى إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ تكذيب لهم في دعواهم أنهم ما كانوا يعملون السوء لأن لفظ «بلى» لإبطال ما نفوه.أى: بلى كنتم تعملون السوء، لأن الله- تعالى- لا تخفى عليه خافية من أعمالكم،وسيجازيكم عنها بما تستحقون وهذا التكذيب لهم قد يكون من الملائكة بأمر الله- تعالى- وقد يكون من قبله- سبحانه-.
﴿ تفسير البغوي ﴾
( الذين تتوفاهم الملائكة ) يقبض أرواحهم ملك الموت وأعوانه ، قرأ حمزة " يتوفاهم " بالياء وكذا ما بعده ، ( ظالمي أنفسهم ) بالكفر ، ونصب على الحال أي : في حال كفرهم ، ( فألقوا السلم ) أي استسلموا وانقادوا وقالوا : ( ما كنا نعمل من سوء ) شرك ، فقال لهم الملائكة : ( بلى إن الله عليم بما كنتم تعملون ) قال عكرمة : عنى بذلك من قتل من الكفار ببدر .