وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ أي: إذا أعطوا الناس حقهم، الذي للناس عليهم بكيل أو وزن، يُخْسِرُونَ أي: ينقصونهم ذلك، إما بمكيال وميزان ناقصين، أو بعدم ملء المكيال والميزان، أو نحو ذلك. فهذا سرقة [لأموال] الناس ، وعدم إنصاف [لهم] منهم.وإذا كان هذا الوعيد على الذين يبخسون الناس بالمكيال والميزان، فالذي يأخذ أموالهم قهرًا أو سرقة، أولى بهذا الوعيد من المطففين.ودلت الآية الكريمة، على أن الإنسان كما يأخذ من الناس الذي له، يجب عليه أن يعطيهم كل ما لهم من الأموال والمعاملات، بل يدخل في [عموم هذا] الحجج والمقالات، فإنه كما أن المتناظرين قد جرت العادة أن كل واحد [منهما] يحرص على ماله من الحجج، فيجب عليه أيضًا أن يبين ما لخصمه من الحجج [التي لا يعلمها]، وأن ينظر في أدلة خصمه كما ينظر في أدلته هو، وفي هذا الموضع يعرف إنصاف الإنسان من تعصبه واعتسافه، وتواضعه من كبره، وعقله من سفهه، نسأل الله التوفيق لكل خير.
﴿ تفسير الوسيط ﴾
ومعنى: كالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ: كالوهم أو وزنوا لهم، فحذفت اللام، فتعدى الفعل إلى المفعول، فهو من باب الحذف والإيصال.فالواوان في «كالوهم أو وزنوهم» يعودان إلى الاسم الموصول في قوله: الَّذِينَ إِذَا اكْتالُوا. والضميران المنفصلان «هم» ، يعودان إلى الناس.قال صاحب الكشاف: والضمير في «كالوهم أو وزنوهم» ضمير منصوب راجع إلى الناس. وفيه وجهان: أن يراد: كالوا لهم، أو وزنوا لهم فحذف الجار، وأوصل الفعل، كما في قول الشاعر:ولقد جنيتك أكمؤا وعساقلا ... ولقد نهيتك عن بنات الأوبربمعنى جنيت لك. وأن يكون على حذف مضاف، وإقامة المضاف إليه مقامه، والمضاف هو المكيل أو الموزون ... .والمعنى: هلاك شديد، وعذاب أليم، للمطففين، وهم الذين يبخسون حقوق الناس في حالتي الكيل والوزن وما يشبههما، ومن مظاهر ذلك أنهم إذا اشتروا من الناس شيئا حرصوا على أن يأخذوا حقوقهم منهم كاملة غير منقوصة، وإذا باعوا لهم شيئا، عن طريق الكيل أو الوزن أو ما يشبههما يُخْسِرُونَ أى: ينقصون في الكيل أو الوزن.يقال: خسر فلان الميزان وأخسره، إذا نقصه، ولم يتمه كما يقتضيه العدل والقسط.وافتتحت السورة الكريمة بلفظ «الويل» للإشعار بالتهديد الشديد، والوعيد الأليم لمن يفعل ذلك. وقوله وَيْلٌ مبتدأ، وهو نكرة، وسوغ الابتداء به كونه دعاء. وخبره «للمطففين» .وقال- سبحانه- إِذَا اكْتالُوا عَلَى النَّاسِ ولم يقل: من الناس. للإشارة إلى ما في عملهم المنكر من الاستيلاء والقهر والظلم.وإلى هذا المعنى أشار صاحب الكشاف بقوله: لما كان اكتيالهم من الناس اكتيالا يضرهم، ويتحامل فيه عليهم، أبدل «على» مكان «من» للدلالة على ذلك.ويجوز أن يتعلق «على» بيستوفون، ويقدم المفعول على الفعل لإفادة الخصوصية. أى:يستوفون على الناس خاصة، فأما أنفسهم فيستوفون لها.وقال الفراء: «من» و «على» يعتقبان في هذا الموضوع، لأنه حق عليه، فإذا قال:اكتلت عليك، فكأنه قال: أخذت ما عليك. وإذا قال: اكتلت منك، فكقوله: استوفيت منك ... .والتعبير بقوله: يَسْتَوْفُونَ ويُخْسِرُونَ يدل على حرصهم الشديد فيما يتعلق بحقوقهم. وإهمالهم الشنيع لحقوق غيرهم، إذ استيفاء الشيء، أخذه وافيا تاما، فالسين والتاء فيه للمبالغة.وأما يُخْسِرُونَ فمعناه إيقاع الخسارة على الغير في حالتي الكيل والوزن وما يشبههما.
﴿ تفسير البغوي ﴾
( وإذا كالوهم أو وزنوهم يخسرون ) أي كالوا لهم أو وزنوا لهم أي للناس يقال : وزنتك حقك وكلتك طعامك أي وزنت لك وكلت لك كما يقال : نصحتك ونصحت لك وكسبتك وكسبت لك .قال أبو عبيدة : وكان عيسى بن عمر يجعلهما حرفين يقف على " كالوا ووزنوا " ويبتدئ " هم يخسرون " وقال أبو عبيدة : والاختيار الأول يعني : أن كل واحدة كلمة واحدة لأنهم كتبوها بغير ألف ولو كانتا مقطوعتين لكانت : " كالوا [ و ] وزنوا " بالألف كسائر الأفعال مثل جاءوا وقالوا : واتفقت المصاحف على إسقاط الألف ولأنه يقال في اللغة : كلتك ووزنتك كما يقال : كلت لك ووزنت لك . " يخسرون " أي ينقصون قال نافع : كان ابن عمر يمر بالبائع فيقول : اتق الله وأوف الكيل والوزن فإن المطففين يوقفون يوم القيامة حتى إن العرق ليلجمهم إلى أنصاف آذانهم .