﴿ ياقومنا أجيبوا داعي الله وآمنوا به يغفر لكم من ذنوبكم ويجركم من عذاب أليم ﴾
﴿ تفسير السعدي ﴾
فلما مدحوا القرآن وبينوا محله ومرتبته دعوهم إلى الإيمان به، فقالوا: يَا قَوْمَنَا أَجِيبُوا دَاعِيَ اللَّهِ أي: الذي لا يدعو إلا إلى ربه لا يدعوكم إلى غرض من أغراضه ولا هوى وإنما يدعوكم إلى ربكم ليثيبكم ويزيل عنكم كل شر ومكروه، ولهذا قالوا: يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُجِرْكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ وإذا أجارهم من العذاب الأليم فما ثم بعد ذلك إلا النعيم فهذا جزاء من أجاب داعي الله.
﴿ تفسير الوسيط ﴾
ثم حكى- سبحانه- بعد ذلك ما يدل على إيمانهم بما سمعوه فقال: يا قَوْمَنا أَجِيبُوا داعِيَ اللَّهِ....أى: وقالوا لقومهم- أيضا-: يا قومنا أجيبوا داعي الله الذي دعاكم الى الحق وإلى طريق مستقيم. وَآمِنُوا بِهِ أى: وآمنوا بهذا الرسول الكريم وبما جاء من عند ربه.يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ أى: أجيبوا داعي الله وآمنوا به، يغفر لكم ربكم من ذنوبكم التي وقعتم فيها، ويبعدكم بفضله ورحمته من عذاب أليم.والتعبير بقوله: مِنْ ذُنُوبِكُمْ يدل على حسن أدبهم، وعلى أنهم يفوضون المغفرة إلى ربهم، فهو- سبحانه- إن شاء غفرها جميعا، وإن شاء غفر بعضها.
﴿ تفسير البغوي ﴾
( يا قومنا أجيبوا داعي الله ) يعني محمدا - صلى الله عليه وسلم - ( وآمنوا به يغفر لكم من ذنوبكم ) " من " صلة ، أي ذنوبكم ( ويجركم من عذاب أليم ) قال ابن عباس - رضي الله عنهما - : فاستجاب لهم من قومهم نحو من سبعين رجلا من الجن ، فرجعوا إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فوافقوه في البطحاء ، فقرأ عليهم القرآن وأمرهم ونهاهم ، وفيه دليل على أنه - صلى الله عليه وسلم - كان مبعوثا إلى الجن والإنس جميعا .قال مقاتل : لم يبعث قبله نبي إلى الإنس والجن جميعا .واختلف العلماء في حكم مؤمني الجن فقال قوم : ليس لهم ثواب إلا نجاتهم من النار ، وتأولوا قوله : " يغفر لكم من ذنوبكم ويجركم من عذاب أليم " ، وإليه ذهب أبو حنيفة رضي الله تعالى عنه .وحكى سفيان عن ليث قال : الجن ثوابهم أن يجاروا من النار ، ثم يقال لهم : كونوا ترابا ، وهذا مثل البهائم .وعن أبي الزناد قال : إذا قضي بين الناس قيل لمؤمني الجن : عودوا ترابا ، فيعودون ترابا ، فعند ذلك يقول الكافر : " يا ليتني كنت ترابا " ( النبأ - 40 ) .وقال الآخرون : يكون لهم الثواب في الإحسان كما يكون عليهم العقاب في الإساءة كالإنس ، وإليه ذهب مالك وابن أبي ليلى .وقال جرير عن الضحاك : الجن يدخلون الجنة ويأكلون ويشربون .وذكر النقاش في " تفسيره " حديث أنهم يدخلون الجنة . فقيل : هل يصيبون من نعيمها ؟ قال : يلهمهم الله تسبيحه وذكره ، فيصيبون من لذته ما يصيبه بنو آدم من نعيم الجنة . وقال أرطاة بن المنذر : سألت ضمرة بن حبيب : هل للجن ثواب ؟ قال : نعم ، وقرأ : " لم يطمثهن إنس قبلهم ولا جان " ( الرحمن - 74 ) ، قال : فالإنسيات للإنس والجنيات للجن .وقال عمر بن عبد العزيز : إن مؤمني الجن حول الجنة ، في ربض ورحاب ، وليسوا فيها .